فيس بوك
المجلس الأعلى للتكتل الوطني يناقش أبرز القضايا الوطنية والسياسية
رئيس إصلاح المهرة يشيد بالحملة الأمنية لمكافحة المخدرات ويدعو لدعمها
مصدر في إعلامية الإصلاح: الأكاذيب الموجهة ضد الأمين العام تعبير عن الإفلاس والمكنونات المريضة
أمين عام الإصلاح يعزي في وفاة الشيخ أحمد الحاوري ويشيد بأدواره التعليمية والمجتمعية
اليدومي: رغم مأساة اليمنيين إلا أن الأيام القادمة مُسَرَّجَة بالفرج
أمين تنفيذي الإصلاح بحجة يثمن دور الفريق الإعلامي بالمحافظة في مساندة المعركة الوطنية
قيادة الإصلاح بالمهرة تزور رئيس فرع المؤتمر وتؤكد على تعزيز علاقات المكونات السياسية
أنا أحد المبهورين بشخصية عبد القادر سعيد، تتبعت سيرته فوجدت أنه يمثلني تماماً، كما يمثلني عبد محمد المخلافي الزعيمان الشابان اللذان رحلا في العقد الثالث من عمرهما، ركزت كثيراً على العلاقة التي كانت تربط بين الرجلين سعيد والمخلافي سواء في القاهرة أو تعز لأنني لم أستصغ تاريخ التنافر بين التيار اليساري والإسلامي بتلك الطريقة المهلكة وهم في وطن واحد والتي استثمرت بخبث لصالح الاستبداد والخراب، ووجدت أن الرجلين كانا صديقين حميمين رغم الاختلاف الأيديولوجي؛ لأن النضج عندهما كان أكبر من الأيديولوجية، وخاضا حواراً طويلاً ومستمراً من أجل توحيد الجبهة الداخلية في أوج تناقضاتها، وكان سعيد مثل المخلافي يرى أن هذا التناقض حد العداء يضر بالوطن وغير مبرر. لم أقل هذا بفعل العاطفة وإنما بالاستقصاء عن حالة تاريخية وزعامات من النوع التي تحرق المراحل ويجهلها الكثير.
استمعت لشهادات اشتراكية وإسلامية قريبة من الرجلين ووجدت إجماعاً بأنهما كانا متميزين، واستثناءً متقدما لو أتيحت لهما الفرصة لكانا استطاعا عمل نقلة نوعية للعمل السياسي اليمني من وقت مبكر.
استمعت كثيرا للأستاذ الفاضل صاحب الروح الشفافة محمد عبدالدائم السادة، القيادي في الحزب الاشتراكي وصديق عبدالقادر سعيد والمخلافي معا، كما استمعت للمناضل أحمد الحربي القيادي الاشتراكي المعروف وآخرين، وأكدوا لي أن عبد القادر سعيد كان مع المخلافي ومعهم آخرون في الحركة السياسية قد حاولوا بناء كتلة وطنية واحدة وعملا مشتركا. وبحسب (السادة) فقد بدؤوا فعلا بوضع القواعد الأساسية للجبهة الوطنية التي تضم الفاعلين في الساحة من يساريين وقوميين وإسلاميين. قال لي أحمد الحربي في ذاك الوقت كان الجو مشحوناً بين الأحزاب وخاصة بين اليسار والإسلاميين الذي كان المخلافي زعيمهم الأول، والذي شنت عليه شائعات رهيبة بحجم شخصيته.
رأيت عبد القادر سعيد -والكلام للحربي- يلتقي لقاءات مطولة مع المخلافي فاستنكرت ذلك، وفي إحدى المرات قلت له كيف تلتقي مع هذا الرمز الرجعي؟! إلتفت إلي مبتسما وقال: "عبد محمد شخصية وطنية مخلصة ومقتدرة، والوطن يحتاج لأمثاله"،
وكادا أن ينجزا فعلا وثيقة اتفاق بين القوى الوطنية للعمل المشترك لولا غيابهما المبكر عن الساحة.
كان عبد القادر سعيد مهندس توافقات، والزعيم القوي هو من ينجح في صناعة التوافقات لا الكراهية وزراعة المفخخات بين الناس بحسب (السادة) الذي كثيراً ما كانت دموعه الغزيرة تسبق تعابيره و هو يتحدث عن تجربة عبد القادر سعيد والمخلافي وشخصيتهما الساحرة النادرة.
لقد كان عبد القادر سعيد مشروعا وطنيا ينظر إلى جواهر الأمور ويتحرك بروح الوطن مشروع سلام يعتمد على قوة الوعي ووحدة الناس لم يكن طرفا في صراعات الرفاق ووقف ضد العمل المسلح اتهم بالرجعية من كثير من رفاقه وضاع صوته ببن زحمة الشعارات حتى جاء يوما ليقول عنه جار الله عمر: "كان عبد القادر سعيد أكثر منا نضجاً وتطوراً".
ذكر لي الأستاذ (السادة) قائلا: "أنا عرفت قادة كباراً من كل التيارات، لكن اليمن خسرت خمس شخصيات بحجم جبال اليمن ولم أر مثلهم. كانوا يمثلوا فريقا متناغما يعلو عندهم الشأن الوطني على الحزبي رغم اختلاف ألوانهم السياسية وكان بإمكانهم تغيير المسار الخطأ لو كتب لهم البقاء مجتمعين لكنهم غابوا سريعا أو غيبوا"!
وبحسب (السادة) فالخمسة هم عبد القادر سعيد، وعبده محمد المخلافي، وعبد السلام مقبل، وعبد الحافظ نعمان، إن لم تخني الذاكرة بالأخير، والخامس نسيته –للأسف- وعازم على استنطاق الأستاذ (السادة) عافاه الله ليذكرني باسم الخامس إن كتب لنا لقاء.
لقد غاب هؤلاء عند الفجر وقبل أن تبدأ عجلة الضحى بالدوران فكسفت شمس الوطن ضحى، وحضر متطرفو كل الأطراف وشاحنو الكراهية وحاملو الخواء الفكري لندفع الثمن ضياعا لحياة أجيال ودولة كان المفترض أن تكون اليوم غير ما نحن فيه من سواد.
لقد أبهرتني روح عبد القادر سعيد وأنا أكتب عنه وعن تجربته منذ أكثر من عشر سنوات، ولا تمر ذكرى وفاته السنوية إلا وعمودي (شوارد الجمهورية) على صفحتها الأخيرة يتزين بسرد مشع عن هذه القامة، حتى ظن البعض - من فرط الجهل والتعصب الحزبي- بأني اشتراكي، مع أنني كتبت عن عمر طرموم، وبا ذيب وعبدالسلام مقبل، وعيسى محمد سيف، والمخلافي، فقد وجدت في سيرتهم روحاً وطنية بحجم الوطن وبسعة أحلام الناس دون أن يعني اختلاف ألوانهم شيء سوى لوحة جميلة متعددة الفوائد وذلك بتفردهم في سعة الأفق وتجاوزهم للعصبية الحزبية وتعاملهم مع الأحزاب كمنصات وطنية كلها طرق تؤدي إلى هدف واحد.
ما لم يدركه الكثير أن هناك قادة في ستينيات القرن الماضي وفي قمة العمى الحزبي حاولوا تأسيس مدماك العمل المشترك، غاب هؤلاء و بذرتهم لم تمت، وواجبنا إكمال مسيرتهم لا ردمها بحمق وغباء.
غاب عبد القادر والمخلافي ورفاقهما من جماعة النور، وبعد زمن طويل من البعد عن الصواب تأسس العمل المشترك الذي كانا ينادي به عبد القادر ورفاقه كحاجة وطنية ملحة، وفي باكورة هذا الفعل وفي عمقه دفعنا الثمن دماءً زاهية مثل دم القائد الوطني جار الله عمر، ومحنة القائد (محمد قحطان)، ولا نريد أن تحرق التجارب الغالية الممهورة بدماء وحياة عمالقة اليمن وتذبح بسكين جهلنا ونزقنا المسحوب من زمن الستينيات والجهل والعصبية المدمرة.
وإذا عجزنا عن رفع البناء فعلى الأقل نحافظ عليه كإرث وطني غال وحاجة مستقبلية للأجيال.
واجبنا أن نخرج من عاصفة الريح الحمراء، ودوامة التعصبات لمشاريع صغيرة.
المشاريع الحزبية إن لم تصب في واحة واحدة هي واحة الوطن تتحول إلى عواصف دمار وأدوات خراب من الأفضل إلغاؤها وحلها، والتجربة البشرية تقول لنا إن الحزبية هي الرافعة الضرورية للدولة المدنية و للحكم الديمقراطي الرشيد ولا شيء أسوأ من غياب الحزبية التعددية الراشدة سوى وجودها على شكل أحزاب عربية عمياء وجاهلة تتمنطق بالوعي الزائف تثير الدخان الأسود في وجه الوطن، وتحمل العصبية العربية ولسان حالها ترفع شعار:
ونحن أناس لا توسط بيننا
لنا الصدر دون العالمين أو القبر
فلم يكن سوى القبر للجميع كنتيجة طبيعية لمسار الحفر والتخندقات الرعناء.