لا نظن أحداً يشك في أن المتغيرات الكثيرة التي تحدث في العالم بصور متلاحقة ومتسارعة تجعل من المتابع لها يلهث وراء أحداثها ووقائعها، وتدفعه الى البحث عن أسبابها والتمعُّن في نتائجها وآثارها ..!
فمن المفارقات العجيبة أن كثيراً من هذه المتغيرات تتبدى بارزة المعالم في محيط العالم الإسلامي على طول امتداده في الكرة الأرضية وبدون تخفٍّ من صانعي هذه الأحداث وهذه المتغيرات ..!
وعدم التخفي من صانعي هذه الأحداث والمتغيرات لم يكن منحصر في كون هذه القوى قادرة على تنفيذ إرادتها في عالمنا الإسلامي فقط؛ بل لأنها وجدت في هذه الأمة من العجز والهزال وعدم الإحساس بمسؤوليتها تجاه نفسها؛ ما أغراهم بالاستخفاف بها والتلاعب بمصائرها وتجاوزها دون انتظار لأي رد فعل جاد ومؤثر وخارج إطار التشنج المعهود والذي أدمنت التعبير عنه بالشطب والتنديد ومغالبة طواحين الهواء..!
لقد وصلت أمتنا الى هذا الحد من هوانها على الناس، لأنها أضاعت فرصاً عديدة ومتنوعة للوصول بنفسها الى أقاصي درجات القوة والمنعة، وفارقتها أسبابها لأنها لم تجد منها أي محاولة جادة للأخذ بها والاستفادة من إمكاناتها وقدراتها، ولأنها ركنت الى وهم الحليف الذي تصورت أنه يمكن أن يضحي بنفسه في سبيل خمولها وكسلها واعتماد مقومات استراتيجيتها على استراتيجية قوم عاشوا بين السدين، والذين كانوا لا يفقهون قولا لمعاني العزة والكرامة..!
إن أمماً وشعوباً غيرنا كان حالها كحالنا غير أنها نفضت عن نفسها غبار التخلف والجمود، والقت عن كاهلها عوامل الخنا والخنوع والاستسلام لقدر الضعف، وأشاحت بوجهها عن الركون على غيرها، وانطلقت تبني لنفسها مجداً حاضراً لا يعتمد الماضي خرافة يمكن لها أن تصنع الحاضر أو أن تتسوَّر بها جدران المستقبل ..!
لقد كان الكثير من أمم الأرض وشعوبها أخلصوا لها أكثر مما أخلص حلفاؤنا لنا، ولكن تلك الأمم وتلك الشعوب لم تغطّ في نومها، ولم تتخدر بأوهامها، بل أحسنت توظيف إمكانات حلفائها في بناء ذاتها وصناعة شخصيتها مستقلة عن غيرها ومستغلة لكل ما يفك عنها إسارها ..!
فالصين _مثلاً_ كان اعتمادها في بعض حاضرها على قوة الاتحاد السوفيتي في الدفاع عن ذاتها، ولكنها _في نفس الوقت أحسنت توظيف علاقتها وبنت نفسها عسكرياً واقتصادياً وعلمياً، وانطلقت في الأرض تزاحم أقوياء العالم ..!
والهند _عبرة أخرى_ بنت أساس نهضتها على علاقة مع السوفيت ومع دول الغرب _في نفس الوقت_ وتفلتت بعد ذلك من عقال من اعتمدت عليهم شرقاً وغرباً ..!
وفرنسا التي رفضت البقاء خانعة تحت مظلة القوة الأمريكية، وصنعت قوتها التي تميزت بها عن غيرها من قوى العالم ..!
وكوريا الشمالية التي مثِّلت عصامية تفردت بها في العالم وأجبرت بقوتها قوى الهيمنة في العالم على احترام إرادتها والتي بها لم تكتفي بحياة دافئة في كنف حليفتها الصين ..!
وإيران فارس وأحمال أمجاد كسرى .. لا تحتاج الى كثير حديث عنها فلغة طموحها معلومة الأحرف ومفهومة المعنى لكل من تبقى له ذرة عقل في هذه الأمة، وهي بجحافل أحقادها لم تترك لأمتنا باباً الاَّ ودقّت وتداً أمامه ..!
إنها سنة البقاء للأقوى .. إنها سنة باقية ما بقيت الحياة .. " ولولا رهطك لرجمناك " ..!
لقد وصلت أوروبا في كثير من بلدانها الى قمة الرفاه .. غير أن الواقع اليوم يشير الى أساطيل روسيا وحاملات طائراتها التي تسبح فوق أمواج بحارها ..!
وكوريا الجنوبية تعيش حالة قلق من زوال رفاهيتها بضغطة زرّ قوة أختها وجارتها .!
أما اليابان _بكل بذخها_ تعيش حالة إنحناء دائم كلما اخترقت الصواريخ أجواء سماءها..!
لقد آن لأمتنا أن تنهض من كبوتها، وأن تصمّ آذانها من نهيق الطابور الخامس الذي يختال بمكره وعمالته في ساحة عجزها مثبّطا لها ومدمراً لكل مرصد يمكن لأمتنا أن ترى من خلاله معالم النهوض ..!!