الأحد 13-10-2024 12:51:38 م : 10 - ربيع الثاني - 1446 هـ
آخر الاخبار

التجمع اليمني للإصلاح.. وعي سنني ورشد سياسي (الحلقة الثالثة) ميلاد التجمع اليمني للإصلاح

الخميس 21 سبتمبر-أيلول 2023 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت-خاص | عبد العزيز العسالي

 

اقترن إعلان عودة الوحدة اليمنية المباركة بإعلان التعددية السياسية، وقد اعتبر بعض المثقفين، كالبردوني وغيره، أن ذلك تسرعا، مؤكدين أن الموروث الثقافي هو المشكلة الأكثر تعقيدا وقد تؤثر سلبا على التعددية السياسية، لأن الذهنية المجتمعية في الشطرين، حكومة وشعبا، مشحونة بثقافة تجريم الحزبية دستورا وقانونا قرابة ثلاثة عقود حتى لحظة رفع علم الوحدة صبيحة 22 مايو 1990م.

إذن، فالارتباك لم ولن يفارق الذهنية الثقافية الشعبية حتى تجد إجابة مقنعة تترجم سر التحول من النقيض إلى النقيض في غضون ثلاث دقائق. ومن جهة أخرى، من هو الذي يمتلك العلم أو الثقافة المتجددة المقنعة؟ وما القول إزاء ثقافة تجريم التعددية السياسية طيلة ثلاثة عقود؟

باختصار، تلك مقاربة في غاية الإيجاز لتقديم دلالات تترجم الوعي السنني والرشد السياسي الذي تجلى لدى التجمع اليمني للإصلاح بعد الإعلان عن قيام الحزب في 13 سبتمبر 1990م.

- ميلاد الحزب

تم الإعلان عن ميلاد التجمع اليمني للإصلاح بعد إعلان الوحدة بثلاثة أشهر و21 يوما، ولا ريب أن التأجيل الآنف له دلالات أبرزها:

• القراءة السننية للذهنية الثقافية الشعبية باستيعاب.

• اتخاذ الوسائل السننية الاجتماعية والثقافية المكافئة للمستجدات.

• تحديد أهداف وأولويات المرحلة وفي مقدمتها ضبط منظومة المفاهيم الفكرية والثقافية المنضوية في إطار التعددية السياسية.

• التمسك بأسلوب الحكمة والموعظة في إيضاح مفهوم الحزبية عموما، والجماعات الإسلامية خصوصا.

- وسائل التأثير

وإعمالا للمفهوم الفكري والثقافي والاجتماعي القائل "لكل أمة ثقافتها"، نجد أن الوعي السنني لحزب الإصلاح قد تجلى في ثلاث سنن ذات تأثير وفاعلية حاكمة للاجتماع، تتمثل السنة الأولى في الانطلاق من ثقافة المجتمع عقيدة وهوية وتاريخا، وتتمثل السنة الثانية في استيعاب أكبر عدد من علماء الدين، بينما السنة الثالثة تتمثل في الوجاهات الاجتماعية.

لقد تضافرت هذه المنظومة في إرساء وترسيخ الطمأنينة لدى المجتمع دينيا، وثقافيا، وسياسيا، واجتماعيا... إلخ، ذلك أن دور علماء الدين اتجه إلى ضبط المفاهيم وإيضاحها للشعب، وفي مقدمتها مفهوم الحزبية بأنها وسيلة أشبه بالإناء يمكن استخدامه في الخير كما قد يستخدم في الشر، وهذا يعني ببساطة: بما أن الشعب اليمني يعيش مرحلة قانونية حددت شروطا للعمل السياسي يجب الالتزام بها، فإن قيام حزب الإصلاح هو وسيلة لخدمة غاية دينية عظمى هي عقيدة وثقافة وهوية الأمة اليمنية، انطلاقا من القاعدة المقاصدية الأصولية الفقهية الكبرى، المجمع عليها، والتي نصت أن "الأمور بمقاصدها"، وأيضا القاعدة المتفرعة عنها والمتفق عليها وهي "العبرة بالمقصود والمعاني لا بالألفاظ والمباني".

فهذا الضبط لمفهوم الحزبية عندما يصدر من شخصية فقهية لها وزنها الشرعي في نظر المجتمع فلا شك أن له فاعلية سننية دينيا في الوسط الاجتماعي، وقد يكون الأثر بطيء أحيانا لكنه أكيد المفعول.

نأتي إلى ضبط مفهوم الديمقراطية..
الجدير ذكره أن هذا المفهوم كان أكثر لبسا، فقد أثار مخاوف مختلفة، وهنا انطلق ضبط المفهوم من القاعدتين الآنفتي الذكر من جهة، ومن جهة ثانية انطلق من المفهوم الشائع ثقافيا والذي يقول: إذا كانت الديمقراطية تعني الاختيار الشعبي للحاكم بشفافية، وتعني مراقبة الشعب للحاكم، وتعني الاعتراض على تصرفات الحاكم المخالفة للدستور، وتعني أن الشعب يسحب الثقة من الحاكم، وتعني محاكمة الحاكم أمام القضاء الشرعي، فهذا يعني أن الديمقراطية هي آلية، أي وسيلة إجرائية إدارية يتم من خلالها حماية حقوق المجتمع.

الجدير ذكره أن ضبط منظومة المفاهيم الصادر عن شخصية عالم معتبر لهو أعظم عوامل الطمأنينة لدى الوجاهات الاجتماعية وخصوصا مناطق شمال الشمال ذات الثقافة الأبوية، حسب علم الاجتماع.

- دائرة التأثير قبل دائرة الاهتمام

الثقافة العملية (العمل الحزبي المنظم الملتزم دينا وخلقا وقانونا) هذه الممارسة تصدرت أولويات المرحلة - معارضة سلمية مطالبة بتعديل بعض مواد الدستور وفي مقدمتها المادة الثالثة والتي نصت أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للقوانين، حيث طالب حزب الإصلاح بتعديلها إلى "الشريعة الاسلامية مصدر جميع القوانين".

وقد اتجهت المطالبة بالتعديل عبر وسائل الإعلام، غير أن السلطة يومها لم تتجاوب، وهنا شهدت العاصمة صنعاء أعظم مسيرة سلمية في غاية التنظيم، لم تسقط فيها ورقة من شجرة.

ولأن السلطة لم تستجب فقد دعا حزب الإصلاح أعضاءه وأنصاره إلى مقاطعة الاستفتاء على الدستور ترسيخا للسلمية والاعتراض في آن، وهنا كان حزب الإصلاح قد نفذ دورة ثقافية عملية لأعضائه مثبتا للمجتمع وللسلطة وعيا عاليا للمفهوم الحزبي نظرية وسلوكا، كما رسخ ثقافة أولوية دائرة التأثير قبل دائرة الاهتمام لدى أعضائه وأنصاره والمجتمع، والمتمثلة في الدستور وأهمية الوعي بالدستور وأبعاده سياسيا وثقافيا واجتماعيا... إلخ.

وبعد أشهر قليلة من قضية الاستفتاء على الدستور، تم طرح قانون التعليم أمام مجلس النواب، وحسب متخصصين درسوا قانون التعليم يومها فوجدوا أن القانون قد أكل عليه الزمان وشرب، حيث يعود تاريخه إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية، وأثبتت الدراسة التقييمية المتخصصة بالأدلة الحرفية والرقم والصفحة، ولم يكتفوا بذلك بل أثبتوا من خلال القوانين أن دولا عدة قد تركت ذلك القانون، فوقف حزب الإصلاح مطالبا بقانون تعليم ينطلق من الأصالة المتمثلة في فلسفة الاجتماع عقيدة وهوية وتاريخا، وزمن أفق المعاصرة وفقا لآخر ما توصلت التكنولوجيا.

لم بكتف حزب الإصلاح بهذا الطلب المجمل، وإنما قدم رؤية معالم لقانون التعليم المقترح تتمثل في:

أولاً، موجهات عامة لفلسفة التربية، وتلك الرؤية منبثقة عن حلقات نقاشية حضرها كبار المثقفين العرب من كافة الأطياف، نفذها مركز دراسات الوحدة العربية عام 1984م.

ثانيا، مبادرات مكتوبة عبر وسائل الإعلام التابعة للحزب يومها، وهي مبادرات صادرة عن تربويين متخصصين استندت إلى مراجع أجنبية متخصصة في فلسفة اجتماع التربية.

الجدير ذكره أن الموقف الآنف قام به حزب الإصلاح وحزب البعث بعد اتفاقية تنسيق بين الحزبين، وللعلم أن ذلك الاتفاق قد لاقى لغطا وضجيجا لأجل الضجيج لا غير، وبعد حوارات مع أولئك تجلى الموقف عن غيبوبة دينية وثقافية مكتفية بترديد "لا للعلمانية".

بالمقابل كان أعضاء حزب الإصلاح وأنصاره والوسط الشعبي يتفاعلون مع تلك المواقف أشبه برواد دورات تربوية عملية تبني شخصية الأمة وعيا وبصيرةً، تجسيدا لمفهوم "دائرة التأثير مقدم على دائرة الاهتمام".

- التجسيد العملي للديمقراطية

بحلول عام 1992م، أعلنت السلطات قانون الانتخابات ومن ثم وجهت الدعوة إلى الشعب (كل من بلغ سن الـ18 من الجنسين ينخرط في عملية القيد والتسجيل في سجل الناخبين)، وقد أشرنا أعلاه إلى مشكلة الثقافة عموما، ومنظومة المفاهيم المنضوية في إطار مفهوم التعددية السياسية خصوصا، وقضية مشاركة المرأة ناخبة بشكل اخص، أمّا مشاركة المرأة كمرشحة، فلا غرابة أن تكون في عداد اللامفكر فيه لدى الشريحة الأوسع مجتمعيا.

لقد كانت غالبية المجتمع بين عاملين: عامل الاندهاش، وعامل انشداد الأنظار تجاه موقف الإصلاح في هذا الصدد، فتجلى موقف الإصلاح موضحا الموقف الشرعي في فتوى لامست عمق المخاوف المجتمعية فقهيا وثقافيا ونفسيا، ذلك أن مقدمة الفتوى اكتفت بالإشارة إلى الانتخابات كحدث استحقاق وطني وضربت صفحا حول مشاركة المرأة، وانتقل الحديث بإشارة ذكية مفادها اتفاق العلماء مع السلطات على تخصيص لجنة نسائية مستقلة تبدأ من أعلى مستوى في اللجنة العليا للانتخابات إلى أصغر مركز انتخابي.

والنتيجة: تبادر إلى الذهنية المجتمعية أن موضوع مشاركة المرأة قضية مفروغ منها ولا خلاف حولها لا شرعيا ولا ثقافيا، وبقي جانب التحسس النفسي فقد وضحته الفتوى بفصل لجنة المرأة.

من المؤكد أن موقف الإصلاح تجاه الانتخابات كان منضويا في إطار مفهوم "دائرة التأثير من الزاوية السياسية وتنمية بناء المجتمع ثقافيا"، أي زحزحة الوهم الذهني المثقل بمخاوف دينية معشعشة لا أساس لها.

الجدير ذكره أن الأحزاب القومية واليسارية تعاملت بارتياح "صامت" إزاء الفتوى، كونها أزاحت مخاوف الوسط الأسري عموما وهذا يخدمهم بلا شك.. لقد خاض الشعب اليمني صيفا انتخابيا أسفر عن فوز حزب المؤتمر بالدرجة الأولى، يليه حزب الإصلاح، يليه الحزب الاشتراكي.

الحقيقة أن نجاح التجربة يعني نجاح الوطن اليمني، وقد جسد الإصلاح هذا المفهوم وذلك في موافقته عن قناعة واختيار أن يكون الحزب الاشتراكي في المرتبة الثانية يليه الإصلاح، كما أن الإصلاح شارك في الائتلاف الحكومي الثلاثي إرساء وترسيخا لمفهوم "دائرة التأثير مقدمة على دائرة الاهتمام"، فالهدف هو بناء وعي المجتمع وترسيخ مفهوم ثقافة التعارف والاتفاق على مبدأ القواسم المشتركة إيجابيا طالما والنصيحة تجد طريقها شعبيا.

كما أن القضايا المختلف حولها يمكن تركها للزمن فهو جزء من العلاج، ولا يعني ذلك أن كل ما سبق ذكره كان محل تسليم لدى أعضاء حزب الإصلاح وأنصاره، بل العكس هو الصحيح لدى كثيرين، ولكن الوعي السنني والرشد السياسي كانا يتلقيان المخالف على أنه ظاهرة صحية يجب التعاطي معها بالحوار وصولا إلى ترسيخ مفهوم ثقافة الموازنات الفقهية (دفع مفسدة راجحة أو جلب مصلحة راجحة)، ذلك أن التعاطي مع الراي المغاير بطريقة الحوار يساعد جدا على تقريب المسافات وإنضاج المفاهيم سريعا.

- من الاختلاف إلى وثيقة العهد والاتفاق

دخل حزب المرتبة الأولى في خلاف حول قضايا كثيرة، وقد تقدمت القوى الوطنية المختلفة بما فيها الإصلاح بمقترح خلاصته الدخول في حوار وطني يشمل كافة القوى الوطنية، وانطلق الجميع إلى الحوار وانتهى بمخرجات اسمها "وثيقة العهد والاتفاق"، وحسب مراقبين داخل لجنة الحوار أن كثيرا من أعضاء لجنة الحوار كانوا ينصرفون من اللجنة بمن فيهم ممثل حزب المؤتمر، غير أن ممثل الإصلاح كان يظل مع ممثل الحزب الاشتراكي يتبادلان النقاش الجاد حول قضايا الخلاف والتفكير في البدائل، الأمر الذي قاد إلى سؤال ممثل الإصلاح حول منطلق الإصلاح، فأجاب: نحن في سفينة واحدة اسمها الوطن، ولا تنمية وطنية بدون استقرار وسلم وسلام داخل المجتمع.

الخلاصة، إن وثيقة العهد والاتفاق تضمنت الكثير من القضايا الوطنية، غير أن الرياح عصفت بكل ما سبق، فكانت حرب صيف 1994م، وقد كانت رؤية الإصلاح "الوقوف إلى جانب الوحدة الفتية والدستور والدولة".

باختصار، خرج الحزب الاشتراكي من الائتلاف وبقي الإصلاح في ائتلاف ثنائي مع حزب المؤتمر، وتعزيزا لرؤية حزب الإصلاح فقد وافق الحزب على الخروج من محلس الرئاسة بهدف الوصول إلى الاستقرار والتنمية.

كلمات دالّة

#اليمن