السبت 20-04-2024 01:16:57 ص : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

من مأرب إلى تهامة وتعز.. دلالات تراجع مليشيا الحوثيين ميدانيا

الثلاثاء 30 نوفمبر-تشرين الثاني 2021 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت-خاص-عبد السلام الحاتمي
 

تراجعت مليشيا الحوثي الإرهابية في عدد من الجبهات خلال الأيام القليلة الماضية، وسط خسائر فادحة تتكبدها في الأرواح والعتاد، واعترفت أنها خسرت ما يقارب 15 ألف قتيل خلال الأشهر الخمسة الأخيرة في جبهات مأرب، وهو عدد مهول يكشف حجم خسائر المليشيات، وربما أن العدد أكبر من ذلك بكثير لكن لا تريد المليشيا أن تعترف به كاملا حتى لا يسبب ذلك صدمة كبيرة للقبائل التي تجبرها المليشيات على الزج بأبنائها في محارق الموت، وكان التحالف بقيادة السعودية قد أعلن قبل أيام أن عدد قتلى مليشيا الحوثي منذ بدء الحرب في مأرب، منذ فبراير الماضي، بلغ 27 ألف قتيل.

ويُعد وادي ذنة في محافظة مأرب بمثابة "مثلث برمودا" الذي يلتهم المليشيا الحوثية، مما أجبرها مؤخرا على التراجع، خصوصا بعد أن ازداد عدد قتلاها في معارك جنوبي المحافظة، وكان لقدوم تعزيزات عسكرية إلى مأرب لإسناد الجيش الوطني دور في زيادة خسائر المليشيا الحوثية، وبالتالي خفوت هجماتها على مأرب وتراجعها إلى أطراف مديرية الجوبة. وفي غربي البلاد، تمكنت القوات المشتركة والمقاومة التهامية من إحراز تقدم ميداني وتحرير مديريتي حيس وجبل راس والسيطرة على مثلث العدين الرابط بين محافظات الحديدة وإب وتعز، كما حررت مساحات واسعة من مديريتي مقبنة وشمير التابعتين لمحافظة تعز، وكبدت المليشيا الانقلابية خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد.

وتتزامن تلك الخسائر للمليشيا الحوثية مع عودة غارات الطيران الحربي لتحالف دعم الشرعية والتي استهدفت مواقع سرية للمليشيا الحوثية في العاصمة صنعاء، وسُمِع دوي انفجارات عنيفة في الأماكن المستهدفة بعد قصفها، ما يعني عودة النشاط الاستخباراتي للتحالف وحصوله على معلومات مهمة حول أماكن تخزين السلاح وتجهيز الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، حيث لوحظ توقف هجمات المليشيات على الأراضي السعودية بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة بعد الغارات التي استهدفت مخازن السلاح السرية للمليشيا في صنعاء وغيرها، كما أكد التحالف أن القيادات الإرهابية لمليشيا الحوثي ستكون أيضا هدفا مشروعا لقصف الطيران، وأثار ذلك فزعا ورعبا في أوساط قيادات المليشيا.

• دلالات التراجع

تراجع مليشيا الحوثي ميدانيا خلال الأيام القليلة الماضية يعيد للأذهان تراجعها في عدد من الجبهات في مارس الماضي، خصوصا جبهات غربي محافظة تعز، وبعض جبهات محافظة حجة، بعد أيام من بدء المليشيا الحوثية هجومها العنيف على محافظة مأرب بهدف السيطرة عليها، لكن المعارك في تلك المحافظتين توقفت لأسباب لم يُعلن عنها، واستمرت مليشيا الحوثيين تدفع بعناصرها نحو مأرب، رغم توالي خسائرها البشرية والمادية يوميا، وفي الآونة الأخيرة تراجعت ميدانيا في جنوبي مأرب وفي جنوبي الحديدة وغربي تعز، وفي ما يلي أهم دلالات ذلك التراجع:

- بمجرد قدوم تعزيزات عسكرية -ولو محدودة- لإسناد الجيش الوطني في مأرب، وتحريك بعض الجبهات، فإن مليشيا الحوثي سرعان ما تبدأ في التراجع وتلقي الهزائم، ويعني ذلك أن المليشيات ضعيفة وليس بإمكانها الصمود في حال توحد الصف الجمهوري وتحركت كل المناطق العسكرية وتقدمت صوب العاصمة صنعاء.

- تستمد مليشيا الحوثي وجودها واستمرار سيطرتها في بعض المحافظات من استغلالها لانقسامات الصف الجمهوري، وعدم التنسيق وتوحيد الجهود للقضاء على انقلابها وتخليص المواطنين في مناطق سيطرتها من إرهابها وعنفها ونهبها لممتلكاتهم وإجبارهم على إرسال أبنائهم إلى جبهات الحرب للقتال إلى جانبها مقابل سلة غذائية لكل أسرة.

- تحطُّم الأسطورة التي ظلت تروج لها مليشيا الحوثي بأنها قوة مسلحة لا تُقهر، لإقناع المغفلين للقتال في صفوفها وجعل المشايخ والوجاهات الاجتماعية يعملون معها في حشد المقاتلين وإقناعهم بالذهاب إلى الجبهات باعتبار سيطرة المليشيا على مناطقهم قدرا محتوما وأمرا واقعا يجب التكيف معه، لكن توالي خسائر وانكسارات المليشيا جعل كثيرين من المشايخ القبليين يحجمون عن تلبية مطالب المليشيا بحشد المقاتلين في صفوفها، وأيضا إحجام كثير من الأسر عن إرسال أبنائها للقتال في صفوف المليشيا، ومؤخرا اعتقلت المليشيا ستة من مشايخ القبائل في منطقة خيران بمحافظة حجة لرفضهم حشد مقاتلين جدد من أبناء قبائلهم للقتال مع المليشيا وتعويض خسائرها البشرية في مأرب وغيرها.

- بعد تزايد خسائر المليشيا بشريا وماديا والخسائر في العتاد والتراجع الميداني، بدأت باستدعاء المتقاعدين العسكريين رغم أنهم كبار في السن وبعضهم قد أصيبوا بالعمى وبعض الأمراض وبعضهم عجزة لا يقوون على الحركة، والمليشيات تنهب رواتبهم منذ سنوات ويعانون البؤس والحرمان، ومع ذلك لم تتورع المليشيا عن استدعائهم للقتال في صفوفها لتعويض خسائرها البشرية.

- الأعداد الكبيرة التي تعلن عنها المليشيا لقتلاها في جبهات مأرب وغيرها، ومشاهد الجنازات اليومية في المناطق التي تمثل حاضنة اجتماعية للمليشيا، وزيادة التوسع في أعداد المقابر، كل ذلك يؤكد أن المليشيا لا تأبه بأرواح الناس، وأنه مهما بلغت خسائرها البشرية وتراجعت ميدانيا فإنها تظل تبذل كل جهودها لحشد مزيد من المقاتلين وهم غالبا من الفقراء والجوعى والجهلة الذين تقايضهم المليشيا بالسلال الغذائية وتغرر عليهم للدفع بهم إلى التهلكة، وهو سلوك يؤكد دمويتها، ويتنافى مع طبيعة الجيوش النظامية التي عندما تشعر بالهزيمة فإنها تنسحب حفاظا على أرواح أفرادها، وليس كالمليشيا التي تغامر بأبناء القبائل ولو أدى ذلك إلى فنائهم جميعا.

- الانكسارات والهزائم التي منيت بها مليشيات الحوثي في مأرب وغيرها، تعمق من الخلافات البينية في أوساط المليشيا وتستنزف قدراتها العسكرية، مما يدفعها إلى الارتماء أكثر في حضن إيران وتسلم قرارها لطهران التي باتت المتحكمة فعليا في قرار ومصير هذه المليشيات الإجرامية التي تضحي بدماء اليمنيين لأجل مصالحها ومصالح إيران.

- استمرار المليشيا الحوثية في حربها على مأرب رغم خسائرها المهولة هو مؤشر واضح على أن قرار الحرب يدار من طهران، وأن إيران تريد المساومة بالملف اليمني كورقة ابتزاز للمجتمع الدولي فيما يخص المفاوضات حول برنامجها النووي، وهي تضغط بهذه الورقة ضمن أوراقها المعروفة في المنطقة بما فيها تهديد طرق الملاحة الدولية في باب المندب وبحر العرب.

- برهن وقوف الجيش والشعب اليمني وتصديهم لمليشيات الانقلاب الحوثية طوال سبع سنوات على شدة الرفض الشعبي للمشروع الحوثي السلالي الكهنوتي الذي يحاول عبثا استنساخ الإمامة في اليمن والعودة بها إلى عهود الظلام والجهل والتخلف والصراعات الطائفية والمذهبية التي ظلت مهيمنة على اليمن لمئات السنين من الحكم الإمامي البغيض.

وفي المحصلة، إن رفض المليشيا الحوثية لكل دعوات السلام وإصرارها على الاستمرار في الحرب رغم تراجعها وتكبدها خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، يعني أنها ماضية في الحرب وليس أمامها سوى خيارين: إما نصر كامل أو هزيمة كاملة، لأنها غير مؤهلة للتعايش مع المجتمع في أوضاع طبيعية، ولا يمكنها القبول بالآخر في حال حصلت ولو على القليل من القوة، ولا توجد قواسم مشتركة بينها وبين بقية فئات المجتمع، ذلك أن عنصريتها الاستعلائية واعتقادها أن السلطة حق إلهي خاص بها يتناقض مع الحكم الجمهوري الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة والمواطنة المتساوية، ولذا فإن كل دعوات السلام تتعامل معها المليشيا كوسيلة لاستهلاك الوقت لتثبيت مكاسبها والاستعداد لحروب طويلة، أي أنه لا أهمية لجهود إحلال السلام في البلاد لدى مليشيا دموية شعارها الوحيد والعملي: إما تنتصروا علينا أو ننتصر عليكم.

كلمات دالّة

#اليمن