السبت 18-05-2024 10:22:03 ص : 10 - ذو القعدة - 1445 هـ
آخر الاخبار

تنازلات مرحلية.. كيف حافظ الإصلاح على العملية السياسية في اليمن؟

الخميس 09 مايو 2019 الساعة 11 مساءً / الاصلاح نت- خاص- عبد السلام قائد

 

منذ تأسيسه في سبتمبر 1990، ظل التجمع اليمني للإصلاح يعمل من أجل الحفاظ على العملية السياسية وعلى الجمهورية والديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية، باعتبار ذلك ثمرة تضحيات أحرار اليمن الأوائل ضد الإمامة الكهنوتية في شمال الوطن والاحتلال البريطاني في جنوبه، إضافة لكونه تحصينا للبلاد من الانزلاق في فوضى العنف والحروب الأهلية من أجل السلطة، خاصة في ظل وجود مشاريع مذهبية سلالية وطائفية وعنصرية متخلفة تهدد اليمن ودول الجوار.

وازداد حرص حزب الإصلاح على ترسيخ التعددية السياسية والحزبية بعد أن كان الرئيس السابق علي عبد الله صالح يعمل من أجل تفتيت الأحزاب وإضعافها والقضاء عليها، ومحاولاته الدؤوبة لإفراغ الديمقراطية من مضمونها، وهو ما كان يتجلى في ممارساته وتعامله مع مختلف الأحزاب ومع الانتخابات والمؤسسات التشريعية والدستورية، ومحاولاته الالتفاف على ثمار تضحيات أحرار اليمن الأوائل، من خلال التخطيط لمشروعي "التوريث" و"التأبيد"، والسماح للسلالة الهاشمية العنصرية بالتغلغل في أوساط قوات الجيش والأمن وفي مفاصل السلطة المختلفة حتى وقع الفأس على الرأس، وكان هو بذاته ضحية لسياساته الخاطئة.

 

- الاعتداء على الديمقراطية

ألقت البيئة السياسية العربية، خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، بظلالها الكئيبة على الحياة السياسية في اليمن، فقد اتسمت تلك البيئة بظهور أحزاب عربية حاكمة شمولية لا تؤمن بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة إلا كشعارات فقط، الهدف منها تخدير الجماهير، وهو ما حصل في شطري اليمن، حيث كان الحزبان الحاكمان في الشطرين يحرّمان الديمقراطية والتعددية السياسية، ولا يؤمنان بالتداول السلمي للسلطة.

غير أن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، عام 1990، كانت فاتحة عهد جديد، ذلك أن ضغوط الجماهير في شطري البلاد وضغوط عدة نخب سياسية، بالإضافة إلى تراكم المطالب الشعبية بنظام جمهوري ديمقراطي تعددي، كل ذلك جعل شريكي الوحدة يتفقان على أن يتزامن مع إعلان إعادة تحقيق الوحدة اعتماد النظام الجمهوري الديمقراطي التعددي وحرية العمل السياسي وتشكيل الأحزاب السياسية وحرية الرأي والتعبير وغير ذلك.

لم يكن النظام الجمهوري الديمقراطي التعددي وليد الوحدة اليمنية التي تحققت عام 1990، باعتبار أن الوحدة رافقها الاتفاق على التعددية السياسية والحزبية والديمقراطية كوسيلة حضارية وعصرية للتداول السلمي للسلطة، بعد عدة سنوات من الحروب الأهلية التي أكلت الأخضر واليابس بسبب الصراع على السلطة، ولكن كان إعادة تحقيق الوحدة الوطنية، والاتفاق على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة، بمثابة المحطة الأخيرة للأهداف التي ناضل من أجلها أحرار اليمن الأوائل ضد نظام الإمامة الاستبدادي في شمال الوطن والاحتلال البريطاني في جنوبه.

لكن ذلك النظام الديمقراطي الجديد الذي بدأ في التشكل في اليمن الموحد لم يرق لشريكي الوحدة، أي الحزبين الحاكمين في شطري اليمن قبل الوحدة، المؤتمر والاشتراكي، مما تسبب في تصاعد حدة الخلافات بينهما، حتى اندلعت حرب صيف 1994 الأهلية، وكانت تلك الحرب وتداعياتها الكارثية بمثابة انتكاسة كبيرة لمسيرة النضال اليمني من أجل بناء وطن ديمقراطي حر خالٍ من مسببات الحروب الأهلية، وما ينجم عنها من انقسامات وشروخ اجتماعية يصعب ردم آثارها في المستقبل القريب.

لقد استغل الرئيس السابق علي صالح الفراغ السياسي الذي خلفه إقصاء الحزب الاشتراكي اليمني من الحياة السياسية، ليبدأ في إقصاء بقية الشركاء، ويبدأ خطواته العملية للانقلاب على الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة من خلال التمهيد لمشروعي "التوريث" و"التأبيد" في السلطة، خاصة أن غياب الحزب الاشتراكي عن المشهد السياسي اختفى معه ما كان يمثله من توازن سياسي وعسكري لاستناد الحزب على جيش وإعلام وإمكانيات دولة الجنوب قبل الوحدة، واستغلال ذلك في الصراع مع علي صالح وحزبه، رغم أن ذلك كان يعد حالة شاذة في تاريخ أنظمة الحكم، كونه أظهر دولة الوحدة برأسين مختلفين، وكان من الصعب إدماج النظامين في نظام واحد لعدة أسباب.

وفي الحقيقة، فقد بدأ الرئيس السابق علي صالح تدميره الممنهج للديمقراطية وللحياة السياسية في البلاد، بشكل عام، منذ أن تولى رئاسة الشطر الشمالي من البلاد قبل الوحدة، وتحديدا عقب الانقلاب الناصري عليه، في 15 أكتوبر 1978، بعد أقل من ثلاثة أشهر على توليه السلطة، حيث واجه علي صالح المحاولة الانقلابية الفاشلة بإعدام حوالي 20 قياديا عسكريا ومدنيا من الناصريين، تلا ذلك الاعتقال والإخفاء القسري لقادة ناصريين لم يكشف مصيرهم حتى اليوم، فضلا عن تشرد عدد كبير منهم في الشطر الجنوبي وفي خارج البلاد.

وبعد حرب صيف 1994 الأهلية، بدأ نظام حكم علي صالح العمل على إفراغ الديمقراطية من مضمونها بشكل عملي، والتعدي على التعددية السياسية، واستخدم إمكانيات الدولة لتفريخ الأحزاب وتمزيقها واستقطاب بعض قادتها إلى الحزب الحاكم ومنحهم مناصب عليا في الدولة، وتزوير الانتخابات، وشراء الأصوات، ووضع قيود على حرية الرأي والتعبير، والتخلص من بعض المعارضين السياسيين من خلال تدبير حوادث سير وغيرها، كل ذلك من أجل إضعاف الأحزاب السياسية وإفراغ النظام الجمهوري الديمقراطي من مضمونه، وتحويله إلى نظام عائلي فردي.

 

- تفريخ الأحزاب وتهميشها

استخدم علي صالح إمكانيات الدولة لإضعاف مختلف الأحزاب في البلاد، واتخذ من أجل تحقيق ذلك وسيلتين رئيسيتين: الأولى، استقطاب كل من أمكن استقطابه من قيادات الأحزاب وإعلامييها إلى حزبه الحاكم، ومنحهم مناصب عليا في الدولة والحزب الحاكم، ومنحهم الأموال والنفوذ، والاهتمام بهم أكثر من اهتمامه بقيادات حزب المؤتمر وإعلامييه القدامي الذين لم يفدوا إليه من أحزاب أخرى، وكل ذلك من أجل إغراء بقية قيادات وإعلاميي تلك الأحزاب للانضمام إلى حزبه، لإفراغ مختلف الأحزاب من قياداتها وإعلامييها، وتحويلها إلى أحزاب هامشية ليس بقدرتها إيقاف مشروع توريث السلطة أو مجرد البقاء كمعارضة قوية وفاعلة.

والثانية، تفريخ مختلف الأحزاب واستنساخها، حيث فرخ ما بقي من التيار الناصري إلى ثلاثة أحزاب، بعد أن كاد أن يقضي تماما على الناصريين في البلاد بعد فشل انقلابهم عليه في أكتوبر 1978، وهذه الأحزاب هي: التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، الذي يعد الحزب الأم، والحزب الناصري الديمقراطي، وتنظيم التصحيح الناصري، وهما حزبان استنسخهما علي صالح لإضعاف التنظيم الناصري، وتحالفا مع حزب المؤتمر ضمن ما عرف بـ"أحزاب التضامن الوطني"، وهو تحالف يضم مختلف الأحزاب المستنسخة والهامشية التي دعمها علي صالح لاستثمارها وقت الحاجة.

أما الحزب الاشتراكي، فعلي صالح لم يتمكن من استنساخه، لأن حالة الضعف الشديد التي مر بها الحزب بعد حرب صيف 1994 لم تجعله قابلا للانقسام، بعد فرار معظم قياداته التاريخية إلى خارج البلاد، ومن تبقى منهم داخل البلاد انضم أكثرهم إلى حزب المؤتمر وشغلوا مناصب عليا في الدولة والحزب الحاكم. وبخصوص حزب البعث، فقد استغل علي صالح الخلافات بين سوريا والعراق لتفكيكه، فظهر حزب البعث العربي الاشتراكي الموالي لسوريا، وحزب البعث العربي الاشتراكي القومي الموالي للعراق.

ورغم نجاح علي صالح في تفكيك وإضعاف الأحزاب المذكورة، والتي كانت فاعلة ولها حضور شعبي، إلا أنه فشل فشلا ذريعا في محاولاته لتفكيك وإضعاف حزب الإصلاح، رغم استخدامه وسائل الإغراء من أموال ومناصب كبيرة في الدولة والحزب الحاكم لاستقطاب بعض قيادات وإعلاميي الإصلاح، ولم ينجح سوى في استقطاب عدد محدود جدا، وهؤلاء كانوا إما من المستقيلين من الحزب بسبب خلافات، أو ممن تم فصلهم منه.

 

- الإصلاح والعملية السياسية

لم يقف حزب الإصلاح مكتوف الأيدي إزاء محاولات الرئيس السابق علي صالح لإفراغ الديمقراطية والتعددية الحزبية من مضمونها، ومحاولته تحويل نظام الحكم إلى نظام فردي عائلي، وتفكيك واستنساخ مختلف الأحزاب السياسية. وظل الإصلاح يعمل، منذ تأسيسه عام 1990، من أجل الحفاظ على الجمهورية والديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية وغيرها من المكتسبات الوطنية، التي كانت ثمرة سنوات الكفاح والنضال الوطني من قبل أحرار اليمن الأوائل، ضد النظام الإمامي الكهنوتي في الشمال والاحتلال البريطاني في الجنوب.

وكان الإصلاح أول تيار سياسي يمني يرسي مفهوم المعارضة السياسية في أوساط الشعب قولا وعملا، وذلك عندما دعا إلى مظاهرات شعبية رفضا لبعض بنود دستور دولة الوحدة، عام 1991، وهو بذلك يكون قد أدخل تقاليد سياسية كانت مستحيلة قبل ذلك الوقت، من شأنها تعزير وترسيخ مفهوم الديمقراطية والتعددية السياسية، وتعريف الجماهير بأبرز مضامينها، ثم إنه مارس الرقابة على أداء حزب المؤتمر الحاكم، رغم أنه كان مشاركا في السلطة، قبل أن يغادرها تماما بعد انتخابات عام 1997 البرلمانية، وتحول إلى حزب معارض أقض مضاجع الحزب الحاكم، ورسخ مفهوم المعارضة السياسية الفاعلة في الأوساط الشعبية.

كما أن حزب الإصلاح قدم عدة تنازلات للحفاظ على الهامش الديمقراطي الذي تحقق، ومن نماذج ذلك، أنه بعد انتخابات عام 1993 تراجع عمدا من المركز الثاني إلى المركز الثالث، وهو ما انعكس على حجم مقاعده الوزارية، مقارنة بحجمه في البرلمان، وذلك للحيلولة دون تعثر العملية السياسية، بعد تفاقم الخلافات التي برزت بقوة إلى السطح.

وبعد تفجر الأوضاع واندلاع حرب صيف 1994، طرح حزب الإصلاح في مؤتمره العام الأول، عام 1994، ضرورة حل القضية الجنوبية بعد حرب صيف 1994، سعيا منه لاحتواء الأزمة اليمنية ومنع تفاقمها بما قد يعطل تطور العملية السياسية مستقبلا، وهو ما حدث بالفعل، حيث تنامت مشكلة الجنوب وصولا إلى تفجر القضية الجنوبية وتدشين فعاليات الحراك الجنوبي التي بدأت شرارتها الأولى مع إعلان ملتقيات ما عرف حينها بالتصالح والتسامح، مطلع عام 2006، ثم انطلاق الحراك الجنوبي عام 2007، وكان ذلك مؤشرا واضحا على تعطل الحياة السياسية وجنوحها صوب العمل الشعبي الجماهيري.

وفي عام 1997، كانت العملية السياسية مهددة، بسبب مقاطعة معظم الأحزاب للانتخابات البرلمانية في ذلك العام، وفي مقدمتها الحزب الاشتراكي اليمني، حيث هدد رئيس البلاد حينها علي صالح بإلغاء التعددية السياسية، ولم يكن أمام الإصلاح من خيار سوى المشاركة في الانتخابات رغم علمه المسبق بأنها لن تكون نزيهة وأن صالح يريد تكريس شرعية حزبه كحاكم أوحد لليمن، لكن الإصلاح كان أمام خيارين أحلاهما مر، فإما المشاركة في الانتخابات المعروفة نتائجها سلفا وإما نسف العملية السياسية كما هدد صالح، بعد سبع سنوات فقط من إعلان الوحدة، فكان خيار المشاركة دعما لمسيرة الحياة السياسية التي ولدت مع الوحدة وللحفاظ على الهامش الديمقراطي الهش الذي جاءت به.

بعد ذلك، حاول الرئيس السابق علي صالح زرع العداوات بين أحزاب المعارضة، ليشغلها عن التفرغ للرقابة على أداء نظامه، لكن الإصلاح تنبه لذلك، وبدأ يسعى بجدية لإنعاش المعارضة السياسية، وتوحيد جهودها للرقابة على أداء الحزب الحاكم، وفضح فساده المالي والإداري أمام الشعب وبمختلف الوسائل المشروعة، وأثمرت تلك الجهود الاتفاق مع الأحزاب الأخرى على تأسيس تحالف سياسي فيما بينها أطلق عليه "اللقاء المشترك".

كانت تجربة اللقاء المشترك ثرية في مضمونها، فمن جانب، كانت تلك التجربة كسرا للتقاليد السياسية العربية، المتمثلة في العداء الفكري والأيديولوجي بين الأحزاب والتيارات المحافظة والأحزاب القومية واليسارية، ومن جانب آخر، فقد أنعشت تلك التجربة بعض الأحزاب اليمنية التي كادت تتلاشى وتنتهي بسبب تفكيك وتمزيق علي صالح لها. وقدم حزب الإصلاح تنازلات ساعدت بعض الأحزاب على النهوض، حيث تنازل لها عن بعض دوائره الانتخابية التي كانت مضمونة له، في انتخابات عام 2003 البرلمانية، وانتخابات عام 2006 للمجالس المحلية التي تزامنت مع الانتخابات الرئاسية، وحشد أنصاره للتصويت لصالح مرشحي اللقاء المشترك من الأحزاب الأخرى، بالإضافة إلى الظهور الإعلامي البارز لقيادات تلك الأحزاب، من خلال رئاستها الدورية لتحالف اللقاء المشترك.

وهكذا ظل الإصلاح يعمل من أجل الحفاظ على الجمهورية والديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، وقدم التنازلات تلو التنازلات من أجل ذلك، ولم يسع للانفراد بالسلطة وإقصاء الآخرين منها، رغم قوته التنظيمية وشعبيته الكبيرة، وها هو اليوم يقدم تنازلات من شأنها إنعاش حزب المؤتمر، الجناح الموالي للشرعية، بعد أن تلاشى الحزب وتمزق بسبب تحالفه مع الحوثيين في بداية الانقلاب، ولم يعترض على تصدر قادة مؤتمريين لبعض المؤسسات الدستورية والتشريعية، مثل مجلس النواب وغيره.

كما ظهر بعض القادة الإصلاحيين يدعون إلى وحدة الصف الجمهوري ضد الانقلاب ونسيان خلافات الماضي، ويشهد كثيرون لحزب الإصلاح، بمن فيهم بعض خصومه السياسيين، بأنه القلعة الجمهورية العتيدة الأخيرة القادرة على الحفاظ على النظام الجمهوري والوحدة الوطنية والتصدي للمشاريع الطائفية السلالية والمناطقية، التي تهدد اليمن ودول الجوار وتهدد مصالح العالم، من خلال التهديد بإغلاق مضيق باب المندب واستهداف ناقلات النفط وغيرها.

كلمات دالّة

#حزب_الاصلاح #اليمن