"نصيب الفرد الواحد في عائلتي من راتبي خلال شهر كامل، يعادل تكلفة وجبة غداء واحدة لشخص واحد ميسور الحال"، بهذه الكلمات الموجعة عبّر الأستاذ وهيب الأحمدي، عن واقع حاله وحال الكثير من المُعلّمين، الذين باتت مُرتباتهم زهيدة للغاية ولا تلبي حتى جزء يسير من ضرورياتهم، في ظل الانهيار غير المسبوق للعملة المحلية والتدهور الاقتصادي الحاد في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا.
ويعيش المعلّمون اليمنيّون في ظروف مأساوية، منذ أن انقلبت المليشيا الحوثية على الدولة وأسقطت مؤسساتها في 21 سبتمبر 2014، حيث عملت منذ تلك اللحظة السوداء على نهب البنك المركزي وقطع المرتبات، وبدأ المعلّمون حياة موجعة في مواجهة الجوع والحاجة، وسط عجزهم عن توفير لُقمة عيشهم.
ومع بصيص الأمل الذي لاح في الأفق، عقب صرف الحكومة الشرعية للمرتبات في عموم المناطق الواقعة تحت سيطرتها، وعدد من المناطق الواقعة تحت سيطرة المليشيا الحوثية، إلا أن كابوس انهيار العملة أطلّ برأسه، وبدأت موجة جديدة من المعاناة في حياة المعلمين وكافة الموظفين، والمواطنين عمومًا، واستمر انهيار العُملة المحلية بطبعتها الجديدة، بفعل الانقسام المالي الذي فرضته المليشيا بمنعها تداول الطبعة الجديدة في مناطق سيطرتها، ومن ثم استهدافها ميناء الضبة بحضرموت في نوفمبر 2022 ما أدى لتوقف تصدير النفط، حتى وصل صرف الدولار الواحد إلى 2000 ريال يمني، والريال السعودي إلى 520 ريال يمني، وهو انهيار غير مسبوق في تأريخ العملة اليمنية، ضاعف معاناة المواطنيين، وفي مقدمتهم المُعلمين.
معاناة بالغة الوجع
هذا الانهيار الكارثي للعملة، تسبّب بمضاعفة معاناة المُعلّمين اليمنيين، لا سيما أن رواتبهم تعادل 100 إلى 200 ريال سعودي فحسب، لا تكفي لسدّ رمق العيش، فأصبحوا عاجزين عن توفير أبسط الضروريات والأساسيات لعائلاتهم، وسط غياب الأدوار الحكومية لإعادة النظر في مرتباتهم، بما يكفي لمواجهة الأوضاع المعيشية الصعبة.
الأستاذ وهيب الأحمدي، مدرس الفيزياء في مدرسة الفوز بمديرية سامع، تحدّث لـ(الإصلاح نت) عن جانب من معاناة المعلمين في ظل التدهور الاقتصادي في البلد.
وقال الأحمدي: "راتبي 82 ألف ريال يمني قعيطي، أي ما يعادل 157 ريال سعودي، وما يعادل 41 دولار". مضيفًا: هذا المبلغ الذي لا يصحّ أن نسمّيه راتبًا، عليك أن تُقسّمه على عائلتي المكوّنة من تسعة أفراد، سيصبح نصيب كل فرد في الأسرة، خلال شهر، 9111 ريال يمني قعيطي، أي ما يعادل 17.5 ريال سعودي، وما يُساوي 4 دولارات ونصف الدولار".
وتابع الأحمدي: الآن عليك أن تتخيّل كيف أن الفرد الواحد في أسرتي نصيبه من راتبي خلال شهر كامل، 4 دولار ونصف فقط، أي ما يُعادل تكلفة وجبة غداء واحدة لشخص واحد ميسور الحال". مُردفًا: "هذا ليس حال عائلتي فقط، بل هو حالة معظم المعلمين الذين ليس لهم دخل آخر سوى هذا الراتب، أو الذي يُسمّى راتبًا بالأصحّ، والذي لا يكفي لشراء كيسين دقيق، بل إن بعضنا راتبه ما يعادل 100 ريال سعودي فقط".
وأوضح الأستاذ الأحمدي لـ(الإصلاح نت): "المعلمون وعائلاتهم معظمهم وضعهم كارثي بكل مقاييس الكارثة، ومأساوي بكل ما للمأساة من معنى، جوعى وحُفاة، أبسط الأساسيات والضروريات أصبحت من الأحلام، ينامون على التراب وليس على البلاط، لأن البلاط للطبقة الراقية". مضيفًا:"نعيش هذه المعاناة، فيما الحكومة لا تحرّك ساكنًا، بل إن المسؤولين فيها يستلمون بالدولار، ولا يهتمون بتدهور قيمة العملة وأوجاع الشعب".
تحت خط الفقر
في السياق، أكد الأستاذ عبدالرحمن المقطري، أمين عام نقابة المعلمين في تعز، أن "الوضع المعيشي للمعلم اليمني بشكل عام، مأساوي جدا، خاصة أن متوسط دخله ما بين 60 إلى 80 ألف ريال، وهذا يعد أقل من المعدل العالمي لخط الفقر، حيث أن المعدل العالمي لخط الفقر 2.15 بالمئة دولار يوميًا، وخط الفقر هذا يساوي أعلى مرتب لمعلم يمني، بينما معظم المعلمين مرتباتهم أقل من ذلك، بالإضافة إلى أن المعلمين الذين توظفوا في 2011 مرتباتهم من أربعين إلى 45 ألف ريال فقط".
وأضاف المقطري لـ(الإصلاح نت) أن "هذا الوضع السيء اضطر الكثير من المعلمين للبحث عن أعمال إضافية أو الهجرة من أجل توفير لقمة العيش، لأن الراتب لا يغطي الاحتياجات الضرورية، من غذاء وماء ودواء، بالإضافة إلى أن مرتبات المعلمين الذين يسكنون في المدينة لا تكفي حتى للإيجارات، وبالتالي فهم يعيشون حالة الفقر والعوز والحاجة الشديدة جدًا".
وأشار إلى أن الارتفاع المتصاعد للعملة مشكلة كبيرة، خصوصا أنه لا توجد معالجات حقيقية من جانب الحكومة، وإن حصل فليست سوى ترقيعات"، لافتًا إلى أن المعلم ينقصه الكثير من الحقوق والتسويات والعلاوات، وبدائل طبيعة عمل وغلاء معيشة وسنوية، خصوصا الذين توظفوا في عام 2011.
ضغط نقابي على الحكومة
وذكر المقطري لـ(الإصلاح نت) أن نقابة المعلمين طالبت الحكومة مرارًا بالعمل على تحرير النفط والغاز وتصديرهما، وتحرير الموانئ والمنافذ عموما، التي تعد عماد الاقتصاد، بالإضافة إلى تحرير بقية الموارد، حتى يكون الاعتماد على ما ننتجه ونصدّره، وليس على ودائع وقروض الأشقاء، من أجل أن تكون الحلول جذرية.
وأوضح أن نقابة المعلمين نفذت العديد من الاحتجاجات والمسيرات المطلبية على مستوى الجمهورية وعلى مستوى فرع النقابة بتعز، للمطالبة بالحقوق، ووجهت العديد من المذكرات للحكومة والسلطة المحلية، وبفعل هذا الحراك والمطالبات من جانب النقابة، تم صرف العلاوات السنوية للأعوام 2014/2020، وذلك في نهاية العام الماضي 2023، كما تم في 2018 صرف غلاء معيشة للمعلمين والموظفين بنسبة 30 بالمئة، عقب الفعاليات التي نفذتها نقابات تعز، لافتًا إلى راتب شهر سبتمبر الفائت لم يتم صرفه إلا بعد تظاهرة حاشدة نظمتها نقابة المعلمين ومجلس تنسيق النقابات، الخميس الفائت، وسط مدينة تعز.
وأكد المقطري أن النقابة ما تزال تناضل من أجل حصول المعلمين والمعلمات على كافة حقوقهم، أبرزها انتظام صرف المرتبات وزيادتها، بما يتناسب مع الارتفاع المتصاعد، وستستمر في الضغط على الحكومة لتلبية هذه المطالب المشروعة.
وشهدت مدينة تعز، يوم الخميس، مسيرة جماهيرية حاشدة، دعت لها نقابة المعلمين ومجلس تنسيق النقابات (متين)، للمطالبة بصرف الرواتب ومواجهة انهيار العملة ودحر انقلاب المليشيا الحوثية. حيث دعا بيان المسيرة، التي شارك فيها المئات من المعلمين والمواطنين في شارع جمال، إلى "تحرير الموارد المالية والاقتصادية لليمن من كافة القيود وحماية منشآت النفط والغاز من أي هجمات تهدد استمرار انتاجها".
وطالب البيان "باستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي وتحرير كافة أراضي البلاد ودعم الجيش الوطني والأمن، إضافة إلى اتخاذ معالجات جادة وعاجلة لوقف تدهور العملة وتحسين قيمتها أمام العملات الأجنبية". داعيًا إلى "تنفيذ جميع التسويات والبدلات الموقوفة منذ عام 2012 وتنفيذ ما تبقى من بنود قانون الأجور وصرف غلاء معيشة للمعلمين بما يتناسب مع الارتفاع الكبير والمتصاعد للأسعار جراء تدهور الريال.
وضع موجع
الناشطة المجتمعية والإنسانية "داليا محمد"، قالت لـ (الإصلاح نت)، إن الوضع المعيشي موجع عند الجميع، غير أن المعلمين وضعهم أكثر وجعا، ففي مناطق الحوثيين بلا مرتبات، وفي مناطق سيطرة الحكومة الشرعية مرتبات زهيدة جدا مقارنة بأسعار الصرف التي تنهار يوما بعد آخر.
وأضافت أنه، لم يعد المعلمون والموظفون البسطاء، وعموم المواطنين، قادرين على مواجهة هذه الظروف المعيشية القاسية مع هذا التدهور الاقتصادي الذي لم يسبق أن وصل إلى هذا الحد، حيث تجاوز صرف الدولار الواحد ألفين ريال، والسعودي 525 ريال يمني، وكل المواد والسلع سعرها مرتبط بالعملات الأجنبية.
وأشارت إلى أن المؤسف أيضا أن هذه الظروف التي يعيشها المعلم، إضافة إلى توقف التوظيف، جعل القادرين على مواصلة الجامعة من خريجي الثانوية العامة لا يقبلون على أقسام كلية التربية التي باتت شبه فارغة، بل أغلقت بعض الأقسام أبوابها تماما، وهذا مؤشر خطير يهدد مستقبل التعليم في البلد.
ورغم هذه المعاناة بالغة الوجع للمعلّمين اليمنيين، إلا أنهم ما زالوا مستمرين في أداء مهامهم في تدريس الأجيال، غير أن بقاء هذا الواقع المُزري في ظل عدم وجود تحركات حكومية لمعالجة الأوضاع الاقتصادية وتحسين المرتبات، قد يجبر معظم المعلمين على ترك المدارس، والبحث عن أعمال تمكّنهم من توفير لقمة العيش لأُسرهم التي باتت الأشد فقرًا بين بقية فئات المجتمع، مما يهدد بانهيار العملية التعليمية بشكل أكثر، ويمهّد الطريق لكارثة حقيقية تصبّ في صالح المشروع الحوثي وأفكاره السلالية الكهنوتية، فهل يعي مسؤولو الرئاسي والحكومة والقوى الوطنية هذه الكارثة ويعملون على تداركها؟!