السبت 27-07-2024 10:46:47 ص : 21 - محرم - 1446 هـ
آخر الاخبار

مقاصد الوحي.. المصطلح القرآني وعلاقته بعلوم التنمية .. الحلقة الثالثة: الآلية الاقتصادية

الجمعة 31 مايو 2024 الساعة 05 صباحاً / الإصلاح نت - خاص - عبد العزيز العسالي
 

 

وقع نظري -دون قصد- على قصاصة كتبتها بخط أحمر بعنوان "اعتراف وخيبة أمل"، يعود تاريخها إلى عام 2008م، تضمنت المعلومة انعقاد مؤتمر اقتصادي أقيم في لبنان حضره الاقتصادي الأمريكي الأول وحضر معه عدد من الاقتصاديين العرب وغيرهم. سألوا الرجل ما إذا كان لديه من جديد في عالم الاقتصاد، فأجاب أنه لا يحمل سوى الشؤم المنذر بانهيار مرعب، لأن الاقتصاد العالمي يتجه بسرعة إلى طريق مسدود، وليس هناك من أمل. وأضاف قائلا: المسلمون لديهم حل، ولكن ليس لديهم آليات.. فوضعت عنوان "اعتراف وخيبة أمل".

باختصار، القصاصة حركت تفكيري فقررت أن أحاول بهدف الاقتراب - كتابة الآليات.. وقد سبقت حلقتان هما الآلية الاجتماعية والآلية الثقافية، وهذه الآلية الاقتصادية.

ومن نافلة القول إن كتابتي هي إضاءات لا غير الهدف منها لفت نظر القارئ العزيز إلى مؤشرات مصطلحات القرآن وعلاقتها بعلوم التنمية.

وحرصا منا على إعطاء القارئ أكبر قدر من المعلومات بصورة موجزة، فقد قسمت الحلقة إلى عدد من المحاور فيما يلي.

المحور الأول، المعادل الموضوعي للاقتصاد:

المعايش: قال تعالى: "وجعلنا لكم فيها معايش".
المعيشة: قال تعالى: "وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين • وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون".

هذا النص الأخير تضمن دلالات في غاية الاتصال بالاقتصاد.. وسنعود إليه لاحقا.

مقتصد: قال تعالى: "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات".. السياق يقرر دلالتين؛ دلالة التوسط بين الظالم المفرط وبين السابق بالخيرات.. ودلالة لغوية مفادها أن الاقتصاد هو آليات ترشد الإنفاق لتحقيق مقصد "الحياة الطيبة".. يعزز ذلك قوله تعالى: "واقصد في مشيك".. أي لا تتماوت ولا تمش مشية المختال.. ودليل متصل بصميم الإنفاق، قال تعالى: "ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط".. وأيضا مصطلح "القَوام" متصل بالإنفاق، قال تعالى: "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما".

الجذر اللغوي (ق.و.م) أساس الاستقامة وأس الصراط المستقيم وأس القيم.. وأيضا القوم - المجتمع كونهم محور التكليف الرباني للقيام بعمارة الأرض وفي مقدمتها التنمية والاقتصاد.

وبما أن مصطلح الاقتصاد قد أصبح هو الشائع فإننا سنتعاطى معه.

المحور الثاني، مقصد الإسلام في المال:

الجدير بالذكر أن القرآن تضمن منظومة نصوص إذا جمعناها نجدها نظرية اقتصادية كاملة.. لكننا سنسلط حديثنا في إطار العلاقة بين النص والموضوع.. فإلى مقصد الإسلام في المال.

1- تفتيت الثروة - عدم تركيزها - هذ هو مقصد الإسلام في المال.

2- تظافرت النصوص الكلية - أي غايات القرآن، وأيضا النصوص الجزئية - دلت حرفيا، والنصوص الدلالية، ومقاصد التطبيقات العملية لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأيضا عمل الصحابة ومن بعدهم على هذا المقصد الإسلامي العادل - تفتيت الثروة.. المفهوم الشائع في الأوساط الثقافية المعاصرة بلا استثناء - عدالة التوزيع، والمساواة، العيش الكريم.. كلها قادمة من المقصد الإسلامي بدرجة أو بأخرى، مع فارق أن مقصد الإسلام في المال هو تدين وتعبد متصل بعبادة الله.

3- الدليل المقصدي الكلي: قال تعالى: "كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم".. إنه منهج القرآن السنني - مقصد تضمن صراحة التعليل بالحكمة التشريعية في مجال المال تعليلا لا يقبل الجدل.. يجب فرضا بل وسنة اجتماعية.. منظومة آليات لتنظيم وحماية المجتمع من الصراع الطبقي حسب الرؤية الماركسية.. وأيضا تحميه من التغول الاحتكاري الفردي لدى الرأسمالية.

4- للفقير حق في مال الغني: "وفي أموالهم حق للسائل والمحروم".. هذا حق الله قرره في تشريعه العادل ليس إحسانا ولا تفضلا من أحد، بل جعل هذا الحق ركنا من أركان الإسلام.

5- مصارف حددها القرآن: مصارف الزكاة شملت 8 شرائح هي: الفقراء، اليتامى، المساكين، العاملون عليها، المؤلفة قلوبهم، الغارمون، في الرقاب، في سبيل الله.. تأمل بربك أيها القارئ 4 مصارف - العاملون على جمع الزكاة، عتق الرقاب، الغارمون، في سبيل الله.. هذا هو عدل الله في تشريعه الخالد الحكيم.

العامل على جمع الزكاة يجب له العطاء مقابل حركته وحتى لا تمتد يده إلى المال الحرام.
في الرقاب - فتح باب الحرية تحقيقا لكرامة الإنسان عموما.
الغارمون - إننا إزاء عمل تأميني في مواجهة الكوارث الفردية والتي إذا تراكمت قد تقود إلى انهيار اقتصادي وربما انحطاط اجتماعي والعياذ بالله.
في سبيل الله باب مفتوح لعدد من المجالات التنموية.. أولها التعليم الشامل لليتامى والفقراء ودعم النابغين في حالة عجز الموازنة العامة وميدان الصحة ووسائل حمايتها، وكل ما يخدم مقومات الحياة الطيبة.

أنصح القارئ بالعودة إلى كتاب "شمس العرب تشرق على الغرب" للدكتورة زيغريد هونكة.. وهي باحثة ألمانية.. فقد كتبت بقلبها النابض إعجابا بالحضارة الإسلامية في الأندلس وبغداد.

6- نظام الإرث: جاء هذا المقصد التشريعي لإقامة العدل داخل مؤسسة الأسرة حماية لمؤسسة الأسرة.. بل اللافت للنظر هو أن نظام الإرث يعزز مقصد الإسلام في المال - تفتيت الثروة إلى حد توريث المعتَق.. أعني إذا أعتق المسلم رقيقا وحصل أن المسلم توفي ولا وارث له فيرثه العتيق.. وكذا إذا مات العتيق ولا وارث له فيرثه الذي أعتقه.

7- كفالة ذوي القربى: التكافل والإنفاق.. صورة جديدة من صور تفتيت الثروة وعدم تركيزها.. ومن نافلة القول إن نصوص الإنفاق في القرآن أكثر من النصوص الدالة على الزكاة.

8- الوقف والوصايا: مؤسسة الزكاة ومؤسسة الوقف والوصايا قامت عليهما الحضارة الإسلامية عبر التاريخ، ذلك أن الدولة الإسلامية كانت تقوم على 4 أو 5 وزارات - الجيش، الأمن، القضاء، بيت المال، البريد.. والمجتمع الإسلامي يقوم بجميع الخدمات تجاه ذاته من خلال هذه المؤسسات الأهلية.. وقد كان الصراع داخل القصر السياسي في غاية السوء، لكن المجتمع مستقر عبر القرون عدا استثناءات قليلة - الغزو الخارجي أو تعصب الأمراء بأقاربهم.. وتأكيدا لدور المؤسسات الأهلية الآنفة إليك هذه المعلومة القاتلة حقا.. يقول المفكر المصري أحمد شوقي الفُنجري رحمه الله: جاء الاستخراب البريطاني الخبيث إلى الدول الإسلامية وقضى على مؤسستي الزكاة والوقف وألحقها بالسلطات العلمانية فانهارت خدمات المجتمع حتى دب الانحطاط الاجتماعي.

يؤكد هذا الدكتور برهان غليون في تعبير ينضح ألما وحرقة ونقمة على الحكومات الوطنية التي نشأت على أنقاض الخلافة الإسلامية قائلا: تغولت الحكومات الوطنية فدمرت المؤسسات الأهلية الناجحة وأبدلتها بالعفن الذي أملاه الغرب فلم ينجح الوافد وهيهات تعود المؤسسات الأهلية الناجحة.

المحور الثالث، السياسة التعليمية:

بطبيعة الحال التداخل حاصل بين وظائف السلطات المعاصرة والذي جعل السلطات تتغول إلى أبعد مدى باسم الحداثة والدولة الوطنية، حتى أصبح المجتمع عالة على السلطة الغارقة في الفساد، ولكي تنجح الآلية الاقتصادية ولو بالتدريج، يجب على المجتمع أن يمتلك قراره في صنع سياساته العامة.

والسياسة التعليمية هي الأكثر تأسيسا للفاعلية الثقافية البانية لوعي المجتمع وذلك من خلال المعالم التالية:

1- يجب أن تتضمن المقررات الدراسية أسس الوعي الثقافي ابتداء من مفهوم وعي الذات.. بصيغة أخرى العناية بالإنسان كرامة وحرية وحقوقا.

2- ترسيخ ثقافة القيم والأخلاق، ثم القيم والأخلاق، ثم القيم والأخلاق - مقاصد التزكية الشاملة على اعتبار أنها سنة إلهية ناظمة وحامية للاجتماع.

3- يجب ربط القيم والأخلاق بأمثلة علمية واضحة تجسد دور القيم والأخلاق في تفعيل الآلية الاقتصادية في مسارات العملية التنموية وضبط الموارد والالتزام الإداري والمسؤولية الاجتماعية... إلخ.

4- تجسيد قيم الانتماء الوطني - نظاما، ودستورا، وحماية مقدرات الوطن، والالتزام بالنظام والقانون وعقيدة مؤسستي الجيش والأمن، ووجوب احترام إرادة الشعب والولاء له... إلخ.

5- مفاهيم وأمثلة تجسد الثقافة المؤسسية والتأكيد على دورها وأهميتها وأنه لا تعارض بين دوائر الانتماء لمؤسسة الأسرة والعشيرة والقبيلة والشعب ومبادئ الدستور، بل هناك تظافر وتآزر بين دوائر الانتماء وربط كل ذلك بمقاصد سنن الاجتماع.

ويجب التنصيص على كل سنة اجتماعية على حدة، على أن يشمل ما سبق وما سيأتي سائر مقررات المرحلة الأساسية والثانوية والثقافة الإسلامية ومقررات الدراسات الإسلامية - الفقه الإسلامي وربط الفقه بمبادئ علم الاجتماع ومقاصد التاريخ، ويشمل مؤسسات التعليم الرسمية والأهلية وكذا تأهيل وتدريب الخطباء والوعاظ والمرشدين من الجنسين بما في ذلك حفاظ القرآن المجيد.

6- يتضمن المقرر مفاهيم تنموية واقتصادية ترسخ ثقافة الاقتصاد وخطورة الإسراف والتبذير وأمثلة واقعية تجسد المخاطر التدميرية الناتجة عن فوضى الاستهلاك وأنها خطط شيطانية استحمارية وتخريبية للاقتصاد الوطني.

7- يتضمن المقرر الشامل خلاصات من مقاصد التاريخ التي قررها القرآن المجيد والمتمثلة في مفهوم "الاعتبار"، والذي يعني بناء عقل مثقف يأخذ الدروس من الماضي ويقيس الحاضر عليها ثم يعبر إلى المستقبل، ذلك أن التاريخ هو العبور للمستقبل والتنبؤ به واستشرافه ووضع الخطط، وربط كل ذلك بسنن الاجتماع.

8- العناية بتعليم المرأة كونها مركز المجتمع ويكون التعليم العالي بحسب رغبتها وما يتفق ومقامها في المجتمع.

9- إرساء وتعزيز المسؤولية الاجتماعية الشاملة بما في ذلك المبادرات التعاونية وتعزيز قيمة الأخوة والتعارف وإصلاح ذات البين والعدل بين الأولاد بما في ذلك توزيع الميراث، كل هذا سيبني إطارا ثقافيا كأقوى سياج متين يحمي المجتمع من الانحطاط والتمزق والشتات.

10- يتضمن المقرر معلومات حول مصادر الثروة - برا وبحرا وأفضل وسائل استخراجها وحمايتها من العبث والإفساد والتبذير.

المحور الرابع، القرآن والدولة الفاشلة:

قرر القرآن بوضوح معالم ثابتة تؤدي إلى الدولة الفاشلة، وهذه المعالم السننية الثابتة يجب إدخالها إلى السياسة التعليمية والمقررات الدراسية السابق ذكرها، وإليكم أبرز معالم الدولة الفاشلة:

1- دولة وحكومة المترفين: قال تعالى: "وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين • وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون".

وعدت أعلاه بالعودة إلى هذا النص، والمقصود تقديم معنى موجز يتضمن مفهومين: الأول، بطر العيش يأتي من المترفين المتحكمين في القرار السياسي والاقتصادي، وهناك نص أكثر وضوحا في البند القادم.

المفهوم الثاني، توجيه الاقتصاد.. هذا المفهوم سنوضحه من خلال السؤال القائل: ممارسة بطر المعيشة صادر عن أناس معروفين، فكيف نفهم تقرير القرآن أن الله لا يهلك القرية التي فيها مصلحون؟ والجواب: قلنا مرار وتكرارا إنه يجب علينا تعليم وتوعية المجتمع بسنن الاجتماع حتى يتمكن المجتمع من صناعة سياسته العامة، ومن ذلك إرساء أسس الاقتصاد الموجه.. ينص عليها الدستور.. تحريم الاحتكار المنظم والجشع كي يحمي المصلحة العامة، وفي ذات الوقت ينص الدستور على حرية السوق التنافسية واحترام الملكية كما هو النص على حماية المصلحة العامة، فهذا هو معنى قول الله: "وأهلها مصلحون".

2- القرآن يقرر أبرز معالم الدولة الفاشلة: قال تعالى: "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا".. هذا النص يقرر المصدر الأول لفشل الدولة.. إنه حكومة المترفين الذين بطروا العيش فالله يرسل إليهم الرسل فيقابلونهم بالرفض.. طغيان الغنى: "كلا إن الإنسان ليطغى • أن رآه استغنى". وقال تعالى: "كذلك ما أرسلنا قبلك في قرية من رسول إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون".. ويقرر النص القرآني مرارا عدة أن المترفين هم "الملأ".. شريحة الملأ تصدت لدعوة الرسل، فكل الرسل إلى كل الأمم لاقوا رفض الملأ المترفين.. أرجو من القارئ العودة إلى سورة الأعراف بعد الآية 56 تقريبا... إلخ.. قصة 10 رسل رفضتهم شريحة الملأ المترفين.

3- الركون إلى الظلمة: هذا معلم في غاية الخطورة، فالقرآن المجيد يمنع المجتمع من الركون إلى الظلمة، وهنا دلالات كثيرة منها الحرية الفردية الرأسمالية.. في النظام الليبرالي شعاره "دعه يمر" طالما وهو يؤدي الضريبة.. وهنا يحضر الاستغلال - احتكار منظم وجشع ونهب للثروات... إلخ. والنتيجة أزمات اقتصادية واضطراب اجتماعي وإذلال للمجتمع.. هنا نلتقي مع المآل الذي قرره القرآن وهو "فتمسكم النار".. ومن الدلالات صعود المترفين الطغاة - حزب الحاكم إلى البرلمان - والنموذج الماثل في واقعنا اليمني حيث شرع الظالمون قانون إيجار المنازل جعلوه جحيما - ادفع أو اخرج - فلم يتجرأ القضاء أن يحمي المساكين الرازحين تحت وطأة الحصار أكثر من 10 سنوات.

4- مؤسسة الشورى والمؤسسات الأهلية: يجب توعية المجتمع بمقاصد مؤسسة الشورى وبقية المؤسسات الأهلية ودورها في حماية المجتمع وحماية سير الآلية الاقتصادية تجنبا للسقوط في هوة الدولة الفاشلة - وطننا الحبيب دخل مبكرا وها هو الشعب يرزح تحت نير السقوط المرعب متعدد الأبعاد أحدها الدولة الفاشلة، ولن ينفعنا الدعاء لأن الله أوكل التغيير إلى النعمة الأفضل والعكس إلى المجتمع.

ولكن من الذي ثقف المجتمع ثقافة سننية؟ ففاقد الشيء لا يعطيه، والركون إلى الظلمة ضارب الأطناب حد التقديس.

5- السحر الأخطر - الإعلام: لا نبالغ إذا قلنا إن الإعلام أقوى من السحر، حيث بلغت حيله إلى حد لا يكاد يصدق، وعليه يجب على المجتمع الوعي بخطورة الإعلام من جهة، ومن جهة ثانية يجب أن يسهم المجتمع بوضع السياسات العامة الحامية للمصالح العامة.

6- حيادية المؤسسات الأهلية: هذه من أقوى الوسائل والسنن الاجتماعية الحامية لقيم المجتمع والصالح العام.. ولكي نضمن عطاءها بصورة أكثر فاعلية يجب قطع حبلها السري - العلاقة بالأحزاب.. ذلك أن هذه العلاقة حولت هذه المؤسسات ذات الفاعلية السننية إلى شللية فتقزمت فاعليتها فضاعت معها حقوق المجتمع.

7- الكليات التشريعية مرتكز التشريع: المذهبية الضيقة وغياب المنهج المقاصدي نتج عنه تقنين هش عاجز عن حماية سير واستقرار الآلية الاقتصادية، ناهيك عن عوامل أخرى. وعليه يقول الشاطبي: يجب أن ترتكز التشريعات الحامية للمجتمع على الكليات التشريعية فهذا يرفع درجة الالتزام لدرجة الفرضية والوجوب. (الموافقات للشاطبي: ج2، ص 204... إلخ).

وهذا يعني إدخال هذه الفكرة ضمن السياسة التعليمية من جهة، ومن جهة ثانية يجب تقريرها في الكتاب المدرسي والجامعي والخطاب المسجدي ووسائل الإعلام، وتوعية الجميع أن هذا أقوى ضمان تشريعي في ظل اضطراب الوضع وتحكم الآخر بواقعنا.

8- تجديد التأصيل لفروض الكفاية: فروض الكفاية تقزمت عند الأصوليين، فهي الصلاة على الجنازة والكفن.

هذا التقزيم حول فروض الكفاية إلى مفهوم ميت جدا، ذلك أن الأصوليين كانوا في واقع غير واقعنا - مؤسستا الزكاة والوقف قائمتان بكل الكفايات بخلاف واقع اليوم نجد أن فروض الكفاية تستدعي إرساء سياسة تعليمية يشترك فيها المجتمع والدولة، وتلتزم الدولة بفتح كافة التخصصات الخادمة للمجتمع الناهضة بالاقتصاد وفتح آفاق التنمية وإتاحة الفرص بما في ذلك تشريع مواد دستورية تمنع الجمع بين أكثر من وظيفة - وزير وبرلماني، ومحافظ، وقائد للحزب، وشيخ، ونفوذ طغياني.

9- وليس أخيرا، تشريع رادع يحرم دينيا المضاربة بالعملات فهو السبب الرئيس في تدمير الاقتصاد، وهذا هو الذي جعل الرجل في الاقتصاد الغربي يقول لا فائدة إني أحمل اليكم الشؤم، وفعلا كلنا سمعنا بالأزمة الاقتصادية عام 2010م.

الخلاصة، نكرر أن التداخل وارد بين الآليات ولكننا حاولنا حصر الحديث قدر الإمكان في هذه الآلية، على أمل استكمال الحديث في الآلية السياسية والتي ستكون موضوع الحلقة القادمة.. نلتقي بعون الله.

كلمات دالّة

#اليمن