الجمعة 19-04-2024 13:52:15 م : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحوثيون وتدمير المجتمع.. تدمير الحياة الفكرية والثقافية(1)

الإثنين 27 يونيو-حزيران 2022 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت-خاص | مدين قاسم

 

منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء، وانقلابها على الدولة في الـ 21 من أيلول/سبتمبر 2014، سعت مليشيا الحوثي إلى تدمير المجتمع اليمني، وقيمه، لصالح إيران، التي وجهت المليشيا الحوثية بتدمير اليمن وقتل أهله، تحت شعار الموت لأمريكا.

ولعل تدمير مليشيا الحوثي للمجتمع اليمني بات حقيقة ناصعة لا يستطيع نكرانها أحد، وبات اليمنيون ينتظرون ساعة الخلاص من هذه المليشيا بفارغ الصبر، بعد أن حولت مؤسسات الدولة إلى خزانة خاصة لمليء جيوب قياداتها، في الوقت الذي حرمت فيه موظفي الدولة من رواتبهم، وحقوقهم على مدى ست سنوات، وسعت إلى تطييف المجتمع من خلال إلزام الموظفين والمواطنين بحضور دوراتها الإرهابية للحصول على راتب يُدفع نصفه كل بضعة أشهر، أو اسطوانة غاز، وغيرها من الحقوق التي باتت تستغلها لفرض سياستها الطائفية على المجتمع.

وإزاء ذلك؛ بات من الواجب تذكير المجتمع بما ألحقته هذه المليشيا الإرهابية بحق الشعب اليمني، من خلال هذه السلسلة التي سنستعرض من خلالها كيف دمرت المليشيا الحوثية المجتمع اليمني من النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية. وسنبدأ هذه الحلقة بالتركيز على الجانب الثقافي في اليمن وكيف دمرته المليشيا، وحولته إلى بؤرة لتطييف المجتمع في مناطق سيطرتها من خلال برامجها الفكرية، ومخرجاتها الإرهابية التي تحولت إلى قنابل موقوتة تهدد المجتمع اليمني بمختلف أطيافه وفئاته الاجتماعية، والمحيط الإقليمي، والمجتمع الدولي.

طمس هوية المجتمع

تعد المشكلة الثقافة التي يحاول الحوثيون طمسها من هوية المجتمع اليمني لصالح هويات دخيلة، مشكلة كبيرة، قد يتجاهلها كثيرون، في الوقت الذي يعتبرها الخبراء كارثة أعظم من كارثة الانقلاب ذاته، وذلك من خلال المساعي الحوثية لتدمير المجتمع اليمني معرفيًا وثقافيًا وعلميًا ومحاولة طمس هويته الثقافية والدينية من أجل خلق مجتمع وجيل أمي يؤمن بخرافات المليشيات الإيرانية ونهجهم الطائفي ومسخ قومية اليمن العربي الإسلامي.

ويرى خبراء وباحثون في المجال الثقافي، أن اليمن تخسر كثيرًا في ظل هذا النهج المليشاوي، ولم يعد هناك فرص أمام الشباب والباحثين أن يحصلوا على المعرفة الشاملة في مجالات الحياة المختلفة في ظل تغييب الكتاب وتحريم ومنع كتب ومؤلفات ومصادرتها من قبل المليشيات وإغلاق دور النشر والمكتبات.

يشار إلى أن تقدم الأمم وتخلفها يقاس بمدى انتشار مراكز الأبحاث وتوفر البحوث والدراسات والمكتبات ودور النشر، فيما تعمل المليشيات على النقيض، في تدمير ذلك ومحاولة تجهيل الشعب في اليمن الذي دمرت المليشيات الحوثية كل شيء جميل فيه، وفقا للباحثة الاجتماعية ابتسام عبد القادر.

تدمير المؤسسات الثقافية

في إطار حربها على الشعب اليمني، أغلقت الميليشيا العديد من المؤسسات الثقافية عبر وقف المعونات المادية الشهرية التي تمنحها الدولة للمؤسسات الثقافية والمبدعين، كما نهبت أموال صندوق التراث والتنمية الثقافية باسم المجهود الحربي، وقصرت عمليات الدعم على المحسوبين عليها فقط.

وفيما يتعلق بالتخريب قصفت الميليشيا الحوثية مؤسسة السعيد أهم المؤسسات الثقافية في اليمن، وتسبب القصف في احتراق المئات من أمهات الكتب والمخطوطات التاريخية. كما شنت الميليشيا الحوثية قصفا مدفعيًا طال مبنى المتحف الوطني في مدينة تعز، وأسفر عن احتراق مخطوطات أثرية عمرها مئات السنين، وعشرات الوثائق الأثرية والمخطوطات النادرة.

وعانت الآثار التاريخية بدورها من جور الحوثيين، فإلى جانب استهداف المتاحف الوطنية، عمدت الميليشيا إلى تهريب كثير من القطع والمقتنيات الأثرية التي يعود تاريخها لآلاف السنين، لتمويل مشاريعها في اليمن، وذلك بطريقة منظمة عبر المنافذ البرية والبحرية للبلاد.

ودمرت الميليشيا الكثير من المواقع التاريخية التي تقع تحت سيطرتها ومن ضمنها سد مأرب أبرز معالم اليمن التاريخية والأثرية الذي يعود تاريخه إلى بدايات الألفية الأولى قبل الميلاد، حيث لم يسلم من تخريب الميليشيات التي دأبت على قصفه بعد انتقال المعارك إلى محافظة مأرب التي فشل الحوثيون في السيطرة عليها.

تهريب المخطوطات

إضافة إلى ما سبق، قامت ميليشيا الحوثي بوضع يدها على آثار مهمة جدا، جزء كبير منها غير مقيد في السجلات التابعة للمتاحف اليمنية، أو مصنفة لدى الهيئة العامة للآثار التي تتبع وزارة الثقافة، الأمر الذي يصعب معه تحديد عدد الآثار والمخطوطات التي هربتها وباعتها الميليشيات في الأسواق الخارجية، وفقا لوزير الثقافة السابق مروان دماج.

وأكد دماج، أن الميليشيا الحوثية باعت الكثير من القطع وتسعى لتنفيذ عمليات بيع أخرى، مشيراً إلى أن قيمة القطع الأثرية التي جرى تهريبها تساوي ملايين الدولارات وباتت تشكل مصدر تمويل مهماً للميليشيا.

وكان أستاذ التاريخ في جامعة أم القرى مدير عام مركز تاريخ مكة الدكتور فواز الدهاس قال "إن الأزمات في مناطق من العالم العربي كالعراق والشام أدت إلى تخريب كثير من الآثار والمعالم التاريخية".. لافتا إلى أن ما يحصل في اليمن جزء من عملية التخريب هذه التي تستهدف سجل الأمة الحضاري.

وأشار الدهاس في تصريحات لاتحاد وكالات أنباء منظمة التعاون الإسلامي (يونا)، إلى أن أزمة الآثار في اليمن أكثر تعقيدا لأن التخريب هناك يتولاه أعداء داخليون هم الحوثيون الذين يظهرون كجزء من النسيج الاجتماعي في اليمن، لكنهم في الحقيقة يحاولون طمس هويته الحضارية عبر تدمير الآثار والمواقع التاريخية خصوصاً تلك المرتبطة بطائفة معينة من طوائف البلاد. مؤكدا على أهمية الجهود التي تبذل لحماية الآثار في اليمن سواء تلك التي تبذلها دول التحالف العربي بقيادة السعودية، أو تلك التي تنهض بها المنظمات العربية والأممية.

إغلاق دور النشر

كما سعت مليشيا المليشيا الحوثي إلى محاولة طمس هوية اليمن الثقافية من خلال إغلاقها لعدد من دور النشر في صنعاء. حيث أغلقت مليشيا الحوثي، منذ الانقلاب، عشرات من دور الكتب والنشر في صنعاء ومناطق أخرى تحت سيطرتها، في عمل ممنهج لحوثنة وتشييع المجتمع، وفرض أميّة معرفية وثقافية على الأجيال مع بقاء كتب الفكر الشيعي هي المعرفة الوحيدة المتاحة.

واستطاعت المليشيات، ومن خلال ممارسات قمعية وترهيبية، إغلاق دور كتب ونشر أو أجبرت مالكيها على مغادرة صنعاء، فيما تحولت مباني مؤسسات طباعة ودور نشر إلى مطاعم ومحلات تجارية تشهد على جريمة عظيمة بحق الإنسان اليمني في القرن الواحد والعشرين.

وكان ناشطون قد تداولوا صورًا لإحدى كبريات دور النشر المعروفة في اليمن وهو دار النشر للجامعات الواقع في شارع الوحدة (الدائري) أمام الجامعة القديمة بصنعاء، وقد تحول مبناه إلى مطعم للوجبات الغذائية، في صورة تعكس حجم خطر المليشيات وممارساتها في تدمير الفكر والمعرفة والثقافة منذ انقلابها المشئوم.

كما تتعدد المكتبات ودور النشر التي قامت المليشيات بإغلاقها أو التسبب بذلك أو بنهب ومصادرة محتوياتها من آلاف الكتب والمؤلفات المهمة في كل مجالات الحياة أُجبِر إثر ذلك مالكوها على إغلاقها، حيث قامت المليشيات بنهجها التدميري على إغلاقها، في سابقة لم يشهدها بلد من أناس يدمرون العلم والمعرفة ويبنون صوامع للجهل والتجهيل.

تدمير الجامعات اليمنية

ولم تكن الجامعات اليمنية الحكومية والخاصة بمنأى عن التدمير الحوثي، حيث قامت المليشيا بتحويلها إلى وكر للإرهاب، من خلال التعيينات السلالية وفرض الآراء بالقوة، وكذا تشكيلها وفقُا لفكرها الطائفي التخريبي، الذي يستهدف ماضي اليمنيين وحاضرهم ومستقبلهم.

مؤخرا قامت المليشيا الحوثية بتعيين ما يسمى بالمستشار الثقافي في جامعة صنعاء، ومنحه صلاحيات تتجاوز رئيس الجامعة وعمداء الكليات، وتحويلها إلى وكر إرهاب، لفرض الآراء بقوة السلاح، أو التهديد بالسجن والقتل والسحل، على الطريقة الإيرانية في التعامل مع الخصوم، حتى بات ما يسمى بالمشرف الثقافي الحوثي، رعباً للدكاترة والمساعدين وللطلاب على حد سواء. وفقا لأكاديمي في جامعة صنعاء رفض الكشف عن اسمه لدواع أمنية.

ولم تكتف المليشيا بذلك بل قامت بفرض محاضرات حوثية، تحت دعوى التوعية لكل الأقسام بما فيها العلمية، التي أصبحت دون معامل مجهزة، نظراً للسلب الذي تمارسه المليشيا بحق الجامعة التي تعيش أسوأ حالاتها منذ نشأتها كأول جامعة في اليمن، والتي تخرج منها آلاف العقول بمختلف التخصصات العلمية والإنسانية.

كما زادت مليشيا الحوثي في الفترة الأخيرة من إقامة الأنشطة الأسبوعية الإجبارية، التي تستهدف فيها كليات وأقسام الجامعة، بما فيها المراكز وأقسام الدراسات العليا، وذلك في إصرار منها لتكريس الولاء لها ولمشروعها الخبيث، وبث سموم الكراهية والحقد بين اليمنيين.

تسميم المناهج الدراسية

كما أسلفنا، سعت مليشيا الحوثي منذ انقلابها على الدولة، إلى محاولة تغيير هوية المجتمع اليمني، سواء بالقوة العسكرية عبر الحروب التي شنتها ولا تزال على الدولة بدء من صعدة ووصولا إلى عدن وتعز ومأرب، وكذا عبر المناهج الدراسية، حيث تكشّف ذلك جليا من خلال تعيينها لشقيق زعيم المليشيا يحيى بدر الدين الحوثي وزيرا للتربية والتعليم، والذي سعى إلى تسميم المناهج الدراسية، وإجراء التعديلات الطائفية بما من شأنه حذف المقررات الدراسية التي تتحدث عن الجمهورية ورموز اليمن الكبار.

حيث قامت المليشيا الحوثية بالتلاعب بالمناهج الدراسية، والعمل على محاولة تسميم عقول الطلاب بخزعبلات وملازم الحوثي المستمدة من المنهج الإيراني، في محاولة لمسخ هوية جيل بأكمله، وفقا لوزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، الذي حذر من محاولة مليشيا الحوثي الإيرانية تجهيل الشعب اليمني، واستلاب هويته وحاضره ومستقبله ومسخ ارثه الحضاري عبر حشو خرافاتها وترهاتها في عقول اطفالنا، وإضفاء هالة وطابع من القداسة على قياداتها التي لم تنتج شيء غير الفتن والمآسي والحروب.

إضافة إلى هذا التطييف في المناهج الدراسية من قبل المليشيا الانقلابية، فقد قامت بنهب الأموال المخصصة لطباعة المناهج الدراسية من المدارس الحكومية والخاصة، حيث قدرت مصادر إعلامية نهب المليشيا نحو 6 مليار ريال خلال عام دراسي واحد، وطباعتها في مطابع خاصة مخالفة لمعايير طباعة الكتاب المدرسي من الناحية الفنية والعلمية، ناهيك عن محاولاتها المستمرة لاستهداف مسؤولي الأنشطة من خلال دوراتها الثقافية في المدارس الخاصة في محاولة لاستقطابهم للعمل لصالحها في تجنيد الطلاب والزج بهم في جبهات القتال، وإقامة المعسكرات الصيفية التي تستغليها لتجنيد الأطفال، وتحويلهم إلى قنابل تهدد المجتمع اليمني بأكمله.

إلغاء مادة القرآن الكريم

وفي إطار سياستها الطائفية والممنهجة لتكريس الجهل، في أوساط الطلاب، وتحويلهم إلى وقود للزج بهم في معاركها العبثية ضد اليمنيين، كشفت مصادر إعلامية عن مساع حوثية لإلغاء مادة القران الكريم من المناهج الدراسية وفقا لما ذكره القيادي الحوثي محمد علي الحوثي الذي طالب بإصدار قرار لتدريس القران الكريم، على طلاب الصف الأول إلى الصف الرابع فقط في المدارس، وبمعدل خمس آيات يومياً، وهي المساعي الحوثية، لتكريس الجهل والأمية بين أوساط النشء والأجيال القادمة، والمجتمع.

واعتبر مراقبون هذا التوجه الحوثي بأنه الأخطر منذ بدء الحرب؛ كونه يستهدف فئة الأطفال والنشء لتلقينهم التفسيرات المغلوطة في ملازم ومحاضرات مؤسس الجماعة الصريع حسين بدر الدين الحوثي وزعيمها عبد الملك الحوثي لسهولة غسل أدمغتهم وتعبئتها بالفكر الحوثي الطائفي والظلامي وانشاء جيش عقائدي وتحويلهم كقنابل موقوتة لتنفيذ مخطط المليشيات في اليمن والمنطقة وتحقيق اجندة نظام الملالي في طهران.

يأتي هذا في الوقت الذي كشف مسؤول في نقابة المعلمين اليمنيين، عن تغييرات فرضتها ميلشيات الحوثي الإرهابية في المناهج الدراسية من شأنها تكريس التبعية الفكرية والسياسية لإيران، وفقا للمسؤول الإعلامي في النقابة يحي اليناعي.

وحسب اليناعي، فأن مليشيا الحوثي حذفت من كتاب التاريخ للصف السادس مسمى الخليج العربي واستبدلوه بالخليج الفارسي وهي التسمية التي تطلقها إيران على بحر الخليج العربي، منوهاً إلى إضافة دورس بعنوان الدولة العلوية في طبرستان وذلك بهدف محاولة الربط بين اليمن وإيران تاريخياً.

ملازم الحوثي لتفسير القرآن

إضافة إلى ذلك، سعت مليشيا الحوثي إلى إحداث تغييرات جوهرية في المناهج الدراسية، مستهدفة بشكل خاص طلاب المرحلة الأساسية، حيث قامت بتغيير المناهج الدراسية في مادة القرآن والإسلامية بشكل خاص، مدرجةً مضامين طائفية في محتواها.

وذكرت مصادر إعلامية، أن ما تسمى "اللجان الحوثية" غيرت المنهج الدراسي لمادة القرآن الكريم الخاص بالصف الثاني الاساسي، وتضمنت تفسيرات لعدد من السور تستند إلى "ملازم" مؤسس الجماعة الصريع حسين بدر الدين الحوثي، مشيرة إلى إن التغييرات تضمنت مضامين طائفية تدعو لاعتناق أفكار مليشيات الحوثي والحث على القتال في صفوفها باعتباره عملاً "جهادياً"، حسب زعمها.

ومع تفاقم التحديات وتزايد سطوة الممارسات الحوثية المربكة للعملية التعليمية في المدارس والجامعات، والحرب على المؤسسات التعليمية والثقافية، في مناطق سيطرة المليشيا الانقلابية، يواجه جيلاً كاملاً من اليمنيين مستقبلاً غامضاً، يحيل الآلاف من ضحايا ضياع التعليم الى محاربين محتملين في سبيل المشروع الحوثي الكهنوتي، وهو ما يستدعي من اليمنيين تناسي الخلافات، والوقوف صفًا واحدًا في مواجهة هذا المشروع الكهنوتي السلالي الذي يهدد اليمن أرضًا وانسانًا.

كلمات دالّة

#اليمن