الثلاثاء 14-05-2024 01:14:23 ص : 6 - ذو القعدة - 1445 هـ
آخر الاخبار

ما خطورة تأجيل الحسم العسكري ضد المليشيات الانقلابية في اليمن؟

الإثنين 16 مارس - آذار 2020 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - خاص / عبد السلام الغضباني
 

 

تتزايد المخاطر التي تهدد اليمن ودول الجوار كلما تأجل الحسم العسكري ضد المليشيات الحوثية الانقلابية وإنهاء الوضع الشاذ القائم منذ خمس سنوات، لاسيما أنه لا وجود لأي مبررات تستدعي إطالة أمد الحرب، خاصة في ظل أزمات متعددة ومفتوحة تشهدها منطقة المشرق العربي، وتتداخل ملفاتها الأمنية والعسكرية بشكل يضفي مزيدا من التعقيد على مختلف ملفات الصراع ويهدد ما تبقى من دول مستقرة. وتستغل إيران حالة الفوضى القائمة لتُراكِم قوة ونفوذ المليشيات الطائفية التابعة لها في أكثر من بلد عربي، بينها مليشيات الحوثيين، من خلال زيادة التجنيد وتهريب السلاح وتطييف المجتمعات، وبالتالي تفخيخ المنطقة برمتها.

وإذا كانت الحكومة اليمنية الشرعية والتحالف العربي الداعم لها يبررون تأجيل الحسم العسكري ضد المليشيات الحوثية بأنه نتيجة ضغوط دولية، الهدف منها إتاحة الفرصة للحل السياسي، فإن التفاف المليشيات الحوثية على كل الاتفاقيات والتنصل منها ونقض الوعود وإفشال بعض جولات الحوار قبل أن تبدأ، فإن ذلك يعد مبررا كافيا لتخطي الضغوط الدولية والاتجاه نحو الحسم العسكري، حفاظا على استقرار اليمن ودول الجوار، وتلافي المزيد من الخسائر، ووضع حد لتردي الأوضاع المعيشية والانتهاكات البشعة لحقوق الإنسان من قبل المليشيات الحوثية. وفي هذه الحالة فإن المجتمع الدولي سيتعامل مع الحسم العسكري كأمر واقع لا إشكال فيه، خاصة أنه يتوافق مع القانون الدولي، ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يتدخل عسكريا أو غير ذلك دفاعا عن مليشيات انقلابية ضد الحكومة الشرعية للبلاد.

- سياسة استهلاك الوقت

تعد المليشيات الحوثية المستفيد الوحيد من تأجيل الحسم العسكري ضدها، والتعويل على الحل السياسي للأزمة، كون ذلك يشكل خدمة كبيرة للمليشيات التي تسلك سياسة "استهلاك الوقت"، وإفراغ الانتصارات التي تحققت ضدها في عدة جبهات منذ خمس سنوات من محتواها، كما أن تأجيل الحسم العسكري ضدها يمنحها الفرصة لتعويض خسائرها البشرية والمادية من خلال استقطاب المزيد من المقاتلين في صفوفها وتدريبهم وتعبئتهم تعبئة طائفية وعنصرية، وغسل أدمغتهم بثقافة القتل والكراهية، بالإضافة إلى تهريب السلاح وتكديسه، واستغلال ثغرات محددة لتحقيق انتصارات خاطفة من شأنها رفع معنويات مقاتليها كلما انهارت، كما حصل في بعض مدن محافظة الجوف مؤخرا.

كما أن المليشيات الحوثية تعول على حدوث متغيرات محلية أو إقليمية ودولية تصب في صالحها، وهذا لن يتحقق إلا إذا طال أمد المعركة أكثر وقت ممكن، ويغري المليشيات في هذا الجانب أن عددًا من القوى الكبرى المؤثرة في العالم ما زالت تحول دون القضاء على المليشيات الطائفية في أكثر من بلد عربي، بما في ذلك اليمن، بغية استخدامها في مهام آنية أو مؤجلة، أقلها إبقاء منطقة المشرق العربي في حالة من الحروب المستدامة والمفتوحة بما يحول دون استقرارها أو تمكنها من تحقيق نهضة اقتصادية وغيرها، وأيضا لإيجاد المبررات لاستمرار التواجد العسكري الأجنبي في المنطقة بذريعة حماية دولها ضد المخاطر الأمنية والعسكرية التي تهددها، وأيضا ابتزاز بعض الدول النفطية.

ويخطئ من يعتقد بأن إطالة أمد الحرب ينهك المليشيات الحوثية، سواء من حيث الخسائر البشرية أو المادية، فبالرغم من خسائرها الكبيرة في هذه الجوانب، لكن الإنهاك الحقيقي يطال الشعب اليمني فقط، حيث تسعى المليشيات إلى تعويض النقص في عدد مقاتليها من خلال حشد المزيد من المقاتلين واختطاف الأطفال وتجنيدهم وغسل أدمغتهم بدورات طائفية تحرض على العنف والإرهاب، وتعوض خسائرها المادية من خلال نهب أموال المواطنين والتجار والبنوك والشركات بذريعة دعم المجهود الحربي، بينما تتولى إيران تهريب السلاح لها لتعويض خسائرها من السلاح.

وإذا كانت المليشيات الحوثية قد خسرت بالفعل عددا كبيرا من قياداتها العسكرية والميدانية، لكن معظم خسائرها البشرية تنحصر على المقاتلين "عديمي القيمة"، الذين يمكن وصفهم بوقود المعارك، وغالبا يكونون من الأطفال وكبار السن، ممن لم يتلقوا أي تدريب، ولكن يتم الزج بهم في جبهات القتال كمجرد وقود للمعارك، وبهذا الأسلوب تحرص المليشيات الحوثية على أهم كتائبها ومقاتليها الذين تدربوا جيدا، ولا يشاركون إلا في المعارك الحاسمة، ويكون تدخلهم بعد استنزاف المقاتلين عديمي القيمة في الخطوط الأمامية لجبهات القتال.

- أخطار دائمة

ويمكن التأكيد بأن تأجيل الحسم العسكري ضد المليشيات الحوثية ستنجم عنه أخطار دائمة، فيما يلي أهمها:

- زيادة النفوذ الإيراني في منطقة المشرق العربي، من خلال العمل على تراكم القوة والنفوذ للمليشيات الطائفية الموالية لإيران في أكثر من بلد عربي، وهذا التراكم للقوة والنفوذ لا يمكن أن يتم إلا في حال طال أمد الحروب في مناطق الصراع، كما أنه يخدم سياسة "النفس الطويل" التي تسلكها إيران في صراعها مع العرب، وعينها على بحيرات النفط الهائلة في عدة بلدان عربية، ولا يمكن السيطرة عليها إلا من خلال دعم وتشكيل مليشيات طائفية إرهابية وبعقيدة قتالية متراكمة، حتى تصل إلى مرحلة معينة من القوة تمكنها من الانقلاب على السلطات الحاكمة، أو تحدث ظروف معينة تساعدها على الانقلاب، وبالتالي السيطرة على السلطة والثروة وتسخيرها لصالح إيران، وما حدث في اليمن يعد أبرز دليل على ذلك.

- إطالة أمد الحرب في اليمن من شأنه تفكيك وإضعاف الجبهة الرافضة للحوثيين والمناهضة للنفوذ الإيراني في البلاد، ذلك أنه يوفر الوقت الكافي لظهور الخلافات وبروز جماعات تسعى لتمزيق وحدة البلاد خدمة لأجندة ومصالح دول أجنبية تسعى لنشر الفوضى في المنطقة وتفكيك الدول والمجتمعات من داخلها، ويتم ذلك تحت مسميات وذرائع يتناقض ظاهرها مع باطنها، وهذا يصب في صالح المليشيات الحوثية، التي رغم ظهور أجنحة متصارعة داخلها، إلا أنها متحدة ضد الطرف الآخر، وتنظر للمعركة معه بأنها معركة مقدسة وعقائدية وأنها مسألة حياة أو موت، بينما الطرف المناهض للمليشيات الحوثية منقسم على نفسه، وهذا الانقسام سيؤدي إلى الضعف، وخطره لن يقف عند أحد ولكن سيطال الجميع، مع العلم بأن أي انفصال أو تمزيق لبلد ما سيؤسس لمرحلة جديدة وخطيرة من الانقسامات والتمزق وظهور نزعات انفصالية في دول المنطقة بشكل عام.

- في حال تم الحسم العسكري ضد المليشيات الحوثية بعد تأجيل طويل، أو تم التوصل إلى حل سياسي سلمي هش ومنقوص، ستكون هناك كارثة أخرى سببها إطالة أمد الحرب، تتمثل في استغلال الحوثيين تأجيل الحسم العسكري ضدهم في تفخيخ وتلغيم المجتمع اليمني والمنطقة بشكل عام بجيل جديد يؤمن بفكر المليشيات الحوثية الطائفية وبثقافة القتل والموت والمعتقدات الخاطئة، وإذا لم تتح لهذا الجيل فرصة إشعال الحرب في اليمن مرة أخرى، فإنه سيهاجر إلى بلدان صراع أخرى لتعزيز ومساندة المليشيات الطائفية التي لديها نفس المشروع والهدف، ويعني ذلك أن تأجيل الحسم العسكري في اليمن سيطال خطره اليمن ودول المنطقة بشكل عام في كل الأحوال عاجلا أو آجلا.

- ضرورة تعجيل الحسم

حتى الآن يبدو أن هناك نوعا من الغموض يكتنف مسار الأزمة اليمنية منذ بدايتها قبل خمس سنوات وحتى الآن، هذا الغموض يتعلق في تأجيل الحسم العسكري ضد المليشيات الحوثية الانقلابية التي أثبتت أنها أخطر أذرع إيران في المنطقة، ذلك أنه لا توجد مبررات منطقية لهذا التأجيل، وحتى الزعم بوجود ضغوط دولية تحول دون الحسم العسكري لم يعد مقبولا ولا منطقيا، خاصة أنه لم يفصح أي طرف عن طبيعة هذه الضغوط ومصدرها ومبرراتها، وباتت مراكز صنع القرار في الغرب ومراكز البحوث والتفكير المرموقة تصف هذا التأجيل بأنه فشل عسكري ذريع للسلطة اليمنية الشرعية وللتحالف العربي الداعم لها.

وإذا افترضنا بأن هناك فعلا ضغوط دولية مستمرة على السلطة الشرعية والتحالف العربي الداعم لها، فلماذا لم يفصح أي طرف عن طبيعة هذه الضغوط ومبرراتها؟ وإذا كانت هذه الضغوط تتم في الكواليس والغرف المغلقة، فلماذا لا تتجاهلها السلطة الشرعية والتحالف الداعم لها ويمضي الجميع نحو الحسم العسكري ووضع حد لمهازل المليشيات الحوثية الإيرانية وعبثها؟ وإذا كانت هذه الضغوط لن تصل إلى مرحلة الدفاع عن المليشيات الحوثية عسكريا والعمل ضد القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن بشأن اليمن، فهل تمثل قيمة تذكر؟ وهل ستجرؤ أي دولة كبرى على التدخل العسكري في اليمن لحماية انقلاب مليشاوي طائفي ضد حكومة شرعية ومناقض لدستور البلاد وللقانون الدولي؟

لم تعد مسألة الضغوط الدولية التي تحول دون الحسم العسكري مقنعة للشعب اليمني، ولا لأي طرف آخر، بل لم تعد مقبولة حتى لدى من يطلقونها، ويمكننا القول بأن تأجيل الحسم العسكري ضد المليشيات الحوثية بمثابة منح إيران والمليشيات التابعة لها الانتصارات بالتقسيط، وهزائم بالتقسيط للطرف الآخر المتنازل عن قضيته. والسؤال: إلى متى ستستمر هذه الملهاة؟ وإلى متى ستستمر مآسي الشعب اليمني؟ ومتى سينتصر العرب لقضيتهم ويضعوا حدا لإيران ودورها التخريبي في المنطقة عبر أذرعها من مليشيات طائفية تنشر القتل والخراب والدمار في كل مكان تظهر أو تحل فيه؟!

كلمات دالّة

#اليمن