السبت 18-05-2024 06:47:55 ص : 10 - ذو القعدة - 1445 هـ
آخر الاخبار

غزل الحوثي للإصلاح.. براجماتية مكشوفة

الأربعاء 08 مايو 2019 الساعة 11 مساءً / الإصلاح نت - خاص/ محمد المياحي

 

ما بين الفترة والأخرى تخرج علينا تصريحات حوثية يحاول عبرها قادة المليشيا مغازلة حزب الإصلاح بشكل متكرر ولأهداف معروفة. فمثلًا قبل يومين نشر محمد البخيتي على صفحته في الفيسبوك تعليقًا يقول فيه إن جماعته لا ترى الإصلاح عدوًا، ويستغرب فيه استمرار حزب الإصلاح في الاصطفاف مع الشرعية والتحالف العربي وانخراط عناصره في مقاتلة الجماعة، ثم يبدي ضمنيًا استعداد جماعته للتصالح مع الحزب، مضيفًا أن الحزب هو من بدأ القتال ضد جماعته وليسوا هم !!

ونموذج آخر لهذه المغازلة، تصريح مكذوب في صحيفة لبنانية لرئيس مايسمى المجلس السياسي التابع للحركة الانقلابية الحوثية، مهدي المشاط، نُشر قبل فترة قصيرة، وفي التصريح تحدث المشاط عن تواصلات بين الحركة الانقلابية وبين أحد أهم مكونات الشرعية المتمثل في حزب التجمع اليمني للإصلاح، ورغم أن هذه التصريحات ليست الأولى التي تصدر عن قيادات الحركة الحوثية، إلا أنها، وكما كل مرة، تأخذ صدى متكررا، ويخوض الجميع سجالات حول الفكرة، على الرغم من المواقف الثابتة للإصلاح والتي تؤكد بشكل قاطع وقوفه المطلق في وجه المشروع الحوثي، بل واستحالة التجاوب النظري مع أي فكرة من هذا النوع، أو حتى خوض نقاش حولها.

إلا أن ما هو غريب، أن مثل هذه الدعوات، التي يقطع حزب الإصلاح معها ولا يلتفت إليها ويرى أن مجرد خوض نقاشات حولها نوع من العبث الذي يلهينا عن المعركة الأم، هي ذاتها الدعوات التي يتلقفها البعض ممن هم داخل الصف الجمهوري، ويذهبون للترويج لها، بما يحقق الهدف الحوثي منها، والمتمثل في إحداث بلبلة داخل مكونات الشرعية واختراق الصف الجمهوري، وتلك غاية كبيرة بالنسبة للحوثي، يتمكن من خلالها تحقيق مكاسب كبيرة على صعيد مضاعفة الشقاق بين القوى الوطنية المناهضة له وبما يخفف الضغط عليه ويسهم في استدامة حضوره وتفتيت الجبهة المناوئة له.

وفي هذه الوقفة سنحاول مقاربة هذه الشائعة وأهدافها والملابسات المتعلقة بالظروف التي تخرج فيها مثل هذه التصريحات والأسباب التي تمنحها صدى واسعا، واستحالة تحقق دعوات كهذه، إلى جانب مساهمة عوامل الصراع الداخلي في معسكر الجمهورية على انتشار مثل هذه الشائعات، وأخيراً الفجوات التي يستثمرها الحوثي لتفكيك الصف الجمهوري، وكيفية تجاوز الجبهة الوطنية لهذا المأزق.

 

* توقيت انتشار الشائعة

المتتبع لتوقيت إطلاق جماعة الحوثي لمثل هذه التصريحات التي تغازل بها حزب الإصلاح أو تتحدث عن وجود تنسيق بينها وبينه، عادة ما يجد أن تصريحات القيادات الحوثية تستثمر ظروفا معينة يكون فيها جزء من إعلام المكونات المحسوبة على الصف الجمهوري متوجهًا بالمعركة ضد شريكهم الأساسي في الشرعية (الإصلاح) ولهذا تعمل الحركة الحوثية على تقديم مبادرة تدعو فيها هذا المكون الجمهوري المستهدف من داخل معسكر الجمهورية نفسه للمصالحة، أو تنشر تصريحاً مكذوباً تتحدث فيه عن تنسيق من نوع ما دونما تفاصيل.

بهذا التكتيك لا تهدف جماعة الحوثي لمصالحة حقيقية بقدر ما ترغب في استثمار حالة الصراع العبثي الذي تخوضه بعض مكونات الجبهة الداخلية ضد حزب الإصلاح؛ كي تتمكن من تعميق حالة الشقاق أكثر بين صف الجمهورية، إضافة لتسويق نفسها كجماعة وطنية مستعدة للمصالحة وقابلة للشراكة مع أي قوى يمنية.

مع أن الجميع يعرف أن مثل هذه الدعوات هي حيلة مكشوفة، لم تعد تنطلي على أحد، فموقف الإصلاح واضح وصريح، وبما يعفي الحزب من الحاجة لأي نفي نظري لمثل هذه التصريحات الانتهازية الساذجة. لكن ما هو مؤسف أن هناك من يخلق الظروف المواتية للجماعة الإمامية كي تصطاد في الماء العكر وتنشر حالة من الاضطراب داخل الصف الجمهوري وفي توقيت حساس، الجميع فيه بحاجة للتكتل من أجل تسريع عملية تقويض الخطر الإمامي المحدق بالشعب بكامله.

 

* الغزل المفضوح

يدرك الحوثي أن الإصلاح أكبر خصومه تهديداً لسلطته، وأكثرهم تصميماً على إسقاط مشروعه؛ لكنه مع هذا لا يكف عن إعلان استعداده للتقارب معه، وهو لا يفعل ذلك من منطلق الحرص عليه كما يروج، أو كما قد يعتقد البعض؛ بل محاولة ساذجة لحشره أكثر في الزاوية الضيقة عبر تلك الدعوات الانتهازية المفضوحة للمصالحة، أملا في تفكيك الجبهة الجمهورية، إضافة لتوفير مادة إعلامية مضافة لمن يستعدون الإصلاح داخل الصف الوطني؛ كي تكون مبررا لاستهدافه أكثر.

باختصار، هذه الدعوات الحوثية يمكن قراءتها كسلوك ذي طابع براجماتي متذاكي، يرغب من خلالها الحوثي في نفخ الخصومات الداخلية بين مكونات الجبهة الوطنية، فينبري لمغازلة الحزب كمحاولة مفضوحة وفاشلة لإثارة البلبلة ضد الحزب. كما أن هناك هدفا هامشيا آخر يتمثل في محاولة الجماعة الانقلابية امتصاص حدّة الخصومة التي يحملها أنصار حزب الإصلاح تجاه الحركة الحوثية، وإشاعة أجواء نفسية تخفف من اندفاعهم الكبير، ولو على مستوى الموقف، في الحرب الرامية لإسقاط حكم الحركة، كونهم يدركون حجم الدور الكبير الذي يمثله هذا الحزب وأنصاره في المعركة الوطنية ضدّ انقلابهم المشؤوم.



* استحالة التقارب

مهما بلغت مرارة الإصلاح من شركاء الداخل، ومهما كان استعداؤهم له متجنٍ وغير مبرر، إلا أن كل هذا لا يمكن أن يخلق أي إمكانية تدفع الإصلاح للتقارب مع الحوثي، مهما تفنن الأخير في عروضه.

صحيح أن الإصلاح في موقف صعب وحرج، وواقع بين كماشتي خذلان الصديق وخبث العدو، إلا أننا أمام حزب يعرف وجهته جيداً وسلوكه السياسي يتمتع برسوخ كبير، وفي سبيل الهدف الوطني الكبير يتحمل قسوة الشركاء، أملًا في مراجعتهم لمواقفهم ضده، كما أن مغازلات الحوثيين له لا يمكن أن تشوش مواقفه الثابتة والصارمة ضدهم، وهذا ما يجعل الجزم باستحالة أن يتخلى الإصلاح عن إيمانه الراسخ باستكمال معركته الوطنية ضد المشروع الإمامي، أمراً بدهياً بالنظر لسلوك الحزب الموحد والثابت ضد الانقلابيين منذ بدء المعركة.

إلى جانب ما سبق، من الجيد أن نشير أن حزبًا بحجم الإصلاح، راكم كثيرا من الخبرة وله تأريخ سياسي طويل، يستحيل أن يتقبل مجرد نقاش فكرة المصالحة التي يروج لها الحوثي، فضلًا عن التورط بها، وبهذه الخفة. وفي تأريخ تحالفات الحزب ما يؤكد طبيعته في إقامة التحالفات عبر الانتقالات الراسخة والسلسة، ما يستبعد تماماً هذه القفزات العشوائية من النقيض إلى النقيض ودونما حسابات منطقية كافية.

وبشكل عام، فجوهر المشكلة التي تنفي أي مصالحة ممكنة مع الحوثي، لا تتعلق هنا بالإصلاح فحسب، بل بطبيعة الحركة الحوثية، وعقيدتها السياسية المفارقة للجميع، ولمشروع الدولة الحديثة ككل. وهذا -في نظري- ما يجعل الشراكة مع الحوثي مستحيلة، ليس بالنسبة للإصلاح فحسب، بل ولكل القوى السياسية الأخرى ذات التوجه المدني المتجاوز للاعتبارات العصبوية والسلالية الضيقة.

 

* فجوات الصف الجمهوري

بات من المعروف أن بعضاً من إعلام الصف الجمهوري-للأسف- يشتغل بلا موجهات ضابطة تخدم الهدف، والكثير من الوسائل المحسوبة على الجبهة الوطنية متروكة لأهواء وأمزجة القائمين عليها، والحال هذا، فهي جاهزة في أي لحظة للتساوق مع أي شائعة ترد من هنا وهناك، حتى وإن كانت هذه الشائعات قادمة من مصادر الخصم، وهنا تكمن ذروة الكوميديا السياسية الفاضحة.

إن أقصى صور الغرابة، هو أن تكون واقفا مع شريكك في الميدان وتخوض إلى جواره معركة شاملة ضد خصم معروف ثم لا تتردد عن الترويج لشائعاته والاستناد إليه كمصدر للمعلومة، وهي ليست شائعات عادية أو غامضة الهدف، بل من ذلك النوع الواضح الذي يستهدف بها الخصم شريكك الذي يقف جوارك في الميدان. هنا يتضح لنا حجم الخلل الذي ينخر إعلام الجبهة الوطنية أو لنقل بعض التيارات والقوى والجهات التي تقف في صفها.

 

* الشقاق الجمهوري يغذى سلطة الإماميين

طيلة تأريخ الإمامة كانت هذه الأقلية الحاكمة تتغذى على إذكاء الخلافات بين اليمنيين كي تتمكن من استدامة سلطتها وتعزيز قبضتها عليهم، كونها تدرك أن بقاءها مرهون بخلافاتهم وأنهم حالما اتحدوا سيكون هدفهم الأول هو البحث عن أقصر الطرق لتقويضها؛ لكنه ليس غرببا لجوء هذه الجماعة لخلق حالة شقاق بين اليمنيين بمختلف مكوناتهم، فهذه حيلة معروفة وقديمة ومتوقعة.

المثير للأسف هو أن التصدع الحاصل في الصف الجمهوري هو ما يمنح الإمامة فسحة لتمرير ألاعيبها، وأكثر من هذا هناك قوى من داخل الجبهة الجمهورية تساعدها على ترويج شائعاتها، وبهذا يكون بعض ممن ينتسبون للصف الجمهوري يشتغلون ضد أنفسهم، وهذا ما يجعل المعركة مع الإمامة طويلة وبلا أفق ولا نهاية واضحة.

 

الخلاصة

من الجيد أن نتذكر أننا أمام جماعة بلا أي موثوقية، ودعواتها للمصالحة لا تنطلق من أي رغبة حقيقية في قيام شراكة على أسس وطنية، سواء كانت هذه الدعوات موجهة لحزب بعينه، أو موجهة للجميع، ومسيرتها تؤكد أنها جماعة ذات غريزة استحواذية، لا يمكنها اقتسام السلطة مع أحد، ولا تريد حلفاء بقدر ما تريد أتباعًا، تحلل بهم وجودها وتُلمِّع وجهها الطائفي البغيض.

ولعلّ أبسط دليل يسقط دعوات الانقلابيين للمصالحة مع الإصلاح، ويكشف زيفهم، هو أنه في الوقت الذي يشنون فيه أكبر حملة قمع مفتوحة ضد أعضاء وقيادات حزب الإصلاح منذ سنوات، ويعتقلون الآلاف من عناصره، ويقومون بتجريف ممنهج لكل ما له علاقة بالتنظيم، كما أن الحزب تعرض للنصيب الأكبر من الانتهاكات التي مارستها الجماعة ضد الشعب، وبعد كل هذا تخرج علينا قيادات الجماعة لتتحدث وبوقاحة حول المصالحة مع حزب تعرض لكل هذه المأساة من قبلهم.

وقبل هذا، لو أن الحوثي جادّ في دعواته للمصالحة مع الإصلاح، لكان من المفترض أن يطلق سراح قيادات الحزب أولا، وفي مقدمتهم محمد قحطان، ثم بعد ذلك يمكن للناس أن يخوضوا نقاشًا حول شائعة المصالحة ولو من باب الجدل العابر. مع أن حقيقة الجماعة الانقلابية تؤكد بأن خطوة إنسانية كهذه لا يمكن لجماعة أدمنت على التوحش أن تقوم بها، وما دام الأمر كذلك، فعن أي مصالحة يمكن الحديث عنها مع جماعة كهنوتية عنصرية كهذه؟

أخيرًا، يبدو أن الجمهوريين اليوم بحاجة لميثاق شرف إعلامي جامع يتم بواسطته وضع محددات رئيسية توجه المعركة في مسار موحد وتكون بمثابة مرجعية أخلاقية تضمد هذا النزيف الحاصل في جهودهم الرامية لإسقاط الإمامة، ما لم فسوف يظل الأخطبوط الإمامي يشتغل ويستمد مصادر بقائه من صبيانية البعض الذين يخدمونه بوعي أو بدون وعي كل يوم.

كلمات دالّة

#الاصلاح #الحوثي