الخميس 28-03-2024 15:02:27 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

عودة الكهنوت.. الأسباب، سبل المواجهة (الحلقة 1)

الخميس 07 أكتوبر-تشرين الأول 2021 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت-خاص-عبدالعزيز العسالي

 

مفتتح:
دلالات سننية: 

من لم يعرف الجاهلية لا يعرف الإسلام.
(الخليفة الراشد عمر بن الخطاب).

إزالة نوابت السوء إذا لم يتبعه غرس الفسائل، هو تمكين خطير لعودة نوابت السوء.

معالم الحكمة: 

لماذا العدو القصي اقترب؟
لأن القريب الحبيب اغترب
لأن الفراغ اشتهى الامتلاء
فجاء بشيء سوى المرتقب
لماذا استشاط زحام الرماد؟
تذكّر أعراقه فاضطرب
لأن أبا لهب لم يمت 
وكلّ الذي مات ضوء اللهب
فقام الدخان مكان الضياء
له ألف رأس وألفا ذنب
لماذا الذي كان ما زال يأتي؟
لأن الذي سوف يأتي ذهب
لأن المغنّي أحب كثيرا
كثيرا ولم يدر ماذا أحب
ولم يمض شيء يسمى غريب
ولم يأت شيء يسمى عجب 
ويضني المغنّي يديه وفاه
وشيء يجلمد حس الطرب
ويصحو الغرام يرى أنه 
على ظهر أغنيةٍ من خشب

(أ. البردّوني رحمه الله، من قصيدته "أغنية من خشب").

عودة الكهنوت: 

سنن الله الكونية في النفس والاجتماع زاخرة بالمعطيات الموضوعية الناطقة في كتاب الله المسطور، الهادية إلى الرشد في الكون المنظور، إنها كالشمس في رابعة النهار، لقد تعاطى معها أولو الأبصار، فامتلكوا ناصية الثقافة السننية فرسخوها في عقول الشعب فانبجست ينابيع الحكمة، وتجلت العلاقة بين الأسباب والنتائج واضحة، فتبلور لديهم مفهوم التنمية بأنه: إكساب الفرد قيما روحية وسلوكية بما يؤدّي إلى إحداث تأثيرات عميقة وإيجابية في بناء شخصيته وزيادة طاقته على كافة الأصعدة- اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا، انطلاقا من نظام روحي وفكري وسلوكي يؤكد تكريم الإنسان ومهمته في عمارة الأرض وامتلاك ناصية الإنتاج وصولا إلى القوة والتمكين. 

تلك القوة والتمكين هي ثمار قادمة من حركة تحويل القيم الذهنية والسلوكية إلى آليات تحمي كرامة الإنسان وحقوقه الكاملة والنتيجة نجاح مضطرد يتعملق بمرور السنين.  

ولا شك ولا ريب أن المدخل إلى ذلك النجاح العملاق هو التعليم عموما والتعليم الجامعي خصوصا، وبناء الثقافة السننية بوجه أخص.

وفي هذا الصدد نريد تسليط الضوء حول مقرر الثقافة الإسلامية في جامعاتنا اليمنية، كون مقرر الثقافة ذو صلة مباشرة في موضوعنا، فنتساءل: هل هذا المقرر جدير ببناء العقلية السننية؟

الإجابة على هذا السؤال في السطور التالية:

ثقافتنا الإسلامية بين معارف الوحي والأساليب المستهلَكة: 

يقول فلاسفة الاجتماع إن العقل المستهلِك لثقافة الغير هيهات أن يبدع، وهذا سر تعثرنا في ميدان القيم الإنسانية والوطنية والسياسية... إلخ.

إن إدخال بعض القيم السياسية والحضارية والإنسانية في مقرر الثقافة الإسلامية مثل حقوق الإنسان والنظام السياسي وحقوق المرأة كان صدى لما يقال عند الغير - قصّا ولصقا- فجاء باردا يفتقر للدفء العقدي الصادر عن معارف الوحي المعصومة.

أقول هذا كوني مدرسا جامعيا منذ عقدين لأصول الفقه وبقية فروع الشريعة ومنها مقرر الثقافة الإسلامية، فقد حرصت على وضع مقرر الثقافة تحت المجهر، كونه متطلّب عام لكل التخصصات الجامعية.

وفي هذه الحلقة سأستعرض بإيجاز شديد ما وقع في يدي من الكتب المتضمنة مقرر الثقافة الإسلامية وهي كالتالي: 

1- مفردات مقرر الثقافة الإسلامية أغلبها مفردات ممتازة، لكن الإشكال يتمثل في: 
أ- تفتقر مفردات حقوق الإنسان إلى الأسس والمرتكزات وأهمها التكريم الإنساني القادم من معارف الوحي المعصوم. 

هنا يأتي الإسهاب في الشرح والاستطراد الطويل، لأن الكاتب يشعر بخواء الفكرة فيبحث متخبطا هنا وهناك عسى ولعله يصل إلى مفهوم محوري فيزداد توهانا، فعلى سبيل المثال بلغ شرح أركان الإيمان 178 صفحة بين القطع الكبير والمتوسط، علما بأن المطلوب هنا توضيح ثمار الإيمان في النفس والاجتماع استقرارا وتنمية.

ب- ضعف جاذبية العناوين الفرعية من جهة وغيابها من جهة ثانية. 

ج- اجترار قضايا الصراع العقدي الذي لم يعد له وجود في حياتنا، قل مثل هذا في الأساليب، فهي عتيقة والأمثلة بعيدة عن الواقع الثقافي للطالب، وهنا يتجه المدرس إلى الحذف اللاواعي، فيمسخ المقرر في أسئلة سطحية باهتة وأجوبة في غاية التقزيم يضعها في صفحات لا تتجاوز أصابع اليد من جهة، وقولبة جامدة للمفاهيم حسب مزاجه من جهة ثانية.

د- مفردات النظام السياسي في الإسلام.. عنوان الشورى يتصدر الصفحة لكن الشرح يجرجر الصراعات الفقهية، وهنا يدخل الطالب في تساؤلات مملّة وتيه، هل يقبل بالشورى كدين وهي غير ملزمة أم الأفضل هو البديل الوافد؟

هـ- هنالك كتاب ثقافة إسلامية قوي جدا زاخر بالمعلومات والمفاهيم قصير الفقرات لكنه كثير الجزئيات جدا وحجمه قرابة 500 صفحة، غير أنه يفتقد المفاهيم الكلية الجامعة، وكتابات أخرى في غاية البعد عن المفردات المتفق عليها في مجلس الجامعات.

ز- بعض الجامعات الخاصة سحبت من شبكة النت مقرر الثقافة من جامعات عربية والمقرر كبير الحجم وواسع الشروح بلا طائل، وأقرب مثال قاتل هو تعريف الثقافة فقد أخذ ما يزيد عن 70 صفحة. 

ح- غياب تام للحديث عن السنن الكونية والمفردات الحضارية.

ط- كتاب واحد فقط في نظري تميز بإدخال مفردات حضارية جديدة وشائقة وبأسلوب معاصر وقريب لكنه أغفل السنن الكونية إلا من شيء لا يذكر، كما تميز بقلة الصفحات، غير أني فوجئت أن أكاديميين بعضهم بدرجة برفيسور رفضوا هذا الكتاب.

ي- حقوق الإنسان موجود مع شرح ممل في الكثير وغائب تماما في عدد غير قليل من الكتابات، لأن المؤلفين يرونها بدعة غربية، ومثلها حقوق المرأة، والبعض يدخل حقوق المرأة لكن بشروح عتيقة على اعتبار أن تلك الشروح هي الإسلام الحق.

البيئة الجامعية:

هذا العامل المدمر للبناء الثقافي في نظري هو أبرز العوامل التي ساعدت على تدمير البناء الثقافي، وهنا يصدق عليه المثل العربي القائل: "جمعتَ حشفا وسوء كيلة".. الحشف هو التمر الرديء، وسوء الكيل هو بخس ونقص في الكيل. 

بإيجاز شديد، البيئة الجامعية غالبا لا تخدم البناء الثقافي للأسباب التالية:
 
1- هروب الطلاب من مقرر الثقافة الإسلامية لاعتبارات مختلفة أبرزها ما ذكرناه أعلاه. 

2- الاكتفاء بدرجة النجاح بل مع درجة الرحمة، حيث يلتقط الطالب عبارات قبل الاختبارات بدقائق ويتقيأها ويخرج. 

3- غالبية الطلاب في العلوم الإنسانية انتساب، وهذه المشكلة كانت ولا زالت بل ترسخت واتسعت مع انتشار الجامعات الخاصة والتي تسعى إلى تقليل محاضرات المقرر عموما ناهيك عن مقرر الثقافة مكتفية بتنزيل أسئلة مركزية للطالب يذاكرها، والهدف مزيدا من الكسب المادي.

وهنا ستجد أعدادا من الجيش والأمن هم من فئة التعليم عن بعد، إذا عرفنا هذا عن البيئة الجامعية فإننا سنقف على الخواء الثقافي في وسط غالبية متعلمي الجيش والأمن والذي ساعد على التسليم للكهنوت أن يعود.

4- لا مكان للمفاهيم الجديدة قطعا، فالجامعة هنا هي محامي الطلاب بل ترفض الجامعة نتيجة أي مدرس إذا كانت نسبة النجاح أقل من 50%، بحجة أنها تربح من التعليم عن بعد وحرصا على سمعة الجامعة يجب أن يتجاوز النجاح فوق الـ50%، ومن سقط في الفصل الأول لا بد أن ينجح في الدور التكميلي.
 
استبيان مرعب: 

نموذج حي وبرهان قاطع يجسد ما نحن بصدده، هو استبيان بحثي علمي حصل صاحبه من خلاله على درجة الدكتوراه من قسم الاجتماع جامعة صنعاء.

تم إنزال الاستبيان على عينة 1000 شخصية من فئة عمر 60 عاما وفئة عمر 35 عاما فما دونها (خريجو الجامعات).

ميدان الاستبيان: محافظتا حضرموت وعمران. 

نتيجة الاستبيان: فئة الجامعيين صادمة جدا، 32% فما دونها، في حين أن جيل الآباء في محافظة عمران جاءت إجاباتهم عالية بنسبة 50%، أي 64%، أما حضرموت فالنسبة متدنية عند الفئتين آباء وأبناء.

تمحور الاستبيان حول الهدف الرابع من أهداف ثورة الـ26 من سبتمبر الذي نص على: إنشاء مجتمع ديمقراطي متعاون يستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف. وتم وسم الاستبيان العلمي بعنوان "مدى استفادة القبيلة من الثقافة الديمقراطية".

 يتضح مما سبق ان:
- عودة الكهنوت حصاد طبيعي لأسباب عدة..ومن أهمها :
- ضعف التكوين الثقافي وسط شريحة المتعلمين ؛ الأمر الذي أسهم بقوة في عودة الكهنوت وهذا يدعونا إلى إعادة النظر تجاه مدخلات مقرر الثقافه الإسلامية- أفكارا وأساليب!
- لو أن الاستبيان الآنف نزل في دولة أوروبية سيتم إعلان الطوارئ فكريا في الوسط الجامعي وحث الخطى- تربويا وفكريا الخ.!
و لن تغمض جفونهم حتى يعود البناءالثقافي الجامعي إلى سياقه الصحيح!
- لا شك أن هناك عوامل أخرى اسهمت في غياب البناء الثقافي ومنها:
- الإعلام الرسمي..وكذا غياب برنامج حكومي للتثقيف السليم- مسرح، قصة، رواية ، شعر إذاعة مدرسية الخ.
أيضا المسجد..النادي..
المنتديات..منظمات المجتمع المدني ، الأحزاب!
غياب هذا الدور أسهم في التدهور الثقافي علما بأن هنالك اسبابا إجتماعية وسياسية نتج عن مجموعها عودة الكهنوت السلالي الإرهابي...

نلتقي بعون الله مع الحلقة الثانية وموضوعها "سبل المواجهة".

كلمات دالّة

#اليمن