الجمعة 29-03-2024 10:19:06 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

مكاسب سياسية ومالية.. لماذا تتاجر مليشيات الحوثي بملف الأسرى والمختطفين المدنيين؟

الأحد 18 أكتوبر-تشرين الأول 2020 الساعة 05 مساءً / الاصلاح نت- خاص / أسماء محمد

انتهى في السادس عشر من أكتوبر الجاري، تنفيذ أكبر صفقة تبادل تمت بين الحكومة الشرعية ومليشيات الحوثي الانقلابية وذلك منذ بداية الحرب في اليمن قبل نحو ست سنوات، ووظفت المليشيا هذا الملف الإنساني مرارا لنيل مكاسب سياسية ومالية كذلك.

فشلت ثلاثة اتفاقات بشأن ملف الأسرى والمعتقلين سابقا، برغم موافقة مليشيات الحوثي عليها، أبرزها كان اتفاق ستوكهولم الذي تم التوصل فيه إلى الإفراج عن 15 ألف أسير ومعتقل، تعمدت الجماعة إفشاله، وتنفيذ الشق الذي في صالحها فقط، والذي ساعدها على الاحتفاظ بميناء الحديدة الإستراتيجي.

 

تفاصيل صفقة التبادل

تم الإعلان عن التوصل لاتفاق بشأن ملف الأسرى والمختطفين والمخفيين نهاية الشهر الفائت، قضى بإطلاق 1081 من الأسرى الحوثيين وأسرى ومختطفين مدنيين كانوا لدى المليشيات، بينهم 4 سودانيين و15 أسيرا سعوديا.

تمت الصفقة وبلغ عدد من تم الإفراج عنهم نحو 1056 أسيرا ومحتجزا، بينهم 670 أسيرا حوثيا، و387 أسيرا ومعتقلا يتبعون الشرعية من بينهم الأسرى السعوديين والسودانيين.

تولت تنفيذ ذلك الاتفاق الذي تم برعاية الأمم المتحدة، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي وفرت طائرات أقلت الأسرى والمختطفين إلى مطار صنعاء وعدن وسيئون، خلال يومي 15 و16 من الشهر الجاري.

لوحظ أن عدد الأسرى الحوثيين هم أكثر من المحتجزين والمختطفين التابعين للحكومة، برغم أن المليشيات تعتقل ما يزيد عن عشرة آلاف شخص في سجونها، إضافة إلى ذلك فالمليشيا لم تفرج إلا عن بعض المقاتلين أما الأغلبية فهم مدنيون اختطفتهم واعتقلتهم من بيوتهم وأماكن عملهم، لمناوأتهم لها، ولوحظ تدهور وضعهم الصحي ووجود إصابات في صفوفهم لا زال يعاني منها البعض، فقد ظهر العديد منهم وهم يتكئون على العكاكيز.

ومن بين الذين تم الإفراج عنهم، خمسة صحفيين كانوا معتقلين لدى المليشيات منذ أكثر من خمس سنوات، تمت محاكمتهم سابقا وكان مقررا الإفراج عنهم والاكتفاء بفترة السجن التي ظلوا فيها، وظل بالطبع الصحفيون الآخرون مجهولي المصير في سجون الحوثيين.

 

استقبال مهيب

تم استقبال المحتجزين في مناطق سيطرة الشرعية رسميا وتوافد كذلك أهاليهم إلى المطارات، وتفاعل مع ذلك الحدث اليمنيون عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي.

شعبيا، خرج آلاف المواطنين في مأرب لاستقبال المحتجزين التابعين للشرعية، واستقبلهم كذلك عدد من محافظي المحافظات وقيادات عسكرية وأمنية وسياسية مختلفة، رفعت الحشود خلالها الأعلام الوطنية.

وهناك دعوات كثيرة لضرورة تقديم الرعاية الصحية للذين تم الإفراج عنهم في صفوف الشرعية، وتقديم الدعم النفسي لهم كذلك بسبب ظروف اعتقالهم غير الإنسانية، والمالي ليتمكنوا من استعادة حياتهم، خاصة في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.

 

استمرار وجع الأمهات

أعطت تلك الصفقة الأمل لكثير من الأمهات برؤية أبنائهن الذين مضى على اختفاء بعضهم أكثر من خمس سنوات، لكنهن اصطدمن بواقع مغاير، إذ لم يكن أبناؤهن ضمن الذين تم إطلاق سراحهم.
ولم تجف بعد دموع أم الصحفي توفيق المنصوري وزملائه الذين ما زالوا في سجون المليشيات، وتداول ناشطون صورة ابنته وهي تبكي، ووالدته التي اختنقت الأحرف في مخارجها وهي تتحدث عن وجعها قائلة: "الله أخبر بقلبي".

وهناك آخرون ينتظرون أبناءهم بقلق بالغ، خاصة بسبب ما تكشفه التقارير الحقوقية من تعرضهم للتعذيب ووفاة أكثر من مئة منهم بسبب ذلك، وسبق كذلك أن خرج عدد من المعتقلين وهم معاقون ويعانون من أمراض نفسية وجسدية، وبعضهم توفي بعد خروجه من معتقلات المليشيات بوقت وجيز.

 

قحطان.. مصير غامض

لا تزال حتى اليوم تتعامل مليشيات الحوثي مع ملف المعتقلين والمختطفين كورقة ضغط تستخدمها، لتحقيق مكاسب سياسية ومالية أيضا برغم أن هذا الملف إنساني بحت، ولا يزال السياسي والقيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح محمد قحطان مخفيا في سجون الجماعة، إلى جانب آلاف اليمنيين.
وترفض حتى اليوم المليشيات الحوثية الكشف عن مصيره أو مكان اعتقاله أو حتى حالته الصحية، فهو يعاني من أمراض مزمنة كما تؤكد أسرته. وفوق ذلك تستمر المليشيات بالتضييق على أسرته، وقامت قبل أكثر من عام باقتحام بيته وترويع النساء والأطفال، وتهديد أسرته بمصادرة المنزل.

وتلاقي قضيته تفاعلا واسعا من قِبل الناشطين اليمنيين من مختلف التوجهات السياسية، كونه تم اعتقاله قبل أكثر من خمس سنوات، بسبب مواقفه الوطنية المختلفة التي عُرف بها.

 

سبب موافقة الحوثي

طغت فرحة اليمنيين بخروج المعتقلين والمختطفين من السجون على دوافع وأسباب موافقة مليشيات الحوثي على إتمام هذه الصفقة، برغم عرقلتها مرارا لمثل هذه الاتفاقات، وتفاعلها فقط مع الصفقات التي تتم عبر وسطاء محليين.

تبدو مليشيات الحوثي مستفيدة من هذه الصفقة كثيرا، فقد تم إطلاق سراح أكثر من 600 من عناصرها وهم أسرى حرب، في هذا التوقيت الذي فقدت فيه الكثر من مقاتليها خاصة في جبهة مأرب والجوف التي استنزفت الجماعة، ويمكنها بالتالي إعادتهم إلى الجبهات للقتال في صفوفها مجددا.

كما أن هناك علاقة كما يتضح بين إتمام هذه الصفقة، وإعلان البيت الأبيض إطلاق الحوثيين سراح مواطنين أمريكيين كانا محتجزين لدى تلك المليشيات، وتسلم الولايات المتحدة الأمريكية جثمان أمريكي ثالث من المليشيات لم يتضح سبب وفاته.
وبرغم عدم كشف البيت الأبيض عن تفاصيل الصفقة التي تمكن بموجبها من إطلاق سراح الأمريكيين، فقد تم توجيه الشكر لدولتي السعودية وسلطنة عمان، لجهودهما من أجل السماح بالإفراج عنهم، علما بأن مسقط غالبا ما تقوم بدور الوسيط للإفراج عن أمريكيين وآخرين من جنسيات مختلفة.

استفاد كذلك مارتن غريفيث من هذه الصفقة التي أُضيفت إلى رصيده، بعد فشله في إحراز تقدم في كثير من الملفات العالقة منذ تعيينه مبعوثا أمميا إلى اليمن. كما أنه لم يتضح بعد فيما إذا كان هذا الاتفاق الأخير جزءا من اتفاق ستوكهولم أم يلغيه، وبالتالي فمصير 14 ألف أسير ومختطف ومخفي سيظل غامضا، وستظل ورقة تبتز بها المليشيات أهلهم والشرعية وحتى المجتمع الدولي في محاولة لفرض شروطها وإحراز مكاسب على الصعيد السياسي.

 

هل ينتعش السلام؟

أثارت صفقة التبادل بعض التفاؤل لدى اليمنيين بشأن تحقيق تقدم في ملف السلام، كون هذا الملف من الأمور التي غالبا ما تساعد على تعزيز الثقة بين الأطراف المختلفة، وتشجع على المضي قدما في الملفات الأكبر العالقة بينهم.
لكن ما يحدث في اليمن ليس مبشرا ولا يذهب في اتجاه نزع فتيل الحرب وإعلان السلام، فقد أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث في إحاطته الأخيرة التي قدمها أمام مجلس الأمن، في 15 أكتوبر، فشله في التوصل لاتفاق بشأن مسودة الإعلان المشترك، التي تتضمن وقفًا شاملًا لإطلاق النار، والشروع في استئناف المشاورات في أقرب وقت، وذلك بسبب عدم الاتفاق بعد على نصها.
إضافة إلى ذلك، فالواقع في اليمن مليء بالتعقيدات التي يصعب معها التوصل إلى صيغة سلام عادل ودائم ومستدام يقوم على المرجعيات الثلاث المعروفة والتي يتهرب منها الانقلابيون، فالشمال تتقاسم مناطق النفوذ فيه الحكومة الشرعية إلى جانب مليشيات الحوثي الانقلابية، ويشهد معارك مستمرة في مختلف الجبهات. أما الجنوب فيسيطر على أجزاء منه ما يُعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي لا يسمح للحكومة بالتواجد في عدن ويسيطر على بعض المحافظات.

وبالنظر إلى عدد الذين تم الإفراج عنهم، والسياسيين والمسؤولين البارزين الذين ما زالوا في معتقلات المليشيات، فلا يبدو أن الصفقة التي تمت من شأنها أن تساعد على تحقيق تقدم في ملف السلام، برغم وجود توقعات بشأن وجود صفقة تبادل أخرى قادمة.

ولا يزال هناك آلاف المعتقلين والمختطفين في سجون مليشيات الحوثي، يواجهون ظروفا سيئة للغاية جراء التعذيب الذي يتعرضون له، فضلا عن أماكن احتجازهم غير الإنسانية وعدم مراعاة حالاتهم الصحية.

كلمات دالّة

#اليمن