الخميس 02-05-2024 11:49:52 ص : 23 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

تداعيات الفشل.. وملامح ما قبل اندلاع ثورة 11 فبراير 2011م (الحلقة الثالثة)

الأحد 03 مارس - آذار 2019 الساعة 09 مساءً / فهد سلطان – الإصلاح نت – خاص

 

مثلت ثورة 11 فبراير/شباط 2011م فرصة حقيقية لوقف نزيف الانهيار البطيء الذي كانت تسير إليه البلاد منذ مطلع الألفية، وعبر عن ذلك الانهيار بصريح العبارة رئيس مجلس النواب اليمني الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر (1933- 2007م) في أحد مؤتمرات حزب الإصلاح، كما وضحنا ذلك في حلقة سابقة من هذه الدراسة. وكان الانهيار السياسي والاقتصادي قد طال كل شيء في البلاد تقريباً، ووصلت الأمور نحو الانسداد السياسي بعد فشل كل جولات الحوار بين الأحزاب والمكونات السياسية.

 

تحذيرات دولية

سبق أيضاً أن أشرنا إلى عدد من التقارير الدولية التي تحدثت عن الوضع الاقتصادي المتفاقم والمتأزم في البلاد، مضافا إليه معدلات البطالة المتزايدة والتهميش ومستوى الفساد المالي والإداري المتفاقم، حيث صنفت اليمن من بين أكثر دول العالم التي يتغول فيها الفساد. وحسب تقرير لمنظمة الشفافية العالمية والفساد المنشور في العام 2009م، فإن قائمة الدول المتصدرة للفساد دولة الكاميرون وليبيريا وسيراليون وأوغندا ثم أرمينيا وبوليفيا وغانا والعراق وأخيراً اليمن.

وفي قضايا البطالة، صنف البنك الدولي معدّل البطالة في اليمن الأعلى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، متوقعاً أن يبقى عند مستوى مرتفع خصوصاً بين الشباب مع تفشي الفقر وسوء التغذية. وأفاد الموجز الاقتصادي ربع السنوي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الصادر عن البنك الدولي في العام 2010م، بأن هذا المعدّل بلغ 17%، وكانت النسبة بين النساء تزيد على 54%، وبين الرجال 12%، وظل مرتفعاً بين الشباب بالغاً 60%.

نكتفي بهذه الصورة المصغرة من تقارير عن الأوضاع في البلاد التي نشرتها منظمات دولية، وتحدثنا عنها أيضاً في ثنايا هذه الدراسة في الحلقات السابقة. كما أن بيانات الأحزاب السياسية وتقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة شاهدة على مستوى الوضع الاقتصادي المتدهور الذي وصلت إليه البلاد، إلى جانب بعض تلك التقارير والأرقام الصادمة حول الفساد تخرج بين فترة وأخرى من داخل أجهزة الدولة، وكان للبرلمان دورا محوريا وجلساته ساخنة.

 

إدارة البلاد بالأزمات.. الحروب الست بصعدة

إلى جانب الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة، كان النظام السياسي يذهب لتوطين فكرة التوريث عبر إدارة البلاد بالأزمات، وهي طريقة أفادت في حرب صيف 1994م، والتي أفضت إلى إزاحة أحد أهم الشركاء السياسيين في صناعة الوحدة اليمنية (22/مايو/أيار 1990م)، يضاف إلى ذلك أن بقاء النظام السياسي متربع على عرش البلاد كل هذه المدة كان يعتمد على الأزمات أو هكذا كان يشعر النظام.

بدأ التحضير للتوريث بتشكيل أول نواة قوية للحرس الجمهوري (1998 - 2012م)، أي قبل الانتخابات الرئاسية (1999) بعام واحد فقط، وسلم رئيس البلاد حينها، علي عبد الله صالح (1947- 2017)، قيادة هذه التشكيلة الجديدة لنجله أحمد علي (1972م - ...) عام 2000م خلفاً لـ"علي صالح الأحمر" (غير معروف تاريخ ميلاده) الذي عين بعدها ملحقاً عسكريا في السفارة اليمنية بواشنطن. وفي 18 يونيو/حزيران 2004م، اندلعت شرارة الحرب الأولى بين قوات من الجيش اليمني وأنصار حسين بدر الدين الحوثي (1959- 2004م) بصعدة (242 كم شمال غرب العاصمة صنعاء) باتهام مباشر من الحكومة اليمنية لزعيم الحوثيين بإنشاء تنظيم مسلح على غرار حزب الله في لبنان واستعمال المساجد لبث خطابات معادية للولايات المتحدة، والتحريض على الإرهاب، وتوقفت المعارك في 10سبتمبر/أيلول 2004م، وهو اليوم الذي أعلنت الحكومة اليمنية فيه مقتل زعيم التمرد "حسين الحوثي" ونشرها صورًا لجثته في الصحف الرسمية.

اندلعت الحرب الثانية في مارس/آذار 2005م، واستمرت مشتعلة حتى مايو/أيار من نفس العام. وبعد اندلاع الحرب الثالثة (نوفمبر/تشرين الثاني 2005 – يناير/كانون الثاني 2006م) بدأت الشكوك لدى بعض السياسيين اليمنيين، خاصة أن معلومات كانت تتحدث عن تلاعب مباشر في إدارة الحرب لصالح التمرد، واستثمارها لابتزاز الداخل والخارج (السعودية)، وهدف مباشر -آخر- يتمثل في إضعاف الجيش (القوات المسلحة التي يقودها اللواء علي محسن صالح الأحمر، أحد أركان النظام والرافض لمشروع التوريث)، وخاصة بعد تسريب معلومات للصحافة بأن الحوثيين حصلوا على أسلحة خاصة تعود لقوات الحرس الجمهوري (سبق التعريف به)، وأخرى تحدثت عن خيانات داخل صفوف الجيش، وتسببت كل تلك الأحداث الدامية في مقتل عدد من الضباط وقيادات في الجيش بصورة كانت تدعو للريبة والشك.

في خطاب له أمام طلاب الجامعات اليمنية في الصالة الرياضية بمدينة الثورة بصنعاء، وتحديداً في 7 يوليو/تموز 2008م، قال رئيس البلاد حينها علي عبد الله صالح: "لقد اتصلت بعبد الملك الحوثي (زعيم التمرد وشقيق مؤسس مليشيات الحوثيين)، لقد اتفقنا على إيقاف الحرب"، يقصد الحرب الخامسة (مارس/آذار 2008 – يوليو/تموز 2008م).

وهنا، ما كان يعد هواجس حول التلاعب بالحرب تحول إلى حقيقة دامغة عن مدى جدية النظام في إنهاء الحرب لصالح الدولة، وعن حقيقة حرب طاحنة راح ضحيتها أكثرُ من 4 آلاف وخمسمئة قتيل، وأكثر من 7 آلاف جريح من الجانبين، بالإضافة إلى استنزاف مليارات الدولارات من خزينة الدولة المنهكة بالفساد أصلاً، وتلف شبه كامل للمحاصيل الزراعية في محافظة صَـعْـدَة، وتوقف شبه كامل للحرب تتخلله بعض المناوشات خلال سنة كاملة كان الجميع منتظراً متى تبدأ الحرب السادسة باتصال هاتفي كما انتهت الحرب الخامسة باتصال هاتفي أيضاً.

وفي 12 أغسطس/آب 2009م، أدلى مكتب الحوثي ببيان جاء فيه: "الرئيس هددنا يوم أمس كما أن السلطة رفضت كل خيار يُطرَحُ للسلام، ونحن لسنا أهدافاً سهلة، وسندافع عن أنفسنا". واندلعت الحرب السادسة (أغسطس/آب 2009 ــ فبراير/شباط 2010م)، والتي استخدم فيها الطيران بشكل ملفت للنظر لأول مرة، بالإضافة إلى القصف الصاروخي بصواريخ أرض جو وتبدو الأعنف من بين كل الحروب التي سبقتها.

أمام هذه الصورة القاتمة في إدارة النظام للبلاد بالأزمات وتغذيته للنزاعات، يتضح بجلاء وضع البلد وحجم المأزق الذي وصلت إليه قبل ثورة الـ11 من فبراير/شباط 2011م المجيدة، واندلاع الثورة كان لأسباب موضوعية بحتة، ولم نقدم هنا سوى شيء بسيط من حجم الصورة الكارثية التي وصلت إليها البلاد حينها.

يتبع...