السبت 04-05-2024 09:11:43 ص : 25 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

البناءالفكري.. مكوناته وأهدافه (3-3) المنهج المنشود

الخميس 20 أغسطس-آب 2020 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت – خاص / عبد العزيز العسالي

 

استهلال:
معارف الوحي تضع أمام العقل المتأمّل صِيَغاً تشريعية مختلفة التعبير.. منها صيغة الأمر المباشر.. ومنها النهي المباشر.. ومنها الفعل المضارع.. ومنها الجملة الخبرية..
والهدف من هذا التنويع في الصيغة هو:
أ- دعوة العقل إلى التدبر والفهم.
ب- أن ورود التشريعات بهذه الأساليب البلاغية تعني أن الأمر قد يكون واجبا أو مندوبا..
د- أن النهي قد يكون تحريما أو مكروها.. وبالتالي.. يشتغل العقل هنا اجتهادا وفق المنهج الأصولي.. هذا أولا..

ثانيا، التشريع الذي يأتي بصيغة خبرية هو تشريع محسوم قول واحد.. وليس محل نقاش؛ لأنه إخبار من أصدق القائلين: "ومن أصدق من الله قيلا".

والأمثلة كثيرة منها قوله سبحانه:
أ- "لا إكراه في الدين"، هذه كلية تشريعية وردت بصيغة خبرية مفهومها أنه لا مكان للإكراه في الدين في الشرائع السماوية الصادرة عن العليم الحكيم.
ب- "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا".
هذا إخبار من الله.. ومن أصدق من الله قيلا؟ إذن، الله وضع لنا منهجا.

السؤال الضروري: إذن، نحن أمام سؤال - عقدي تشريعي تأصيلي عقلي منطقي صارم يطالبنا قائلا بما أن الله أخبرنا إنه أنزل لنا "شرعة ومنهاجا" ها نحن وجدنا التشريع للحياة عموما.. وجدنا نصوصه منتشرة بين آي الوحي المقدس.. وإن كانت الغالبية تفهمه بدرجات متفاوتة.. لكن السؤال هو: أين المنهج المنزّل؟

الحقيقة أن الإجابة على هذا السؤال ليست بالأمر السهل، إنه سؤال كبير.. بل ومهم جدا، كيف لا.. والسؤال له أبعاد عقدية.. وتشريعية.. وفكرية..
ومنهجية.. وعقلية.. وتأصيلية..

لقد وقفنا طويلا مع معارف الوحي المقدس بهدف الوصول إلى إجابة على السؤال المزعج: أين المنهج؟
تم اتخاذ الخطوات التالية:
- لقد استعرضنا الكليات العامة للشريعة.
- استعرضنا مقاصد القرآن المركزية.
- وجدنا هاجسا قويا يحدونا قائلا:
هناك كلّيّة ناظمة.. أو جهاز مفهومي ناظم لمقاصد القرآن المركزية.
- انطلقنا من معارف الوحي المكتَنِزة بين كلياته.
- كانت عقيدتنا في جناب الله ووحيه بحجم الجبال الشامخة.. مقرونة بالتضرع والابتهال.. وبثقة لا تقل عن عقيدتنا أن الله سيلهمنا.

فوصلنا إلى إجابة السؤال.. وكان الفضل لله أولا وأخيرا.. وإليك أيها القارئ إجابة السؤال.. خذها.. وأنت في هدوئك ودونما أي عناء.. والله أرجو أن ينفعنا جميعا بهذا الجهد.

الجواب:

أولا: منظومة القيم الإسلامية الكونية هي المنهج:

قلنا آنفا إننا تتبعنا المقاصد المركزية للقرآن، واستلهمنا معارف الوحي من خلال الكليات التشريعية.. وكانت النتيجة هي التالي:
1- أول قيمة هي: مركزية التوحيد كونها الأساس الذي تنبثق عنه بقية القيم.
2- بلغت منظومة القيم الإسلامية الكونية الكبرى 26 قيمة كلية كونية.. بما فيها "قيمة التوحيد"، علما بأن هذا الرقم قابل للزيادة.. والعكس.

الجهاز الناظم هو الإنسان:
ذلك أن القيم بمجموعها تسهدف إصلاح الإنسان- المستخلف.. وحمايته ومصلحته دنيا وأخرى؛ ذلك أنه هو الذي سيقوم بعمارة الأرض وفق منهج الله..

3- الكلية الثانية: كرامة الإنسان

بما أن الغاية من خلق الإنسان هي عمارة الأرض وفق منهج الله، فقد كانت النتيجة الثانية هي كرامة الإنسان.

4- العقل.. الإرادة.. العلم.. الحرية.. العيش الكريم.. المساواة.. العدل.. حق الملكية.. حق تكوين الأسرة.. وصولا إلى المواطنة.. وبقية الحقوق ذات الصلة بالمواطنة.. والقيام بالقسط المجتمعي، هذا مسرد لخصائص أو مميزات التكريم.. وكذا الضرورات.. أو الحقوق هي كليات ضرورية ملازمة للكلية الكبرى وهي كرامة الإنسان.

الخلاصة: منظومة القيم الإسلامية الكونية الكبرى هي: كرامة الإنسان.. الحرية.. العدل في الحكم- حماية للحقوق- المساواة.. القيام بالقسط بين أبناء المجتمع.

ثانيا: 1- هذه المنظومة القيمية الكبرى كما تراها أخي القارئ متسقة متكاملة فيما بينها أولا.. كما أنها متكاملة كدوائر متداخلة مترابطة مع العدد الكلي لبقية المنظومة القيمية القرآنية.

2- المعيار المنهجي:

هذه القيم الكلية الكونية الكبرى هي "معيار للفهم والتحاكم"، وهذا هو المنهج المركزي المنشود.. والذي يجب أن يتم تكوين العقل الفقهي على هذا الأساس ويفهمه جيدا.. من البحث والتطبيق المنهجي بحثا وتنزيلا.

3- التربية والتكوين الفقهي على هذه المنهجية القيمية الكونية الكبرى سترسخ لدى الفقيه مِلكةً فكرية ومنهجية وفقهية.. وبالتالي فإن هذه القيم والمعالم المنهجية سترسخ لدى الفقيه:
- رؤية متكاملة للواقع الذي يعيشه.. أولا..
- ستمكنه ثانيا من تحديد الداء المجتمعي.
- ستمكنه ثالثا من تقديم العلاج.. وفق رؤية منتظمة متسقة وغير متجزئة.
- ستمكنه خامسا من فقه الأولويات.
- سينطلق سادسا للعمل في دائرة التأثير.. وإنزال جهوده فيها وهذا هو الوعي النهضوي الحضاري الذي سبقنا إليه الغرب المنطلق من منظومة واضحة المعالم.. بغض النظر عن مرجعيته القيمية.

- سيتمكن سابعا من الفهم الواعي للقضايا التي في دائرة الاهتمام،
وبالتالي سيوظفها بوعي منهجي لخدمة القضايا داخل "دائرة التأثير".

- وليس أخيرا.. سيتمكن الفقيه من فهم القواسم المشتركة.. وستكون نظرته من زاوية النداء القرآني "يا أيها الناس" أولا.. بل وسيدرك بوعي معرفي المعنى الجليل لأول آية "الحمد لله رب العالمين" وليس "رب المسلمين".

- اعتذار وتنويه:
وعدنا في نهاية الحلقة الثانية أننا في هذه الحلقة سنقدم أمثلة إيضاحية حول اتساق وتكامل منظومة القيم.. وتفاديا للإطالة أفردنا لها الموضوع القادم.