الثلاثاء 19-03-2024 09:03:52 ص : 9 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

اغتيال البراءة.. هكذا يجند الحوثيون الأطفال في محارق الموت

السبت 16 يناير-كانون الثاني 2021 الساعة 09 مساءً / إلاصلاح نت-خاص / زهور اليمني

 

أطفال في عمر الورد، باتوا دروعا بشرية ذاهبة إلى طرق الموت، حملت نعوشهم وهي تشكو إلى الله مليشيا الحوثي، التي اغتالت طفولتهم وجعلت منها حطبا لإيقاد نار الحرب، حارمة إياهم من مقاعد الدراسة، ومغتالة لبراءتهم وعمرهم النضر، خدمة لأهدافها التي أحرقت اليمن، وجوّعت أهله، وذهبت بأمنه.

- توزيع استمارات تجنيد

في مدرسة طارق بن زياد الواقعة في بيت معياد في العاصمة صنعاء، تفاجأ الطلاب بوفد من وزارة التربية والتعليم الانقلابية حضر لإعلان النفير العام، ولتثقيف الطلاب عن الجهاد وحثهم على الذهاب للجبهات.

اعتلى أحد أعضاء هذا الوفد منصة الإذاعة المدرسية، وصرخ بأعلى صوته مخاطباً الطلاب الذين لم يتجاوز أغلبهم سن الـ16 عاماً، بقوله: "لا خير في التعليم والدراسة، هذه المرحلة تحتاج إلى مقاتلين على الجبهات لا إلى طلاب في المدارس"، واستمر يخطب فيهم نحو ساعتين، وفي نهاية كلمته أخبرهم أن هنالك استمارات ستوزع عليهم للانضمام إلى الجبهات، للقتال في إحدى الجبهات المشتعلة.

تحدثنا أم حسين إن طفلها الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة، انضم للقتال مع الحوثيين برغبة عقائدية منه، حيث قالت: "ابني نال ثقافة الجهاد والشهادة في مدرسته، فما الذي تنتظرينه من طفل يتردد على مسامعه كل يوم فضل الجهاد ونيل الشهادة، بالإضافة للإغراءات المادية التي تمنح له إن ذهب للقتال، فبعد مرور ثلاثة أشهر على بدء العام الدراسي ومداومته على سماع تلك المحاضرات في طابور الصباح جاء إليّ يخبرني إنه سيذهب للجهاد، لم أصدق ما سمعته منه، لكنني شعرت بجدية كلامه فقمت بحبسه في البيت لنصف شهر، بعدها تعهد لي أنه لن يفكر أبدا بعد الآن إلا بدراسته، صدقته وسمحت له بالذهاب إلى المدرسة، لكنه لم يعد بعد ذلك اليوم إلى البيت، علمت من أقرانه أنه أخبرهم بذهابه إلى الجبهة ليقاتل اليهود والنصارى، وعندما ذهبت للمدرسة لسؤال المدير عن مكان ابني، قال لي "بطلوا سلبطة، من اختفى ابنه جاء يدوره عندي"، وإلى اليوم وأنا أنتظر عودته، رغم يقيني أنه لن يعود إليّ سوى صورة، تعلق على جدران الحي الذي أعيش فيه".

- تدريب عسكري للأطفال في المدارس

أكد فريق الخبراء الدوليين المعني بحقوق الإنسان في اليمن أن مليشيا الحوثي عسكرت المدارس في المحافظات الخاضعة لسيطرتها، وأجبرت المدرسين على تلقين الطلاب شعاراتها، وتحريضهم على الالتحاق بجبهات القتال.

وقال الخبراء في أحدث تقرير لهم، إنه منذ مايو 2015 وحتى يونيو 2020، قام المشرفون الحوثيون ومسؤولو وزارة التربية والتعليم الانقلابية والمعلمون المتطوعون، باستخدام التعليم وتلاعبوا به بطريقة إستراتيجية وواسعة النطاق، كجزء من جهود تجنيد الأطفال.

وأفاد أن هذه الإستراتيجية في 34 مدرسة بمحافظات خاضعة للحوثي: صعدة، صنعاء، تعز، ذمار، عمران، ريمة، حجة، وإب، أسفرت عن تجنيد مئات الفتيات والفتيان.

ولفت إلى أن توقف رواتب 108 آلاف مدرّس منذ نهاية 2016 في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين، تسبب بدفع المعلمين المؤهلين إلى ترك المدارس بحثاً عن دخل آخر، مما ترك فجوة ملأها الحوثيون بتعيين معلمين ومديرين متطوعين، عززوا من جهود الحوثيين لتلقين الطلاب وتجنيدهم من المدارس.

وقال الفريق إنه تلقى وثائق رسمية بحلول عام 2020، تفيد بحجم التغيرات في التوظيف التعليمي في مديرية بإحدى المحافظات، إذ تم استبدال ما يقرب من 60 بالمئة من جميع المعلمين بمتطوعين حوثيين.

وأشار إلى أن المدرسين الذين عارضوا عسكرة المدارس وتحريض الطلاب على العنف، تعرضوا للتهديدات والفصل التعسفي والعقوبات المالية والإدارية والإكراه على النزوح.

واستناداً إلى روايات المدرسين والمربين، وجد الفريق طريقة عمل ومنهجية مشتركة للتحريض الحوثي على العنف وأنشطة تجنيد الأطفال والدعاية في المدارس، وأشار إلى أن 429 لجنة تابعة للجنة التعبئة والحشد الحوثية، تستهدف المدارس على مستوى المحافظة، بسبب الجماهير الكبيرة من الأطفال، الذين اعتبروهم أكثر تقبلاً للفكر الحوثي وللتجنيد مستقبلاً. 

وبحسب التقرير، فقد شملت الأنشطة في المدارس عرض الأسلحة، وإلزامهم بالاستماع لخطب وكلمات عبر الراديو والفيديو يلقيها كلٌّ من قادة الحوثيين والطلاب والمعلمين المرتبطين مع الحوثيين.

وأوضح أن المعلمين المتطوعين التابعين لمليشيا الحوثي، شجعوا الطلاب على الذهاب إلى جبهات القتال والدورات الإلزامية حول الفكر الطائفي، وقاموا بالتدريب العسكري للأطفال في ساحات المدارس.

كما أكد التقرير أن مصادر ووثائق سرية، تحققت خلال آلية الرصد والتقييم من 222 حالة استخدام عسكري لمدارس من قبل الحوثيين، بما في ذلك 21 مدرسة تستخدم خصيصا للتجنيد والدعاية، بالإضافة إلى تدريب الفتيان والفتيات على منهجيات القتال وتجميع وتفكيك الأسلحة.

- عودة أطفال أجساد بلا أرواح

ما يدعو للأسى أن أغلب الأطفال المجندين يتم الزج بهم في خطوط النار المباشرة من دون أي تدريب يذكر، كل ما يعرفونه هو حمل السلاح وإطلاق النار، وأشياء أخرى بدائية لا يستفيدون منها على أرض الواقع عند ذهابهم إلى ساحة المعركة، لذا يسقط عدد كبير من القتلى وتحدث الكثير من الإصابات في معظم الجبهات نتيجة قلة التدريب وانعدام الخبرة.

أما الذين نجوا من القتل في المعارك واستطاعوا العودة إلى عائلاتهم، فقد خلفت مشاركتهم في الحرب مشاكل نفسية لا حصر لها، إضافة إلى تجارب الاعتقال التي مر بها الكثير منهم، وعاشوا خلالها تجارب قاسية جداً لم يستطع أغلبهم تجاوزها إلى حد الآن، دُمرت خلالها طفولتهم البريئة وانتهكت فيها حقوقهم وحرياتهم الشخصية، عادوا إلى عائلاتهم شبه أحياء، عادوا أجسادا بلا أرواح.

تحدثنا أم عبد الله عن ابنها البالغ من العمر 14 عاما، والذي تم اختطافه من قبل الحوثيين، قائلة: "عبد الله كان من الطلاب المتفوقين في دراسته، وكان يحلم بأن يصبح طيارا يجوب العالم ويلتقي بأشخاص من شتى الدول، ويعيش تجارب لا حصر لها.
 تحطم الحلم إلى أشلاء، وأصبح ابني غير قادر حتى على إكمال تعليمه، حيث تم اختطافه قبل شهرين من الحارة بعد خروجه من المسجد، والذهاب به إلى الجبهة، ثم قاموا بإرجاعه إليّ قبل نصف شهر وقد فقد قدماه الاثنتين".

تتابع حديثها والأسى يملأ تقاسيم وجهها قائلة: "أخبرني عبد الله أنه تم اختطافه من قبل مشرف حوثي يسكن بحارتنا، هذا المشرف أخذ كثيرا من طلاب المدارس لجبهات القتال، وتم ترحيله إلى إحدى الجبهات. لم تفلح توسلاته وبكاؤه الذي يفتت الصخر على إرجاعه إلينا، بل قاموا بترحيله إلى إحدى الجبهات المشتعلة، بعد أن اكتفوا بتدريبه على إطلاق النار فقط. أخبرني أيضا بأنه كلما أعلن عن خوفه، أصروا على رميه إلى الخطوط الأمامية للقتال، وعندما بترت قدماه نتيجة لغم انفجر بمجموعة من الأطفال كان هو أحدهم، قاموا بإرجاعه الينا".

- مجندون لا تتجاوز أعمارهم 7 سنوات

كشفت صحيفة "الصانداي تلغراف" البريطانية، الحيل التي يمارسها الحوثيون لاستدراج الأطفال إلى جبهات القتال، حيث قالت في قصة مقتضبة لطفل يُدعى عبد الله فاتح، حولته مليشيا الحوثي من تلميذ في مدرسة إلى مقاتل في الجبهات، إنّ المليشيا تعطي إغراءات للأطفال وأهاليهم من خلال الإيحاء بقدرتها على إعفاء أبنائهم من الامتحانات في حال كانوا في جبهات القتال.
 
وتذكر الصحيفة أنّ الأطفال الذين انضموا للحوثيين، خضعوا لدروس دينية مكثفة في مدارسهم لحثّهم على المشاركة في القتال، فضلاً عن تدريبهم على استخدام البنادق والأسلحة في الدورات التي تقام لهم خارج المدرسة، وقيل لبعض الأطفال في البداية إنّهم لن يشاركوا في القتال، بل سيساعدون في حمل الأسلحة والذخيرة وتجهيز الإمدادات اللازمة للجنود، غير أنّ ذلك لم يستمر طويلاً، ولم يحمهم من اللحظات المرعبة في الحرب.

كما نقل المركز الإعلامي للجيش اليمني، شهادات لأطفال وقعوا في الأسر، تتراوح أعمارهم بين 13 - 16 عاماً، يشرحون فيها طريقة خداعهم من قبل المليشيات، والزجّ بهم في الصراع المسلح بالإكراه.

ويروي أحد الأطفال (13 عاماً) أنّ الحوثيين أخذوه من مدرسته في منطقة واسطة بمديرية عنس محافظة ذمار، بحجّة تلقيه دورة تدريبية لمدة يومين فقط، ثم سيعيدونه إلى منزله، لكنّه اكتشف في الطريق أنهم ذاهبون به مع زملائه إلى جبهات القتال في بيحان، وقالوا له ستقاتل الأمريكيين والإسرائيليين، ورغم إصرارهم على عدم المشاركة، إلا أنهم يُواجهون تهديدات بالقتل في حال الهرب أو الرجوع.

وفى سياق متصل، قال محققون من الأمم المتحدة إن هناك أدلة تثبت أن الحوثيين جندوا ما يقرب من 30 فتاة مراهقة كجواسيس ومسعفات وحارسات وعضوات في قوة مؤلفة من النساء بالكامل، حيث استند التقرير الأممي إلى أكثر من 400 رواية، ركز بشكل أساسي على الفترة من يوليو 2019 إلى يونيو 2020، كما سلط الضوء على تعرض جيل من أطفال لأضرار لا حد لها من خلال تجنيد الأطفال وإساءة المعاملة والحرمان من أبسط حقوقهم الإنسانية، بما فى ذلك التعليم.

وقال التقرير إن الحوثيين جندوا صبايا لا تتجاوز أعمارهن 7 سنوات من مدارس ومناطق حضرية فقيرة، ومراكز احتجاز من خلال الحوافز المالية والاختطاف والتجنيد من قبل أقرانهم والتلقين العقائدي، وتلقى الفريق أيضا تقارير موثوقة بشأن تجنيد الحوثيين لـ34 طالبة تتراوح أعمارهن بين 13 و17 عاما بين يونيو 2019 ويونيو 2020، لاستخدامهن في التجسس، كما جندوا أطفالا وحراسا ومسعفين.

وكشف تقرير حقوقي صادر عن أمانة حقوق الإنسان في صنعاء، عن ارتكاب مليشيا الحوثي نحو 30 ألف انتهاك في مجال التعليم خلال عام واحد توزعت بين قتل واعتداءات جنسية واختطاف وتجنيد أطفال وغيرها.

وأشار التقرير المعنون بـ"نحو المجهول" إلى أن التعليم في صنعاء والمحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون يعاني من وضع مأساوي بتسيد مفاهيم العنف والسلاح ونشر ثقافة الموت بين الطلاب والأطفال منهم على وجه الخصوص، إضافة إلى معاناة منتسبي قطاع التعليم من الفصل التعسفي.

وأوضح أن مليشيا الحوثي تعد أكثر جماعة اعتمدت على تجنيد الأطفال، إذ بلغت نسبة تجنيد الأطفال من قبل المليشيات 72% من إجمالي عملية تجنيد الأطفال في اليمن حسب بيانات الأمم المتحدة، بما يعادل 8 أضعاف نسبة تجنيد تنظيم القاعدة للأطفال، وأن بعض الأطفال المجندين لا تتعدى أعمارهم 8 سنوات.

- وسائل الحوثي في تجنيد الأطفال

يُعدّ التفكّك الأسري والتسرّب المدرسي، بالإضافة إلى طبيعة المجتمع اليمني المحتفية بالسلاح والممجدة للرجولة المبكرة، بيئة خصبة لجذب المليشيات عشرات الأطفال إلى جبهات القتال ضمن عناوين خادعة، منها أنّهم سيذهبون لتحقيق أهداف سامية، على رأسها الجهاد ضد إسرائيل وأمريكا، بالإضافة إلى الظروف المعيشية الصعبة التي أجبرت عشرات العائلات في المناطق النائية الخاضعة للحوثي، على دفع أطفالها للقتال بحثاً عن رواتب شهرية تعينها على مواجهة ظروف الحياة.

أستاذ علم النفس في جامعة صنعاء (ل. ع) يحدثنا عن الوسائل التي ينتهجها الحوثيون لجذب الأطفال إلى جبهات القتال قائلا: "تتنوع أساليب الحوثيين في تجنيد الأطفال، فقد اعتمدوا سياسة التجويع وإغراء الأهالي بإرسال أطفالهم مقابل المال، وكذا التغرير بالأطفال من خلال الدورات الدعوية كما يسمونها والتي تقام لطلاب المدارس، ولهذه الدورات تأثير كبير في غسل أدمغتهم، خاصة أنهم يسمحون لهم باستخدام أسلحتهم بغرض التدريب على فنون القتال".

وتابع: "بالإضافة لذلك اتبعوا أسلوب خطف الأطفال وتجنيدهم دون علم الأهالي، وتجنيد أعداد كبيرة من الأطفال الأيتام وأطفال الشوارع، ومن ليس لهم مأوى أو معيل، حيث يتم استدراجهم من خلال تأمين المأوى لهم، وإقناعهم أنهم أصبحوا عاملين ومنتجين يتقاضون رواتب مقابل عملهم، حتى الأطفال في مخيمات النازحين لم يسلموا من التجنيد، بمعنى أن الحوثي استهدف الأطفال الذين ابتعدوا عن بيوتهم لساعات طويلة لعدة أسباب، هؤلاء الأطفال فقدوا الجو الأسري ودفء العائلة، فأصبحوا بفجوة نفسية تسمح لأي متسلل باقتحام معاناتهم ونقص العاطفة والرعاية، كما أنهم معتادون على الكد والتعب وتحمل المسؤولية والمصاعب".

وأضاف موجها كلامه لأولياء الأمور: "للعلم فقط أنه ليس كل المجندين من أصحاب الدخل المحدود أو المتدني أو المنعدم، فهناك أطفال من أسر غنية، لكنهم يعانون الفراغ في الوقت، والفراغ في العاطفة والفكر، فيتم غسل أدمغتهم بسهولة، فأي شيء فارغ يسهل تعبئته على هوى القائم بالعمل، ومن هنا وعبر موقع الإصلاح نت أنصح أولياء الأمور بملء حياة أولادهم بالدراسة والقراءة والنشاطات، ومناقشة الأفكار معهم وطرح المواضيع التوعوية الهامة أمامهم، وإدخال التعاليم الأخلاقية إلى قلوبهم قبل أن يسبقهم أصحاب الأجندات، الذين استخدموا مناهج التعليم والخطاب الديني الموجه، وكذا القنوات الإعلامية سواء المرئية أو المسموعة، من خلال برامج وأفكار قاموا بإعدادها بعناية فائقة، تروج لأفكارهم أحيانا بشكل صريح ومباشر، وأحيانا أخرى بشكل تدريجي مبسط، يعتمد على أسلوب التكرار للمعلومات المخففة".