محركات التغيير.. بين الهروب من الفهم وثقافة الممانعة (الحلقة 1: النخبة وإشكالية المناهج)
الموضوع: اخبار وتقارير
 

 

سندخل في الحديث مباشرة في صلب الموضوع، متجنبين الإغراق في المقدمات الفكرية فنقول إن المقصود بالإشكالية المنهجية يتمثل في الأبعاد التالية:

 

أولا، التقليد للغير: 

العقل المستهلك لثقافة الغير لا يمكن أن يصنع تغييرا يخدم الأمم والشعوب.

هذا الاستهلاك لثقافة الغير سببه القصور الفكري الجاثم على أدمغة غالبية النخبة العربية منذ انبثاق فجر النهضة العربية- حكام، مثقفون، حزبيون، مستقلون، يساريون، ليبراليون، علمانيون، ماركسيون.

2- استيراد مناهج الغير:

هذا هو البرهان الأول على قصور فكر النخبة، فاتجهت إلى استهلاك الثقافة الوافدة. 

العجز هو أبرز سمات العقل المستهلك المقلد للغير، هذا العجز ساق النخبة إلى البرهان التالي: 
 
3- غياب الهدف:

من المعلوم أن كل حركات التغيير الراشدة ترسم أهدافها المحورية في الوصول إلى "ميلاد مجتمع" واعٍ راشد.

للأسف الشديد أن هذا الهدف غاب 100% لدى النخبة، حيث استُبدل هدف "ميلاد المجتمع" بهدف سياسي محدد هو استيلاء النخبة على السلطة فقط، تحت ذريعة طرد الاحتلال الأجنبي أو المستبد المحلي.  

4- التصادم مع المجتمع:

ما إن تربعت النخبة على كرسي السلطة حتى اتجهت إلى مصادمة قيم المجتمع، والهدف هو فرض قيم دخيلة على المجتمع بقوة السلطة- استبداد وإفساد، فكانت النتيجة هي: 

5- قطيعة شديدة:

وجد الشعب العربي نفسه أنه أمام سلطة متسلطة لا تمثله وأن تفكير السلطة ينحصر في اختراع أساليب القمع والتنكيل بالشعب لأنه عدو السلطة.

من هنا كانت القطيعة بين الشعب والنخبة الحاكمة، والسبب هو كراهية السلطة لقيم المجتمع العربي المسلم عقيدة وهوية وحضارة.

6- انقلابات النخبة: 

من السنن الحاكمة للاجتماع أن المستبد يبدأ بقمع المحتمع ثم يتجه إلى إقصاء من هم حوله، وهنا يأتي مسلسل الانقلابات داخل النخبة.
 
الثابت الوحيد هو سلب كرامة الإنسان والعبث بإنسانيته فردا ومجتمعا، وانتهاك حقوقه من كل السلطات الانقلابية دون استثناء، فتلك السلطات قادمة من بؤرة الثقافة الوافدة فليس هناك سوى فساد وإفساد مهلك للحرث والنسل.

والأكثر غرابة هو أن ذلك القمع والطغيان تغلفه السلطات بشعار فج ومقرف مفاده "لا حرية لأعداء الحرية". وبحسب شهادات مثقفين ينتمون إلى تلك النخبة المتسلطة قالوا كان عدد تلك النخبة لا يتجاوز 20-21% و80% هو الشعب الذي أدار ظهره للسلطات فكانت القطيعه القاتلة، فأي تغيير سيأتي وأي بناء للمجتمع؟ أنّى لمجتمع الوعي الراشد أن يولد وسط بؤرة الفساد والإفساد.

 

ثانيا، المنهج الإسلامي: 

من المعلوم أن النخب العربية انشطرت رأسيا، الشطر الأول هو النخبة الحاكمة التي ذكرناها أعلاه، والشطر الثاني هو النخبة ذات التوجه الإسلامي.

فما هو القاسم المشترك بين رواد التغيير الإسلامي ونخبة التغريب؟
 
1- الحقيقة أن عقلية التقليد هي القاسم المشترك، مع فارق أن العقلية التقليدية لدى النخبة الإسلامية هي أقرب إلى قيم الشعب ووجدانه عقديا وثقافيا وحضاريا.

2- منهجية الإحياء: اتجهت النخبة الإسلامية إلى منهجية الإحياء حفاظا على الهوية من الذوبان أمام المد التغريبي الجارف.

3 غياب التفكير المنهجي: توقفت النخبة الإسلامية عند منهج الإحياء على حساب التجديد الفكري المنهجي المتين القادر على تلبية المستجدات. 

4- تعددت الأسباب التي حالت دون التجديد أبرزها: 
- إكراهات الواقع الخانق الذي خلقته السلطات المستبدة. 
- سطوة الوافد الثقافي المتعدد الألوان الأمر الذي جعل رواد التغيير الإسلامي أن يقفوا عند الإحياء وهذا هو الغالب الأعم، علما بأن هناك حالات فردية اتجهت إلى التجديد لكن لا زال تأثيرها محدودا. 

- إعادة إنتاج التراث:
 
 تعددت صور إكراهات الواقع الذي يحيط برواد التغيير الإسلامي، أبرزها الحرب الباردة بين معسكري الشيوعية والرأسمالية، هذه الحرب ولدت استقطابات بين المعسكرين، وكان أبرز المدخلات الثقافية في مواجهة المد الشيوعي هو إعادة إنتاج التراث الفقهي الموروث، وإغفال المنهج الفكري في الغالب الأعم.

- نشأت ثلاثة أجيال وسط هذ الفضاء الثقافي المعاد إنتاجه.

- ترسخ في ذهن الأجيال الثلاثة أن هذا هو الدين لا غير وغيره هو الشذوذ عن الإجماع. 

5- خطوة موفقة: 

استطاعت النخبة الإسلامية البناء داخل الطبقة الوسطى وهذه هي شهادة علماء اجتماع غير إسلاميين أشادوا برواد التغيير الإسلامي أنهم استطاعوا بناء أقوى وأوسع شرائح المجتمع وهي الطبقة الوسطى، وأن هذه الطبقة ثمثل غالبية المجتمع كما تمثل الرافعة الأقوى في التغيير، مؤكدين أن النخبة الإسلامية طيلة عقود سبعة استطاعت الحفاظ على الهوية وأن المجتمع العربي بات أشبه بسيارة محركها شغال، لكن تشغيل محرك المعدة غير كاف لإقلاعها، وانطلاقها.

إذن، رواد التغيير الإسلامي بحاجة لتكوين معارفهم وبناء عقلياتهم وفقا لأدوات الإقلاع أولا، ثم توعية المجتمع بتلك الأدوات. 

خلاصة لما سبق: 

1- انتقاد مناهج التغيير لا يعني انتقاص أو إنكار جهود حملة التغيير. 

2- المقصود بنقد المناهج هو الوقوف عند أهداف التغيير، وجودها وصوابيتها أولا، وكم نسبة التطبيق العملي أو قربه من الأهداف ثانيا. 

3- المنهجية الوافدة رسمت هدفها في الاستيلاء على السلطة على حساب المجتمع.

4- نجاح المنهجية الوافدة هنا أو هناك لا يعني سلامة المنهج بقدر ما هو رجم بالغيب فجاءت النجاحات شكلية باهتة.

5- رواد التغيير الإسلامي استهدفوا بناء المجتمع.

6- النجاح الذي حصل يعود إلى الاقتراب من محركات التغيير.

7- نجاح التغيير الإسلامي لن يصمد أمام أعاصير المستجدات، وعليه فوجود منهج تجديدي بات ضرورة. 

8- القاسم المشترك بين فريقي رواد التغيير هو التقليد، مع الفارق.

9- تمتلك المرجعية النظرية الإسلامية منهجية التجديد ومحركات التغيير وتمتاز بخصوصيتها المقدسة.

10- الهروب من الفهم أحد القواسم المشتركة لدى أغلبية فريقي التغيير، لكن تختلف الدوافع والعوامل والأسباب والنسب.

الهروب من الفهم الممانعة الثقافية هما موضوع الحلقة الثانية.. نلتقي بعونه سبحانه.

الإصلاح نت - خاص / عبد العزيز العسالي
الأربعاء 07 يوليو-تموز 2021
أتى هذا الخبر من موقع التجمع اليمني للإصلاح:
https://alislah-ye.com
عنوان الرابط لهذا الخبر هو:
https://alislah-ye.com/news_details.php?sid=8283