فيس بوك
جوجل بلاس
رئيس الإصلاح بالمهرة: الاحتفال بـ14 أكتوبر رسالة واضحة على تمسك الشعب بمكتسباته الوطنية
أحزاب تعز تشدد على قيام الرئاسي والحكومة بإصلاح الوضع الاقتصادي والمعيشي وحشد الطاقات لمعركة التحرير
بالطيف: سبتمبر وأكتوبر محطتان رئيسيتان في الكفاح اليمني ضد الاستبداد والاستعمار(حوار)
ندوة سياسية للإصلاح بشبوة تدعو السلطة المحلية والمكونات الى تغليب مصلحة المحافظة
النائب العليمي: 14 أكتوبر ثورة عظيمة خاض الشعب لتحقيقها نضالاً شاقاً نحو الاستقلال والحرية
التحالف الوطني للأحزاب: 14 أكتوبر حدثاً ملهماً وماضون في الانتصار لمكتسبات الثورة اليمنية
ثورة 14 أكتوبر المجيدة.. تضحيات اليمنيين بين نضالات التحرير ووحدة المصير
رئيس إعلامية الإصلاح: 14 أكتوبر يعني التحرر من الوصاية والخلاص من الفرقة والتجزئة
تعمل مليشيا الحوثيين، منذ بداية انقلابها على السلطة الشرعية، على عسكرة المجتمع في مناطق سيطرتها وتحويله إلى محرقة للحروب التي تشعلها لخدمة مشروعها الانقلابي، وتستند المليشيا في عسكرتها للمجتمع إلى أيديولوجيا دينية ذات بعد طائفي متراكم مستوحى من المذهب الزيدي ورؤيته للإمامة ومن إيران وثورتها الخمينية ومذهبها الرسمي الرافضي الإثنى عشري.
ومن خلال سيطرة المليشيا الحوثية على التعليم والإعلام والقبائل، وفرض الضرائب والجمارك، أصبح بمقدورها توجيه كل جوانب الحياة نحو خدمة المجهود الحربي. ولم تقتصر عسكرة المجتمع على البالغين فقط، بل شملت تجنيد الأطفال والشباب، مما يهدد بمستقبل مليء بالعنف والانقسامات.
ورغم كل حملات عسكرة المجتمع، لكن المليشيا الحوثية لم تستطع تطويع المجتمع بأكمله لمصلحتها، فهناك ممانعة شعبية واسعة لمشروعها ورافضة له، لكن الخطورة تكمن في قدرة الحوثيين على السيطرة على الأجيال الجديدة عبر المدارس والمراكز الصيفية الطائفية والتعبئة القتالية المستمرة عبر وسائل الإعلام والمدارس والمساجد، وهو ما يستدعي سرعة القضاء على تلك المليشيا واستعادة الدولة والجمهورية، قبل أن تتمكن المليشيا من تفخيخ مستقبل البلاد بالأجيال التي ستنشأ على ثقافة العنف والإرهاب والتعبئة العسكرية والقتالية المتواصلة.
- الجذور الأيديولوجية لعسكرة المجتمع
كان للنشأة العسكرية والطائفية العنيفة لمليشيا الحوثيين دور في تشكيل نظرتها للمجتمع بأن يظل مجتمع حرب وتطويعه لمصلحة المليشيا، وجعل التجنيد والانضمام للمليشيا المعيار الوحيد لتحديد نوع علاقة المليشيا مع القبائل والأفراد وتشكيل العلاقات الزبائنية في مناطق سيطرتها، والاستناد إلى مبررات ودوافع أيديولوجية ومذهبية لجعل المجتمع في حالة دائمة من الحرب التي تمكن المليشيا من البقاء واستمرار السيطرة.
لقد كانت مليشيا الحوثيين في بداية نشأتها تمثل الوجه العنيف والمتطرف للزيدية أو الهاشمية السياسية التي تدعو للخروج على ولي الأمر وقتاله إذا رأت أنه لا يصلح للإمامة لعدم توفر الشروط فيه وفقا للمذهب الزيدي، وبنفس الوقت يجيز المذهب لمن رأى أنه أحق بالإمامة أن يخرج لقتال الإمام القائم، ويجيز أيضا ان يحكم إمامان في نفس الوقت، وكل ذلك يمثل مدخلا لإيجاد المبررات لحروب مستدامة.
وفي وقت لاحق، انحرف الحوثيون عن المذهب الزيدي واعتنقوا المذهب الرافضي الإثنى عشري، المذهب الرسمي لإيران التي تعد الداعم الرئيسي لهم بالمال والسلاح والخبراء العسكريين، فتراكمت لدى الحوثيين الدوافع العقائدية أو الأيديولوجية لعسكرة المجتمع وتحويله إلى مجتمع حرب يقاتل لأجل أن تحكم السلالة الهاشمية العنصرية الوافدة إلى اليمن.
لقد تأثر الحوثيون كثيرا بالفكر الإيراني وبالثورة الخمينية عام 1979، وهذا التأثر دفعهم إلى اعتماد فكرة ولاية الفقيه والمقاومة ضد ما يرونه طغيانا خارجيا أو محليا، مما جعلهم يميلون نحو عسكرة أتباعهم والتجنيد الإجباري للفئات الضعيفة والمهمشة كوسيلة لمواجهة التهديدات وترسيخ سيطرتهم.
ومنذ نشأتها، اعتمدت مليشيا الحوثيين بشكل كبير على الدعم الإيراني، سواء من خلال الدعم المادي أو الأيديولوجي، وقد كان لإيران دور محوري في توجيه الحوثيين نحو عسكرة المجتمع، واعتمد الحوثيون بشكل متزايد على النماذج الإيرانية في تنظيم مليشيا محلية ودمجها في النسيج الاجتماعي، وقد شمل ذلك الدعم التدريب العسكري وتوفير الأسلحة، مما ساعد في تعزيز القدرات العسكرية لمليشيا الحوثيين.
كما أن نظرية الحوثيين في الحكم تستند على تبني فكرة الإمامة، وضرورة قيادة المجتمع من قبل فرد يزعمون أنه من نسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتمثل هذه العقيدة الدافع الأساسي، بالإضافة إلى الدوافع السابقة، وراء تبني سياسة عسكرة المجتمع، حيث يرون في عسكرة الأفراد وسيلة للحفاظ على هذه القيادة والدفاع عنها ضد أعدائهم في الداخل والخارج، والتقديس الدائم لها.
وهكذا تم دمج الأفكار الدينية لإيران وحزب الله اللبناني في عقيدة الحوثيين تحت شعار مقاومتهم المستمرة للنفوذ الخارجي، سواء كان ذلك من القوى الإقليمية أو الدولية، ويشكل هذا النهج جزءا من مشروعهم لتوسيع قاعدة التأييد المجتمعي، حيث يتم تأطير العسكرة على أنها نوع من المقاومة الوطنية والدينية المشروعة، لكنها في كل الأحوال موجهة نحو الداخل.
وتنظر هذه الأيديولوجية إلى عسكرة المجتمع كضرورة إستراتيجية لضمان البقاء والاستمرار، إذ تعد السلطة العسكرية محورا مركزيا للحفاظ على الهوية والسيادة المذهبية، وقد أدى هذا التوجه إلى تحويل مناطق سيطرة الحوثيين إلى ما يشبه المجتمع العسكري، تحت وطأة التعبئة المستمرة والتجنيد الإجباري.
- مظاهرة عسكرة المجتمع
تتعدد مظاهر عسكرة مليشيا الحوثيين للمجتمع وتطويعه للقتال إلى جانبها من خلال الترغيب والترهيب. وفيما يلي أهم مظاهر عسكرة المجتمع:
• التعبئة العسكرية للأطفال والشباب: تعد عملية تجنيد الأطفال والشباب من أخطر جوانب عسكرة المجتمع في مناطق سيطرة مليشيا الحوثيين، حيث يتم استهداف الفئات العمرية الصغيرة منذ سن مبكرة، سواء من خلال المناهج الدراسية المعدلة أو عبر وسائل الإعلام والدعاية، ويتم غرس أفكار الجهاد والشهادة في عقول الأطفال والشباب، مما يساهم في تحويلهم إلى وقود للصراع المسلح.
ويعزز التجنيد الإجباري أو التطوعي للأطفال والمراهقين في المليشيا الحوثية شعورهم بالانتماء إلى قضية أكبر من أنفسهم، لكنه يهدد في الوقت ذاته استقرار المجتمع، وهذا يتسبب في تفكك الروابط الاجتماعية، حيث يتم استبدال دور الأسرة والمدرسة بدور المليشيا، كما يؤدي ذلك إلى فقدان جيل كامل لفرصة التعليم وبناء حياة طبيعية.
ومن الناحية النفسية، يعد تجنيد الأطفال في صفوف المقاتلين بمنزلة قنبلة موقوتة، إذ يؤدي ذلك إلى تراكم مشاعر العنف والعدوانية، ويزيد من احتمالات استمرار الصراع لأجيال قادمة، فهؤلاء الأطفال والشباب سيكبرون ليصبحوا أفرادا مدربين على القتال، ما يعني أن إعادة إدماجهم في المجتمع ستكون عملية بالغة الصعوبة.
• عسكرة التعليم: يشهد القطاع التعليمي في مناطق سيطرة الحوثيين تحولا جذريا، حيث تركز المناهج الدراسية على تعزيز الأفكار العسكرية والدينية المرتبطة بالقتال، ويسعى الحوثيون إلى تحويل المدارس إلى مراكز للتعبئة الفكرية والعسكرية، وهو ما يظهر بوضوح في تعديل المناهج لتتضمن دروسا عن "الجهاد" و"المقاومة"، وتوجيه الطلاب نحو رؤية موحدة للعالم تتمحور حول الصراع والعداء للآخر ونشر ثقافة العنف والقتل.
هذا التحول يساهم في تربية أجيال تتشرب الفكر العسكري من مقاعد الدراسة، مما يعزز الولاءات للمليشيا الحوثية على حساب الولاءات الوطنية، كما أن المعلمين يتعرضون لضغوط كبيرة للالتزام بالمناهج الحوثية الجديدة، وأحيانا يتم استبدالهم بعناصر موالية للحوثيين لضمان السيطرة الكاملة على العملية التعليمية.
وجراء ذلك، لم تعد المدارس مجرد مؤسسات تعليمية، بل تحولت إلى مراكز لنشر الدعاية الحربية، حيث يتم تنظيم أنشطة توعوية وحملات لجمع التبرعات لدعم المجهود الحربي للحوثيين، وهذا الأمر يعزز من عسكرة المجتمع ويؤسس لتربية أجيال جديدة متشبعة بروح القتال والعنف، مما يهدد بتحويل النزاع في اليمن إلى صراع مستدام.
• تحويل المجتمع المدني إلى مجتمع عسكري: إن عسكرة المجتمع في مناطق سيطرة الحوثيين لم تقتصر على الأبعاد السياسية أو الأمنية، بل تجاوزت ذلك لتشمل الاقتصاد والنسيج الاجتماعي، فالاقتصاد أصبح موجها نحو خدمة المجهود الحربي والإتاوات والجبايات المستمرة، حيث يتم تحويل الموارد إلى تمويل العمليات العسكرية، كما أن الضرائب والجمارك وحتى المساعدات الإنسانية يتم توجيهها نحو دعم الحرب، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية المتدهورة أصلا في البلاد.
وقد أدى هذا التحول إلى تهميش الفئات المدنية غير المرتبطة بالنشاط العسكري، وخصوصا النساء والطبقات الدنيا، والنساء اللاتي كن يلعبن دورا رئيسيا في المجتمع اليمني قبل الحرب، فقدن العديد من حقوقهن وفرصهن في التعليم والعمل، حيث يتم دفعهن نحو أدوار ثانوية في المجتمع العسكري.
ومن ناحية أخرى، تسبب هذا التحول في تفكك البنية الاجتماعية التقليدية، فالمجتمع الذي كان يستند إلى روابط مدنية وقبلية أصبح يعتمد على المليشيا للحفاظ على النفوذ والقوة، مما أدى إلى انهيار العديد من الشبكات الاجتماعية التي كانت تحافظ على التماسك المجتمعي، وقد تكون النتائج على المدى البعيد كارثية، حيث يصبح إعادة بناء الاقتصاد والمجتمع بعد انتهاء النزاع مهمة شبه مستحيلة.
• الإعلام الحربي.. أداة للتعبئة والإقناع: يؤدي الإعلام الحربي دورا محوريا في إستراتيجية الحوثيين لعسكرة المجتمع، فالإعلام الحوثي يعمل على نشر ثقافة الحرب والعنف والقتال بين صفوف المدنيين، ويهدف إلى إقناعهم بأن القتال هو الحل الوحيد للدفاع عن السيادة والكرامة، حسب زعم الحوثيين، فالقنوات التلفزيونية، والإذاعات، والصحف التابعة للحوثيين، تستخدم أدوات الدعاية الحربية بشكل مكثف للترويج لفكرة "الجهاد" ضد الأعداء الداخليين والخارجيين للمليشيا الحوثية.
وأحد أهم وسائل هذا الإعلام هو تصوير الصراع على أنه معركة وجودية، تحتم على كل فرد في المجتمع المساهمة في المجهود الحربي ودفع الإتاوات والجبايات، سواء بالانخراط المباشر في القتال أو بدعم المقاتلين ماليا ومعنويا. بالإضافة إلى ذلك، يتم تصوير الحوثيين على أنهم القوة الوحيدة التي تحمي اليمن من التدخلات الخارجية، من أجل أن يسهم ذلك في بناء حالة من الولاء الشعبي للمليشيا تحت سطوة التضليل الإعلامي.
كما أن إعلام مليشيا الحوثيين يعمل على بناء صورة سلبية عن كل من يعارض المليشيا، سواء كانوا من الأطراف الداخلية أو الخارجية، ويصورهم كخونة أو عملاء، وهذا يؤدي إلى تعزيز الانقسامات داخل المجتمع ويُصعب من فرص الحوار أو التفاهم وصولا للحل السياسي للأزمة.
• التحريض والتفرقة الطائفية: الإستراتيجيات التي يعتمدها الحوثيون في تأجيج النزاعات تعتمد بشكل كبير على التحريض الطائفي، حيث يقوم الحوثيون بتغذية الانقسامات الطائفية بين الزيدية الشيعية والسنة، ويعتمدون على لغة طائفية لتبرير حروبهم وتعبئة الأنصار، وهذا النوع من الخطاب يساهم في إشعال نزاعات طويلة الأمد، ويُصعب من إمكانية التوصل إلى حلول سلمية.
إلى جانب التحريض الطائفي، يعمل الحوثيون على استغلال القضايا القبلية والثارات لتعزيز الصراعات الداخلية، إذ يتم استغلال العلاقات المتوترة بين القبائل لإحياء نزاعات قديمة أو تأجيج نزاعات جديدة، مما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع ويبقي النزاع في حالة مستمرة من الاشتعال، وهذه الإستراتيجيات ليست مجرد تكتيكات وقتية، بل هي جزء من مخطط أكبر يهدف إلى جعل الصراع مستداما بغرض إضعاف القبائل من خلال ضربها ببعضها، وبالتالي إطالة أمد سلطة الحوثيين.
• الهيمنة على القبائل وتعزيز الولاءات العسكرية: تعد القبائل دائما جزءا أساسيا من المجتمع اليمني، ويدرك الحوثيون جيدا أهمية السيطرة عليها لتعزيز نفوذهم العسكري والسياسي، ولذا يعمل الحوثيون على بناء علاقات قوية مع القبائل عبر تقديم الدعم المالي والعسكري لبعض القيادات القبلية، وبالتالي تحويلها إلى أدوات في خدمة مشروعهم العسكري.
كما يعمل الحوثيون على استغلال الولاءات القبلية القديمة وإعادة توجيهها نحو خدمة مشروعهم العسكري، والقبائل التي تظهر ولاء للحوثيين تحصل على امتيازات خاصة، مثل الحصول على أسلحة أو مقاعد في السلطة المحلية، بينما تتعرض القبائل المعارضة للقمع أو التهميش، مما يؤدي إلى إعادة تشكيل النظام القبلي بطريقة تخدم المصالح الحوثية.
بالإضافة إلى ذلك، يتم استغلال النسيج القبلي في تنظيم حملات التجنيد، حيث تلعب القبائل دورا مهما في تجنيد أفرادها للمشاركة في القتال، وهذا النظام يعزز عسكرة المجتمع بأكمله ويضعف الولاءات الوطنية، حيث تصبح القبائل مرتبطة بمشروع عسكري بدلا من الولاء للدولة.
• التمويل العسكري.. الضرائب والجمارك كأدوات لتأمين الموارد: التمويل العسكري للحوثيين يعتمد على مجموعة متنوعة من الموارد، بما في ذلك الضرائب والجمارك التي تفرض على المدنيين والتجار في مناطق سيطرتهم، فالحوثيون يستخدمون الضرائب بشكل ممنهج لتمويل عملياتهم العسكرية، ويتم فرض ضرائب إضافية على السلع والخدمات، مما يثقل كاهل المواطنين.
كما أن الجمارك أصبحت مصدرا رئيسيا للدخل العسكري، حيث يتم التحكم في الموانئ والمنافذ الحدودية لفرض رسوم مرتفعة على السلع المستوردة، والتي تستخدم في تمويل شراء الأسلحة والعتاد الحربي. بالإضافة إلى ذلك، يتم استخدام الأصول المصادرة من الخصوم السياسيين كأداة لزيادة الموارد المالية.
هذا النموذج الاقتصادي يؤدي إلى تدهور الأوضاع المعيشية للسكان، حيث يتم تحويل جزء كبير من الدخل القومي لتمويل العمليات العسكرية بدلا من تطوير البنية التحتية أو تحسين الخدمات العامة، وبالتالي يؤدي هذا النظام إلى تعزيز عسكرة الاقتصاد وضمان استمرارية الصراع.
• دور المؤسسات الطائفية في تبرير عسكرة المجتمع: تؤدي المؤسسات الطائفية (الحوثية) دورا رئيسيا في تبرير عسكرة المجتمع، حيث يستغل الحوثيون الخطاب الديني الطائفي لتبرير أفعالهم العسكرية، ويتم استخدام المساجد والمدارس لنشر الأفكار الطائفية التي تشرعن الحروب وتحث على "الجهاد"، وتصوير الصراع على أنه معركة دينية مقدسة، مما يسهم في تعبئة المزيد من الأنصار.
كما أن الخطباء والمرجعيات الدينية الحوثية تؤدي دورا حاسما في تقديم الفتاوى والخطب التي تدعم شرعية العنف، وبالتالي يتم توظيف الدين لخدمة الأهداف العسكرية، وهذه العلاقة بين الدين والعسكرة تعطي الحوثيين نوعا مضللا من الشرعية الدينية، مما يساهم في تعزيز موقفهم بين أتباعهم.
كما يتم استغلال الأعياد والمناسبات الدينية لتنظيم حملات جمع تبرعات لدعم الجبهات، مما يربط بين الممارسات الدينية والدعم العسكري، وهذا التوظيف المتكامل للدين في عسكرة المجتمع يؤدي إلى تعزيز السيطرة الحوثية ومحاولة تحقيق قبول شعبي أكبر لمشروعهم العسكري.
- تداعيات استمرار عسكرة المجتمع
تشكل عسكرة الحوثيين للمجتمع، منذ انقلابهم على السلطة الشرعية عام 2014، تحولا جذريا في البنية الاجتماعية والاقتصادية في المناطق التي يسيطرون عليها، فهذه الظاهرة ليست مجرد تطور عسكري، بل تحمل تداعيات عميقة تؤثر على جميع جوانب الحياة اليومية.
فالحوثيون يسعون إلى فرض سيطرتهم من خلال تعزيز التواجد العسكري في المجتمع، مما أدى إلى تآكل الروابط الاجتماعية بين الأسر والمجتمعات، فقد انقسم المجتمع بين مؤيد ومعارض للحوثيين، مما يزيد من التوترات والانقسامات داخل الأسر. كما أن الحوثيين يقومون بتجنيد الشباب، سواء بشكل قسري أو عبر إغرائهم بالوعود، مما يساهم في تشكيل جيل مرتبط بالصراعات المسلحة.
وعلى مستوى التعليم، فقد أثرت عسكرة الحوثيين للمجتمع بشكل كبير على النظام التعليمي، حيث تم تحويل العديد من المدارس إلى ثكنات عسكرية، مما أدى إلى تعطيل العملية التعليمية لعدد كبير من الأطفال.
وعندما تعدل المناهج التعليمية لتتناسب مع الأيديولوجية الحوثية، يتعرض الجيل الناشئ لعملية غسيل دماغ تحرفه عن الهوية الوطنية الجامعة، وتحوله إلى الولاء لمليشيا الحوثيين وتشربه ثقافة العنف والإرهاب التي تروج لها المليشيا عبر المناهج التعليمية بعد تعديلها.
وفي الجانب الاقتصادي، تضررت البنية التحتية بشكل كبير نتيجة النزاع، مما أدى إلى زيادة الفقر والبطالة، فالموارد التي كان ينبغي استثمارها في الأنشطة الاقتصادية توجه بدلا من ذلك نحو الحرب، مما يعمق أزمة الفقر ويفاقم الفساد، ولذلك فإن انعدام الاستقرار الأمني في المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الحوثيين يزيد من تفشي الجريمة، حيث تنتشر الأسلحة في أيدي المواطنين، مما يجعل الحياة اليومية محفوفة بالمخاطر، حتى برزت ظاهرة قتل الأقارب التي ينفذها عائدون من جبهات القتال أو من الدورات الطائفية الحوثية.
- الآثار المستقبلية
تعد عسكرة الحوثيين للمجتمع في مناطق سيطرتهم من أخطر التطورات التي قد تؤثر على مستقبل البلاد، كونها تحمل في طياتها تداعيات سلبية عميقة قد تستمر لعقود. وفي سياق التحولات السياسية والأمنية الحالية، يتزايد القلق من أن استمرار هذه العسكرة سيؤدي إلى تفشي ثقافة العنف والصراع بين الأجيال المقبلة.
كما أن عسكرة الحوثيين للمجتمع قد تؤدي إلى إضعاف النسيج الاجتماعي وتعميق الانقسامات، فعندما يتم استخدام الشباب والأطفال كجنود في صراعات مسلحة، يظهر جيل لا يعرف إلا العنف كوسيلة لحل النزاعات، وهذا الجيل، الذي نشأ في بيئة عسكرية، سيكون أقل قدرة على استيعاب قيم الحوار والتسامح، مما يجعل المجتمع أكثر عرضة للصراعات الداخلية مستقبلا، وبذلك تتوسع دائرة العنف لتشمل دول الجوار، مما ينذر بتأجيج الصراعات الإقليمية.
علاوة على ذلك، فإن عسكرة الحوثيين للمجتمع تقود إلى تغييرات خطيرة في الهوية الوطنية، فعندما تفرض المليشيا الحوثية رؤيتها السياسية والثقافية، يتم تقويض المفاهيم الأساسية للهوية الوطنية، مما يؤدي إلى تباين هائل في الولاءات بين المكونات الاجتماعية، مما يعزز من فرص نشوب نزاعات جديدة.
ومن الناحية الاقتصادية، من شأن عسكرة الحوثيين للمجتمع أن تؤدي إلى دمار البنية التحتية وتدهور الأوضاع المعيشية، حيث تتركز الموارد على الجهود الحربية بدلا من التنمية، مما يؤدي إلى تفشي الفقر والبطالة، مما يتسبب في خروج العديد من الشباب من دائرة التعليم والعمل، وهو ما سيعزز من دوامة الفقر والجهل، وستكون الأجيال القادمة، التي تعاني من عدم القدرة على الوصول إلى التعليم الجيد أو فرص العمل، ستكون أكثر عرضة لتقبل العنف كوسيلة للتعبير عن الاحتجاج أو تحقيق الأهداف.