الجمعة 20-09-2024 00:45:47 ص : 17 - ربيع الأول - 1446 هـ
آخر الاخبار
الإصلاح ودوره المجتمعي
بقلم/ محمد القليصي
نشر منذ: أسبوع و 8 ساعات
الخميس 12 سبتمبر-أيلول 2024 04:26 م
 

حرص التجمع اليمني للإصلاح منذ تأسيسه على رأب أية شقوق أو تصدعات في جسد المجتمع اليمني سواء كانت ناتجة موروث خاطئ أو سياسة غير سليمة أو تباين واختلاف، وكانت سياسة الإصلاح واضحة ومساره جليا في التعامل مع القضايا التي تمس الشأن العام سواء كان اجتماعيا أو سياسيا، فالمحدد الأول للخوض في أي قضية أو التعامل مع أي شأن من الشؤون هو وحدة الصف والحفاظ على النسيج الاجتماعي موحدا قدر الإمكان، ودفع الإصلاح في سبيل ذلك ضريبة كبيرة تفاوتت في حجمها بحسب الأحداث والمواقف والمراحل، فهل كان لهذا النهج الإصلاحي أثر في صياغة المجتمع وتكوينه وطبيعة علاقاته البينية؟ وبعبارة أخرى كيف سيكون الوضع الاجتماعي لو لم يكن التجمع اليمني للإصلاح قد وجد في الأساس؟

ابتداء يمكننا القول إن الإصلاح قد وُلِد في بيئة تحمل قدرا من التباينات السياسية والاجتماعية، فهي بيئة قريبة عهد من عصور الظلام الكهنوتية وما حملته من إرث ملغوم اجتماعيا وفكريا بعد عصور من التجهيل المتعمد والضخ الفكري والقيمي المشوه نتيجة فكر الكهنوت القائم على العنصرية والتمييز الطبقي وصناعة تباينات اجتماعية وغرس كثير من القناعات الاجتماعية الخاطئة التي رسخها طول مدة العصر الإمامي وحرصه على إغلاق منافذ الوعي، كما أن ولادة الإصلاح تزامنت مع توديع فترة طويلة من التشطير والتجزئة السياسية لليمن، بالإضافة إلى خلافات سياسية ظلت تتنامى تحت سطح منع العمل الحزبي والتعددية السياسية في شمال الوطن وجنوبه ما جعل عمقها وتأثيرها في المجتمع مجهولا وغير محدد المعالم، ما يعني أن السعي لغرس قيم دينية ووطنية سوية في مثل هذه البيئة سيواجه بنوع من الرفض من مجتمع لم يتحرر من رواسب الماضي وتشوهاته الفكرية واحتقاناته السياسية إلا أن الإصلاح الذي ولد في هذا المجتمع أدرك طبيعة المرحلة وخصائص البيئة وأوجه اختلافها واتفاقها.

وقد ساعد الإصلاح في فهم طبيعة المرحلة وخصائص المجتمع اليمني أنه ولد ممتدا بامتداد الجغرافيا اليمنية وحاضرا في كل فئات المجتمع وشرائحه؛ فكان لهذا الامتداد والحضور دور في التعامل الأمثل مع مختلف قضايا الشأن العام، ولعل من أهم الرواسب التي واجهها الإصلاح منذ الأيام الأولى لتأسيسه هي الموروث الإمامي الذي قسم المجتمع على أساس جغرافي إلى زيود وشوافع؛ فبرغم ضعف النزعة الطائفية في المجتمع اليمني إلا أن ذلك التقسيم كان له دور في صناعة حواجز اجتماعية وشيء من النفور بين أبناء الجغرافيا الوطنية؛ فعمل الإصلاح على هدم تلك الحواجز من خلال التوعية والتثقيف وإذابة الخلاف الفكري والاختلاف الفقهي والتمترس الجغرافي عبر أنشطته الجماهيرية ومشاركته الفاعلة في المناسبات الاجتماعية التي كان أعضاؤه وكوادره يؤكدون فيها على واحدية المجتمع وأخوة الدين ويحذرون من الفرقة والتنازع، وركزت أدبياته ونتاجه الفكري والثقافي والفني على المتفق عليه وابتعدت عن النزعة المناطقية والموروث الخاطئ وسعت لتعزيز النسيج الاجتماعي وإذابة الحواجز المصطنعة بين فئات المجتمع.

وقد تجاوز الإصلاح التقسيم المذهبي للمجتمع على أساس جغرافي إلى العمل على ردم العديد من التباينات الاجتماعية والتخفيف من الفوارق الطبقية المصطنعة بل وإزالتها في كثير من المناطق التي كان له حضور فاعل فيها، واعتمد الإصلاح في ذلك على عدم مصادمة قناعات المجتمع أو مهاجمة المتمترسين وراء الأفكار والقناعات الخاطئة أو الانشغال بالجزئيات والتفاصيل التي تعد أعراضا لمشكلات عامة بل انتهج أسلوب التوعية الإيجابية التي تعرض الصحيح وتحبب الإيجابي وترَغِّب في القيم السليمة لتجد تلك القيم طريقها إلى عقول أبناء المجتمع عبر منابر التوعية المتاحة، وكان لحضور الإصلاح الاجتماعي والتحاق كثير من الرموز الاجتماعية بصفوفه دور فاعل في تعزيز القيم الإيجابية وإزاحة كثير من الأفكار الخاطئة أو التخفيف منها.

وفي الوقت الذي عمل فيه التجمع اليمني للإصلاح على تغيير القناعات الاجتماعية الخاطئة فإنه سعى لتعزيز الجوانب الاجتماعية الإيجابية والعادات الحسنة النابعة من الدين الإسلامي الحنيف والإرث الحضاري العريق، وحرص على تعميق القيم الأصيلة التي تحلى بها المجتمع اليمني وعمل على إبراز تلك القيم وتوسيع حضورها وتأثيرها من خلال حضوره الفاعل في أوساط المجتمع ومناسباته الاجتماعية وصياغة قوالب التوعية المتعددة وتنويع الخطاب وتجديده وعدم الاعتماد على الجانب الوعظي فقط والذي سيكون تأثيره على فئة محددة من المجتمع، فقد كان لكوادر الإصلاح ومؤسساته الثقافية دور فاعل في توجيه الفن لخدمة المجتمع وتعزيز قيمه الإيجابية والتغني بمناقبه المتوارثة من خلال التفاعل المتنامي مع الألوان الثقافية والفنية المختلفة كالمسرح والأنشودة والزامل والأغنية الوطنية والتجديد في الألوان التراثية الفنية وتحويل المناسبات الاجتماعية إلى منابر للوعي الهادف وتعزيز القيم النبيلة، وقد لاقت تلك الجهود تفاعلا مجتمعيا كبيرا سواء من حيث الإقبال أو من حيث التقبل ليؤكد الإصلاح بذلك أنه ابن البيئة اليمنية روحا وانتماء.

وقد أدرك الإصلاح منذ وقت مبكر أن أهم عوامل تعزيز النسيج الاجتماعي والتخلص من رواسب الكهنوت الإمامي والحفاظ على قيم المجتمع الأصيلة يكمن في تعزيز الدور الإيجابي للقبيلة في بلد تمتد القبيلة في كل مساحته الجغرافية فحرص الإصلاح على تعزيز الأدوار الإيجابية للقبيلة وتشجيع القيم النبيلة لديها وردم الفجوة بينها وبين الدولة فكان لكوادر الإصلاح من المشائخ والشخصيات الاجتماعية دور مهم في نزع فتيل التوتر الذي يشتعل بين القبيلة والدولة ما بين الحين والآخر، ومحاربة التصورات الخاطئة عن العلاقة بينهما والعمل على تحويل القبيلة من ند للدولة أو مناهض لها إلى داعم لها وساع إلى حضورها الإيجابي بل ومدافع عنها عند تعرضها لخطر التقويض والسيطرة من قبل المشاريع الدخيلة والصغيرة، فكان لذلك التوجه أثر كبير في حضور القبيلة في مواطن الدفاع عن الدولة وحمايتها والوقوف معها، كما حرص الإصلاح على التخفيف من المشكلات الاجتماعية التي تنهك القبيلة وتستنزفها وتقلص من دورها الإيجابي الفاعل في الشأن العام، وفي مقدمتها قضية الثأر التي كانت قد شهدت تراجعا يتفاوت بتفاوت حضور الإصلاح في القبيلة وجهود كوادره من الشخصيات الاجتماعية في التوعية بمخاطر الثأر والتخفيف من نزعة العصبية وآثارها والعمل على توجيه المتخاصمين إلى أجهزة القضاء وهيئاته.

بشكل عام لم يكن الإصلاح بعيدا عن المجتمع وقضاياه توعية وخدمة وحملا لقضايا الناس وهمومهم؛ فقد اخرط أعضاؤه في عمق المجتمع وعملوا على خدمته في شتى المجالات سواء عبر جهود فردية أو مؤسسية ترجمت مبادئ الإصلاح وأهدافه التي أعلنها منذ تأسيسه، وقد شهدت مسيرة الإصلاح على مدى أربعة وثلاثين عاما إنجازات مجتمعية كبيرة تمثلت في التوعية والتثقيف وتعزيز الترابط المجتمعي وفي الخدمات الاجتماعية المتنوعة التي شهدها المجتمع وشهد بها سواء في الجانب الاجتماعي أو الثقافي أو التنموي أو الخدمي والتي أسهمت في رفع الوعي المجتمعي والتخفيف من معاناة الناس وعملت على تلبية احتياجاتهم بالقدر المتاح، ولم يكن الإصلاح ينظر إلى تلك الجهود على أنها فضل أو منة بل هي نابعة من الارتباط بالمجتمع والشعور بالانتماء إليه ووجوب خدمته وحمل قضاياه والعمل على حل مشكلاته، وهو واجب كل مكون سياسي يحمل الهم الوطني وينتمي للنسيج الاجتماعي ويسعى لترجمة برامجه وقيمه إلى واقع عملي يلمسه المجتمع وينتفع به.