الخميس 02-05-2024 08:58:19 ص : 23 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

11 فبراير.. جماليات الثورة والسقوط السياسي (الحلقة السادسة والأخيرة) شباب 11 فبراير والدور المطلوب

الخميس 28 فبراير-شباط 2019 الساعة 10 مساءً /  الإصلاح نت - خاص/ عبد العزيز العسالي

 

 

بدون مقدمات، مفهوم الثورة عند علماء الاجتماع السياسي يعني ببساطة "التغيير نحو الأفضل".

لا أدعي أنني منظِّر، وفي ذات الوقت أكره أن أقول إملاءات تجاه الغير، لكن عملي هنا يتمثل في: تذكير، إضاءات، أو فلاشات، كوني أعلم أن ثورة الشباب السلمية المباركة لديها من ذوي التخصصات الكثير وهؤلاء هم ذخيرة الشعب اليمني. لا مجال للاختباء، فالتحدي أقوى وشباب 11 فبراير قادرون.

ثورة فبراير السلمية واجهت أكبر تحدٍّ وهو الموت بأبشع صورة من بداية انطلاقتها مرورا بالانقلاب الحوثي- عفاشي السلالي المليشاوي، وها هي اليوم الثورة تقترب وإن كانت بطيئة، تقترب من دحر الانقلاب واستعادة الشرعية السياسية التي كانت ثورة فبراير السلمية تستهدف تعزيزها، لكن شاء الإجرام أن ينقلب ويذهب بعيدا ولله في هذا شأن.

نعم، ثورة فبراير اليوم هي أمام التحدي الحقيقي الأقوى المتمثل في ترسيخ السلام والاستقرار ووضع أسس جديدة في المجال التنموي والذي تم تجميده أيام الحكم الشاذ.

 

أولا: مجال التذكير

الثورة قامت ضد الفساد الشامل الذي كرسه المفسد فعشعش خلال أربعين عاما من التخلف والشذوذ والصلف والاستعلاء.

إن ثورة 26 سبتمبر 1962 وثورة 14 أكتوبر 1963 مضى عليهما خمسة عقود ونصف، ولم تقدما أي برنامج توعوي تنموي للشعب، هذا التفريط أدى إلى عودة الملكية والسلالية، التي فتح لها المفسد المجال كي يجعل الشعب بين خياري السلالية الملكية أو العائلية الجمهلكية.

وعليه، فإن شباب 11 فبراير ما لم يتحملوا مسؤولية التغيير نحو الأفضل بل وما لم تبقَ الثورة مستمرة فإننا سنعود إلى ثورات دموية جديدة.

إذن، شباب 11 فبراير أمام مسؤولية كبرى ولكنها أقل من تحديات الموت والدمار، وهي في ذات الوقت أخطر، ذلك أن الشباب إذا تملكهم الغرور بما قدموا وخلدوا إلى الحطام المتمثل في "الفخفخة" والمظاهر، هنا سيكونون قد حكموا على شعبنا المعطاء بكارثة دموية أخرى لا سمح الله.

 

ثانيا: تذكير عملي

يا شباب 11 فبراير، لقد سجلتم أنصع صفحات النضال السلمي والسلام والتعايش والإخاء والمواطنة، والتي تجلت معالمها في مخرجات الحوار الوطني.

وها أنتم اليوم يا شباب11 فبراير أمام اختبار عملي يقتضي:

1ــ استمرار الثورة السلمية.

2ــ قيام روح الفريق الواحد، وهذان لن يكتب لهما النجاح في ظل العفوية، وبالتالي مستحيل تحقيق 1%، وعليه، فالفكرة التي أقصدها هنا هي تكوين مجلس 11 فبراير وفق نظام داخلي وأهداف إستراتيجية ومرحلية، وتحديد المهام والأهداف الثقافية والإجراءات الإدارية والتنظيمية... إلخ، وفي مقدمتها انتخابات دورية كل سنتين لقيادة المجلس أو حسب ما يراه شباب المجلس، المهم ضخ دماء جديدة لقيادة المجلس.

ثالثا: الهدف الإستراتيجي العام يتمثل في تطبيق مخرجات الحوار الوطني، وهذا يستدعي دراسات... إلخ، غير أني أكرر القول: إن شباب فبراير لديهم الإمكان الفكري والثقافي والإلمام بالواقع والتخطيط في تنفيذ هذا الهدف الإستراتيجي العام.

 

رابعا: خراب القيم

لن أكشف سرا بل ولن أهتك سترا إن قلت إن فترة الحكم الشاذ لم يقتصر تخريبها القيمي عموما على تلك الفترة فحسب، وإنما أقول جازما إن "تخريب القيم" ستظل آثاره لعقود قادمة.

 

التحدي

لكن إذا نظرنا إلى هذا التخريب القيمي من زاوية أنه يمثل تحدياً للثورة وشبابها المثقف، فهذا النظر سيثير لدينا تحديا أقوى، وسيتم استنفار الجهود وبالتالي سيكون العلاج في زمن قياسي جدا، بشرط دراسة الأسباب بدقة ثم التوجه الجاد إلى مكامن العلة، وهنا ستكون الحركة أكثر فاعلية وأقوى في النتائج.

 

النفخة الثقافية

لديّ معلومات هامة ذات صلة بهذا الصدد لا مجال لاستعراضها، بل وأجزم أن الكثير من المتخصصين لديهم الأفضل والأهم، وأعتقد أن المهتمين سيقدمون ما لديهم إذا لمسوا الجدية والفاعلية.

وعليه، فإن الذي يمكن لشباب الثورة أن يقدموه لن يتعدى التوعية الثقافية والتي هي بمثابة نفخ الروح في المجتمع وستكون الفاعلية المجتمعية مذهلة.

 

قياس مع الفارق

أيام الرئيس الحمدي، رحمه الله، تمت انتخابات هيئة التطوير، أي الانتخابات البلدية، علما بأن يومها كان الوعي الشعبي في أسفل الدرجات، لكن المواطن ما إن لمس التوجه الجاد فبادر إلى سبق الدولة فبنى المدارس وشق الطرقات للقرى بنسبة 96%.

 

سادسا: فلاشات أخرى

اطرقوا الدروب غير المطروقة. جميعنا يعلم المحنة الاقتصادية التي يعانيها المواطن اليمني خلال فترة الحكم الشاذ، نعم المحنة المتمثلة إجمالا في الخدمات الأساسية (صحة، تعليم، فرص عمل، مياه، وصرف صحي)، ناهيك عن المسكن بالإيجار، بل مؤخرا أصبح استئجار السكن من الصعوبة بمكان جراء السياسة الشاذة التي فتحت أذون الخزانة للتاجر فتوقفت عملية البناء والتنمية، لأن التاجر وجد الربح مضمونا.

نعم هذه المحنة التي دمرت المواطن، علما بأنه يسمع إعلان موازنات عامة للصحة والمياه والتعليم... إلخ، لكن لا أثرا لها في الواقع، وأقرب مثال موازنة مشفى الثورة العام بتعز في عام 2008 بلغت ستة مليارات ريال، ولكن هيهات أن يحصل المواطن على حبة دواء، فضلا عن علاج وكشف وعناية وعمليات جراحية، وهكذا قس في بقية المرافق.

 

محنة ومقترح.. الكتاب المدرسي نموذجا

هذه محنة تعلمها الأسرة، الطفل، الأم، الأب، المدرسة، المعلم، الجهات المعنية، والحكومة، الكل يعلم أن الكتاب المدرسي يصعب الحصول عليه، وفي ذات الوقت يعلم الجميع أن الكتاب يباع في الأرصفة والأكشاك.

 

 موازنة الكتاب المدرسي

لا شك أن المتابع سيتذكر أنه في عام 2010 بلغت موازنة الكتاب المدرسي 13 مليار ريال، ولكن السؤال الذي لا إجابة عليه: أين الكتاب؟

 المقترح: يا شباب الثورة العظماء، ماذا لو تعاطينا مع المقترح كالتالي: نفترض أن عدد الطلاب في اليمن مليوني طالب كحد أدنى، ثم عكف مجلس شباب 11 فبراير على بلورة المقترح في صورة عقد مع شركة هندية أو صينية على تصنيع أيباد خاص يحتوي الكتاب المدرسي فقط، ويمتاز برابط بإدارة المناهج لتنزيل المقرر، إذن مليوني أيباد كحد أدنى، لا شك أن التكلفة لن تتعدى ملياري ريال، قل ثلاثة مليارات ريال، ألسنا بحاجة بقية الـ10 المليارات نوفرها في دعم التعليم؟

 

سادسا: فلاش آخر

هذا الفلاش يتناول إحدى المحن القاتلة للمواطن نفسيا واقتصاديا، إنها محنة الجانب الصحي. أصبحت اليمن مقلبا للنفايات العلاجية، وصرنا نستقبل أتفه الصناعات العلاجية حيث لا رقيب. إياك أخي القارئ أن تقول إن السبب هو الحرب.

أقول لك إن ر ئيس الوزراء بعد استقالة بن غانم، رحمه الله، دُعِي إلى فعالية جمعية حماية المستهلك وكانت كلمة الجمعية تطالب الحكومة بمحاربة كارثة تهريب العلاج، فقام رئيس الحكومة لحظتها وقال: "الحكومة عاجزة عن معالجة هذا الطلب، وأنا ضحية إبرة مهربة".

مهتمون تابعوا هذه الفضيحة التي لا يمكن تغطيتها بأي حال، فوجدوا رقما متواضعا خاصا بتكلفة علاج الرجل بألمانيا طيلة عام كامل لإصلاح ما أفسدته الإبرة المهربة، بلغت التكلفة 500 مليون ريال فقط.

تكرر الموقف لرئيس الحكومة الذي تلاه، وفي مشفى عالي المستوى بالعاصمة، تصوروا ماذا كانت ردة الفعل من رجل الحكومة الذي أفاق بعد 24 ساعة؟ فقد أصدر قرارا بإغلاق كليات الطب بالجامعات الخاصة، والحل تم فتح جامعة لشلة الإجرام، هذه الجامعة المحمية بالفساد زورت الشهادات في كل مجال.

 

 أقبح محنة

الطب مهنة إنسانية، ونظرا لما سبق، فقد تجذرت المحنة وتحول الأطباء إلى أسوأ من الوحوش الكاسرة، وأصبح المواطن بين ديون قاتلة للحصول على خدمة السباع، أو تتضاعف محنته حتى يواريه الموت.

 

المقترح

يستطيع شباب 11 فبراير أن يقدموا حلولا دون تحميل الخزين العامة، مع التسليم بأن ما تقدمه الخزينة سيكفي.

لكن هنا حل سيسهم به المواطن ببساطة وهو مرتاح من راتبه البسيط، بل ومما تقدمه شبكة الأمان الاجتماعي، الحل هو "التأمين الصحي". يستطيع مجلس 11 فبراير الاستفادة من تجارب العالم وسيقدم أعظم منجز على الإطلاق، والنماذج الناجحة كثيرة في الجانب الاجتماعي الذي فعلته بعض شركات التأمين (المتحددة نموذجا)، والمبلغ المدفوع شهريا من الموظف 285 ريالا، وتوفي البعض فقدمت له الشركة مبلغ 700 ألف ريال بُنِي بها سكن للأولاد.

 

الثمار

الثمار التي سيجنيها المجلس فقط:

1ــ سيجد التفافا وفاعلية مع المجلس من شريحة مجتمع مدني بل أوسع الشرائح على الإطلاق، ولهذا قلنا أعلاه: يا شباب 11 فبراير دوركم لن يتعدى بلورة الفكرة ثم النفخ التوعوي والثقافي فقط.

 2ــ ترميم سريع للخراب الواسع الذي خلّفه الوضع الشاذ، ذلك أن المواطن يواجه خراب القيم في جانب الطب ومذبحة ملاك البيوت إلى جانب تدمير التعليم وبقية الخدمات.

3ــ ستنكعس آثار التأمين على الجهاز الحكومي والبطالة المقنعة الهاربة من العمل الوظيفي بحثا عن تحسين الحال معيشيا، بل وهناك ثمار عدة في مجالات مختلفة.

 

فلاش الإيجار

العالم من حولنا يقول إن المواطنة المتساوية تبدأ من امتلاك سكن، ثم التعليم، ثم الصحة... إلخ. سيكون دور المجلس مع هذا الفلاش هو البلورة -كما قلنا- والنفخ التوعوي الثقافي في وعي المواطن.

وهنا سيأتي القطاع الخاص ومعه العام أو بمفرده والبدء بطلب المساهمات الممكنة من المكتتبين لإقامة مدن سكنية تتوافق وحال الموظف البسيط، وهناك دراسات حال بينها والنفاذ أخطبوط الفساد العائلي اللعين، والقارئ يعلم التفاصيل.

 

هذه فلاشات تلامس المواطن ذا الدخل المحدود، وقطعا سترفع عن كاهله الكثير.

 

فلاش المرأة في الريف

الصندوق الاجتماعي قدم نموذجا رائعا في الريف والمدينة. القسط الأكبر من السكان هو في الريف ربما يتجاوز 60%، والتنمية هنا جامدة سيما في جانب المرأة والتي لها الدور في الدعم وانتعاش الاقتصاد الأسري، فالذكور من الريف يلحقون بالمدينة، لكن أغلب الفتيات يلقين صعوبات بالغة.

مجلس فبراير عليه أن ينفخ في هذا الاتجاه بدءًا من بلورة الفكرة ثم بالتنسيق مع الصندوق الاجتماعي للتنمية والحكومة والقطاع الخاص، لإقامة معاهد مهنية وحرفية متنقلة ولكل منطقة حسب التخصصات التي تتفق ووضع المنطقة المعيشي والمهني، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إنشاء سكن خاص ببنات الريف الراغبات بالتعليم الجامعي في عواصم المحافظات.

وهنا سيتسع مجال المجتمع المدني الذي هو أقوى وأنجع الوسائل في حسم القرارات السياسية الإستراتيجية مهما استعصت.

 

من زاوية أخرى، خلال 25 عاما من الحكم الشاذ تم تدمير التعليم تدميرا ممنهجا، وبلفتة سريعة سنجد ما يشيب له الطفل.

 

ضحالة مخرجات الثانوية

والسؤال، هل نرفض هذه المخرجات؟ الجواب: لا. المقترحات كثيرة أقربها فتح مدارس تحضيرية في معاهد المعلمين، يتم إعادة ترتيب عقلية الطالب الراغب في التعليم الجامعي على أن يخضع لمقابلة صارمة داخل الجامعة، بدون هذا فالتنمية ستتعثر.

 

 الأمن القومي: إعادة التعريف وتحديد المهام

الحكم الشاذ لوّث كل شيء، ومن ذلك مفهوم الأمن القومي. هذا المكون المجتمعي في العالم ليس أمنيا ولا عسكريا وليس له موازنة... إلخ، وإنما هو شخصيات من التجار والقضاة والضباط والوجهاء والتربويين وذوي التخصصات المختلفة، يجتمعون لبلورة أفكار حول التنمية في البلد والتعليم والأمن الغذائي والأمن البحري والموارد والاستثمار، أفكار خبرا ء يقدمونها للحكومة والحكومة تضع الخطط وتنفذ، وموازنة هذا الجهاز قد لا تتجاوز ملايينها أصابع اليد بالعملة المحلية.

لكن الحكم الشاذ جعل هذا المكون إرهابيا عسكريا بوليسيا، وجعل على رأسه ومفاصله صبيان العائلة المارقة الساحقة السارقة، فأنتج منها نهب الخزينة أولا ثم داعش والقاعدة ثانيا، أما ثالثا فهو جهاز لابتزاز الخزينة تحت مسميات وهمية، وكانت الموازنة لحظة تكوين هذا الجهاز وقبل أي دراسات أو مهام بلغت الموازنة 54 مليون دولار فقط.

ياشباب 11 فبراير: اسحبوا مهام هذا المجلس الإرهابي النهاب وحولوا مهامه إلى مهام تنموية مثل سائر بلدان العالم، هذا أولا، وثانيا، اجعلوا هذه المهام التنموية من مهام مجلس 11 فبراير كي تستمر الثورة في العطاء.

 

الخلاصة

ليكن مجلس11 فبراير تنمويا، ليكن مجلسكم يا شباب مصدرا للوعي التنموي ومسهما في بلورة ومساعدة الحكومة في النهوض التنموي، وقبل وبعد وفوق كل ما سبق، اعتنوا باستحضار القيم الإنسانية والوطنية والدينية والاجتماعية والدستورية والقانونية، كل القيم الإيجابية، اعملوا علي إحيائها وتجسيدها بعد الخراب الذي ألحقته الضباع القذرة، وأيضا شددوا على إتقان التخصص مع التحلي بالقيم.

تلكم هي أبرز المهام المنشودة أمامكم يا شباب 11 فبراير (مذكرات، فلاشات).

وفق الله شباب 11 فبراير لما فيه خدمة أمتنا.. عاشت اليمن حرة.. الرحمة والمجد والخلود لكل الشهداء.. والله نسأل أن يشفى كل الجرحى.. آمييين.

خالص التحايا لكم أيها الشرفاء.