عودة المجاعة.. بضاعة الإمامة الكهنوتية قديمًا وحديثًا
الموضوع: اخبار وتقارير

 

ازدادت التحذيرات خلال السنوات القليلة الماضية من شبح مجاعة يهدد المواطنين اليمنيين في مناطق سيطرة مليشيا الحوثيين الإرهابية، جراء استمرار الحرب التي أشعلتها المليشيا على الدولة والشعب، وانتهاجها سياسات تجويع وإفقار شامل لم تستثنِ أيا من طبقات المجتمع، وباتت المشاهد التي كانت سائدة في عهد الإمامة الكهنوتية أمرا واقعا اليوم، خصوصا في ما يتعلق بتفشي الفقر والجوع في أوساط المواطنين، في حين تعيش قيادات المليشيا الحوثية ثراء فاحشا ملحوظا جراء استمرار الإتاوات والمنهوبات وسرقة أموال المواطنين ورواتب الموظفين وغير ذلك من أساليب النهب والسرقة.

وقبل أيام، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن ظروفا شبيهة بالمجاعة ظهرت مجددا في محافظات حجة وعمران والجوف للمرة الأولى منذ عامين.

وأوضحت اللجنة، في تقرير لها، أن هناك ما يقرب من 50 ألف شخص يعيشون في ظروف المجاعة، في حين يوصف معدل سوء التغذية لدى الأطفال بأنه من أعلى المعدلات في العالم.

وأظهر مسح حديث أن ثلث العائلات، التي تم بحثها ضمن التقرير، لديها فجوات في وجباتها الغذائية.

وأكدت اللجنة أن المستوى الحالي لانعدام الأمن الغذائي في اليمن غير مسبوق، كما يسبب معاناة شديدة لملايين الناس على الرغم من المساعدات الإنسانية المستمرة.

- المجاعة في عهد الإمام يحيى

وسبق تحذير اللجنة الدولية للصليب الأحمر تحذيرات كثيرة في أوقات سابقة تحذر من المجاعة، وتخص بالذكر عددا من المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون، في مشهد يُذكر بالمجاعات التي كانت تعصف باليمنيين في أجزاء من اليمن تحكمها السلالة العنصرية الهاشمية القادمة من خارج البلاد، وأبرزها تلك المجاعة التي حدثت في عهد الإمام يحيى حميد الدين، عام 1941، وتذكر بعض المصادر أنه بسبب تلك المجاعة مات كثير من الناس جوعا، واضطر آخرون إلى أكل أوراق الشجر وغيرها، بينما خزائن الإمام مملوءة بالحبوب وغيرها.، وعندما ذهب مواطنون إلى الإمام يحيى يسألونه النجدة، أعرض عنهم وقال كلمته المشهورة: "من مات من الجوع فهو شهيد، ومن عاش فهو عتيق".

وقد تحدث المناضل محمد عبد الله الفسيل عن تلك المجاعة، في سلسلة حوارات عبر إحدى القنوات الفضائية اليمنية، قائلا: "كان الإمام يرى الناس يموتون في الشوارع، دون أن يحرك أي شيء من أجل أن ينقذهم".

وأفاد بأن "التاجر إسماعيل غمضان كان يشتري كدم من حق الجيش ثم يقوم بتوزيعها على الجائعين.. وبعد انتهاء المجاعة ظهرت مدافن في الشرفين بحَجة ملآنة بالحبوب، وكانت قد فسدت بفعل الزمن".

وأوضح الفسيل أن تلك المجاعة "حصلت في حجة وفي تهامة أكثر من المناطق الأخرى"، لافتا إلى أن "أكثر الناس لجؤوا من الجوع إلى صنعاء"، مشيرا إلى أنه لم يكن يدري لماذا الإمام يحيى كان لا يهتم بالموضوع.

وقال: "كان الإمام يرى الناس يموتون في الشوارع، دون أن يحرك أي شيء من أجل أن ينقذهم".

وتابع: "عندما أتى ولي العهد (أحمد) إلى تعز أراد أن يبين لأبيه أنه قادر على جمع الأموال، لأن الإمام يحيى كان يحب المال".

وأضاف أن "ولي العهد فرض إتاوات كبيرة على الناس، فجمع ما يقرب من مليوني ريال فضية، وأرسلها إلى والده محملة على ظهور الجمال.. وصلت الجمال إلى الإمام. وكان المال الذي يدخل إليه لا يخرج أبدا"، مؤكدا أن "الإمام يحيى مات وفي خزائنه ما يقرب من أربعين مليون ريال".

أما القاضي عبد الرحمن الإرياني فقد تحدث عن المجاعة التي حدثت في عهد الإمام يحيى، وفق ما ورد في "وثائق أولى عن الثورة اليمنية"، نقلا عن أبيه العلامة يحيى الإرياني الذي اقترح على الإمام أن يأمر الأفران التي تمون الجيش بالكدم العادي أن تضاعف إنتاجها من الكدم ليتم توزيعها على الجائعين من ضحايا المجاعة لسد الرمق والإبقاء على الحياة، لكن الإمام يحيى رد قائلا: "كما تعلمون: لا يكفي الخلق إلا الخالق".

- الحوثيون وشبح المجاعة

ومثلما أن الإمام يحيى كلما زاد لديه المال من المنهوبات والإتاوات ازداد الجوع في مناطق حكمه، فإنه كلما زاد ثراء قيادات المليشيا الحوثية تزداد التحذيرات من حدوث مجاعة في مناطق سيطرتها، وازدادت المخاوف أكثر بعد إعلان برنامج الأغذية العالمي تعليق جميع أنشطته في اليمن بدءا من يونيو الجاري.

وفي تقريره الشهري الصادر مؤخرا، أرجع البرنامج ذلك إلى النقص في التمويل، واضطرابات في إمدادات الأغذية، وإلى احتياجه ميزانية تُقدر بنحو 1.5 مليار دولار لمواصلة أنشطته من يونيو وحتى ديسمبر المقبل.

وقال التقرير إنه لا مفر من قطع المساعدات الإضافية خلال الأشهر المقبلة في ظل حاجته العاجلة لميزانية تمويلية تُقدر بنحو 1.5 مليار دولار أميركي.

وقال البرنامج إن تعطل إمدادات القمح العالمية الناجم عن الصراع في أوكرانيا يهدد بتفاقم أزمة الأمن الغذائي في اليمن، مع تصاعد أسعار القمح العالمية.

وفي مطلع أبريل الماضي، ذكرت دراسة أعدتها منظمة التصنيف المتكامل للأمن الغذائي لصالح وكالة التنمية الأمريكية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة، أن خمس مناطق تحت سيطرة مليشيا الحوثيين في غربي اليمن مهددة بالمجاعة، وأن الأزمة في أوكرانيا التي تزود اليمن بنحو 30‎% من احتياجاتها السنوية من القمح تهدد بزيادة تردي الأوضاع في البلاد عامة وفي هذه المناطق الواقعة في محافظتي الحديدة وحجة.

وقالت الدراسة إن مراجعتها للأمن الغذائي شملت مديريتي ميدي وحرض التابعتين لمحافظة حجة المهددتين بالمجاعة، وذكرت أن التصنيف الحالي لأوضاع السكان في ثلاث مديريات أخرى هي الحوك والحالي في مدينة الحديدة، وعبس في محافظة حجة، يتناسب مع الواقع كمناطق خطرة مهددة بالمجاعة، لكن الدراسة أظهرت عدم إمكانية تقييم أوضاعها كمديريات ظهرت فيها المجاعة بالفعل.

وفي أكتوبر 2021، حذر البنك الدولي من وجود مؤشرات على ظهور بؤر تشبه المجاعة في ثلاث محافظات يمنية هي حجة وعمران والجوف، وذلك في موجز عن سياسات الوضع الصحي في اليمن.

وقال إن توافر المستشفيات والمراكز الصحية في البلاد أصبح أمرا بعيد المنال، إذ إن أكثر من 80% من السكان يواجهون تحديات كبيرة في الحصول على الغذاء ومياه الشرب وخدمات الرعاية الصحية.

- زيادة الخطر مع قرب نفاد مخزون القمح

وتزداد المخاوف من حدوث مجاعة في اليمن بسبب اقتراب نفاد المخزون الإستراتيجي من القمح في البلاد.

وقال وزير التخطيط والتعاون الدولي واعد باذيب، في 25 يناير الجاري، إن المخزون الإستراتيجي من القمح في البلاد يشارف على الانتهاء في منتصف يوليو المقبل، داعيا إلى مساعدة اليمن في الحصول على أسواق جديدة لشراء القمح.

جاء ذلك خلال اجتماع اللجنة التوجيهية لمشروع الإجراءات المشتركة للأمن الغذائي والتغذية في اليمن بالعاصمة المصرية القاهرة.

وأشار باذيب إلى "تأثير أزمة الغذاء العالمية والصراع الروسي الأوكراني على واردات القمح إلى اليمن"، موضحا أن هاتين الدولتين تحتلان أكثر من 46% من إجمالي كميات القمح المستورد في اليمن، داعيا دول الاتحاد الأوروبي إلى مساعدة اليمن في الحصول على أسواق جديدة لشراء القمح.

الجدير بالذكر أن التحذيرات من حدوث مجاعة في اليمن بدأت منذ العام 2017، أي بعد عامين من انقلاب مليشيا الحوثيين الإرهابية على الدولة وإشعالها الحرب، حينها صُنف نحو 17 مليون يمني على أنهم يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد. وفي أكتوبر 2018، بدأت الأمم المتحدة في الإشارة إلى حالة الأمن الغذائي في اليمن على أنها مجاعة محتملة. وفي عام 2020، قالت الأمم المتحدة إن 13.5 مليون شخص يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، رغم استمرار المساعدات الغذائية الإنسانية.

- موارد متعددة ونهب شامل

منذ بداية الانقلاب، دمر الحوثيون الاقتصاد الوطني وأقاموا اقتصادا موازيا يستند إلى نهب وسرقة المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص وفرض الإتاوات الجائرة ونهب رواتب الموظفين واستحداث الأسواق السوداء، حتى أصبحوا متخمين بثراء فاحش، وامتلكوا العقارات والفلل الفارهة والسيارات الحديثة والمولات التجارية وشركات استيراد لمختلف السلع والمواد الغذائية واحتكار ذلك بعد مضايقة وطرد التجار والرأسمال الوطني.

وكان البنك المركزي اليمني أول مؤسسة تتبع الدولة تعرضت لنهب الحوثيين بعد الانقلاب مباشرة، ففي النصف الأول من العام 2015، اقتحم مسلحون حوثيين مبنى البنك المركزي اليمني في صنعاء ونهبوا منه 107 ملايين دولار، بعد أن رفض محافظ البنك حينها صرف 23 مليارا لمجهودهم الحربي، وفرضوا 25 مليار ريال شهريا لما يسمى المجهود الحربي، وكان ذلك خلال النصف الأول من العام 2015.

وفي النصف الثاني فقط من العام نفسه، كشفت تقارير البنك المركزي في صنعاء عن نهب الحوثيين 258.5 مليار ريال يمني، وفي ذات الوقت نهب الحوثيون نصف مليار دولار من عدد من البنوك الخاصة والحكومية، منها: بنك التسليف الزراعي، والبنك اليمني للإنشاء والتعمير، والبنك الأهلي، ثم تواصل النهب في السنوات التالية بوتيرة متسارعة، لدرجة العجز عن وضع إحصائيات بكمية الأموال المنهوبة من مختلف البنوك والشركات التجارية الخاصة ومختلف مؤسسات القطاع الخاص.

وفي يناير 2019، ذكر تقرير فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن أنه بهدف تمويل الجهد الحربي، يعتمد الحوثيون على الإيجارات والرسوم في صنعاء التي اعتادت الحكومة تحصيلها، وبلغ إجمالي هذه الإيرادات 407 مليار ريال يمني على الأقل. وعلاوة على ذلك، فإنهم يجمعون ضرائب الاستيراد في موانئ الحديدة والصليف، وعند نقطة التفتيش في محافظة ذمار، التي تمر خلالها جميع واردات البلاد تقريبا، حتى تلك القادمة من نقاط العبور غير الخاضعة للسيطرة الحوثية.

وأكد تقرير لجنة الخبراء أن مليشيات الحوثي تحصل بطريقة غير رسمية على أموال من الجبايات والزكوات المختلفة تزيد على مليار و800 مليون دولار، إلى جانب طرق رسمية عن طريق الشركات والكيانات الاقتصادية التي نشأت واستفاد منها النافذون في الجماعة.

كما يستولي الحوثيون عمليا على إيرادات الضرائب والجمارك والرسوم التي كانت تشكل حوالي 30% من ميزانية الحكومة اليمنية، حسب أرقام 2014.

ما سبق مجرد نماذج لبعض أساليب النهب الحوثي، وهو ما يؤكد أن عودة الإمامة الكهنوتية بوجه مختلف (مليشيا الحوثيين الإرهابية) يشكل خطرا على كيان الدولة والمجتمع، خصوصا أن جميع ملامح العهد الإمامي صارت متجسدة في واقع البلاد اليوم، وتحديدا في مناطق سيطرة المليشيا الحوثية، وفي مقدمة ذلك المجاعة، وتشهد على ذلك صور الأطفال الجوعى التي تتناقلها وسائل إعلام محلية وأجنبية لأطفال وهم مجرد هياكل عظمية.

الإصلاح نت - خاص | عبد السلام الحاتمي
الأربعاء 29 يونيو-حزيران 2022
أتى هذا الخبر من موقع التجمع اليمني للإصلاح:
https://alislah-ye.com
عنوان الرابط لهذا الخبر هو:
https://alislah-ye.com/news_details.php?sid=9306