الخميس 25-04-2024 01:55:37 ص : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

أدب الثورة.. حقائق الانتماء وبرهان الولاء (الحلقة 2-2) العزلة، السجن، الظلام، الفجر

السبت 01 أكتوبر-تشرين الأول 2022 الساعة 07 مساءً / الإصلاح نت - خاص | عبدالعزيز العسالي

 

"الشعر ديوان العرب"، هكذا قالت العرب. والشعر في اليمن لا يختلف وظيفة ومقاصدا وأغراضا عن تلك المقولة العربية المتوارثة، مع فارق أن الشعر اليمني أضاف مجالا جديدا هو "أدب الثورة اليمنية".

لا فرق بين الشعر العامي أو الشعر الفصيح، فقد تضمن تفاصيل دقيقة مصورا الحالة التي عزلت شعبنا اليمني جراء أخبث حكم سلالي عنصري حاقد.

لقد انطلق أدب الثورة الشعري مواكبا المأساة، محرضا على الخروج من سجن العزلة وكسر القيود التي علاها الصدأ المتراكم من عصور ما قبل التاريخ، مستشرفا المستقبل، محركا روح التمرد، نافخا روح البسالة، موجها بوصلة الجماهير نحو التحرر والانعتاق من أسار التخلف والإذلال والظلم والطغيان السلالي العنصري الكهنوتي الذي أهلك الحرث والنسل.

وسنقدم إلماحات حسب المتاح
تحت المحاور التالية:

أولا، عهد الظلام والتخلف:

1- ديوان نقطة في الظلام.. هذا عنوان أحد دواوين الزبيري رحمه الله.

2- هذا العنوان حمل دلالتين: الدلالة الأولى متلازمة السلالية - جهل، فقر، مرض، عزلة، تخلف.. الدلالة الثانية رمزية النقطة تشير إلى بصيص أمل مهما تضاءل حيز تلك النقطة لكنه بعد أيام سيتحول صيحة تصغي لها الأمم.

3- خرجنا من السجن شُمّ الأنوف
كما تخرج الأسد من غابها
نمر على شفرات السيوف
ونأتي المنيّة من بابها

فالسجن هو اليمن المعزول، والزبيري يكشف لنا أن نتاج تلك العزلة الموت الحقيقي بالأوبئة القاتلة، أو الموت المجازي - تخلف، جهل، فقر، انعدام كرامة الإنسان.. حياة الإنسان رخيصة كما صورها شطر بيت شعري بردوني قائلا:
يا عم ما أرخص الإنسان في بلدي

ثم يعلل البردوني انسحاق إنسانية الإنسان في شطر بيت آخر قائلا:
نموت كما نحيا بلا رشَدِ

هنا ندرك عمق الدلالة التي قصدها الزبيري "ونأتي المنية من بابها".. إنه يقول: لماذا نموت ونحيا بلا رشد، بلا قيمة، بلا كرامة.

فها نحن خرجنا من سجن الفقر والمرض رافضين موت الجبناء.. ها نحن حددنا مرورنا على شفرات السيوف متعمدين الدخول على المنيّة من بابها، مقارعين الطغيان، فإما تلين الصعاب لطّلابها، وإما الحتوف لخطابها.

وهكذا نلاحظ أن أدب الثورة:
- اتحدت فيه لغة جيل الرواد.
- اتسقت المعاني وتكاملت في تفسير حالة اليمن قبل ثورة الـ26 من سبتمبر 1962م.

4- دلالة اتساق أخرى:
د. عبد العزيز المقالح ألّف كتابا بعنوان: الزبيري ضمير اليمن الثقافي.

عنوان الكتاب يعطينا دلالات وأبعاد عدة أبرزها:
- اتساق ووحدة الهم الثقافي لدى جيل الرواد.
- أن المفردات اللغوية الأدبية المجملة أو الموجزة أو الغامضة الصادرة عن أحد الرواد نجدها متجلية بوضوح وكثافة في آن عند رائد آخر -انسجام لغة ذلك الجيل- نموذج عنوان ديوان نقطة في الظلام يكتنفها بعض الغموض فيجليها د. المقالح بعنوان كثيف أخّاذ، يكتشف القارئ العادي من خلاله مكانة الزبيري في الوجدان والفكر والثقافة اليمنية ودوره في صنع الثورة وتحرير اليمن أرضا وإنسانا.

5- البردوني رحمه الله يصور ذلك الظلام قائلا:
والعمى والقيد والسجن رفاقي

فالسجن هو العزلة المضروبة ضد الشعب اليمني، بل نجد البردوني يقدم الدلالة التالية:
6- في طريق الفجر.. هذا عنوان ديوان شعر للبردوني يفسر لنا غموض "نقطة في الظلام" قائلا إن الجيل اتجه في طريق الفجر.

المحور الثاني، هتك استار الظلام السلالي:
1- أين الذي يدعي أنه الإله
وإنه سبط المبعوث طه

هذا بيت زبيري ضمن قصيدة، كشف الزبيري من خلالها الأخلاقيات السلالية العنصرية المتسترة بالدين والنسب، بهدف استباحة مقدرات الأمة وامتصاص عرق الملايين.

2- العجوز وعسكري الإمام: هذه إحدى صور الظلم السلالي، عجوز ليس لها عائل كل ما تملكه كوخ فيأتيها العسكري طالبا حق بيت المال، ثم يزمجر العسكري في وجه المسكينة يريد خروفا وسمنا ولبنا، فيأتي رد البائسة: ماذا تريدون مني؟ هل ضريبة الكوخ، لا كانت قوائمه، أم ضريبة القبر، كيف وأنا لم أسكنه بعد؟

وينتهي وعيد العسكري المتبجح بطائفيته العفنة قائلا:
إني إذن راجعٌ للكوخ أهدمه
يا شافعية إن الكذب دأبكمُ

3- البردوني يستحضر الطاغية:
في قصيدة له بعنوان: إلى الطاغية أحمد يا جناه.. استحضر فيها شخصية الطاغية فسلقه بلسان حاد، ومفردات القصيدة طافحة بدلالات كثيفة حول الطغيان والإفساد قائلا:
لماذا لي الجوع والقصف لك
يناشدني الجوع أن أسالك
لماذا وفي قبضتيك الكنوز
تمد إلى لقمتي أنملك
لماذا تدوس حشايا الجريح
وفيه الحنان الذي دللك
وتقتات جوعي وتدعى النزيه
فهل أصبح اللص يوما ملَك
ودمعي ودمعي سقاك الرحيق
أتذكر يا نذل كم أثْملك

ويطول التوبيخ الشعري البالغ القوة، ليصل إلى نهاية القصيدة قائلا:
غدا لا تقل أين مني غدٌ
ولا لن تسمّر يداك الفلك
غدا لن أصفق لركب الظلام
سأهتف يا فجر ما أجملك
ويستفسر الإثم أين الأثيم
وكيف انتهى؟ أيُّ درب سلك؟

المحور الثالث، الكفاح، والثبات على المبادئ:
كثير هو أدب الثورة في هذا الصدد، ولكن هنا نص أدبي ثوري رائع، سهل، صادق التجربة
رسم فيه د. عبد العزيز المقالح لوحة تدل على شدة الكفاح والثبات على المبادئ إبّان حصار السبعين لصنعاء، قائلا:
تراجعي أيتها الكلمات
تكسري أيتها الأقلام
أشرف منك صوت حرٍّ مات
وهو ينازل الظلام
ويحفظ الأطفال في عينيه
يغمد الرايات
وددت لو كنت الطريق يعبرون فوقه إلى الجهاد
وددت لو كنت صخرة تحمي صدورهم من الأعداء
وددت لو كنت لقمة أو شربة ماء
وددت لو كنت غيمة أو قطرة من ظل
أولئك المقاتلون من زرعوا الشمس في سمائنا، وثبّتوا النجوم والأقمار، وثبٍتوا النهار على طريق أيلول العظيم
أشعلوا الشباب، أحرقوا الأعمار
أوقفوا مسير العار

هكذا الظلام حاضر في أدب الثورة، لكن المقالح جاء بتوصيف إبداعي - مسير العار، إنه توصيف يليق بالسلالية المجرمة في حق ملايين البشر بلا وازع من دين ولا رادع من ضمير، رحم الله البردوني إذ وصف عهد الظلام قائلا:
فولى زمان كعرض البغي
وأشرق عهد كقلب النبي

وقال:
فليذهب الظلم ولتذهب "حكوميه"
ملعونةً ولْيُولّي عهدها النّتنُ

عاشت اليمن قبلة الأحرار..
عاشت الجمهورية، عاش الشعب اليمني البطل، الرحمة والمجد والخلود للشهداء..
نلتقي بعونه سبحانه..

كلمات دالّة

#اليمن