الخميس 16-05-2024 01:39:26 ص : 8 - ذو القعدة - 1445 هـ
آخر الاخبار

فنون النهب.. لماذا يمنع الحوثيون تداول العملة الجديدة واستبدالها بـ"الريال الإلكتروني"؟

الأحد 02 فبراير-شباط 2020 الساعة 09 مساءً / الاصلاح نت-خاص- أسماء محمد

  

أعلنت مليشيات الحوثي قبل أيام عن انتهاء مهلة استبدال الإصدار النقدي الجديد من العملة المحلية التي أصدرتها الحكومة الشرعية، بما تسميه بـ"الريال الإلكتروني"، في تأكيد واضح منها على استمرار منع تداول النقود تلك برغم التحذيرات والتداعيات الكثيرة.

وعقب انتهاء مهلة استبدال النقود الجديدة بالريال الإلكتروني، تحدثت وسائل إعلام تابعة لمليشيات الحوثي عن إحالتهم لعدد من مروجي العملة التي وصفتها بـ"غير القانونية" والمحظور تداولها إلى نيابة الأموال العامة.

وأصدرت مليشيات الحوثي، في نهاية ديسمبر 2019، قرارا بمنع تداول الإصدار النقدي الجديد من العملة في مناطق سيطرتها، دون الالتفات لما قد يتعرض له المواطن من معاناة، مبررة ذلك بالقول إن طباعة العملة تضر باقتصاد البلاد.

وسبق أن كان هناك محاولة لاستخدام "الريال الإلكتروني" لكنها فشلت بسبب عدم وجود بنية تحتية مناسبة، فضلا عن رداءة خدمة الإنترنت في اليمن وانقطاعها في بعض الأوقات لأيام، إضافة إلى قلة الوعي في ذلك الجانب لدى اليمنيين، مما يعني إمكانية وقوعهم في مخاطر كبيرة.

وعملت مليشيات الحوثي على تدمير اقتصاد البلاد منذ بدء الحرب، عن طريق لجوئها للسوق السوداء، ونهب أموال البنك المركزي والاحتياطي النقدي منه، والاستفادة بشكل شخصي من كل إيرادات الدولة، ورفض التعاون مع البنك المركزي بعدن.

إضراب

أجبرت الخطوات الكثيرة التي قامت بها مليشيات الحوثي طوال فترة الحرب في المجال الاقتصادي، والتي كان آخرها منع تداول العملة الجديدة، تنفيذ الصرافين والتجار إضرابات عديدة في محاولة لكسر الحلقة التي تحاول تلك الجماعة إحكامها حولهم.

وكرد فعل على قرار الحوثيين الجديد، أعلن بعض التجار في صنعاء الإضراب، وكان ذلك من قِبل بعضهم فقط، ولم يشمل كبار المستوردين، في محاولة لتخفيف بعض الضغوط المالية التي تلحق بهم من حين لآخر بسبب الوضع الاقتصادي الهش الذي يعمل الحوثيون على تكرسيه في البلاد.

وكان من المتوقع أن تؤثر الإضرابات بشكل إيجابي على التجار والحد من تداعيات ذلك القرار، لكن عدم التفاعل الكبير معه من قِبل كبار التجار والمستوردين أدى إلى تقليل أثره بشكل كبير.

إرباك حياة المواطنين

أربك ذلك القرار المواطنين في مناطق سيطرة الحوثيين، والذين لم يعرفوا كيفية التعامل مع ذلك القرار غير الواضح وغير المنطقي، فحاول المواطنون في نطاق نفوذ المليشيات التخلص من العملة الجديدة.

فعقب صدور قرار الحوثيين ذاك، بدأ كثير من التجار -وحتى في التعاملات اليومية البسيطة- برفض تلك العملة، مما أدى إلى مضاعفة معاناة المواطنين، وتعرضهم للابتزاز بحجة حوزتهم لنقود جديدة.

ما يثير الاستغراب أن الحوثيين الذين نادوا بتحويل العملة إلى الريال الإلكتروني، يعطوا المواطن فقط سندا لتسديد فواتير الهاتف للبريد فقط. واضطر كثير من المواطنين إلى التعامل بتلك المبالغ سرا في نطاق ضيق، كما نظم البعض منهم وقفة احتجاجية أمام مكتب محافظة إب للمطالبة بإيقاف ذلك القرار.

صعوبة التطبيق ومغالطات

وبرغم تبرير المليشيات قرارها ذاك بأنه إنقاذ للاقتصاد كما تزعم، إلا أن الدكتور صادق أبو طالب، أستاذ الاقتصاد والتمويل الدولي بجامعة تعز، نفى صحة الكلام القائل بأن سحب ومصادرة النقود المطبوعة حديثاً من السوق، يسهم في منع انهيار العملة الوطنية، مؤكدا في تصريحات صحفية أن ذلك ليس له أي أساس علمي، وإنما الغرض منه مصادرة أموال المواطنين لتمويل حروبهم.

ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور طه الفسيل، أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء، أن نظام الريال الإلكتروني لا بد أن يقوم على قواعد وأصول معينة، وليس على قرارات عشوائية، ويحتاج إلى بنية إلكترونية بين البنوك والمصارف.

وحتى اليوم وبرغم تهديدات الحوثيين الكثيرة بشأن إيقاف التعامل بالعملة الجديدة، إلا أنها لم تنجح في تنفيذ ذلك وإيجاد الحلول على أرض الواقع، في ظل توقعات بأن تزيد معاناة المواطنين خاصة أن الريال الإلكتروني سيكون مرتبطا برقم الهاتف، ما يعني إمكانية تعرض المواطنين لخسارة كل أموالهم، سواء في حال ضياع جهازهم أو عدم امتلاكهم خبرة بشأن التعامل مع الإنترنت وتجنب الوقوع في مصيدة المخترقين "الهاكرز".

تداعيات

ومع صدور ذلك القرار بدأت انعكاساته تظهر على أرض الواقع، ففي الحديدة أغلقت مؤخرا عدد من المخابز والأفران أبوابها نتيجة ارتفاع أسعار الدقيق، بعد صدور قرار منع تداول العملة.

وكانت بعض محال الصرافة في مأرب قد أوقفت عملية إرسال الحوالات المالية إلى مناطق سيطرة الحوثيين، بعد قرار فرع البنك المركزي بالمحافظة بإيقاف رفع سعر العمولة لأكثر من 1000%، وأرجعوا سبب ذلك إلى عدم توفر السيولة من العملة القديمة في مناطق نفوذ المليشيات.

ويُلاحظ أن هناك فارق سعر في الصرف بين صنعاء وعدن، فعلى سبيل المثال، بلغ في السادس والعشرين من الشهر الجاري سعر صرف الدولار في عدن 648، أما في صنعاء فهو 590، وكذلك فإن الريال السعودي في الأولى 170.5 وفي الثانية 155.7.

وبحسب الباحث الاقتصادي عبد الواحد العوبلي، فمنع تداول العملة الجديدة في مناطق سيطرة جماعة الحوثي سيؤدي إلى المضاربة على سعر العملة الجديدة مقابل القديمة، كما حدث في عدة مناطق.

وقال العوبلي -في تصريحات صحفية- إن جماعة الحوثي تقوم أيضاً بسحب المبالغ المالية من الناس ومصارفتها بعملة صعبة، لافتاً إلى أن هذا الإجراء يسبب تزايدًا في الطلب على العملات الأجنبية، وبالتالي ارتفاع سعرها أمام العملة المحلية، على حد قوله، ما يعني حدوث موجة تضخم جديدة وزيادة أخرى في أسعار السلع والخدمات، تشكل مزيدًا من الأعباء على المواطن اليمني المطحون أصلاً.

كما تؤدي إلى إضعاف القوة الشرائية للعملة الوطنية، وبالتالي تخفيض القيمة الحقيقية للمدخرات والدخل والاستهلاك، وتفاقم مستويات الفقر وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، خاصة أن اليمن يعتمد على الاستيراد في تغطية جل احتياجاته الغذائية وغير الغذائية، وفق حديث الباحث الاقتصادي.

تحذيرات وإصلاحات ضرورية

مع استمرار تداعيات ذلك القرار، حذر فريق الإصلاحات الاقتصادية في اليمن، الذي تم الإعلان عنه عام 2012، من خطورة عدم التعامل مع الإصدار النقدي الجديد، وتأثيره السلبي على الصعيد الإنساني والاقتصادي والسياسي.

من بين الأضرار المتوقعة، ذكر الفريق أنه سيؤدي إلى مزيد من الانكماش الاقتصادي، وزيادة معاناة المواطنين اليمنيين، ويكبد القطاع الخاص والاقتصاد اليمني خسائر فادحة، خاصة مع المخاطر المتوقعة من التضخم الناتج عن طباعة العملة، وازدواج القرارات المتعلقة بالقطاع المصرفي بين عدن وصنعاء.

أما الحلول فدعا الفريق إلى ضرورة العمل على سرعة تفادي مزيد من الخسائر الأكثر كلفة على المستوى الإنساني والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، مؤكداً أن معالجة تلك القرارات تأتي في إطار الحل السياسي الشامل، محملا الحوثيين المسؤولية القانونية والأخلاقية في العدول عنه.

وهناك مطالبات -من قِبل اقتصاديين- من البنك المركزي للضغط على الحوثيين وإجبارهم على التعامل بالنقود الجديدة، خاصة أن تلك المليشيات تستورد الغاز من مأرب الخاضعة لسيطرة الشرعية.

ومؤخرا اتهمت اللجنة الاقتصادية مليشيات الحوثي باصطناع أزمة وقود في المناطق الخاضعة لسيطرتها، تعزيزا للسوق السوداء، لتستفيد من ذلك في إثراء قياداتها وتمويل نشاطها العسكري والسياسي.

وأوضحت أن كميات الوقود التي تم توريدها إلى الموانئ اليمنية خلال الفترة من 1 أكتوبر 2019، وحتى 10 يناير الجاري 2020، توفر كميات وقود تكفي مناطق الخضوع حتى منتصف مارس 2020، وأن حصة ميناء الحديدة الخاضع للحوثيين منها وصلت إلى 60%.

ومن المتوقع أن يزداد تكدس العملات النقدية القديمة التي تعرض أغلبها للتلف، وهو ما يحدث حاليا بالفعل، فالنقود الورقية هناك فقدت كثير من معالمها وباتت مهترئة للغاية.

كلمات دالّة

#اليمن