الجمعة 17-05-2024 06:33:29 ص : 9 - ذو القعدة - 1445 هـ
آخر الاخبار

11 فبراير.. جماليات الثورة والسقوط السياسي (الحلقة الخامسة)

ثورة فبراير بين قراءتين

الثلاثاء 26 فبراير-شباط 2019 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - خاص/ عبد العزيز العسالي

  

مفتتح

من الأمور الطبيعية أن تختلف قراءة الأحداث، بل يحصل الاختلاف بين صناع الحدث فضلا عن غيرهم، وعليه، فإن ثورة فبراير عام 2011 التي تستقبل عامها التاسع ينطبق عليها قانون اختلاف القراءات، نظرا لطول المدة نجم عنها قراءات مختلفة تجاه مسار الثورة ومعوقاتها وإنجازاتها والاختلالات التي رافقتها، وكما يختلف الناس حول الثورة ومعوقاتها، فإنهم أيضا يختلفون حول الحلول وهكذا.

إسهاما في تبصير القارئ، حاولنا رصد أهم القراءات والتفسيرات من وجهة نظرنا فوجدنا أنها تندرج تحت نوعين من القراءات وتحت كل قراءة صور عدة، والقراءتان هما: القراءة الاختزالية، والقراءة العقلانية.

 

فما هي القراءة الاختزالية؟

التماسا للموضوعية ووضعها في مكانها المناسب، نرى وجوبا تقديم مفهوم متصل بسياق حديثنا حول هذا المفهوم ذكره علماء الاجتماع، يكاد يكون قاعدةً مفاد هذا المفهوم: طول أمد المحنة يُفقِدُ المجتمع اتساق الرؤية، أي تكون رؤية المجتمع غير متكاملة وإنما متشظية بسبب انعكاسات الحالة التي يعيشها المجتمع.

بصيغة أكثر وضوحا،
فإن طول المحن تجعل المجتمع متضجرا فتتباين التفسيرات بين التشاؤم والنقمة... إلخ، غير أن الأخطر هو نسيان أسباب المحن كون المجتمع يصفه علماء الاجتماع بـ"الذاكرة المثقوبة".

وقبل أن نستعرض بعض القراءات المختزلة، نود القول إن القراءة الاختزالية التي سنستعرضها ليست صادرة عن خصوم ثورة 11 فبراير السلمية، ولا من أشخاص الثورة المضادة المتمثلة في الانقلابيين، وإنما هي قراءات صادرة عن أشخاص داخل المجتمع أكثرهم عاشوا الويلات، وبعضهم سطحيو الثقافة، والبعض لديهم ثقافة لا بأس بها لكنهم يبغون الطريق عوجا، وبعضهم في صف الثورة، حسب الظاهر، والبعض لديهم قسط محترم من الفكر والثقافة لكنهم يرفضون الثورة بسبب وجود شخص أو شخصين أو أكثر في صف الثورة، والبعض يربط الثورة الشعبية العارمة بامرأة بعينها، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، فإننا سنقدم عقب كل نموذج مناقشات عقلانية للقراءة المختزلة، مساعدة للقارئ حتى لا يفقد خيط الفكرة، كما أننا مبدئيا نعلن تعاطفنا مع بعض أولئك الغلابى الذين طحنتنا وإياهم كارثة الانقلاب، فلقد عانينا ولا زلنا جميعا تحت وطأة لهيب الحصار المجرم.

ومع أننا جميعا ضحية الانقلاب المليشاوي العفا-حوثي المجرم، لكننا نعلن تعاطفنا مع بعض ذوي القراءة الاختزالية للثورة نظرا لمحدودية ثقافتهم وطول المحنة.

نماذج القراءة المختزلة

1ــ النموذج الحسي المادي

هذا النموذج من القراء يؤمن بما يراه أمام عينه فقط، فهو يختزل قراءته في جانب توفير حاجته اليومية فقط، وهو صادق لأن المحنة أثّرت بشكل كبير على أساسيات عيشنا جميعا.

ولأن الذاكرة المثقوبة حاضرة لدى هذا النموذج بقوة، فتجده ناسيا شكواه طيلة أيام الحكم العائلي الفاسد، والذي قتل الشعب بالجرعات خلال عقدين من الزمن، وفي ذات الوقت تجده متجاهلا أن السبب المباشر هو الانقلاب ضد حكومة الوفاق التي كانت قد قضت على سيل الجرعات التي أراد الفساد أن يقضي بها على ما تبقى ــ نعم ما تبقى ــ من الشريحة الوسطى في المجتمع وإلحاقها بدرجة تحت خط الفقر.

الذاكرة المثقوبة نسيت وربما تناست الأزمات المتوالية والمتراكمة بدءاً من مطلع عام 1990 حيث رافقت الوحدة أزمات مصطنعة في جوانب عدة: الدقيق، القمح، السكر، الغاز، البترول، الماء، العلاج، الكهرباء، النظافة العلاج، وصولا إلى فقدان العملة المعدنية، وهذه حقائق مسجلة في الصحف والإعلام.

الذاكرة المثقوبة أوجدت قراءة اختزالية متعامية إزاء قصف مليشيا الانقلاب على المدن، وفرض الحصار وقطع الطرق، والتي انعكست حرمانا للمجتمع من الوصول لحاجاته اليومية من أقرب الطرق.

إذن، الأزمة قديمة ومتراكمة، والجديد هو إجرام مليشيا الانقلاب، قُطاع الطريق المحاصرين للشعب.

إزاء الذاكرة المثقوبة، فإن القراءة العقلانية تلزمنا أخلاقيا مقاسمة هذه الشريحة معاناتها، بشرط الإيضاح لها أن الثورة لا ذنب لها.

2ــ ضبابي الرؤية

هذه شريحة أخرى من ذوي الاختزالية، يدرك أصحابها حجم الفساد الذي أخرج الشعب سلميا ليقول للمفسد ارحل، غير أن هذا النموذج يعاني غبشا في فهم أبعاد وتعقيدات وتشابك الثورة المضادة، إلى جانب ذلك الغبش تأتي المتطلبات الأساسية والتي تمثل إكراهات غير عادية، وهنا يفقد توازنه لأن صوت المعدة أقوى، فيردد مع النموذج السابق "ليت الثورة ما كانت".

أما إذا سمع أن هناك نفوسا ضعيفة سقطت في حمأة شهواتها فنهبت المال العام، فإن هذا النموذج يوغِل في غيبوبته فيقول أقبح ما لديه.

3ــ الساخرون

هذا النموذج يلبس لبوس الثورة والمقاومة بل والجيش الوطني، وأغلب هؤلاء هدفهم بلورة النكات، كما أنهم يوظفون المعاناة اليومية جسرا لإعلان سخريتهم.

طول أمد المحنة قدم عونا للعقلاء تمثل في كشف النقاب عن خلايا انقلابية استهدفت هذا النموذج الساخر في التسريب والإيحاءات الشريرة.

ثم إن التعاطي الطويل مع الشريحة الساخرة عمل على كشف حقائق الساخرين بالأدلة الدامغة، إنهم موظفون مع الفريق الانقلابي وإنهم لا زالوا يعيشون بقية أيام المتعة التي يقدمونها للمليشيا، تنفيذا لأوامر الزعيم الهالك، كما لوحظ أن هذا النموذج يدور في فلك التخزينة اليومية. ومهما تجلت حقيقة المتعة الآنفة فإن لسان حال أغلب الساخرين يقولون للتخزينة "إياك نعبد وإياك نستعين"، فـ"البقبقة" مستمرة ومتفاوتة، تشويها للثورة وتجاهلا لجريمة الانقلاب، والذي هو السبب الرئيسي في إعاقة منجزات ثورة 11 فبراير الشعبية السلمية. باختصار، نحن أمام نموذج ملوّن بامتياز.

4ــ الشخصانية

نموذج مثقف ومتفهم وقارئ للجوانب الإيجابية للثورة، لكنه يعاني عقدة تجاه شخص بعينه، الأمر الذي يفقده توازن الرؤية وضبطها، فيقول: نعلم أنها ثورة شعب مظلوم صح ومطحون صح ومنكوب صح ومنهوب صح، ولكن تواجد فلان أو عِلان في صف الثورة أضاع الثورة وأفسدها ودفنها، وبعضهم يضيف أن من أكل لحم شباب الثورة هم الأشخاص المنضمون إلى الثورة.

وإذا سألته عن جريمة الانقلاب والثورة المضادة،
يسعى جاهدا ليفرِّق بين فساد الثورة بسبب وجود فلان في صفها وبين حادثة النهدين، معترفا بأن علي صالح انتقم فعلا وتسبب في طول الحرب وإعاقة الثورة، ولكن الثورة فاسدة من الأساس، لأن فلان في صف الثورة، والانقلاب تحصيل حاصل.

المنطق العقلاني يكشف لنا أن هذا النموذج يعاني وسواسا قهريا من النوع المزمن، بدليل أنه تارة يقول الثورة أرادت قتل علي صالح، وتارة يلوك لسانه ويعترف بكارثة الانقلاب، ولكنه يتبع قوله إن الانقلاب تحصيل حاصل، هكذا دون أن يوضح كيف أن الثورة فاسدة، ولا كيف أن الانقلاب تحصيل حاصل.

ــ ساسة عقلانيون من القطع الكبير، يرون أن حادثة النهدين مصطنعة، لبلورة مظلومية تبرر سفك الدماء وفساد الدمار الذي أحدثه انقلاب علي صالح والحوثي ببركة الحرس العائلي المليشاوي، مؤكدين أن حادثة النهدين لو لم تكن مصطنعة لاستدعى علي صالح فرقا عالمية للتحقيق.

5ــ النفعيون

هذا النموذج ثائر في نظر الجميع بحكم انتمائه إلى بيوت ناضلت عقودا ضد الملكية والسلالية والجهوية والطائفية وقدمت التضحيات عقودا عدة.

ثم إن شخصيات هذا النموذج النفعي يصعب على بعض العقلاء إساءة الظن تجاهها، كونها سليلة المناضلين الشرفاء. هذا النموذج تم اكتشافه بدءًا من الأسابيع الأولى لإعلان المقاومة، فهل كارثة الانقلاب خدمت الثورة بهتك ستار هذا النموذج الذي تم اكتشافه بطريقة عفوية جدا كونه تسرع وأطل برأسه يحدوه صوت أمني النزعة أولا، ومتكئا بثقة إلى نجاح الانقلاب ثانيا، فبرز متسائلا بنبرة لا تخلو من سخرية قائلا: هل معقول أنّ تعز المدنيّة ستتحول قبلية؟ طبعا هذه النغمة كانت ذات تاثير خطير يومها في الوسط الفكري والثقافي والاجتماعي، بسبب الغلاف الخادع الذي لبسه هذا النموذج النفاث للسموم.

ولأن الجدل مع النفعيين غلب عليه أحيانا كثيرة طابع الاحترام، فقد تكشّف الموقف أن هذه العناصر:
أ- تتآكل بتاريخ مناضليها.
ب- أنها تعمل بنظام الوظيفتين الظاهرة والباطنة، فالظاهرة تتمثل في عمل وظيفي رسمي واضح في موسسات الحكم العائلي. أما الوظيفة الباطنة فهي وظيفة أمنية استخباراتية ذات رتبة عسكرية وراتب رفيع يفوق الوظيفة الظاهرة.

فقد تمكن رأس الفساد عبر هذا العمل الباطن من احتواء الكثير من أبناء ذوي التاريخ النضالي، راسماً لهم هدفاً يتمثل قبل الانقلاب في العزف على الجهوية والطائفية ولكن بتلميح. أما بعد الانقلاب تحديدا فالهدف تحريك نغمة المدنية والثقافة وإثارة كراهية القبلية وبطريقة ناعمة لكنها تثير الغثيان. وحقيقة الأمر ليست هي المدنية أو أي شيء آخر، بدليل أن علي صالح قد باع الجمهورية للسلالية. إذن، التباكي على المدنية هو في الحقيقة خوف على
الوظيفة الأمنية وحفنة الريالات الوفيرة لا غير.

انكشفت حقيقة هذا النموذج فبادرت وغيرت الجلود لتعود إلى فحيحها، عاملة تحت لافتات مختلفة، متذرعة بالحرص الوطني ومحذرة من سرقة الثورة وأن تعز قد تم بيعها وأن الأحزاب استوفت الثمن.

عجيب أمر كم يا إخوان الحرباء، أن ينتفض الشعب في عدن وتعز ولحج والجوف ومأرب وغيرها للدفاع عن النظام الجمهوري ورفضا للعائلية والسلالية والجيش المليشاوي الانقلابي، فهذه في نظركم قبلية مقيتة، لكن تقديس وترسيخ العائلية وخلع العداد لأجلها وصولا إلى السلالية الملكية والشرب من مستنقعهما هو أبو الديمقراطية وأس المدنية.

تلكم هي النماذج البارزة والمنضوية تحت القراءة الاختزالية، آملين أننا قد أعطينا القارئ خلاصة سريعة ومفيدة حول القراءة الاختزالية بنماذجها المهمة.

القر اءة العقلانية

أولا: نظرة سريعة في تاريخ الثورات الكبرى في بريطانيا وفرنسا وأمريكا، من يطالع تاريخ هذه الثورات سيجد أن بريطانيا قامت فيها أول ثورة في عام 1642م، ولكن ملك بريطانيا رفض مطالب الشعب فدخلت بريطانيا في حرب طاحة تجاوزت أربعة عقود كاملة.

هنا حقيقة تاريخية خافية على الكثير وهي أن بريطانيا تحولت من مملكة إلى جمهورية ثم عادت ملكية.
الخلاصة بإيجاز شديد، تصلب ملك بريطانيا وأولاده أدى إلى هروب 7 أشخاص، تجار وساسة ومفكرين، هربوا إلى هولندا واستعانوا بولي عهد هولندا زوج بنت ملك بريطانيا وقالوا له: انقذ البلد. فتحرك ولي عهد هولندا مع زوجته بأسطوله البحري وأسقط عرش عمه الطاغي المفسد المتخلف، وأعلنها مملكة دستورية بعد عقود.

أمريكا كانت مستعمرة بريطانية وكان ملك بريطانيا الآنف الذكر متعجرفا قد فرض على الأمريكيين ضرائب باهظة، فتوسل شعب أمريكا إلى الملك المحتل فأعطاهم الملك الأذن الصماء. وفي عام 1783م انتفض شعب أمريكا ضد الاحتلال وأعلن أمريكا جمهورية، وكان جورج واشنطن قائد الثورة الأمريكية، فحصل في أمريكا بعض الفلتان الأمني، ولكن جورج واشنطن -خلال 8 سنوات- أخمد القلاقل وضبط الأمن. وهنا أرجو القارئ أن يعير الموقف اهتمامه، فهنا لا توجد ثورة مضادة ولكن طبيعة المجتمعات أن يوجد فيها النفوس الضعيفة، هذه النفوس الضعيفة استغرق كفاحها 8 سنوات، واستقر الأمر بعد 8 سنوات.

فرنسا قامت ثورتها عام 1789م، أي بعد الثورة الأمريكية بست سنوات، ثورة فرنسا لم تتأثر بالنظام الجمهوري في أمريكا، وإنما حذت حذو بريطانيا فطالبت بمملكة دستورية لا غير والملك يبقى في قداسته.

ظلت الثورة الفرنسية سنتين مكتفية بانتخاب برلمان ومجالس بلدية فقط، إلى جانب التمتع بالحقوق المدنية. لكن غباء ملك فرنسا دفعه إلى رفض انعقاد البرلمان، بل وصلت به الوقاحة أنه كان إذا اجتمع ممثلو الشعب في البرلمان يرسل حراسه لطردهم من البرلمان، فقامت ثورة الجمهورية بعد سنتين بقيادة روبسبير الذي لاحظ تصرفات الملك واستلابه للشعب وإنكاره لحقوق الشعب، وكذا انضمام القوى التقليدية (ملاك الأرض) إلى حانب الملك، فجاء الاشتراكي روبسبير المستبد الأطغى وشنق الملك وزوجته، وأفحش في ردود فعله قتلا وسجنا ومطاردات تجاه الإقطاع، فاعترض عليه رفاقُه الثوار فقتل منهم الكثير بلغ عددهم أكثر من 2000 شخص كلهم ثوار.

تأمل أيها القارئ، عنف الملك أدى إلى عنف شعبي، ثم انتهى عنف روبسبير أن حٌكِم بشنقه مع زوجته. ويأتي بعد سنوات قليلة نابليون ليعلنها إمبراطورية توسعية، فحارب أوروبا كلها ووصل صربيا واستعمر مصر، معلنا أنه سيصدر ثورته إلى العالم، كونها رسالة عالمية، وانتهى نابليون بالخلع من الحكم، حيث تعصب ضده الداخل والخارج.

الثورة المضادة

استمرت فرنسا قرابة 80 عاما في تطاحن وحروب ونزيف دموي طويل، وعاد حفيد الملك المشنوق من المنفى وعمره أربع سنوات، وخرج شعب فر نسا يستقبل الطفل استقبال الفاتحين، ونصبوه ملكا لفرنسا تحت وصاية أمه.

من خلال ثلاث ثورات عالمية، واجهت اثنتان منها ثورات مضادة ولاحظنا آثارها على الاستقرار.

ثانيا: ثورة فبراير السلمية

سبقتها الهبّةُ الشعبية تمثلت مطالبها في إصلاحات الأوضاع فقط، وليس إسقاط رأس الفساد، تلاها الثورة السلمية.

لكن الغباء هو القاسم المشترك الذي يجمع الطغاة عبر التاريخ مهما ادعوا أنهم أذكياء، فظهر علي صالح مهددا في الأيام الأولى للثورة الشبابية السلمية منتفخا رافضا أي إصلاحات مناورا ببعض النقاط.

ظهر علي صالح مهددا الشباب إذا لم ينسحبوا من الساحات، إذن اليمن ستعود إلى الوراء خمسين عاما، وإن خمس محافظات ستسقط بيد القاعدة خلال زمن يسير.

يا ترى هل أدرك المجتمع أبعاد هذا التهديد ثم نسي؟ إذن، النقاط التي ناور بها علي صالح كانت كذبا وخداعا لا غير وتلك طبيعة رأس الفساد في اليمن.

اللقاء المشترك

اللقاء المشترك ظل شهورا تجاوزت عاما كاملا مع رأس الفساد في حو ار الطُرشان، حتى سئم الشعب هذا العبث العائلي وتخوف من سقوط متشظي تنعكس لعناته على الشعب المنكود بالفساد المتسلط، فالسقوط المتشظي وخيم العواقب.

باختصار، كان بعض الشباب واعين تماما مآلات السقوط المتشظي، فبادروا سراعا بالخروج سلميا بطريقة عفوية، ثورة شبابية سلمية رافضين العنف أيا كان، فقُتِل وجُرح الكثير وتلقى الشباب رصاص السفاح عفاش بصدور عارية.

ــ تم إحراق ساحة تعز.
ــ انتشر القتل في صفوف الشباب على مستوى ساحات الجمهورية. لقد كانت السلمية هي نقطة ضعف رأس الفساد.
ــ قدم عفاش مبادرة أرسلها إلى اللقاء المشترك، فسجل اللقاء المشترك موقفا وطنيا مشرفا يومها، حيث كان الرد بصوت واحد وحرف واحد: عفاش يترك الحكم آخر عام 2011.

ــ تلا ذلك دعوة اللقاء المشترك لأنصاره وكافة الجماهير للالتحاق بالساحات دعما للثورة الشبابية السلمية.

ــ انتهت الأمور بالمبادرة الخليجية كما هو معلوم ومن ضمنها حصانة لعفاش ولمن يريد أن ينظم إلى جانب عفاش.

ــ سلم الشباب والشعب بمرجعية المبادرة الخليجية،
إلى جانب مخرجات الحو ار الوطني.

ــ سارت الأمور في خط الثورة السلمي رغم إجرام السفاح في اتجاهات متعددة، غير أن الشباب ظل ثابتا على خط السلمية، وتم انتقال الحكم بسلمية تامة وانتخابات رئيس جمهورية بإجماع شعبي دون تزييف.

ــ جاءت حكومة الوفاق ومن ضمنها وزراء المؤتمر بنسبة 50%، غير أن المحافظين ومدراء العموم ومن تحت إداراتهم كلهم مؤتمر. الخلاصة، لا وجود للعنف إلا عند المفسد الأعلى.

ــ لقد مارس عفاش بحرسه العائلي الإجرامي ومخابراته أنواع الجرائم بدءا من تفجير أبراج الكهرباء وأنابيب النفط والغاز والاغتيالات للضباط الذين لا يعلم سبب اغتيالهم إلا الله والراسخون في الإجرام العفاشي المنحط.

ــ حسب إحصائية رسمية يومها فقد بلغت حالات الاغتيال لضباط أمن وشرطة وغيرهم 305 حوادث نجح منها 293.

ــ تم افتعال العشرات من المعوقات للحوار، بل وصلت السفالة حد سرقة تلفون بن عمر.

منجزات الثورة السلمية

القراءة العقلانية تقدم لنا لمحات من منجزات الثورة السلمية، منجزات وسط حرب مفتوحة لا يخمد لها أوار، ومع هذا الإجرام الذي لا مثيل له فقد كانت منجزات الثورة كالتالي:

1ــ اعتماد 63 ألف وظيفة:
من المعلوم أن رأس الفساد نهب الخزينة وأعلن مبكرا أن البترول سينضب عام 2012.

وكان هو و عصابته قد أوقفوا التوظيف والعلاوات والترقيات وبدل الغلاء بل أوقف المنح الدراسية العليا، وتم رفع رسوم الدراسات العليا في الجامعات اليمنية إلى أسعار خيالية قاربت 800 ألف ريال للماجستير، أما الدكتوراه تجاوزت المليون. بكلمة، توقف التوظيف طيلة 13 عاما فازداد حجم البطالة.

ــ جاءت حكومة الثورة السلمية (حكومة الوفاق) وأصدرت قرارا بتوظيف جميع الملفات المركونة في دهاليز عفاش.

2ــ ارتفاع سقف الحرية إلى حد السماء.

3ــ إنجاز الحوار الوطني: حيث تم استيعاب كل الأطياف، فلا إقصاء بل دخلت الحوثية الحوار وهي تقصف بأرحب وعمران والجوف وغيرها، وكان القبول بالحوثية وهي تعربد على النحو الآنف إبداء لحسن النوايا وابتعادا عن التمترس والتخندق، والهدف الذي يحدو الثورة هو إنجاح الحوار.

ــ تم تبني قضية صعدة ومثلها قضية المناطق الجنوبية بكل عقلانية وعدل.

أبرز منجزات الحوار الوطني

ــ انبثق عن مخرجات الحوار تقرير حرية الشعب، وإقامة مجتمع مدني ودولة مدنية.

ــ إعادة بناء الجيش والأمن على أسس وطنية، مع مراعاة حق الانتساب إلى الجيش والأمن لكل المحافظات.

ــ تسليم الحكم للشعب حيث يختار الشعب حكامه والبرلمان دون تزوير أو مصادرة لحق الشعب.

ــ تحويل الحكم من رئاسي إلى برلماني وتقليص صلاحيات الرئيس.

ــ تضمنت توزيع الثروات بصورة عادلة.

ــ بادرت حكومة الوفاق إلى إعادة النظر في الاتفاق العفاشي المجرم الذي باع فيه الغاز لكوريا بأبخس الأثمان في حين أزمات مادة الغاز تعصف بالشعب.

ــ سارعت حكومة الوفاق إلى إيقاف سيل الجرع التي كانت في مفكرة المفسد الأعلى، ولأوّل مرة دخل رمضان ثم عيدا الفطر والأضحى وليس هناك أي أزمة غاز أو طوابير.

ونحن نتحدث عن منجزات لامست هموم المواطن الأساسية، نرى أن الثورة صنعت منجزا عملاقا الكل يعلمه، إنه منجز ليس بالسهل وهي تصارع الانقلاب تمثل هذا المنجز في:
ــ رفع رواتب الجيش والأمن.
- تم رفع رواتب الجيش والأمن بعد الانقلاب بنسبة 100%، والحكومة في عراك لاستعادة الشرعية. لو كان رأس الفساد لا زال يحكم، يا ترى ماذا سيقول في هذا المقام؟

ــ علاوات للجميع مع غلاء معيشة 30% للتربوييين والمتقاعدين وغيرهم.

ــ بناء جيش وطني وأمن وشرطة بناء من الصفر.

وهنا ثلاثة منجزات كبيرة في مقياس الدول التي تتحمل مسؤولية شعبها على محمل الجد.

المنجز الأول: تجنيد أكبر عدد من الشباب، أي تم استيعاب أكبر عدد من
الشباب الذين عاشوا البطالة التي أنتجها عفاش، وحسب معلومات غير دقيقة أن الجيش والأمن قارب الـ200 ألف، فلنأخذ النصف والنصف رقم غير قليل.

المنجز الثاني: رواتب محترمة قياسا برواتب الجيش الذي دمره عفاش في صيف 1994 وفي حروب صعدة حيث كان راتب الجندي27 ألف ريال، الآن الجندي الجديد راتبه 60 ألف ريال، والجندي القديم 120 ألف ريال.

المنجز الثالث: بناء جيش وأمن وطني على عقيدة وطنية.
عقيدة الجيش: الله وحماية الوطن.
عقيدة الأمن: الله وحماية المواطن.
هذه العقيدة التي أماتها المفسد الأعلى في الجيش والأمن ليكونا حرسا وأمنا عائليا لا غير.

والدليل: هل سمعتم بجيش وأمن في العالم يدمر أبراج الكهرباء وأنابيب النفط في بلده؟ هل سمعتم بجيش وأمن يترك النظام الجمهوري ويقوم بحماية الملكية السلالية؟ هل سمعتم بجيش وأمن يقتل شعبه ويدمر المدن على رؤوس السكان غير جيش عفاش والأسد؟ تلك هي باختصار جدا منجزات الثورة التي قلنا إنها لامست جانبا من الهموم الوطنية.

والسؤال: أ- ماذا لو أن عفاش قدم 2% في جانب القوات المسلحة والأمن، أعني زيادة الرواتب وبدون حالة حرب، فيا ترى كم كانت النشرات والصحف ستتحدث؟

ب- ماذا لو كانت الثورة الشبابية استمرت في خط البناء التنموي ولم تواجه الانقلاب؟ كم يا ترى ستكون الإنجازات؟

ــ منجزات ثقافية

المنجزات الثقافية تعتبر منجزات جوهرية، وهي منجزات متعددة الجوانب على النحو التالي:
ــ ارتفع منسوب وعي الشعب إلى حد إيجابي تجاه القيم الوطنية، والدليل هو الاصطفاف الوطني في وجه الانقلاب، كيف لا وقد كادت تتقرح طبلات آذان الشعب اليمني بسبب تسريبات مؤسسات عفاش الأمنية أن القبيلة هي سبب الخراب والتخلف وإعاقة التنمية... إلخ، وها هي اليوم القبيلة تقف بحزم مع الأمن والنطام والشرعية، بل هناك خطوات مشرّفه لبعض القبائل اتجهت لإحلال السلام وإلغاء الثارات، الأمر الذي يعطينا دليلا قاطعا أن رأس الفساد هو الذي كان يشعل فتيل الحرب بين القبائل.

ــ عرف الشعب كيف أن يد الفساد قد أفسدت القيم، وكيف مزقت النسيج المجتمعي، واتجهت لخلق عداوة مع الجيران بصورٍ مختلفة.

ــ تعرى الجيش والأمن بوقوفه مع الانقلاب ضد الجمهورية ودعما للملكية السلالية، إلى جانب ذلك شلة من حزبه وقفوا تحت نعل المفسد حماية لشبكة مصالحهم ولكن بطريقة مهينة، والدليل أنهم تركوه وانساقوا كل في اتجاه وتركوه صيدا سهلا للمليشيا التي ظن أنها ستعيده إلى مجده أو أنه قادر على خداعها بعد قضاء فترة المتعة، ناسيا أن الكهف هو مشرع المتعة وبالتالي فالكهف أعلم كيف يستمتع.

إن حزب الفساد دار مع المصلحة التي رباهم عليها فتركوه واتجهوا للمصلحة.

ــ عرف الجيل تشابك مصالح المجتمع الدولي وأنه لا بد من الوقوف بحزم لا حترام قيم الجوار وقيم العقود والاتفاقات الدولية مع الحفاظ على القيم الوطنية سواء بسواء دون تفريط أو إفراط بحقوق الغير.

ــ اكتشف الشعب حقيقة الإرهاب (داعش والقاعدة والرايات السوداء) واستدعاء الفرس، وأن هذا كله كان صنيعة المفسد الأول.

ــ اكتشف الشعب أن الحكومات المتعاقبة في ظل حكم الفساد كانت حكومات ديكور وأنها لا علم لها بالموازنة العامة للدولة، وإنما الموازنة كلها في رأس المفسد الأعلى، حكومة بن غانم نموذجا، والتي انتهت باستقالته رحمه الله.

أما حكومة باجمال ومجور اللتان عرف الشعب في عصرهما إضافة موازانات خرافية نهاية العام تفوق نصف الموازنة العامة، هذه قضايا سمعها الجميع، لكن اليوم أدرك الشعب سبب الإجرام.

ــ عرف الشعب أن الحوثية صناعة عفاشية وأنها واحدة من سيئاته الكارثية.

ــ عرف الشعب بوضوح بعد تراكم ثقافي ثوري كم هي الثروات من الضرائب والجمارك فقط ناهيك عن النفط... إلخ، كيف لا وها هي مدينة تعز ــ المدينة فقط ــ تعيش وسط الحصار عندما تم ضبط مورد الضريبة البسيط وصل التحصيل خلال شهر نوفمبر 2018 ثلاثة مليارات ريال، أكرر القول: المدينة فقط، والرقم منشور بلسان مدير عام إعلام المحافظة.

ــ عرف الشعب أن الذي دمر القيم القبلية الحميدة هو زعيم الفساد.

ــ وعى الشباب كم هو الخراب القيمي الذي خلفه الفساد، وأنه يحتاج إلى جهود متظافرة وإلى وقت غير قليل، بل وإلى خطط وبرنامج أوليات للبناء من الصفر.

ــ وعى الشعب أن العمل الجماعي المنظم المتمثل في المجتمع المدني هو أساس الدولة المدنية، وبدون مجتمع مدني فلا دولة مدنية ولا ديمقراطية ولا حرية ولا تداول سلمي للسلطة.

ــ وعى الشعب كم هي لعنة السلطة المركزية إداريا وكم هي إيجابيات الحكم الاتحادي.

ــ وعى الشباب كيف يمكننا بناء أولويات مصالحنا الوطنية بعيدا عن المساس بمصالح الآخر دوليا وإقليميا.

ــ وعى الشباب والدعاة والوعاظ حجم الخلل الفكري والثقافي في جانب فهمنا لحقيقة الإسلام ثقافيا وفكريا واجتماعيا، حيث استبد بنا خلل عشش عقودا طويلة، وبقينا نصارع ونجالد في الجبهة الخطأ دفاعا عن الشريعة وتحكيمها، في حين أن حقيقة تحكيم الشريعة كانت في المتناول السهل متمثلةً في حماية حرية الإنسان وكرامته وحقوقه، وهذا هو عين تحكيم الشريعة.

ــ وعى الشعب الأساليب الملتوية التي يمارسها الطغيان المتمثلة في صناعة قيادات جماهيرية لكي يخدع بها الشعب، وبين عشية وضحاها انكشفت الحقيقة الفارقة بين النائحة والثكلى.

ــ وعى الجيل الشبابي خطورة التخدير بالمصطلحات الدينية مثل الشريعة مصدر جميع القوانين، ثم كيف تم إفراغ هذا النص بعشرات النصوص المأخوذة من التراث على سبيل المثال: يُحاكم رئيس الدولة إذا ارتكب كفرا مجمع عليه.

يعني أن المجزرة التي ارتكبها عفاش في حق الشعب من لحظة استشهاد مازن البذيجي رحمه الله وحتى آخر شهيد مواطن أو جندي في طريق استعادة الدولة، فهذه المجازر هي محل خلاف، وغير مجمع عليها عند وعاظ ذيل بغلة السلطان.

ــ يؤكد هذا ترديد السفاح مرارا قبل وبعد جمعة الكرامة أنه سيحتكم إلى الدستور والقانون، كون "الرخوات" الذين باعوا قيمهم الدينية والوطنية والإنسانية إرضاء للسفاح، قد صاغوا قوانين تنسف الشريعة باسم الإجماع.

الخلاصة

رغم الإعاقات التي لا تنقطع، ثم الانقلاب ثم الحرب، فإننا نجزم بأن هناك إنجازات ملموسة وإنجازات ثقافية (جوهرية) وهي في هذه المرحلة أهم وهي أكثر وأقوى وأفضل وأهم في جانب الفكر السياسي.

تلكم هي باختصار القراءتان، القراءة الاختزالية والقراءة العقلانية للثورة الشبابية السلمية.

نلتقي بعون الله مع الحلقة السادسة والأخيرة، ومحورها الثورة الشبابية.