الخميس 02-05-2024 10:18:46 ص : 23 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

منظومة الهوية ومقاصدها دينيا ووطنيا (الحلقة الثالثة: الدولة وقيم الانتماء للمجتمع)

السبت 20 يناير-كانون الثاني 2024 الساعة 09 مساءً / الاصلاح نت - خاص | عبدالعزيز العسالي

 

المحور الأول، السلالية وتدمير الهوية اليمنية:

أولا، مقارنة إجمالية:

تاريخ الدولة الإسلامية المركزية يعطينا دلالات واضحة أن دول الخلافة كانت ملتزمة بانتمائها للأمة ابتداءً بالالتزام بمصدر الشرعية السياسية المتمثل في الأمة، ذلك أن الأمة هي صاحبة المصلحة الأولى، بصيغة أخرى أن الأمة هي المصدر المالك والمانح للشرعية السياسية ولا شرعية سياسية خارج هذا المصدر.

ثانيا، الطريقة الإجرائية:

أسس الرسول صلى الله عليه وسلم عددا من الشخصيات؛ مؤسسة المهاجرين والأنصار، وكان يعود إليهم في المواقف التنفيذية، وهذا هو الطابع لعموم المواقف باستثناء مواقف قليلة جدا - مشاورة ذوي الاختصاص.. شاور السعدين يوم الخندق بشأن ثلث تمر المدينة لأسد وغطفان، ونماذج مماثلة قليلة فاستمرت هذه المؤسسة.

وفي العصر الراشدي كانت الشرعية السياسية تمر عبر هذه المؤسسة، حيث كانت كل شخصية تعود إلى العشيرة أو البطن أو القبيلة فتتشاور معها وتأخذ رأيها ثم يجتمعون في المسجد - مجلس المؤسسة، ويتم النقاش حول اختيار الخليفة، وهذا هو الذي حصل في بيعة الصديق، والفاروق، واختلف الموقف في بيعة عثمان رضي الله عنه، انطلاقا من مؤسسة الـ70.. قرر الفاروق ترشيح ستة أشخاص لجنة ترشيح، وتم اختيار عثمان، وكان وجهاء القبائل يتوافدون من بقية قبائل الجزيرة إلى المدينة للبيعة.

باختصار، ما هو شائع في كتب التاريخ عن السقيفة وكذا التزوير الذي ألصق بالصديق المتمثل بمنح ولاية العهد للفاروق، وتنافس عثمان وعلي، كل ذلك كتبه الفرس في العصر العباسي، وهي الفترة التي بدأ فيها عصر التدوين بلا خلاف.

وبعد انتقال مقر الخلافة إلى دمشق كانت الشخصيات الـ70 من تبقى منها ومعها الوجهاء الجدد تحضر إلى دمشق لأداء البيعة.

اختلف الإجراء في العهد العباسي، حيث ظهرت فكرة ممثلين عن ذوي المهن عموما إلى جانب وجهاء العشائر، فهناك رئيس نقابة للفراشين في قصور الأمراء والتجار وللنجارين وللوراقين والتجار... إلخ المهن يومها، حيث كانت كل شريحة تبايع رئيسها فيذهب مبايعا للخليفة في بغداد، ويتوالى وجهاء القبائل من الأقاليم.

ثالثا، السلطات الإقليمية:

حدث في العصر العباسي الثاني ضعف في مركز الخلافة فانعكس الضعف إداريا على الأقاليم البعيدة، فكانت القبائل تعقد مجلس تشاور تستعرض فيه أبرز القضايا وهي ضعف العدل وما شابه ذلك، وبالتالي تعلن القبائل المتجاورة في الإقليم اختيار حاكم للإقليم، وحاكم الإقليم بدوره يعلن الولاء للخليفة العباسي، والأخير بدوه يمنح الشرعية لحاكم الإقليم.

رابعا، دلالة الانتماء للمجتمع:

قد يقول قائل إن ذلك الإجراء بعد العصر الراشدي كان شكليا، ونحن قد نتفق أو نختلف مع هذا القول، ولكننا نتفق بطريقة أو بأخرى أن الخلافة المركزية كانت تحرص بوسائل شتى على إعلان ولائها للأمة بغض النظر عن الخلفيات، فهذا يعطينا الدلالة على حضور الانتماء للأمة ابتداء من الشرعية السياسية وصولا إلى وظيفة الدولة تجاه الأمة عموما، فإذا جئنا إلى سلطات الأقاليم سنجد أن الولاء للمجتمع (قبائل الإقليم) كان حاضرا بحثا عن العدل والخدمات المناسبة لذلك السياق التاريخي، كما أن الولاء للأمة عموما كان حاضرا متمثلا في إعلان سلطات الأقاليم بالدينونة للخليفة، احتراما لهوية الأمة المتمثلة في وحدة القرار السياسي ومواجهة خصوم الدولة الإسلامية المتربصين، وكذلك الانقلابات الإقليمية ذات الصبغة القومية الفارسية المتعصبة للطائفية ذات المذهب الباطني الهادفة إلى إفساد عقائد الإسلام وتدمير هوية الأمة وتمزيق النسيج المجتمعي وشبكة العلاقات الاجتماعية وإفساد الانتماء للأمة الإسلامية.

والتاريخ حمل إلينا تنوعا حضاريا مشرقا قامت به تلكم الدويلات في الأقاليم، كما حمل التاريخ خدمات اجتماعية وعلمية وأدبية... إلخ، عدا تلك الدويلات الطائفية المتعصبة المفسدة فقد تهاوت بسبب تعصبها الفارسي القومي الساعي إلى إفساد الانتماء للأمة والمجتمع.

خامسا، الدولة القطرية المعاصرة:

بعد اتفاقية سايكس بيكو عام 1916م، اتفقت دول أوروبا على تقسيم الأقاليم العربية واحتلالها، وهبت الشعوب إلى دحر الاحتلال الأجنبي والطاغوت المحلي، وانتصرت إرادة الشعوب العربية، وتربع على كراسي الحكم حكام صنعت ثقافتهم على موائد الغرب العلماني المادي.

وبالرغم من أن الحكام العلمانيين يمموا وجوههم للغرب والشرق لكنهم سعوا إلى إثبات انتمائهم للمجتمعات وللأمة العربية، وقدموا خدمات التعليم والصحة، ووظفوا أعدادا من أبناء شعوبهم وقدموا الضمان الاجتماعي والبنية التحتية بنسب متفاوتة.

ومع كل ذلك كان أولئك الحكام المتغربون يعلنون انتماءهم للمجتمع هوية وثقافة واجتماعا وتاريخا وحضارة.

ولم يتجرأ أي حاكم عربي أن يشير بعبارة توحي بأنه يرفض الانتماء للمجتمع أو الأمة أو هويتها.

سادسا، السلالية الطائفية تدمر اليمن:

لا ندري من أين نبدأ الحديث عن المليشيا الانقلابية السلالية الإرهابية؟

أولا، أخزى المخازي، وبالجملة: الحقيقة أن البيت الشعري التالي يعطي القارئ وصفا تقريبيا لمخازي العار والسقوط القيمي والأخلاقي والسياسي والاجتماعي والثقافي لدى السلالية التي نُكب بها وطننا اليمني الحبيب.

يقول البيت الشعري:

وكنتَ إذا نزلتَ بأرض قومٍ

خرجت بخزيةٍ وتركتَ عارا

ثانيا، الانقلاب السلالي على الشرعية: السلالية الطائفية الحاقدة على شعبنا اليمني وجدت دعما طائفيا إقليميا، فسارعت لإفراغ مخزون أحقادها المتراكمة وهدفها الوحيد المعلن من اللحظات الأولى هو تدمير الهوية اليمنية ومقدرات الوطن، وفي ذات الوقت تتبجح بصلف مقرف ساخرة من هوية المجتمع اليمني معلنة بلسان الحال والمقال أنها لا تنتمي للمجتمع اليمني فضلا عن الأمة الإسلامية.. نعم أعلنت ولاءها لملالي طهران ومن سار في فلكهم فقط.

أول برهان صارخ يعلمه الجميع داخليا وخارجيا هو الانقلاب على الشرعية الدستورية والنظام الجمهوري. وثانيا، مصادرة إرادة الشعب المتمثلة في الإجماع الوطني على مخرجات الحوار الوطني والتي ناضل لأجلها الشعب اليمني وبذل الغالي والنفيس بهدف الوصول إليها. وثالثا، وبدعم من القوة الجاهلة، استحوذ على مقدرات الوطن - احتياط البنك المركزي البالغ 7 مليارات دولار، إضافة إلى الاستحواذ على ضرائب وجمارك وإيرادات الدولة لصالح العصابة السلالية. ورابعها، مصادرة أراضي المواطنين، وممتلكات الوقف، وحرمان مئات الآلاف من الموظفين من رواتبهم في كل مرافق الدولة، بل إن السقوط الأخلاقي والحقد الطائفي المتعصب ضد أبناء اليمن وصل إلى نهب الضمان الاجتماعي، فهل توقف الأمر عند هذا الحد؟

لا، لقد اتجه التعصب السلالي إلى مصادرة السكن الخاص بأعضاء هيئة التدريس في جامعات صنعاء والحديدة وذمار ومصادرة رواتبهم، وإمعانا في إفراغ مخزون أحقاده أغلق قسم الفلسفة بجامعة صنعاء وفتح قسما للغة الفارسية ولاء لطائفيته القذرة ورفضا وقحا لأي انتماء للهوية اليمنية وانتماء للمجتمع.. قصف مدينة مأرب بالصواريخ البالستية المحرمة استهدف بها مواطنين أبرياء.

المحور الثاني، إفساد الجيل:

أنا لم أقل كل أوزارها

تنزها قولي وعف الفمُ

وآثامها لم تسعها اللغات

ولم يحوِ تصويرها ملهَمُ

(البردوني رحمه الله)

أولا، محاكاة للصهيونية: الاحتلال الغاصب في فلسطين يفجر مئات المنازل، والسلالية تفجر مئات المنازل في اليمن.

الاحتلال في فلسطين يدمر غزة على رؤوس السكان، والسلالية تدمر المنازل على رؤوس اليمنيين.

الاحتلال يحاصر غزة قرابة عقدين، والسلالية تحاصر تعز منذ 8 سنوات، إضافة إلى ذلك تقصف مدينة تعز.

الاحتلال في فلسطين يدمر المساجد والسلالية تدمر مئات المساجد ومدارس تحفيظ القرآن، وتعلن أن هذا الإجرام من صميم الإسلام، والصواب هو صميم سلاليتها الطائفية الحاقدة.

قتلت السلالية -حسب إحصاءات الأمم المتحدة- قرابة 300 ألف يمني بمختلف أعمارهم، وفي سجونها ما يزيد على 38 ألف مختطف وفي مقدمتهم القيادي المدني رجل السلام والمدنية محمد قحطان.

اعتقال عشرات النساء وتجنيد آلاف الأطفال وتقديمهم وقودا لإجرامه وعدوانه على مأرب وتعز وغيرها من المناطق.

وليس أخيرا، التوجه الطائفي الحاقد لإفساد المقررات المدرسية حذفا للتاريخ اليمني والإسلامي وإدخال المفاهيم الطائفية السلالية الحاقدة والمسيئة إلى رموز الأمة اليمنية وطمسا لمواقف الآباء الرواد الأوائل صناع الثورة اليمنية، بل وطمسا للهوية اليمنية، ودفعها الحقد الطائفي إلى تغيير أسماء المدارس والأحياء السكنية في العاصمة صنعاء وغيرها.

إننا بحاجة لإعادة النظر في البيت البردوني أعلاه القائل:

وآثامها لم تسعها اللغات

ولم يحوِ تصويرها ملهَمُ

ومن خلال العودة نجد ما ذكرناه من فساد وإفساد الذي تمارسه السلالية، ناهيك عن الآثار المترتبة عليه طيلة سنوات مقبلة، سنجد أن ما ذكرناه هو غيض من فيض كما يقال، لكن اليمن لا بواكي لها.

ثانيا، تسويق، متاجرة، اقتيات:

حرب الإبادة الجماعية الإجرامية على غزة التي مارسها الاحتلال الصهيوني ولا زال يمارسها، ها هي السلالية هرعت بحقدها الطائفي الأسود ولكن بصورة أبشع، تسويقا ومتاجرة، وولوغا في الدماء الطاهرة المسفوحة في أرض غزة، وقد ساعدتها ظروف إعلامية غربية فصنعت لها جوا إعلاميا لتضليل الرأي العام، وهيهات، ذلك أن جل الناس يعلمون أن السلالية تريد الاقتيات بدماء غزة والمتاجرة بها، لاكتساب الشرعية لدى الشعب اليمني المنكوب والمطحون والمنكود، جراء الإجرام السلالي الحاقد.

بربك أيها القارئ العزيز، أن عصابة انقلابية مليشياوية تلك جرائمها وهذا إفسادها أنّى لها المصداقية قولا أو فعلا تجاه شعب فلسطين؟ فإذا كانت صادقة تجاه فلسطين، فإن الواجب القيمي تجاه اليمن يحتم عليها "التوقف الفوري" عن إجرامها وتدميرها لهوية الشعب اليمني ومقدراته وإفساد ثقافة الأجيال القادمة.

إن العقلاء في اليمن لديهم قناعة تامة أن السلالية ترجو إطالة الحرب على غزة سنين عدة حتى تتمكن السلالية من تسويق اقتياتها لكي تبقى مفسدة ومعربدة على حساب الحرب الإجرامية ضد شعب فلسطين.

الخلاصة، السلالية الطائفية في اليمن جعلت انغلاقها على ذاتها أداة تدميرية للهوية اليمنية.

ثالثا، وأخيرا، حوار موجز مع مواطن عربي:

ثاني يوم من تسويق اقتيات السلالية ودعاواها في البحر الأحمر اتصل بي طالب يمني في دولة عربية عبر رسالة صوتية قائلا إنه سمع إحدى الأخوات في تلك الدولة تتحدث بإعجاب حول موقف السلالية في اليمن تجاه الملاحة في باب المندب، وإنه دخل معها في نقاش هادئ وفشل في إقناعها والسبب قلة إلمامه حول تدمير اليمن، وطلب مني الدخول مع تلك الأخت في نقاش، فأبديت موافقتي.

باختصار، ناقشت تلك الأخت فوجدتها متحمسة بقوة داعية إلى تناسي جراحاتنا على أن ننظم إلى موقف السلالية الشجاع ضد الاحتلال... إلخ.

بدوري استمعت لها حتى النهاية ثم قلت لها: ماذا لو أن السلالية موجودة في وطنكم العربي الشقيق وقامت بالانقلاب على الشرعية وخرجت عن الإجماع الشعبي، ودمرت مئات المنازل والمساجد والمدارس وأفسدت المقررات المدرسية وحرمت مئات الآلاف من الموظفين من رواتبهم والضمان الاجتماعي، فقاطعتني قائلة: يا رجل غير معقول هذا التصرف.. وأضافت: هل أنت مستعد تقسم اليمين على هذا التصرف؟

قلت لها: نعم بشرطين اثنين: الأول أن أسرد ما أمكن من جرائم السلالية، والثاني أن تقسمي يمينا ماذا سيكون موقفك لو حصل هذا التدمير بوطنكم، فقالت: موافقة سأفعل ولكن أنا مكتفية بقسمك على سرديتك الأولى فقط، فأقسمت لها بالله على ما ذكرت وأن تلك السردية تمثل نسبة 20 - 25%، فصرخت قائلة: وأنا أقسم بالله أنها مسرحية مفتعلة بهدف التسويق والمتاجرة والاقتيات باسم شعب فلسطين، وأقسم مرة أخرى لو أنه حصل قطع رواتب فقط لحملت السلاح وقاتلت الحوثي. وأضافت: لن أسكت بعد هذه اللحظة إزاء هذه المتاجرة السارقة لنضال الشعب الفلسطيني.

الخلاصة لكل ما سبق: الطائفية والسلالية طاغوتية مفسدة للهوية وتدمير للمجتمعات والأوطان والأجيال.

أكتفي بهذا القدر على أمل اللقاء بعونه سبحانه مع الحلقة الرابعة: فقه الانتماء للمجتمع والأمة.

                                                  

كلمات دالّة

#اليمن