الأحد 08-12-2024 18:03:13 م : 7 - جمادي الثاني - 1446 هـ
آخر الاخبار
قراءة في أهداف ثورة 26 سبتمبر المجيدة
بقلم/ مرعي حميد
نشر منذ: سنة و شهرين و 16 يوماً
الجمعة 22 سبتمبر-أيلول 2023 10:20 م
 

تبقى أهداف الثورة اليمنية الخالدة سبتمبر وأكتوبر، وعلى الدوام وفي كل المراحل، غايات وطنّا اليمني المجيد وشعبنا اليمني العظيم، فإن تحققت فهو يبتغي تعزيز ما تحقق وترسيخه والحفاظ عليه، وإن تعثّر تحقيقها ووضعها في سياق التطبيق فهو يبتغي تحقيقها والظفر بها ابتداء أو من جديد.

وفي هذه المرحلة التي يمر بها الشعب والوطن اليمني ما أحوجنا لتذكّر أهداف الثورة اليمنية المجيدة استيعابها فهماً وإدراكاً وللتذكير بها بالتزامن مع ذكراها المجيدة في ظل مُتغيرين كبيرين: الانقلاب الحوثي لإعادة النظام الإمامي البائد، مع محاولة الحوثي التنكر لهذه الأهداف رسمياً، وفي ظل استفحال الفساد المالي والإداري في هياكل سلطة أتت لتحكم يمن الثورة لا يمن الإمامة لا بل يمن الثورتين (سبتمبر أكتوبر) وفبراير باعتبار ثورة أكتوبر وسبتمبر ثورة واحدة ونتائجهما المباشرة مشتركة للقوى الوطنية في الشطرين، وكل تدبير ينحرف عن أهداف الثورة المجيدة هو خيانة للثورة وللوطن.

الثورة اليمنية في شمال اليمن وفي جنوبه قامت لتحقيق ذات الأهداف الستة ولذا نجد التحرر من الاستعمار من ضمن الهدف الأول، وقد كان الاستعمار أو بالأصح الاحتلال جاثم على الشطر الجنوبي لا الشمالي.

- الهدف الأوّل: "التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما، وإقامة حكم جمهوري عادل، وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات".

الحرية البناءة الإيجابية هدف رفيع يسعى إليه من فقده إنسان أو مجتمع أو أمة، ومكسب كبير يستحق بذل النفيس من أجله فهو أولوية قصوى وهو أساس تُبنى عليه معظم المكاسب ذات القيمة والشأن الكبير في حياة الإنسان والمجتمع.

والحرية تكون مما يُكبل اليدين ويكبح السعي الجميل ويخنق التطلعات المشروعة للإنسان وللمجتمع، فمما كانت الثورة والثوار يبغون وينشدون التحرر؟ الجواب تالياً في النص: الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما.

الاستبداد من أسوأ ما قد تُصاب به الأوطان والشعوب، والاستبداد المقصود هنا هو الانفراد بالسُلطة السياسية، وهذا حال كل أجزاء الشطرين، فالاحتلال البريطاني في الجنوب فرض إرادته ومسيطر.. إرادة الناس تحت حكمه الذي هدفه خدمة مصالح بريطانيا أكبر دولة احتلال واستغلال ونهب خيرات الأوطان في ذلك العهد، والإمام في الشمال ينفرد بالحكم من دون أي ضابط حقيقي.. وحتى الإسلام كان مخالفا لتعاليمه في العدل والأمانة.. وأما المساواة كمبدأ إسلامي فقد كانت الإمامة وفكرتها العنصرية حرب شعواء عليها ونكبة كُبرى.. كان حكم ارتبط به انتشار الفقر والمرض والجهل.. وقد كان الخلاص من الحكم الإمامي الكهنوتي البغيض تطلع قديم للشعب وهدف أصيل بل هدف الأهداف ومجمع آمال الشعب.

وكان القضاء على النظام الإمامي المُستبد الظالم والفاسد هدف أوّل ومكين من أهداف الثورة، وهو يعني بالضرورة بناء نظام غير مستبد ولا ظالم، وقد خُصص كذلك لهذا الأمر البند الرابع من بنود أهداف الثورة.

وقد جاء لفظ الاستعمار لوصف القوة البريطانية الغاشمة المسيطرة على الجنوب.. والأولى والأصوب كان لفظ الاحتلال ولكن كانت لفظة الاستعمار هي السائدة في ذلك الوقت وهي لفظة حمّالة وجهين في ظاهرها فهي تبدو كأنها قوة تعمير للبلد الذي تحل فيه، والصحيح أنّ هذا الوجود العسكري والسياسي هدفه تعمير بلد المُستعمرِين لا بلد المُستعمرَين، وهذا هو الوجه الثاني وهو الوجه الصحيح، والآخر دعوى إجرامية لا تنطلي على عقلاء البلد الرازح تحت نفوذ تلك الدول المجرمة سلطاتها السياسية لخدمة بلدانها على حساب خراب وخرائب الضحايا أوطاناً وشعوباً.

وشمل البند الأول الخلاص من "مخلفاتها"، أي مخلفات الإمامة والاحتلال، وهي النتائج السلبية والقوى المرتهنة للإمامة وللاحتلال الدائرة في فلكهما.. فلا بد من تخليص الشعب والوطن من أثرها وتجنيب الوطن أن يقع فريسة لهما، وهو هدف هام جداً ليكون الوطن متحرراً والشعب حُراً حقاً.. فهؤلاء لا يريدون للوطن خيرا ولا خلاص من المساوئ والجور والحرمان.

"وإقامة حكم جمهوري عادل"..
نظم الحُكم الحديث ثلاثة أنواع:
١- جمهوري، يقوم على أساس اختيار الجمهور أي عموم الشعب لحكامه وهم يديرون الشأن العام بما يخدم مصلحة الجمهور/الشعب، وبما يخدم حاضر البلد ومستقبله وبما يتطابق مع الدستور والقانون.

٢- ملكي، وهو حكم يرث فيه الحاكم أحد أقاربه مثل أخيه أو ابنه أو ابن عمه، وقد يكون حُكم صالح وقد لا يكون وذلك بحسب أخلاق الملك فيه وحاشيته ومدى حرصهم على ما ينفع أهل البلد المعني، وهو حكم يقوم غالباً على دعوى امتلاك "الأسرة الحاكمة" للأرض التي قد تكون سيطرت عليها بالقوة من حكم سياسي سابق لهم أو من عشائر وطوائف من الناس وحدتهم تحت حكمها، وقد لا يوجد نظام محدد يلتزم به الملك والأسرة الحاكمة.

٣- ملكي دستوري، ويوجد فيه ملكية صورية يتوارثها الآباء والأبناء، ولكن لا يمارسون الحكم ولا يباشرون تسيير مجالات الحياة، وتفعل ذلك حكومة تتحدد وفق انتخابات برلمانية عامة تتنافس فيها الأحزاب والقوى السياسية كما هو الحال في بريطانيا (المملكة المتحدة).

وقد اختار الثوار وقادة الثورة اليمنية النظام الجمهوري كخيار أنسب للشعب اليمني الذي رفض الملكية وحدثت فيه ثورة دستورية ولكنها أجهضت وأفشلت.

والنظام الجمهوري هو الأنجع للشعب والوطن متى توفرت الانتخابات الحُرّة والنزيهة، وهذا هو النظام العادل الذي أكّدت عليه الأهداف، ومن العدالة أن يُقام الحكم وفق دستور عادل وقانون عادل وتطبيق عادل لهما فلا يستثني أحد ولا يُحابي أحد فيمنحه ما لا يمنح الآخرين أو يعفي أفراده ومقربيه مما يُلزم به الآخرين.

"وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات".. نهاية نص البند الأول من أهداف الثورة.. لقد كان الوطن يرزح تحت نظام طبقي مُغرق في العصبية والتخلّف، نظام هدفه الحقيقي خدمة هذه الطبقات وتلبية مصالحها وضمان نفوذها وتسلّطها على رقاب بقية الشعب من دون أي وجه حق.. طبقات وقلّة محدودة لها الامتيازات والمنافع تستضعف الغالبية العظمى المغلوب على أمرها، وفي ظل وضع كهذا فإن قيام الثورة ضد النظام الحاكم تعني بالضرورة إلغاء الامتيازات الظالمة المُجحفة وبسط المساواة بين أفراد المجتمع أمام الدستور والقانون فالكل متساوين في الحقوق والواجبات والحريات البناءة.

الهدف الثاني: "بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها".

حين تكون الثورة وتنتصر فلا بد من قوة مُخلصة تتكوّن على عينها تحميها وتمنع انتكاس الثورة وتحول دون عودة الظالمين، وجدير بكل ثورة وبكل ثوار ألا يضعوا كفاحهم ولا نضالهم ولا أسلحتهم إلا بعد أن يُقيموا جيشا مُخلصا لأهداف الثورة بقيادة مُخلصة للشعب تضع أهداف الثورة نُصب أعينها على الدوام لضمان تحقيقها والحفاظ على مكاسبها وعدم الانحراف عنها، وذلك هو الجيش الوطني الصادق مع الشعب الثائر لا مع فرد طاغية ولا فرّد إمّعة ولا نظام ظالم غاشم لا يُقيم للشعب قائمة ولا لمصالحه اعتبار إلا بما يخدم بقاءه واستمرار بغيه وعدوانه وتمتّعهُ بخيرات الوطن وإبقاء الشعب في براثن الحرمان والقهر والمرض والجهل. وإعادة الإرث البائد بطريقة جديدة وقد هدمت بُنيانه الثورة.

الهدف الثالث: "رفع مستوى الشعب اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا".

إنّ هذا الهدف يحقق الترجمة المُتقنة لأهداف الثورة.. إنّه المُعالجة العملية لواقع الشعب صاحب الحق في السلطة والثروة.. إنه بتطبيقه يُخرج الثورة الناجزة إلى أرض الواقع من فضاء التنظير الجميل والوصف الأنيق.

وتتم ترجمة هذا الهدف النبيل عبر البرامج والمشاريع التنموية التي تستهدف كافة مناحي الحياة.. الاقتصاد عبر تعزيز الاقتصاد الوطني والعملة المحلية ذات القيمة السوقية الجيدة وتوفير فرص العمل بفتح المجال للعمل والإنتاج الحُر بما في ذلك التجارة الحُرّة واستثمارات القطاع الخاص وفتح المجال لما يُناسب وينفع الوطن من الاستثمارات الخارجية، بالإضافة إلى ما تحتاجه الحكومة من وظائف وموظفين وما تنهض به من مشاريع إستراتيجية توجد البُنية التحتية وتوفر الخدمات العامة المتنوعة المجانية للسكان أو محدودة التكاليف.. ولكل بلد ظروفه الاقتصادية التي تؤثر في هذا كله.

ورفع مستوى الشعب اجتماعياً بتعزيز التعاون بين صفوفه ونشر وتعزيز القيم الرفيعة والفضائل الخُلقية عبر المناهج الدراسية والإعلام الرسمي والخاص وعبر الخطاب الديني الموجّه لتحقيق النموذج الرفيع من العلاقات الاجتماعية والحيلولة دون ما يُعرقل ذلك أو يهدم ما تحقق على صعيده.

ورفع مستوى الشعب سياسياً عبر التوعية السياسية والدستورية والقانونية ليفهم ما له من حقوق سياسية وما عليه من واجبات سياسية ليكون مُشاركا بإيجابية في الحياة السياسية من خلال المشاركة الواعية في الانتخابات بجميع أنواعها والتعريف بالسلطات التي يتم انتخابها ومهامها وواجباتها والتعريف بالنظام الديمقراطي ومزاياه ومضامينه، مع رفع الشعور بالانتماء الوطني ومضامين هذا الانتماء وأولها إعلاء المصلحة العامة فوق أي مصالح خاصة، مع الامتناع عن أي سعي أو حرص أو عمل من شأنه تحقيق المصلحة الشخصية بالنيل من المال العام أو المحسوبية والتواطؤ والرشوة ونحوها.

وللأحزاب الوطنية دور مهم في تحقيق هذا الهدف عبر أنشطتها وبرامجها وأعمالها التوعوية وسط المجتمع عبر الكلمة المسموعة والكلمة المكتوبة.

ورفع مستوى الشعب ثقافياً عبر تعميم التعليم المجاني أساسي وثانوي وجامعي، وبناء المدارس والجامعات وتوفير المنهج الناجح والطاقم التعليمي المؤهل وتشجيع القطاع الخاص ليدلي بدلوه في هذا القطاع الحيوي كما القطاعات الاقتصادية والخدمية.

ويشمل رفع المستوى الثقافي للشعب توفير العمل بأساليب ووسائل التثقيف الجمعي كالقنوات التلفزيونية والإذاعات والصحافة الحكومية والتي تعمل وفق سياسية تثقيفية راشدة تخدم البناء المتوازن للشخصية من جميع الجوانب، وتمتنع عن بث الأفكار الضارة والهدامة والمُفسدة للحياة العامة وللحياة الخاصة.

كما يدخل في إطار ذلك تشجيع الإبداع الثقافي الإيجابي تأليفاً وإنتاجاً ومن ذلك الصحافة الحُرّة والإعلام البنّاء الخاص في ظل الالتزام بالدستور والقانون.

الهدف الرابع: "إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل يستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف".

التنمية المجتمعية.. تنمية الإنسان.. أو التنمية البشرية بالمفهوم الحديث من ضروريات الازدهار الوطني العام والفردي، والنص حدد بوضوح مجتمع بثلاث معالم سلوكية فعالة وبناءة وراشدة.

مجتمع ديمقراطي مؤمن بالديمقراطية كأسلوب وحيد في الحكم والممارسة السياسية بما في ذلك تأسيس الأحزاب والتنظيمات السياسية الوطنية والانضمام الطوعي إليها والنشاط في صفوفها من دون اختلاف يهدم وشائج المودة بين الناس وإنّما التنافس الإيجابي الهادف إلى خدمة الصالح العام وتحقيق المزيد من التنمية العامة والازدهار الوطني، ومن دون التعصّب إلا للحق وللخير يتحقق للمجتمع.

وهو مجتمع تعاوني يتكاتف ويتضامن أفراده مع بعضهم البعض في القيام بما يصلح الحياة العامة والحياة العائلية والشخصية لكل منهم في المجال الديني الإسلامي والمجالات الخدمية والإنتاجية والثقافية.

وهو مجتمع عادل لا يظلم فيه أحد أحدا بأي طريقة وبأي مقدار.. مجتمع هدف أفراده التمتع بالعدل والحصول على العدل في كل شأنهم وامتناعهم عن أن يكونوا سببا في حصول ظلم لبعضهم البعض.. مجتمع العدل فيه القيمة الرائجة والظلم الممارسة المرفوضة من أي أحد تصدر سواء من عموم الناس أو من خاصتهم من أصحاب المناصب العامة أو المناصب الاجتماعية والوجاهات التي لها اعتبار خاص يحترمه الناس.

وهو مجتمع "يستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف"، فالإسلام دين الشعب اليمني المُسلم وهو المنهج الأصلح ليسعد الناس في حاضرهم وفي مستقبلهم، ويستقيم لهم أمر معاشهم وأمر معادهم، وهو ليس مُجرّد قناعات نظرية بل وممارسة تطبيقية تجد صداها في تحويل تعاليم الإسلام ونصوصه إلى قوانين وأحكام تُنظم حياتهم الجمعية العامة وحياتهم الشخصية.. إنّه التجسيد الحي لتوجيهات الإسلام السامية وتعاليمه الراشدة والعادلة وبالتالي الحياة الآمنة الكريمة المُستقرة وهذا ما ينشده كل إنسان سوي لنفسه ومن نفسه ومن الآخرين وللآخرين.

الهدف الخامس: "العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة".

اليمن المعلوم اليوم من صعدة وإلى المهرة هو اليمن في كتب الجغرافيا العربية منذ القرون الخالية ولا يزعم غير هذا إلا ساعٍ لفرقة يحقق من خلالها أهدافا شخصية تُعرض مصلحة اليمن واليمنيين للتهديد، كل أبناء شمال اليمن وجنوبه وشرقه اجتمعوا على كلمة الوحدة وعلى قضية الوحدة وآمنوا بواحدية الأرض اليمنية، وحين برز دعاة الأنانية والحقد والأثرة والشُح واللهاث المحموم خلف المصالح الشخصية وخدمة المُغرضين المتربصين بالوطن برزت الدعاوى المُغايرة للثقافة الوحدوية اليمنية.

وقد قامت الثورة اليمنية في الشمال والجنوب في ظل التفرقة القسرية التي أنتجتها أنظمة حكم كانت تبحث فحسب عن مصالح سدنتها وكانت تجدها في تفرقة الشعب، ولكن من الأمر المرفوض كذلك اتخاذ الوحدة وسيلة لتحقيق مصالح أنانية لا تتحقق إلا بها، فالوحدة قيمة عُليا وحالة سامية وضرورة وطنية، وكل تعدٍ على وحدة اليمن أو لجوء إليها لتحقيق مآرب أنانية مرفوض جملة وتفصيلاً وسلوك مرذول من أيٍّ صدر.

الوحدة اليمنية قوة بيد الشعب اليمني وحق له من جملة حقوقه في ظل قيادة وطنية صادقة مع الشعب ومع الوطن.. قيادة تؤمن بأهداف الثورة اليمنية وتصدر عنها وتنطلق منها كثوابت وطنية لا محيد عنها ولا تفريط فيها ولا تخلٍ عنها ولا تنازل ولا إفراغ لها عن محتواها الوطني الأمين، وكل إساءة من قيادة سياسية للشعب فلا تتحمل وِزرها الوحدة بأي حال من الأحوال وإنما من يتحملون المسؤولية السياسية.

وقد توصّل اليمنيون إلى طريقة يمنعون فيها مثل ذلك التغوّل منعاً نهائياً ألا وهي طريقة الحكم الاتحادي الذي يتم فيه الحفاظ على الوحدة اليمنية كحق للشعب اليمني مع وجود اليمن في ستة أقاليم تضمن منع التغول وعقلية التوحّش السياسي والمالي وتكبحها وإلى الأبد.

ولقد تجاوز الثوار السبتمبريون والأكتوبريون عتبة الوطن اليمني الواحد ليطمحوا بوحدة عربية عادلة تجمع شتات العرب وتضمن قوتهم وتُعيد لهم هيبتهم وكرامتهم وتطرد كل قوة احتلال على أرضهم الواحدة ووطنهم الواحد الوطن العربي المجيد.

ومن هنا تأتي أهمية كل تعاون عربي مُشترك من أجل خير الشعوب لا من أجل مصالح الحكام على حساب مصالح شعوبهم.

الهدف السادس:" احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي، وعدم الانحياز، والعمل على إقرار السلام العالمي، وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم".

اليمن كما هو جزء من الوطن العربي فهو لا ينفصل عن كونه دولة من دول العالم يرتبط بها بالضرورة ويرتبط به العالم لا سيما لعامل موقعه الإستراتيجي على طريق التجارة العالمية الرابط بين الشرق والغرب.. ليس اليمن بمعزل عن العالم وهو يتعاطى معه بإيجابية.

"احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية".. هكذا كان مُبتدأ نص البند السادس من أهداف الثورة.. والأمم المُتحدة مقصود بها منظمة الأمم المُتحدة، وهي مُنظمة دولية رسمية مُعترف بها وهي بمثابة الحكم السياسي الدولي الذي ينظر في النزاعات والمنازعات بين الأمم ويسعى في حلّها بعدالة وإنصاف ونزاهة، وهذه هي الطبيعة الأصلية للمنظمة الدولية، وهي تسعى لضمان الأمن والسلام العالمي وتعزيز العلاقات الدولية القائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المُتبادلة المشروعة.

وقد جاءت الثورة مُعلنة احترامها لميثاق الأمم المتحدة وهو النظام التي قامت وفقه وفي إطاره حين تم إعلانها عام 1945م على إثر نهاية الحرب العالمية الثانية التي طالت آثارها التدميرية والسلبية معظم دول العالم.. وشمل النص احترام مواثيق "المنظمات الدولية" وهي منظمات مُتفرّعة عن المنظمة الأم كاليونيسف واليونسكو والفاو.. تعمل معاً على تحقيق الكثير من الأهداف الإنسانية الصحية والثقافية والغذائية.

"والتمسّك بمبدأ الحياد الإيجابي، وعدم الانحياز".. حينما قامت الثورة اليمنية مطلع الستينيات كان العالم منقسم إلى ثلاثة أقسام: المحور الغربي (الرأسمالي) بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.. والمحور الشرقي (الشيوعي) بقيادة الاتحاد السوفيتي.. وحتى لا تُحسب اليمن على طرف فيناصبها العداء الطرف الثاني جاء هذا النص ليضع اليمن ضمن القسم الثالث وهو محور الدول غير المُنحازة لأيٍ من الطرفين أو محور الدول المُحايدة في الصراع فهي قد حادت عن لهيب الصراع الذي كان حاصلاً بين المعسكرين الغربي والشرقي، ويعني هذا أنها تحتفظ بعلاقات صداقة مع دول كلا المحورين المتصارعين دون أن تكون محسوبة على أيٍّ منهما.. فهي تقيم علاقات مع دول المعسكرين على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.. فاليمن بطبيعة الحال لا تستغني عن المصنوعات والمُنتجات المتنوعة أينما وجدت ووجدتها مُناسبة لها من دون اعتناق الأفكار الرأسمالية أو الشيوعية الاشتراكية التي كانت سائدة في تلك الدول، ولكن اليمن في غِنى عن الدخول في آتون ذلك الصراع المحموم أيديولوجياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً.

وقد انضمت اليمن إلى منظمة عدم الانحياز عقب الثورة المجيدة، وهي منظمة تجمع الدول وتُنسّق سياستها وتحدد مواقفها العامة والخاصة من مُجمل القضايا العالمية التي تهم كل الدول والأمم والشعوب.

"والعمل على إقرار السلام العالمي، وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم".. وهذا هو محتوى السياسة الخارجية للجمهورية الوليدة على المستوى الدولي، والسلام حاجة لا غنى عنها لكل دول العالم وشعوبه لينعم الجميع بالأمن وليحقق الجميع التنمية ويبعدوا شبح الحروب والخراب والدمار ويتوقفوا عن صرف المبالغ الباهظة في الحروب البينية غير المُباشرة بين الدولتين العظميين (الحرب بالوكالة).

وإذا كان السلام هدفا ليسود بين حكومات دول العالم فإنّ التعايش السلمي مبدأ مهم وحيوي أن يسود بين شعوب دول العالم، فهو ضرورة ليترسخ لدى الجميع نهج التعايش الذي يزدهر في ظله التعاون والتفاهم والتثاقف ويزدهر التعاون العلمي والمعرفي والتكنولوجي، وتنشط التجارة العالمية ويتعزز الاقتصاد العالمي بعيدا عن سمات الاحتكار والهيمنة ومد النفوذ لنهب خيرات الآخرين واستغلال عرقهم وشقاهم لينمو ويزدهر سواهم.

لقد جاءت الثورة اليمنية المجيدة لتؤكد في أهدافها على هذا الارتباط الوثيق بين الأمم والحكومات ولتضع عناوين عريضة مُحددة له ومُنظِمة كانت هي من مُجمل معالم السياسة الراشدة في تلك الفترة وعلى الدوام.

وختاماً، مجيدة هي ذكرى الثورة لا تُنسى، وهي مناسبة لتذكّر أهداف الثورة ولتحقيق المزيد من فهمها وللدعوة لتطبيقها والحفاظ على ما تحقق منها وللذود عن مكاسبها ومناسبة لنقف عند مدى تحقق أهداف الثورة المجيدة، ولذلك وقفة في مقال قادم مُستقل ونحن نعيش أجواء هذه الذكرى العبِقة.