السبت 27-04-2024 03:30:50 ص : 18 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

إصلاح الخطاب الإسلامي.. تحصين المجتمع (الحلقة 5-5)

الإثنين 23 نوفمبر-تشرين الثاني 2020 الساعة 07 مساءً / الإصلاح نت – خاص / عبد العزيز العسالي

 

أولا- القيام بالقسط يعني العدل والصلاح المطلق:

- القرآن حدد بوضوح أن إرادة الله التشريعية التي تضمنتها الرسالات السماوية هدفها هو قيام المجتمعات بالقسط.. "ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط".

- تكرر الأمر بالقسط في القرآن "كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم".

- الأمر بالقسط اتجه إلى المجتمع في حين أن الحكم بالعدل خاص بالسلطات.. "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل".

- الفارق بين القسط والعدل هو أن العدل بمعناه الضيق يقوم على معطيات وبراهين وفيه صرامة وقوة حماية للحقوق وردعا للأطماع وترسيخا للصلاح، وهذا يتصل بالسلطات.

- القيام بالقسط يعني العدل مقترن بالرحمة والمودة والبر، وهذا يتصل بتعامل المجتمع تجاه بعضه.

ثانيا- علاقة العدل والقسط بعمارة الأرض: 

الله العليم الخبير الحكيم العدل تعبّدنا بإعمال عقولنا في فهم المقصد والهدف المحوري الذي جاءت لأجله الشريعة عموما هو:

1- القيام بالقسط والحكم بالعدل، وهذا يعني حماية مصالح الإنسان دنيا وآخرة، هذا الهدف المحوري المركزي محل إجماع بين الأصوليين والفقهاء لا خلاف فيه.

2- القول الثقيل: 
"إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا".. هكذا وصف الله كتابه العظيم، وصف يزلزل العقول والأفئدة، فما المقصود بالقول الثقيل؟ المقصود بالثِّقْل أنه متعالٍ - مقدس، وأنه لامتناهٍ، وأنه كونيً، فاللامتناهي يعني متجدد الدلالة عبر العصور حتى يرث الله الأرض ومن عليها، والكوني يعني أنه تضمن قيما كونية إنسانية فطرية لا تتغير زمانا ولا مكانا.
 
3 - تعليم الحكمة: 

وظائف الرسول صلى الله عليه وسلم متعددة، وأعظمها وظيفة تعليم الحكمة، ذلك أن شريعة القول الثقيل هي خاتمة الشرائع، وهذا يعني أن صور العدل والقسط والصلاح المطلق تتجدد وتتغير زمانا ومكانا. إذن، الهدف من التعليم النبوي للحكمة يتمثل في المفهوم التالي وهو: 

4- استكشاف سبل العدل والقسط والمصالح ووسائل تطبيقها انطلاقا من أفق ثقافة كل عصر، لأن لكل عصر همومه وتطلعاته وأسس تفكيره في تحقيق مصالحه، كون مصالح الدنيا مدركة بالعقل وبالتجارب الناجحة، كما قال عمالقة فقهاء المقاصد رحمهم الله. 

5- تحصين المجتمع: 

إذا أردنا إصلاح الخطاب الإسلامي حقا يجب علينا القيام بوظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم في تعليم المجتمع أن مقاصد الشريعة هي توفير مصالح الناس وحمايتها، يجب علينا ربط النصوص القرآنية والتصرفات النبوية بالسنن الكونية الحاكمة للاجتماع وربط السنن بمقاصدها، مصالح المجتمع،
والسعي الجاد نحو تبصير المجتمع بمصالح النصوص يستدعي إعادة النظر في كثير من المفاهيم الشائعة ومنها العدل أساس الحكم.

هذه المقولة انطلقت من ثقافة وعظية هشّة تهدد السلطات المستبدة غير آبهة بالتشريع المقدس الذي شرّع قيما وسننا كونية تحصينا للمجتمع. التشريع المقدس لم يكتف بتشريع التحصينات، وإنما جعل التحصينات ملكا بيد المجتمع ليحمي نفسه، وهنا نكون قد وصلنا إلى إعادة صياغة المقولة الوعظية من: العدل أساس، إلى: العدل لأجل العدل، أي لأجل استقامة حياة الناس وحماية مصالحهم. 

ذلك أن الصيغة الأولى معناها أيها الحاكم العدل يعني دوام ملكك وما لم فإن الملك سيزول، وهنا انطلق المستبدون والطغاة لصناعة الجيوش لتحمي الكرسي وتخليد الطغيان، ذلك أن تلكم الصيغة الهشة ليست من صميم ثقافة القرآن وإنما فذلكة وعظية باهتة لم تقلم أظافر الطغيان والفجور السياسي، بل إنها أرشدت الطغاة إلى وسيلة أكثر وأقوى حصانة.

صحيح أن سنة الله تنتقم من الطغاة ولكن الطغيان لم يسقط بمفرده، وإنما يرافق سقوط الطغيان تمزيق للمجتمع وتدمير لمقدرات الأوطان وإضاعة فرص النهوض الحضاري وإعاقتها في أفضل الأحوال.

6- خطاب الهوية.. تحصين للمجتمع: 

لن نكشف سرا إذا قلنا إن أمتنا تعيش أحوالا من الضياع والتمزق وتفتيت المفتت والصراعات الطائفية والمذهبية والجهوية... إلخ. التوظيف القذر للثنائيات، وصولا إلى تجريف الهوية الوطنية ومسخها تاريخا ولغة وعقيدة وأصالة وحضارة.. نموذج تجريف المليشيا الانقلابية الإرهابية في اليمن.

كيف جاء هذا التجريف؟ أليس السبب هو النسيان المتعمد لوظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم في تعليم الحكمة المتمثلة في السنن الحاكمة للاجتماع، ومنها الغياب المتعمد لخطاب الهوية الوطنية فغاب الولاء للأمة واحترام إرادتها، فسقطت القيم الوطنية وانقشع الموقف سافرا تجسدت فيه ثقافة "العار" (فقر في الانتماء الوطني 100%).

لم يقف الأمر ها هنا بل وصلت الوقاحة إلى انبعاث خطاب غث سلالي عنصري دخيل يستهدف طمس الهوية اليمنية عقيدة وتاريخا وحضارة وأصالة. 

7- تنمية الوعي بالذات: 

العلاج المناسب: لا يمكن السكوت إزاء هذه العصابة السلالية أبدا، فالأمر جد خطير، إن الوجه التعبدي السنني المناسب للابتلاء في هذا المقام هو: 
أ- قيام الدولة أولا والمثقفون ثانيا والخطباء ثالثا والشعر والمسرح والكُتّاب رابعا.

باستخراج أعلام اليمن من "الصحابة" خصوصا ومن بعدهم عموما، والكشف عن دورهم الريادي في الفتوحات الإسلامية ودورهم العلمي والحضاري، وما أعظم هذا الدور المطمور الذي دفنته السلالية طيلة 1000 عام.

ب- آن الأوان للبدء وليكن منطلقنا من المراجع التالية: 

- الكتاب الجبار بعنوان "يمانيون في موكب الرسول" للكاتب اليمني القيل الحميري محمد حسين الفرح.. يقع الكتاب في ثلاثة مجلدات ضخمة كتبها بدم قلبه النابض وقد أجاد.

- قصيدة العلامة الأديب النحرير الملك نشوان بن سعيد الحميري، رحمه الله. 

- قصيدة الشاعر الحميري المعاصر مطهر بن علي الإرياني، رحمه الله، وكل ذلك منشور ومتيسر.

قصائد الزبيري، رحمه الله، وكتاباته، وأيضا كتاب ثابت الأحمدي وغيرهم.

- على أننا ننبه وبشدة إلى أن الاقتصار على فضح السلالية الفارسية فقط لن يحل المشكلة، وكما قيل: تكسير مجاديف الغير لا يعني تسريع قاربك، قاربك سيبقى مكانه، الحل هو ما تقدم -تعريفنا بذواتنا- من نحن.

إننا نؤكد ونطالب الدولة أولا بتوجيه إعلامها الرسمي أن يقوم بدوره في هذا الصدد ترسيخا لخطاب الهوية الوطنية ومسح الطاولة التي شوهتها ثقافة المسخ السلالي المقيت.

8- الوعي بالأعراف المتجددة: 

ترسيخ العرف الشرعي والاجتماعي في الوعي المجتمعي يعد من أبرز التحصينات التشريعية والثقافة السياسية الهامة للمجتمع. 

قال تعإلى: "وأمر بالعرف".. ومن هنا يجب علينا عقيدة وقيما وسننا وشرعا إصلاح الخطاب الإسلامي في هذا المجال الحيوي الهام والمتغير والمتجدد دائما، ذلك أن العقل العربي لا زال يواجه خطابا يحصن الطغيان، خطابا تشرف عليه جهات ومؤسسات وسياسات وأموال الطغيان متذرعة بدعاوى هزيلة ضحلة أنها تحيي ميراث السلف (أهل السنة والجماعة).

والغريب أنها تكرس السلالية والعنصرية والظلم وتحصن الطغيان وتدفن القيم الكونية، العدل والمساواة، وفي ذات الوقت تدعي أنها ضد السلالية، إنها عقلية تهدم القيم الإسلامية الكونية التي شرعتها إرادة الله في عليائه.

وصدق شاعرنا البردوني، رحمه الله، إذ قال واصفا هذه العقليات: 
وأبي يعلمنا الضلال
ويسأل الله الهداية

ثقافة متخبطة محنطة ذاوية هاوية على أم رأسها في مسارب وأغوار التخلف والانحطاط.. عقليات تعيش غيبوبة حضارية فقهية.

المرجعية المنهجية:
مرجعيتنا في هذا المجال: 
كتب مقاصد الشريعة. 
كتب أصول الفقه - مباحث العرف. 
كتاب قواعد الأحكام مصالح الأنام للفقيه العز بن عبد السلام، وكتابه شجرة المعارف. 
وكتاب العرف في الفقه المالكي للفقيه عمر الجيدي. 
يجب أن يتعلم المجتمع أن إقامة السلطة هو وسيلة لخدمة مصالح الناس وحمايتها وحماية هوية المجتمع واحترامها والولاء للأمة واحترام إرادتها. 
كما يجب ترسيخ القيم الخلقية والوطنية والاجتماعية والسنن الكونية وربطها بالعقيدة أولا، وربطها بمصالحها وأهدافها ثانيا.. تلكم هي نماذج مختصرة حول إصلاح الخطاب الإسلامي وتوظيفه في بناء الأمة وخدمة مصالحها دنيا وأخرى.