الجمعة 29-03-2024 02:23:41 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

فاعلية المجتمع.. الأساس، الشروط، الوسائل، المعوقات (الحلقة 2-2) تنمية الفاعلية عند الأمة

الأربعاء 22 يونيو-حزيران 2022 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت-خاص | عبد العزيز العسالي

 


أولا، الأساس
المقصود بالأساس هو العناية التامة بمنظومة التعليم، ومن ذلك مؤسسات التربية وميادينها، فما هي ميادين التربية؟

من الأمور البديهية أن مؤسسات التربية كثيرة، أولها مؤسسة الأسرة، وقد تحدثنا عنها بحسب الحيز المتاح في الحلقة السابقة.

ونؤكد هنا أن مؤسسة الأسرة ستظل شريكا فاعلا ومتفاعلا مع بقية المؤسسات التربوية من جهة، ومراقبا على المدخلات التربوية والفكرية والثقافية وغيرها من جهة أخرى، كيف لا ومؤسسة الأسرة هي النواة المركزية الصلبة التي تنبثق منها وعنها الأمة.

ميادين التربية
المسجد، المدرسة، الجامعة، حلقات العلوم الشرعية، الأندية الرياضية، الجمعيات، المنتديات، منظمات المجتمع المدني: الأحزاب، والنقابات، والاتحادات، ومؤسسات الإعلام، والشبكة العنكبوتية، ولا شك أن الأخيرة هي الأكثر تأثيرا، كونها أصبحت في متناول أغلبية المجتمع ابتداء من السنة الثالثة بعد الرضاع.

ثانيا الشروط
تنمية الفاعلية في المجتمع لم ولن تتحقق إلا بشروط ضرورية، ذلك أن تنمية فاعلية المجتمع مرتبطة بشروط إستراتيجية ضرورية، فما هي الشروط؟

الشرط الأول: وجود مشروع، هذا هو الشرط المحوري المركزي.
1- يجب على الدولة القيام بإخراج مشروع تنموي مدروس، يتولى بلورته ذوو التخصص والكفاءات والخبرات والممارسة.

2- يستند المشروع إلى أسس ورؤية واضحة.

3- منظمات المجتمع المدني: تنمية فاعلية المجتمع لم ولن تؤتي ثمارَها في حدودها الدنيا إلا بمشاركة منظمات المجتمع المدني في تثقيف وتوعية وتأهيل منسبيها في حدود القواسم المشتركة كحد أدنى.

الشرط الثاني: إصلاح السياسة التعليمية، ابتداء من منظومة التعليم وما بعدها كما في الفقرات التالية:

1- السياسة التعليمية، والمقررات، وتأهيل الكادر التعليمي، والوسائل المواكبة، وتوفير المؤسسات بدءا من رياض الأطفال، فالمدارس العامة، والمدارس التقنية والجامعات الرسمية والخاصة، ومؤسستي الجيش والأمن.

2- إصلاح مقررات التعليم: بكلمة موجزة، يقول أهل الاختصاص إن فشل التعليم (المقررات والنتائج) ناجم عن السياسة التعليمية الفاشلة 100%.

3- إصلاح مقرر الثقافة الإسلامية: تعمدنا تخصيص الحديث حول مقرر الثقافة الإسلامية، كونه متطلب لازم على سائر طلاب التعليم الجامعي والمعاهد الفنية والتقنية بلا استثناء.

إن هشاشة وخواء هذا المقرر وصل إلى حد الفقر المدقع في ميدان قيم الانتماء الوطني، وسنن الاجتماع، والسبب يعود إلى هشاشة السياسة التعليمية التي وضعت محددات باهتة من جهة، ثم أوكلت أمر الصياغة إلى أهل التخصص من جهة ثانية، كما أن السياسة التعليمية لم تحدد المعايير والقيم والأسس المطلوبة من جهة ثالثة.

والظاهر هو أن السياسة التعليمية قد أغفلت أهمية الدور الوظيفي لمقرر الثقافة الإسلامية قيما وأهدافا.

النتيجة والآثار
أما النتيجة فهي شتات وتلفيق في بناء المقرر، والسبب يعود إلى ضبابية منهج التكوين الأكاديمي الصادر عن لون معرفي أحادي، فجاء مقرر الثقافة الإسلامية لا يختلف عن مقرر التربية الإسلامية في المرحلتين الأساسية والثانوية.. تلكم الهشاشة وذلكم الخواء يمثل نسبة 97%.

فماذا عن الآثار؟
1- أخطر الآثار هو العجز المكتسب (العجز المتعَلَّم) بفتح اللام.. بربك أخي القارئ: هل تنتظر ممن تعلم العجز بل تشربه أن يفهم منهجية كليات الدين، أو يدرك المشروع الكلي للإسلام، أو مرتكزات الشرع الإسلامي، أو يبنى قيما، أو يبني مجتمعا، أو يقدم حلا لمشكلة مستجدة؟

ربما سمع شيئا مما سبق لكنه لم يعلم وظيفة ذلك ولا كيفية تنزيله، والفارق هو أن خريجي الجامعات يعترفون بالعجز تهربا، أو إلقاء للتهمة على الجامعات، بخلاف خريجي حلقات العلم الشرعي والذين قضوا سنوات عديدة في حلقات التعلم، فإذا خطر في ذهن أحدهم تساؤل حول قضية مستجدة فيجد أنه يعيش أزمة ضاغطة على تفكيره تصرخ في أعماق ذهنه قائلة له:
- وهل تعلمنا غير العجز؟
- إذا لم يكن ما تعلمناه هو العجز فما هو العجز إذن؟ ذلك لسان حالهم، فماذا عن لسان مقالهم؟

يختلف مقالهم 100%، إنهم يتحولون إلى موقع الهجوم - إطلاق التهم ضد الغير، قائلين لهم: أنتم حداثيون، قرآنيون تشتمون فقهاء السلف، تأخذون علمكم عن المستشرقين.

والقصد من تلك الاتهامات هو الاختباء خلفها خشية انكشاف حقيقة عجزهم من جهة، ثم حماية الذات العاجزة من جهة ثانية.

2- غياب فاعلية المجتمع: أليس نجاح أي برنامج - تعليمي أو ثقافي أو فكري... إلخ، هو النظر إلى ثماره على أرض الواقع؟ لكننا وجدنا أقوى الآثار هي إلقاء التهم تجاه الآخر، واختلاق معارك لا يخمد أوارها.

3- أزمة الخطاب الإسلامي: الحقيقة أن المسلمين ساهموا إلى حد كبير بتشويه دينهم، غير أن أزمة الخطاب الإسلامي واسعة الأبعاد والأسباب والعوامل وتحتاج إلى مجلد كبير، ولكن بعون الله سنكتب حولها في قادم الأيام.

4- غياب اتساق الرؤية: والمقصود هو غياب تكامل الرؤية الفكرية عند التكوين المنهجي خلال فترة التعلم، فمهما طال زمنها ولكن بدون تكوين رؤية متسقة متكاملة فالنتيجة شتات فكري وعمى ثقافي - اختلاف متشعب جدا، وهيهات أن تتقارب الرؤى حول المنهج المتمثل في القيم الكونية، أو قيم الانتماء الوطني، أو السنن الحاكمة للاجتماع... إلخ.

إذن، غياب الرؤية المتكاملة هو السبب الأبرز في التناقض والاختلاف والشتات الفقهي والفكري... إلخ، وهو كما يقول المثل إن "فاقد الشيء لا يعطيه".

ورحم الله مالك بن نبي الذي خاطب أصحاب العقليات الاتهامية والمستعلية بالهجوم قائلا لهم: كيف تطلبون من سلفنا حلولا لقضايا لم تكن حاضرة في عصرهم؟ أنتم تكلفونهم فوق طاقتهم وهذا يعني أنكم تسيئون إليهم.

نموذجان للتكلف البارد.. النموذج الأول: فقيه يتبوأ موقعا علميا كبيرا فأراد أن يؤصل للتأمين التجاري، بل عموم التأمين، فقال: يجوز التأمين، والدليل هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم مدح الأشعريين بأنهم كانوا إذا سافروا يجمعون ما لديهم من كسر الخبز ويفتتونها ثم يأكلونها، ووجه الدلالة أن بعضهم يقدم قطعة خبز أقل من غيره ولكنه يأكل أكثر مما قدم، وعليه فالتأمين جائز.

نقول: يا سبحان الله، نحن إزاء أكبر قضية من قضايا الاقتصاد المعاصر، فهل هذا المعمم يدرك ألف باء الفقه؟ وأيضا هل يعلم ألف باء الاقتصاد؟

النموذج الثاني: أراد صاحبه أن يؤصل للخلافة الإسلامية بالوصية النبوية في معركة مؤتة، عندما قال صلى الله عليه وسلم: "فلان هو القائد فإذا استشهد فليخلفه فلان، فإذا استشهد فليخلفه فلان". أليس هذا دليل على الاستخلاف؟ أليس هذا أفضل من بدعة الصندوق الانتخابي؟

انظر أيها القارئ، هذه العقليات هل تمتلك رائحة الفقه أو أصول الفقه أو المنهج المقاصدي المتفق عليه عند كبار الأصوليين عبر التاريخ المتمثل في أربع كلمات - جلب مصلحة أو دفع مفسدة؟

الجدير ذكره أن هاتين الشخصيتين تتمتعان بحضور قوي في الفضاء الفقهي، والعمائم هي المقياس، غير أن الشخصية الأخيرة لا فقه لديها بالمعنى التقليدي المتعارف عليه.

ثالثا، الوسائل:
1- استخدمت مصطلح الوسائل، والمقصود هو مجموع الأساليب وطرق الفهم المنهجية التي تربط القيم بركني الإيمان بالله وباليوم الآخر، والموضحة لوظائف جميع القيم وأثرها الإيجابي في تنمية فاعلية المجتمع وإيضاح النتائج السلبية المترتبة على غياب القيم كليا، وخطورة غياب العلم بوظيفة ومقاصد القيم، وضرورة ربط القيم والنصوص والأفكار والعلوم وفوائدها شرعا، وروحا، وعقلا، واجتماعا، أي مصالح الدنيا والآخرة، والمثال في البند التالي.

2- التدريب العملي - تطبيق المنهج المقاصدي: يجب أن ينطلق تعبديا من المعيار المركزي المتمثل في "قدسية كرامة الإنسان".

3 البدء -ضرورة ووجوبا- بإعادة تعريف الإنسان في مقررات الجامعة وحلقات العلم الشرعي ومقرر الثقافة الإسلامية تعريفا قادما من مكانة الإنسان في القرآن العظيم، وترسيخ التعريف القرآني للإنسان حتى يصبح ثقافة عامة، وهذا هو التعريف المنشود: الإنسان كائن، آدمي، مكرم، عاقل، مفكر، ذو إرادة واختيار، أخلاقي، اجتماعي، وفنان. (منقول عن المفكر محمد الطلابي).
هذا التعريف يرسي ويرسخ قدسية كرامة الإنسان.

4- يجب الربط المنهجي بين كرامة الإنسان وكل ما يخدم كرامة الإنسان ويحصنها أفرادا أو مجتمعا.

5- يجب ضرورة التنصيص على أن المساس بكرامة الإنسان أو بعض حقوقه أنه مساس بالعقيدة، ويترتب عليه عقوبات عاجلة وآجلة، كون المساس بأي حق يتصل بكرامة الإنسان يعتبر هدما لبنيان الله وقطعا لما أمر الله به أن يوصل.

6- إعادة مبدأ الشورى إلى مسار السنن الحاكمة للاجتماع الإنساني.

7- ربط مخالفة الشورى بجرائم الفساد في الأرض المهلك للحرث والنسل.. قس على قولي تكن فقيها.

8- تصميم البحوث الشرعية وتطعيمها بعلم النفس وعلم الاجتماع والثقافة والعرف المتجدد تطبيقا استبيانيا.

9- تصميم البرامج على أرض الواقع: المقصود هنا ضرورة توجيه المتعلمين إلى تصميم البرامج العلمية على أرض الواقع من خلال الانتقال بالمتعلم إلى ميدان الهندسة المدنية - التطبيق العملي، وهنا سيكون الطالب قد ضرب عدة عصافير بحجر.

هذه نماذج للعلم المنشود في تقديم الحلول - تنمية فاعلية المجتمع.

يجب ضرورة ترسيخ منهجية النظر عند المتعلم تجاه أي مستجدات، فقط ينظر المتعلم إلى مآلاتها وهنا سيحكم على مكانة وأهمية القضية من خلال خدمتها للفرد أو للمجتمع والعكس.

رابعا، معوقات تنمية الفاعلية:
بإيجاز شديد نقول إن معوقات تنمية فاعلية المجتمع:
- الفردية.
- تقديس الأشخاص.
- إفراغ التعليم من أهدافه - علم بلا أهداف.
- هشاشة أو غموض الأهداف التعليمية.
- غياب وتقزيم المنهج المقاصدي.
- غياب القيم العقلية الواردة في القرآن وبينتها مقاصد تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم.
- عدم العيش للمبادئ.
- سيطرة ثقافة الاستهلاك.
- الفصل بين القيم وركني الإيمان بالله واليوم الآخر.
- طغيان الثقافة السائلة.
وهي في حقيقة الأمر نزوات وأهواء نفسية تظهر بلباس حرية الفكر.
- الصنمية الثقافية: تقديس الأقوال، الأخذ غير الواعي عن الغير، الموروث والوافد، ولو كانت تلك الأقوال مصادمة للقيم أو معيقة لفاعلية المجتمع.

- البيروقراطية سياسيا وإداريا، إنها العفن، إنها الفساد، من ذلك استحقاق المناصب على أساس السلالية أو القبلية أو الحزب... إلخ، يقابله دفن الكفاءة العلمية.

- غياب الحريات العامة، وفي مقدمتها حرية النقد والاعتراض القائم على أسس علمية.

- غياب التفكير السنني، وضعف التكوين المنهجي الشرعي، وهذه معالم الأمية الفكرية.

- غياب قيم الانتماء الوطني.

- اضطراب نظام القيم الموجهة والناظمة لشبكة العلاقات الاجتماعية.

- تحويل الشهادة العلمية إلى مجرد ألقاب أو نياشين.

- الخلط بين المنهج والتطبيقات الظرفية.

- استيراد القيم الكونية وثقافة المجتمعات.

- غياب التقدير الذاتي والحوافز بدءا من داخل الأسرة، فالمنظمة، فمؤسسات الدولة.

تلك هي أبرز المفاهيم المتعلقة بتنمية فاعلية المجتمع، فقط نؤكد أن التغيير الثقافي للمجتمع يأخذ زمنا طويلا وإن توفرت الشروط والمؤسسات.

نلتقي بعونه سبحانه مع إسهامات حزب الإصلاح في تنمية فاعلية المجتمع.

كلمات دالّة

#اليمن