المرأة اليمنية في زمن الحوثيين.. بين الاستغلال ومصادرة الحقوق
الموضوع: اخبار وتقارير

 

خدمة لمشروعها وتنفيذا لأهدافها، تواصل مليشيا الحوثي عبثها بالمنظومة القيمية، ونبذ العادات والتقاليد التي تحظى بالمكانة الاجتماعية الرفيعة، والدوس على الأعراف المعتبرة في المجتمع اليمني، والتي ظل اليمنيون يولونها اعتبارات خاصة ويتفاخرون بها كموروث شعبي وثقافي طيلة قرون من الزمان، باعتبارها واحدا مما يميز المجتمع اليمني.

وقد اكتسبت المرأة اليمنية اهتماما خاصا ومكانة رفيعة بين تلك المنظومة ومصفوفة الأعراف والعادات في اليمن، بيد أن تلك المكانة الرفيعة التي كانت تحظى بها المرأة في المجتمع اليمني لم تلبث أن تعرضت للاستهداف الممنهج من قبل المليشيا الحوثية الانقلابية، خدمة لأجندتها ومشروعها، متخذة من المرأة اليمنية وسيلة من وسائلها المتعددة لخدمة تلك الأهداف.

سابقة خطيرة

ولم تتورع مليشيا الحوثي عن الزج بالمرأة في أتون حروبها المستمرة وإقحامها في الصراعات الدائرة منذ أكثر من تسع سنوات، وإنزالها من مقامها المرموق، وسلبها لمكانتها الرفيعة، فقد عملت المليشيا على تجنيد النساء بمختلف الأعمار في العاصمة صنعاء وبعض المناطق الواقعة تحت سيطرتها وتسخيرها لأغراضها العسكرية والأمنية والمخابراتية، في سابقة خطيرة لم تشهدها اليمن من قبل.

وسبق أن حذر المركز الأمريكي للعدالة (ACJ) من مخاطر حملة تجنيد تنفذها مليشيا الحوثي مؤخرا، وذكر أن "عملية تجنيد جديدة قامت بها مليشيا الحوثي في صفوف الفتيات والنساء في اليمن، ضمن ما يسمى بكتائب الزينبيات، الجناح الأمني للمليشيا"، مؤكدا أن هذا السلوك "يظهر إصرار المليشيا على توسعة أدواتها القمعية ضد معارضيها في المناطق التي تسيطر عليها".

وبحسب المركز فقد "أظهرت مصادر محلية رصدها لتحركات من قِبل مليشيا الحوثي منذ أيام، ومساعٍ لإخضاع ما لا يقل عن 90 فتاة في العاصمة صنعاء وريفها لتدريب مكثّف على استخدام السلاح وبعض المهارات اللازمة للقيام بمهام عسكرية وعدائية وقمعية لاستهداف النساء في مناطق سيطرة المليشيا".

مهام قذرة

ويوضح المركز الأمريكي للعدالة أن مليشيا الحوثي "تهدف من خلال تجنيدها لعشرات الفتيات إلى زيادة أعداد جيش القمع النسائي لديها، والذي سيتولى مهام قمع اليمنيات المناوئات لسلطة الحوثي وملاحقتهن والاعتداء عليهن واعتقالهن ومداهمة منازلهن، وتنفيذ أعمال تجسسية واستخباراتية، خصوصاً في أماكن التجمعات النسوية، إلى جانب تقديم حصص تعبوية مذهبية لطالبات المدارس الحكومية في صنعاء وريفها، بهدف استقطاب فتيات أخريات للانضمام إلى تلك التشكيلات العسكرية".

وبين أن هذا التحرك لزيادة أعداد النساء في ما يُعرف باسم كتيبة الزينبيات "يأتي بالتزامن مع المشاركة الواسعة التي تم تسجليها من قبل النساء اليمنيات لا سيما في احتفالات ذكرى ثورة 26 سبتمبر الشهر الماضي، والتي شهدت تفاعلا واسعا من قبل النساء، كما أنها شهدت أيضًا حملة تحريض وتوجيه شتائم من قبل الموالين لمليشيا الحوثي عبر مواقع التواصل الاجتماعي"، مؤكدا على أن سجل مليشيا الحوثي وجهازه النسائي كتيبة الزينبيات "مليء بالانتهاكات والممارسات الخطيرة ضد النساء لا سيما المعتقلات منهن داخل سجون الحوثي، وأن زيادة أعداد منتسبي الجهاز النسائي سيعني بالتبعية زيادة لوتيرة القمع والانتهاك ضد النساء اليمنيات".

أعمال تجسسية

وقد كشفت صحيفة الشرق الأوسط في وقت سابق أن مليشيا الحوثي "تنوي تقسيم الفتيات إلى ثلاث دفعات، تضم كل دفعة 30 مجندة تتولى القيام بمهام تخدم الأنشطة الحوثية، وذلك عقب استكمال تلقينهن دروساً تعبوية وتدريبهن على فنون القتال في أماكن وميادين مغلقة ومفتوحة، بعضها باحات مدارس وجامعات ومساجد وملاعب رياضية بصنعاء ومحيطها".

ونقلت الصحيفة عن مصادر مقربة من دائرة حكم المليشيا في صنعاء أن "بعض المهام التي أوكلت المليشيا تنفيذها إلى تلك الدفعات من المجندات، تشمل القيام بأعمال ميدانية عدائية كالقمع والتجسس إلى جانب الاستهداف بالتطييف"، مؤكدة "أن المجندات سيتولين مهام قمع المناوئات لسلطة الانقلاب وملاحقتهن والاعتداء عليهن واعتقالهن ومداهمة منازلهن، وتنفيذ أعمال تجسسية واستخباراتية، خصوصاً في أماكن التجمعات النسوية، إلى جانب تقديم حصص تعبوية أسبوعية لطالبات المدارس الحكومية في صنعاء وريفها، بغية غسل أدمغتهن واستدراجهن للانضمام إلى تلك التشكيلات العسكرية".

وتأتي هذه الخطوة بعد إقدام المليشيا في الذكرى الـ61 لثورة 26 سبتمبر على نشر مجاميع نسائية مسلحة تتبع جهاز أمنها الوقائي في شوارع وأحياء العاصمة صنعاء ومدن إب وذمار والحديدة وغيرها، حيث باشرن شن حملات ملاحقة واعتداء لفتيات شاركن بالاحتفال في الشوارع والأحياء بذكرى الثورة.

وسائل الاستقطاب

وقد اتبعت مليشيا الحوثي عدداً من الأساليب لتجنيد النساء واستقطابهن إلى صفوفها، وتكليفهن مهاما أمنية وعسكرية، أبرزها التهديد وأخذهن بالإجبار والقوة، فقد أقدمت عناصر المليشيا على أخذ العديد من الفتيات وطالبات المدارس لتدريبهن في حالات كثيرة باستخدام القوة أو تهديد آبائهن بالقتل، وذلك من خلال حملة مداهمات لسكن الطالبات من قبل مجندات حوثيات يعملن في صفوف المليشيا، حيث ووفقا لناشطين فقد تم استقطاب عدد من الطالبات مؤخراً من محافظة حجة ويتم تدريبهن على استخدام السلاح في ضواحي صنعاء.

كما يمثل الإغراء بالمال وسيلة أخرى من وسائل المليشيا الحوثية لاستقطاب الفتيات للعمل في صفوفها، حيث تغري المليشيا أسر الفتيات والنساء بالمال، استغلالاً لانتشار الفقر وتردي الأوضاع المعيشية للأسر اليمنية نتيجة لسياسة الإفقار والتجويع التي سلكتها المليشيا الحوثية، بالإضافة إلى استغلال السجينات اللاتي يقبعن في زنازين المليشيا واللاتي قامت عناصر المليشيا باختطافهن وتغييبهن في السجون دون أدنى تهمة موجهة لهن، فقد عمل الحوثيون -وفق مصادر إعلامية- على استخدام النساء الجانحات المحكوم عليهن بأحكام قضائية في بعض السجون التابعة لهم وشرعوا بتدريبهن ضمن دورات مكثفة، ونجحوا بالتأثير على البعض منهن، حيث أصبحن يشكلن فرقا خاصة للقيام بتدريب فتيات الحوثيين المنضمات حديثاً لمعسكرات التدريب.

جهاز هلامي

وتعد كتائب الزينبيات التي أنشأتها مليشيا الحوثي واحدة من الأجهزة الأمنية التي تديرها المليشيا، والتي هي عبارة عن مجموعات نسائية مسلحة، تحظى بتدريبات عالية، على أيدي فرق متخصصة من لبنان وإيران، متمثلة بخبراء من حزب الله والحرس الثوري الإيراني، حيث يتم إعطاء المتدربات تعليمات وتدريبات لتنفيذ مهام خاصة كالاقتحامات والاعتقالات وفض المظاهرات والوقفات الاحتجاجية وتنفيذ العديد من المهام الخاصة كالتجسس والإيقاع بالخصوم.

وبحسب مستشار وزارة الإعلام اليمنية، فيصل العواضي، فإنّ "هذه الكتائب من أدبيات الحرس الثوري الإيراني، والحشد الشعبي العراقي، وحزب الله اللبناني، وكل المليشيات الإيرانية في المنطقة التي تسير على النهج نفسه، من خلال تجنيد الأطفال والنساء".

وقد عمدت مليشيا الحوثي إلى جعل هذه الكتائب غير رسمية وعملت على إبقائها ضمن الأجهزة الهلامية، ليصعب تتبع قياداته أو معرفة هيكله، بحكم خطورة المهام الموكلة لأفرادها من النساء، وتنفيذ عمليات خارج نطاق القانون، فكل ما يتم الاهتمام والاعتناء به إلى جانب التدريب هو ضمان ولاء هذه الكتائب لمليشيا الحوثي وفكرها، ويتم اختيار قيادة هذه المجاميع من النساء على أساس سلالي، كما يأتي اختيار هذه التسمية لمليشياتهم النسائية ضمن مسمياتهم الطائفية، وضمن مساعيهم لاستخدام الرموز الإسلامية واجهة لمشروعهم الطائفي والسياسي، فهم ينسبونهن إلى زينب بنت الحسين التي كانت برفقة والدها في كربلاء.

وتكشف تقارير حقوقية أنّ عدد هذا الفصيل الأمني النسائي المسمى بالزينبيات يتخطى أربعة آلاف امرأة، تلقين تدريباتهن بدورات عسكرية على أيدي خبراء وخبيرات من إيران ولبنان والعراق في محافظات مثل صعدة وصنعاء وذمار وعمران.

انتهاكات جسيمة

وقد أنشأت مليشيا الحوثي ما يسمى بكتائب الزينبيات المسلحة في عام 2017، بوصفها فصيلاً أمنياً وعسكرياً نسائياً، والذي وظفته توظيفا خطيرا، حيث استخدمته في عمليات قمع النساء والتنكيل بهن واختطافهن سواء في الاحتجاجات والمظاهرات، أو خلال مداهمة منازل المناهضين لها وتفتيشها وترويع الأسر والعائلات ونهب الممتلكات وتعذيب المختطفات والمخفيات قسرياً.

واتهم تقرير حقوقي محلي كتائب الزينبيات بارتكاب ما يزيد عن 1400 واقعة انتهاك بحق مدنيين ونساء يمنيات خلال الفترة من ديسمبر 2017 حتى نهاية أكتوبر 2022.

وتقول الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، في تقرير لها في وقت سابق، إن أغلب تلك الانتهاكات تشمل "الاعتقال والاحتجاز التعسفي للنساء والنهب والاعتداء الجنسي والضرب والتعذيب وتسهيل عمليات الاغتصاب في مراكز الاحتجاز السرية، وغير ذلك".

وبين التقرير أن كتائب الزينبيات تورطت في الفترة المشار إليها بـمقتل 9 نساء، منهن 6 نساء قُتلن نتيجة الضرب المبرح بالهراوات والكابلات النحاسية، و3 نساء بإطلاق النار عليهن مباشرة، كما تسببت كتائب الزينبيات بـإصابة 42 امرأة بجروح متفرقة.

احتياجات عسكرية

وتشير بعض المعلومات إلى أن عمليات تجنيد النساء والفتيات بالإضافة إلى الأطفال في صفوف المليشيات الحوثية تأتي نتيجة للنقص الشديد في المقاتلين الذي تعانيه مليشيا الحوثي جراء الاستنزاف المتواصل، إذ إن ذلك يأتي تلبية لاحتياجات الحوثيين الماسة لتعويض خسائرهم البشرية في جبهات القتال، حيث تأتي عمليات تجنيد النساء وفرض التجنيد الإجباري لتحقيق ذلك الغرض، وذلك مع النقص الكبير في عدد المليشيا جراء الهزائم المتوالية والخسائر التي تتكبدها، بالإضافة إلى فرار الآلاف من جبهات القتال في صفوف الحوثيين.

كما أن دعوة زعيم الحوثيين لتطبيق التجنيد الإجباري التي أطلقها في العام 2017 جاءت كرسالة واضحة لأعضاء الجيش السابقين للانضمام إلى صفوف المليشيا الحوثية وإلا سيتم حرمانهم من رواتبهم المتأخرة منذ العام 2016.

وتتولى ما تسمي بـ"الهيئة النسائية" في مليشيا الحوثي والخاضعة لأوامر إحدى شقيقات عبد الملك الحوثي، الإشراف على عمليات استقطاب وتجنيد الفتيات من المدارس والجامعات ومن الأسر الفقيرة، ومن مراكز التدريب المهني، وحتى من نزيلات السجون.

جناح ناعم لارتكاب الجرائم

وتؤكد معلومات أن هذه المجاميع "تتبع ما يسمى (الأمن الوقائي) المرتبط بزعيم المليشيا شخصياً"، مشيرة إلى أن المجاميع النسائية "لا يتبعن أجهزة الدولة، ولا سلطة لوزارة الداخلية عليهن، بالرغم من أنهن ينفذن مهاما أمنية تبدو من اختصاص الأجهزة الأمنية في مناطق سيطرة المليشيا".

وقد وثّق تقرير للجنة الخبراء الدوليين المرفوع لمجلس الأمن، الصادر في مايو من العام 2020، الانتهاكات التي ارتكبتها كتائب "الزينبيات" الحوثية، شملت عددا من الانتهاكات من بينها الاعتقال والاحتجاز التعسفي للنساء والنهب والاعتداء الجنسي والضرب والتعذيب وتسهيل عمليات الاغتصاب في مراكز الاحتجاز السرية.

وأضاف الخبراء في التقرير أن أعضاء الشبكة "يمشين وعلى أكتافهن قاذفات صواريخ وأسلحة كلاشينكوف، وبينهن طفلات يحملن رشاشات"، مشيرا إلى أن تلك الشبكة "ظهرت في عرض عسكري للحوثيين في صنعاء قبل نحو 3 أعوام -أي في العام 2017- في أول ظهور لعناصر نسائية حوثية بمسمى "الزينبيات"، وهو الجناح الناعم والمسلح للمليشيا".

فصيل إرهابي آخر

وضمن سلسلة الاستهداف المتكرر للنساء، مضت المليشيا الحوثية وبصورة سرية في تشكيل فصيل نسوي جديد يضاف إلى كتائب الزينبيات، حيث أنشأت المليشيا ما يُسمى بـ"الفاطميات"، والذي يتركز عمله في التحريض والتلقين والشحن الطائفي عبر إلقاء محاضرات ودروس ودورات لجموع النساء والفتيات في مختلف أحياء العاصمة وبعض المحافظات الأخرى، سواء في المساجد أو في منازل المواطنين والقاعات العامة كالمدارس وتجمعات الاحتفالات التي تقيمها المليشيا أو غير ذلك.

كما تهدف مليشيا الحوثي من وراء هذا التشكيل إلى تخفيف العبء عن "كتائب الزينبيات" الموكل إليها مهام جسيمة، وإسناد مهام التعبئة الفكرية والاستدراج الناعم في أوساط النساء إليه، والإبقاء على وظيفة "الزينبيات" في نطاق الأعمال القمعية والقتالية والتجسسية.

الاستقطاب الحوثي الجديد للنساء وتجنيدهن وإقحامهن في مهام أمنية وعسكرية يؤكد صدق التقارير التي تحدثت عن سعي الحوثيين الحثيث إلى تجنيد الفتيات سواء لأعمال أمنية أو وعظية وأخرى تجسسية تستهدف السياسيين والمعارضين، وهو الأمر الذي لم تنكره مليشيا الحوثيين، فقد أكدت رئيسة اللجنة الوطنية للمرأة غادة أبو طالب في حديث صحفي مع وكالة أنباء سبأ التابعة للحوثيين في وقت سابق بالقول: "ونحن ندشن العام السادس من الصمود في وجه العدوان، أثبتت المرأة اليمنية صمودها وثباتها إلى جانب أخيها الرجل في مختلف الجبهات، بالاستناد إلى الوعد الإلهي، وتحركت من منطلق أن الموقف القرآني والربح فيه مضمون"، في إشارة إلى دور الكتائب النسوية الحوثية في العمل الأمني والاستخباري والعسكري الذي تم إقحام المرأة فيه.

الإصلاح نت - خاص
الثلاثاء 31 أكتوبر-تشرين الأول 2023
أتى هذا الخبر من موقع التجمع اليمني للإصلاح:
https://alislah-ye.com
عنوان الرابط لهذا الخبر هو:
https://alislah-ye.com/news_details.php?sid=10760