غياب المنهج المقاصدي وأثره على ملكة النظر الفقهي (الحلقة 2)
الموضوع: اخبار وتقارير

 

البلاغ المبين وبناء المجتمع.
أولا، مدخل تمهيدي:

يتفق علماء التربية والتعليم وعلماء الاجتماع والإدارة والتخطيط على أن تقييم برنامج أية قضية يكون من خلال مخرجاته على أرض الواقع، تحقيقا ملموسا في الميادين التي استهدفتها تلك البرامج الرامية إلى النهوض بالمجتمع إنسانيا وخدميا وحضاريا.

وانطلاقا مما سبق، فإن المهتمين بقضايا التنمية العربية -طيلة قرن كامل- لم تتغير شكواهم.. شكواهم مكتنَزة في سؤال يقول: أين يكمن الخلل؟ أو ما سبب الاعتلال؟

فيتجه الباحثون في العلوم الإنسانية لإجراء الدراسات المختلفة فيقدمون بحوثا علمية جادة، غير أن النتائج واحدة تقول: مؤسساتنا الثقافية هي مصدر الخلل - برامجها الكسيحة هي أساس الاعتلال المزمن المتمثل في الغيبوبة العقلية الشاملة فكريا وفقهيا وثقافيا وحضاريا.

تساؤل مشروع: لا شك أن المثقف الواعي قد يشكك في النتيجة الآنفة يحدوه سؤال مفاده: ما صحة المعطيات التي استندت إليها الدراسات وصولا إلى تلك النتائج؟

ولكي يطمئن المثقف من سلامة وصحة المعطيات فقد وقفنا طويلا أمام تلك الدراسات وقمنا بتفكيك أهم وأبرز معطيات الدراسات التي وقفنا عليها بهدف تبسيط معطياتها من خلال تحويلها إلى أسئلة واضحة يستطيع القارئ من خلالها الحكم على صحة وسلامة معطيات تلك الدراسات وذلك على النحو التالي:

1- مؤسسات التثقيف العربية المتمثلة في الأسرة، المسجد، المدرسة، الجامعة، الإعلام العربي بوسائله المختلفة.

هل هذه المؤسسات قدمت برامج تثقيف تبني المجتمع، وتبني وعيا ثقافيا ناقدا، يقوم على منظومة القيم الإسلامية الكونية وفي مقدمتها الكرامة الإنسانية كما رسمها القرآن الكريم وبينتها الوظيفة العملية للرسول صلى الله عليه وسلم (ويعلمهم الكتاب والحكمة)؟

2- مؤسساتنا الثقافية هل قدمت برنامجا ثقافيا بينت فيه الغايات الثلاث المركزية التي جاء بها القرآن الكريم المتمثلة في:
- مركزية التوحيد.
- كرامة الإنسان.
- عمران الأرض.
- بناء المجتمع على أساس منظومة القيم المرتبطة بمركزية التوحيد - ركني الإيمان بالله واليوم الآخر كما أرادها الله، حيث رتب عليها العقوبات الشديدة دنيا وأخرى في عشرات الآيات، ورسخها الرسول صلى الله عليه وسلم.

3- مؤسساتنا الثقافية هل قدمت برنامجا ثقافيا بينت فيه وظيفة وأهداف منظومة القيم من خلال المنهج المعرفي المقاصدي الذي رسمه القرآن المكي والمدني؟

4- أين برنامج الثقافة الإسلامية الذي تضمن بيانا شافيا لمنظومة سنن الله في النفس والكون والاجتماع التي سخرها الله لخدمة الإنسان؟

5- السؤال الأكبر والأهم هو: ما السبب الحقيقي الذي حفظ كرامة وحقوق الإنسان إلى درجة التقديس في مجتمعات غير المسلمين، وفي ذات الوقت تنسحق كرامة الإنسان في مجتمعات المسلمين؟

6- في أي مجتمع تحققت خلافة الإنسان وعمارة الأرض؟

7- موجة الإلحاد التي اقتحمت أوساط الشباب العربي، ألا تدل دلالة صارخة على اعتلال برامجنا التثقيفية؟

8- إذا طالعنا أسئلة الشباب نجدها تحمل دلالة أزمة نفسية تشير بوضوح إلى أن أولئك الشباب يعيشون ضبابية فكرية وعقلية سببها قصور منهجي محوري خطير جدا تمثل في إغفال وتغييب البعد العقلي المقاصدي الكاشف عن أهداف وأسرار النصوص الشرعية.

9- سؤال محوري: هنا سؤال يقدمه أغلب الشباب المأزوم ينضوي في إطاره 70% من الأزمة التي بدأت فكرية ثم تحولت إلى أزمة صراع نفسي.. يقول السؤال: هذه الحروب التي تحصد الأطفال والأبرياء في اليمن وسوريا وغيرها، هل هي حروب قدّرها الله؟ كيف قدرها الله؟ أليس الله هو الرحمن الرحيم بالأطفال والضعفاء والعجزة والمساكين؟

10- أيها القارئ العزيز: ما الدلالة؟ ألا يمكنك من خلال تلك الأسئلة الوصول إلى استنتاج منطقي يقول إن مؤسساتنا الثقافية لم تقدم برنامجا ثقافيا جادا يبني الوعي ويبني المجتمع، وإنما قدمت "وهم المعرفة" فقط لا غير؟

وليس أخيرا، لعنة الحرب المليشاوية الانقلابية الإرهابية التي دمرت وطننا الحبيب وسحقت كل المقدسات المتمثلة في مقاصد التشريع الإسلامي.. الحرب الإجرامية التي قاربت عقدا من الزمن.. ألا تدل على فشل البرامج الثقافية واعتلالها؟

معالم البلاغ المبين:

البلاغ المبين الذي ينبغي أن يكون، سنشير بإيجاز إلى أبرز معالمه في الفقرات التالية:
1- برنامج يخدم تطلعات الشباب يوضح حكمة التشريع - العقيدة ومقاصدها.

2- برنامج يغرس ويرسخ في عقول ونفوس الشباب خصوصا والمجتمع عموما:
- الاعتزاز بالهوية.
-الولاء للأمة واحترام إرادتها.
- يرسخ قيم الانتماء الوطني. **

3- برنامج ثقافي إسلامي يوضح منظومة القيم الكونية التي رسمها القرآن الكريم وهي منظومة فطرية محل اتفاق مبدئي عالميا وهي: الرحمة، الكرامة، الحرية، المساواة، القيام بالقسط، العدل، الإحسان بمفهومه الإنساني الحضاري.. ويعني: الجودة، الإتقان، الكمال، الجمال، النظام، حب النظام.

4- برنامج يعزز كرامة الإنسان ويوضح الغاية التي خلق الله الإنسان لأجلها.

5- برنامج يتضمن بوضوح وظيفة القيم تجاه المجتمع والصلة بين العقيدة والقيم.

6- برنامج يوضح الخطورة المترتبة على الفصل بين العقيدة والقيم مع ضرب الأمثلة دينا وواقعا.

7- برنامج يرسخ منظومة القيم ومقاصدها ودورها في بناء شبكة العلاقات الاجتماعية.

8- برنامج ثقافي إسلامي ينطلق من مبدأ أساسي هو إعادة الاعتبار للعقل انطلاقا من منظومة القيم العقلية التي رسمها القرآن الكريم.

9- برنامج ينمي أسس الحوار مع الآخر من منظور الاعتزاز بالذات بعيدا عن الغرور أو الانهزامية والانبهار بما لدى الآخر - الحضارة المادية التي لا روح لها.

10- برنامج يحصن كرامة الشعوب ويحاصر الظلم والطغيان وينمي الوعي والرشد في تقديس المبادئ واحترام الأشخاص ومواجهة الاستبداد والوقوف ضد ثقافة الاستهلاك وآثارها ومآلاتها المدمرة قيميا واقتصاديا.

نلتقي بعونه سبحانه مع موضوع هام بعنوان "المواطنة الرقمية".

------------------
** في الحلقتين القادمتين بعون الله سنقدم المزيد من القيم.

الإصلاح نت-خاص | عبد العزيز العسالي
الثلاثاء 24 مايو 2022
أتى هذا الخبر من موقع التجمع اليمني للإصلاح:
https://alislah-ye.com
عنوان الرابط لهذا الخبر هو:
https://alislah-ye.com/news_details.php?sid=9213