فيس بوك
جوجل بلاس
إصلاح أمانة العاصمة: اختطاف العودي ورفيقيه تعبير عن هلع مليشيا الحوثي وسعي لكسر الإرادة
محاكم الرعب الحوثية.. التنكيل والعنف ضد المواطنين باسم القانون
ناطق الإصلاح: حملة الاختطافات الحوثية استهداف مباشر للناس وحقوقهم في بيئة قائمة على الترهيب
استهداف العلماء والمساجد.. كيف تسعى مليشيا الحوثي لإعادة هندسة المجتمع طائفيًا؟
الدكتور عبد الله العليمي يندد بالانتهاكات الحوثية ويدعو إلى ضمان سلامة العاملين الإنسانيين
التكتل الوطني يستنكر بشدة استضافة المؤتمر القومي العربي للإرهابي الحوثي
الإصلاح.. قوة سياسية واجتماعية تخشاها مليشيا الإرهاب الحوثية
شحنات الموت الإيراني.. تهريب السلاح للحوثيين وخطره على أمن اليمن والخليج
الإصلاح يستهجن اتهامات مركز صنعاء التحريضية ضد الحزب ويدعوهم للنأي عن حملات الاستقطاب

في كل عام تحلّ علينا ذكرى ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، ليس كتاريخ في التقويم اليمني فحسب؛ بل كصوت قادمٍ من عمق الجبال والوديان، يذكّرنا بأن الحرية في اليمن لم تكن منحة من أحد؛ بل ثمرة نضالٍ طويل ضد الاستبداد والوصاية.
في هذا اليوم من العام 1963م، اشتعل فتيل الثورة في جبال ردفان، ليبدأ فصلا جديدًا من ملحمة تحرر اليمنيين من الاستعمار البريطاني، ليكتمل الحلم الوطني الذي بدأه أحرار سبتمبر شمالًا في الـ26 سبتمبر، وامتد جنوبًا حتى آخر شبر من عدن.
لكن الأقدار شاءت أن يُختبر اليمنيون مُجددًا اليوم، وأن تعود الإمامة في ثوبٍ جديد، أكثر خبثًا في أدواتها، وأشد قسوة في نزعتها السلالية، فالمستعمر الذي خرج من الباب الجنوبي عاد اليوم بوجه محليّ مدعومٍ من إيران، يعيد إنتاج فكرة "السيد والعبد"، ويمزّق الوطن كما فعل الاستعمار بالأمس.
تأتي هذه الذكرى اليوم، في لحظةٍ فارقة، والوطن يواجه أخطر محاولات السطو على ثوراته وهويته، بعد أكثر من ستين عامًا من إعلان الحرية، غير أن روح أكتوبر لا تزال حية، تُذكّر الأجيال أن لا استقرار دون دولة عادلة، ولا كرامة دون جمهورية، ولا وطن دون وحدة الصف في مواجهة الإمامة والاستعمار معًا.
الثورة التي أكملت المعنى
لم تكن ثورة الرابع عشر من أكتوبر حدثًا منفصلًا عن السادس والعشرين من سبتمبر، بل امتدادًا طبيعيًا لها في مسار التحرر اليمني، وكانت الأولى صرخة الشمال ضد كهنوت الإمامة، والثانية نداء الجنوب لطرد الاستعمار، ومن تلاقي الدماء بين جبال الشمال وسواحل الجنوب، وُلدت فكرة الوطن الواحد.
أثبتت أحداث أكتوبر أن إرادة الشعوب لا تُكسر، وأن الاستعمار مهما غيّر وجهه وموقعه، يظل عدوًا واحدًا بأشكال متعددة، وما يعيشه اليمن اليوم يعيد إلى الأذهان مشهد الأمس، حين توحدت القبائل والعمال والطلبة والفلاحون خلف راية واحدة تقول: "لن يحكمنا الغريب، ولن يستعبدنا أحد".
لقد كان قادة أكتوبر يؤمنون أن معركتهم ليست ضد جنود بريطانيا وحدهم، بل ضد فكرة الاستعلاء والوصاية، وهي الفكرة نفسها التي يتغذى عليها المشروع الحوثي السلالي اليوم، وهو ما يجعل من أكتوبر مدرسة خالدة في الوعي الوطني ومقاومة الاستعباد.
عودة الإمامة بملامح جديدة
اليوم، ونحن نحتفل بذكرى أكتوبر الثانية والستين، نجد أنفسنا أمام استعمارٍ داخلي لا يقل بشاعة عمن حملوا ضده البندقية بالأمس، الإمامة التي أسقطها اليمنيون بثورة السادس والعشرين من سبتمبر، أعادت ترتيب صفوفها تحت اسم الحوثيين، وقادت انقلابا في الشهر ذاته من العام 2014 لتعيد إنتاج الطغيان الديني باسم الحق الإلهي، وكأنه قدر جيل اليوم ليعرفوا حقيقة الإمامة ماثلة أمام أعينهم.
وإذا كان الاستعمار القديم يحتل الأرض، فإن الإمامة الجديدة تسعى جاهدة لاحتلال الأرض والوعي، وزرع الخوف، وإعادة تقسيم الناس بين سلالة تصدر أوامرها، وشعب يُؤمر فيُطيع، لتبدو وكأنها نسخة حديثة من نظام الغلبة، لكنها مموّهة بخطاب ديني وشعارات "الصرخة" التي تخفي مشروعًا فارسيًا بوجه يمني.
ومثلما قاوم أبطال ردفان وباب المندب المستعمر قبل ستة عقود، يقف اليوم أبطال مأرب وتعز والجوف والضالع ومختلف المحافظات اليمنية في مواجهة الإمامة الجديدة التي تسعى لاستعباد اليمنيين وطمس جمهوريتهم وهويتهم، فالتاريخ يعيد نفسه، فقط بأسماء جديدة ووجوه مختلفة، وغايات متعددة.
مسؤولية الحاضر لا ذكرى الماضي
يؤكد مراقبون أن الاحتفاء بأكتوبر ليس مناسبة وطنية ترفع فيها الشعارات والصور؛ بل استحضار لمسؤولية وطنية تتجدد في كل جيل، فالثورات لا تموت حين تبقى روحها حيّة في ضمير أبنائها، ولا تكتمل حين تُختزل في خطابٍ رسمي أو عرضٍ عسكري، بل حين تتحول إلى سلوك ووعي وموقف.
مؤكدين أن الحديث عن بطولات الماضي لا يكتمل دون إنصاف أبطال الحاضر، وتحديدًا أولئك الذين يواجهون الإمامة دون رواتب أو دعم، ويقاتلون دفاعًا عن وطن نسيهم، ولذا فمن المهم التأكيد في هذه الذكرى على أن دعم الجيش الوطني والجرحى وأسر الشهداء ليس مجرد التزام إداري، بل وفاء لدماء رُويت بها الأرض منذ مطاردة المستعمر البريطاني وحتى اليوم.
ولعل أبرز ما تحتاجه المرحلة اليوم هو استعادة "الروح الأكتوبرية" التي ترفض الوصاية والانقسام، وتؤمن أن الحرية لا تتجزأ، وأن من يقف صامتًا أمام الإمامة اليوم، كمن يصافح المستعمر ذاته، وفقا لما تأكده شواهد التاريخ وأحداث اليوم.
وحدة الصف بوابة النصر
لقد أثبت التاريخ أن اليمنيين لا يُهزمون إلا حين يتفرقون، ولا ينتصرون إلا حين يجتمعون، هذا ما أدركه ثوار أكتوبر حين جعلوا من عدن منارةً لكل اليمنيين، لا مدينة جنوبية معزولة. ولذا فإن الواجب اليوم، ونحن نعيش حالة من التشظي السياسي والمناطقي، تبدو الحاجة ماسّة لاستعادة تلك الروح الجامعة، والترفع عن الأحقاد والمشاريع الصغيرة، والمُضي نحو الهدف الكبير المتمثل بإنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة اليمنية.
ويؤكد مراقبون أن المشروع الحوثي، والمشاريع المناطقية، كلاهما وجهان لعملة واحدة تسعى لتفكيك اليمن، وتفريغ ثوراته من مضمونها، والسكوت على أيّ منهما يعني خيانة لقيم أكتوبر التي وحدت اليمنيين تحت علم واحد.
ولذا فإن استعادة الدولة لا تكون بالشعارات فحسب؛ بل ببناء مؤسسات وطنية خالصة، وبإصلاحٍ حقيقيّ في الأداء الحكومي، يلمس المواطن أثره في حياته اليومية، وليكن شعار الجميع: "الاهتمام بمعيشة الناس وإدارة حياتهم اليومية لا يقل أهمية عن الانتصار في الجبهات".
عدن واحة التعددية
في خطابه مساء الاثنين، بمناسبة ثورة الـ14 من أكتوبر، أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، أن ثورة الرابع عشر من أكتوبر لم تكن مجرد حدث عابر في التاريخ اليمني، بل ولادة جديدة لشعب يمتلك إرادة الصمود والتحدي في مواجهة القهر والاستعمار والاستبداد.
وأكد أنه من رحم هذه الثورة نشأت نواة الدولة اليمنية الحديثة، لتصبح عدن رمزًا للعز والتحرر ومعقلًا للتنوير الثقافي والسياسي في الجنوب، مشيرا إلى أن المدن الجنوبية، من عدن إلى حضرموت، كانت دائمًا جسرًا للتلاقي ووحدة الصف، وواحة للتعددية دون إقصاء، حيث ساهمت تجاربها المدنية الرائدة في مجالات التعليم وتمكين المرأة والعمل النقابي في صياغة نموذج متقدم من المشاركة والمواطنة.
وما سبق، يؤكد أن إرث ثورة أكتوبر العظيم يشكل شريانًا حيًا يتدفق في وعي الأجيال، يذكر الجميع بأن مشروع الدولة العادلة لم يكتمل بعد، وأن مسؤولية استكمال مسيرة الرواد تقع على عاتق الأجيال الحالية، ويتطلب ذلك إغلاق أبواب الشقاق وفتح صفحة العمل المشترك، بدءًا بإسقاط الانقلاب واستعادة مؤسسات الدولة، وصولًا إلى تعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وفاء لتضحيات الشهداء والجرحى الذين قدموا أرواحهم ودماءهم في سبيل هذه الغاية.
فالأحداث التي مرت بها اليمن خلال عشر سنوات تؤكد أنه قد يختلف شكل الطغاة، لكن جوهرهم واحد، ما بين المستعمر الذي رحل قبل ستة عقود والإمامة الجديدة التي عادت من بوابة الطائفية والمذهبية، وبينهما يظل اليمنيون وحدهم الثابتون في معركة الوعي والكرامة، فأكتوبر ليست ذكرى تحرر، بل وعدًا مستمرًا بأن اليمن لا يُستعبد مرتين.