فيس بوك
جوجل بلاس
رئيس الإصلاح بالمهرة: الاحتفال بـ14 أكتوبر رسالة واضحة على تمسك الشعب بمكتسباته الوطنية
أحزاب تعز تشدد على قيام الرئاسي والحكومة بإصلاح الوضع الاقتصادي والمعيشي وحشد الطاقات لمعركة التحرير
بالطيف: سبتمبر وأكتوبر محطتان رئيسيتان في الكفاح اليمني ضد الاستبداد والاستعمار(حوار)
ندوة سياسية للإصلاح بشبوة تدعو السلطة المحلية والمكونات الى تغليب مصلحة المحافظة
النائب العليمي: 14 أكتوبر ثورة عظيمة خاض الشعب لتحقيقها نضالاً شاقاً نحو الاستقلال والحرية
التحالف الوطني للأحزاب: 14 أكتوبر حدثاً ملهماً وماضون في الانتصار لمكتسبات الثورة اليمنية
ثورة 14 أكتوبر المجيدة.. تضحيات اليمنيين بين نضالات التحرير ووحدة المصير
رئيس إعلامية الإصلاح: 14 أكتوبر يعني التحرر من الوصاية والخلاص من الفرقة والتجزئة
تًعد ثورة الـ 26 سبتمبر 1962 نقطة تحول بارزة في تاريخ اليمن الحديث، حيث انطلقت هذه الثورة لتضع حداً ليس لعقود من حكم الإمامة بل لمئات السنين من الحكم الكهنوتي البغيض الذي غيّب عن الشعب أبسط حقوقه في الحرية والعدالة، جاء هذا الحدث التاريخي نتيجة لتراكمات من المعاناة والاضطهاد، وأدى إلى ولادة جمهورية جديدة قائمة على مبادئ الحرية والمواطنة والمساواة.
استهدفت الثورة تعزيز الهوية الوطنية وبناء مجتمع متماسك يسعى نحو التقدم والازدهار، ورغم التحديات الكبيرة التي واجهتها، فإن تضحيات الثوار وإرادتهم القوية قد أسست لأسس دولة حديثة، رغم الصعوبات التي واجهتها منذ ولادتها المبكرة وحتى اليوم.
عكست ثورة 26 سبتمبر الروح النضالية للشعب اليمني، الذي لطالما سعى إلى التحرر من قيود الظلم والاستبداد. كما كانت هذه الثورة حافزًا لإطلاق حركات تحررية أخرى في المنطقة، ما يدل على التأثير الواسع الذي أحدثته، وفي هذه الذكرى، نتأمل في الدروس المستفادة من الثورة وتأثيرها المستمر على حاضر اليمن ومستقبله، مُدركين أن القيم والمبادئ التي نادت بها لا تزال تمثل أملًا قويًا في إعادة بناء وطن يسوده السلام والعدالة.
الخلفية التاريخية
تشكل الخلفية التاريخية لثورة 26 سبتمبر 1962 أساسًا لفهم السياقات الاجتماعية والسياسية التي أدت إلى هذا التحول الجذري في اليمن، إذ كانت التضحيات والإرادة الشعبية هي المحركات الأساسية للثورة، التي تركت آثارها إلى اليوم.
وبالنظر إلى الخلفية التاريخية لثورة السادس والعشرين من سبتمبر، فقد كان اليمن تحت حكم الإمامة التي بدأت منذ القرن الثالث عشر، حيث سيطر الأئمة على البلاد لمدة طويلة، وكان حكمهم يعتمد على مبادئ ما أنزل بها من سلطان، مما أدى إلى تهميش كبير للشعب ومنع أي شكل من أشكال المشاركة السياسية، وكان الناس يعانون من الفقر والجهل، حيث كانت نسبة الأمية مرتفعة بشكل كبير.
كما تدهورت الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير خلال فترة الحكم الإمامي، إذ عانى الشعب من نقص في الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، وكانت الموارد الطبيعية تُستنزف لصالح الطبقة الحاكمة، هذا التهميش أدى إلى زيادة مشاعر الاستياء والغضب في أوساط المواطنين.
ومع بداية القرن العشرين، بدأت تظهر حركات سياسية تعبر عن مطالب الشعب، كان أبرزها حركة الأحرار التي تشكلت في عام 1940، وكانت هذه الحركة تسعى إلى إنهاء الحكم الإمامي وإقامة نظام جمهوري، وخلال الخمسينات انتشرت الأفكار الجمهورية في أوساط الشباب، متأثرةً بالأحداث التاريخية في المنطقة مثل ثورة مصر عام 1952.
كما تأثرت الثورة أيضًا بالعوامل الإقليمية والدولية، فدعم مصر تحت قيادة جمال عبد الناصر الحركات الوطنية في العالم العربي، بما في ذلك اليمن، أرسل النظام المصري مساعدات عسكرية ودعمًا لوجستيًا للمجموعة الثورية، مما ساهم في تعزيز موقف الثوار.
انطلقت الثورة بقيادة مجموعة من الضباط الأحرار الذين كانوا جزءًا من حركة الأحرار، حيث تمت الإطاحة بالإمام محمد البدر، الذي كان في ذلك الوقت حاكمًا، وتم إعلان قيام الجمهورية اليمنية، تزامن ذلك مع انتفاضة شعبية واسعة، حيث شارك الشعب بشكل كبير في هذا التغيير التاريخي.
أدت الثورة إلى تغييرات جذرية في هيكل السلطة في اليمن، حيث تم إلغاء النظام الملكي، وأُعلنت الجمهورية، وبدأت جهود لبناء دولة حديثة تقوم على أسس ديمقراطية، ورغم التحديات التي واجهتها الثورة في السنوات التالية، إلا أنها ساهمت في تعزيز الوعي الوطني وأثرت على حركات التحرر في المنطقة.
ثورة سبتمبر ماذا قدمت لليمنيين؟
تركت ثورة 26 سبتمبر بصمة واضحة في تاريخ اليمن، حيث أحدثت تغييرات جذرية في الهيكل الاجتماعي والسياسي، ورغم التحديات التي واجهت اليمن بعد الثورة، إلا أن مبادئها وقيمها لا تزال تمثل أملًا لتحقيق التقدم والازدهار.
وسنحاول استعراض أبرز ما قدمته ثورة 26 سبتمبر لليمنيين، أولها إنهاء الحكم الإمامي الذي دام قرون طويلة ويعد أكبر إنجاز للثورة وأسست الجمهورية اليمنية، مما أتاح للشعب فرصة المشاركة في الحياة السياسية واتخاذ القرارات.
إضافة إلى ذلك، ساهمت ثورة 26 سبتمبر في تعزيز الهوية الوطنية، كما ساهمت في تعزيز الوعي الوطني والشعور بالانتماء لليمن، حيث وحدت مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية تحت راية الجمهورية، ناهيك عن الإصلاحات الاجتماعية، حيث نفذت الثورة العديد من الإصلاحات الاجتماعية، بما في ذلك: إلغاء العبودية، وتحسين حقوق المرأة، والتعليم، والتنمية الاقتصادية، والتوجه نحو دولة حديثة، ودعم الوعي السياسي، كما عبّدت الطريق نحو الوحدة اليمنية.
ومن المهم التأكيد على أن الثورة أولت التعليم اهتمامًا كبيرًا للتعليم، حيث تم إنشاء مدارس جديدة ومؤسسات تعليمية، مما ساهم في خفض معدل الأمية وزيادة وعي الشعب، إضافة إلى تنفيذ مشاريع تنموية تهدف إلى تحسين البنية التحتية، مثل الطرق والمواصلات والمياه، مما ساعد في تحسين مستوى المعيشة في البلاد، ونشر الوعي السياسي بين المواطنين، مما أتاح لهم فهم حقوقهم ومطالبهم وأهمية المشاركة في العملية السياسية.
أخطاء وقصور
يرى مراقبون، أن ثورة 26 سبتمبر وقعت في بعض الأخطاء التي من المهم التذكير بها لأجل التنبّه لها اليوم خصوصًا ولا زالت المعركة مع الإماميين جارية حتى اليوم، بل هي أشد ضراوة من سابقاتها، أبرز هذه الأخطاء غض الطرف عن التيار الإمامي، وعدم التعامل معه بحذر، فبعد الإطاحة بالنظام الإمامي، كان يُعتقد أن فكر الإمامة قد انتهى إلى الأبد، مما أدى إلى إغفال التهديدات التي يمكن أن يشكلها، كما لم تُتخذ خطوات فعالة لمواجهة هذا الفكر، ما سمح للحوثيين ومؤيدي الإمامة بإعادة إحياء شعاراتهم واستقطاب المؤيدين من جديد، مستفيدين من الشعور بالحنين لدى بعض فئات الشعب للأيام الماضية.
ويرى آخرون أن من أخطاء 26 سبتمبر إهمال تعليم القبائل، وهو الأمر الذي ساهم في تعزيز نفوذ التيار الإمامي الذي كان سببه إهمال التعليم في المناطق القبلية، فبعد الثورة، لم تُعطَ أولوية كافية لتعليم القبائل وتوعيتهم بالمبادئ الجمهورية، الأمر الذي أدى إلى ترك فئات واسعة من المجتمع غير واعية بقيم الديمقراطية والمساواة، ما جعلها عرضة للتأثيرات التقليدية والفكر الإمامي، فاستغل الحوثيون هذا الإهمال من خلال تقديم أنفسهم كمدافعين عن القيم والدين، مما ساعدهم في حشد المؤيدين في المناطق القبلية.
إضافة إلى ذلك، فإن اتساع رقعة الخلافات بين الجمهوريين المتعلقة بتوزيع السلطة والنفوذ، أدى إلى خلخلة الجبهة الجمهورية، إذ اختلفت القوى حول الأجندات السياسية والمبادئ التي يجب أن تُبنى عليها الدولة، مما أثر سلبًا على الوحدة الوطنية وأعطى الفرصة للتيارات الأخرى، بما في ذلك الحوثيين للاستفادة من هذه الانقسامات.
ومن المهم الإشارة إلى أن توسع الفجوة بين الشمال والجنوب، عبر تبني كل منطقة جغرافية رؤى سياسية واقتصادية مختلفة، هذه الخلافات أدت إلى عدم الاستقرار في البلاد وعمّقت الانقسام داخل الصف الجمهوري، ما جعل اليمن عرضة للتدخلات الخارجية والصراعات الداخلية.
ويرى مراقبون، أن غياب الخطط التنموية المتكاملة كانت من الأخطاء التي رافقت عهد ما بعد ثورة سبتمبر، فرغم أن الثورة أعلنت عن برامج تنموية، إلا أن التنفيذ كان ضعيفًا، حيث لم تُركز الجهود على تطوير البنية التحتية في المناطق المهمشة، ما أدى إلى تدهور الأوضاع المعيشية في هذه المناطق، وتنامي مشاعر الإحباط والاستياء لدى المواطنين.
اجمالا، كانت الأخطاء التي وقعت فيها ثورة 26 سبتمبر لها تداعيات كبيرة على الوضع السياسي والاجتماعي في اليمن، حيث كان تجاهل التيار الإمامي، وإهمال التعليم في القبائل، والخلافات الداخلية، والفجوات بين الشمال والجنوب ساهمت جميعها في خلق بيئة من الفوضى وعدم الاستقرار، ما أتاح للحوثيين وأطراف أخرى الاستفادة من هذه الثغرات لإعادة إحياء الأفكار القديمة وإيجاد قاعدة شعبية جديدة، لذلك، فإن فهم هذه الأخطاء يمكن أن يسهم في تشكيل رؤية مستقبلية أكثر استقرارًا ووحدة.
استغلال الحوثي الثغرات لإعادة الإمامة
تمكن الحوثيون من استغلال الثغرات التي خلفتها الثورة والانقسامات الداخلية في المجتمع اليمني لتوسيع نفوذهم وإعادة بعث عهد الإمامة بطرق جديدة، لقد شكلت هذه الديناميات تحديًا كبيرًا أمام جهود بناء الدولة الحديثة، مايستدعي التفكير في كيفية معالجة هذه القضايا لضمان استقرار اليمن في المستقبل.
ويرى مراقبون، أن الحوثيين استغلوا الثغرات السياسية في اليمن لصالح إعادة الإمامة، ومن ذلك، استغلال الإحباط الشعبي، إثر قيام ثورة 26 سبتمبر وما تلاها من صراعات وأزمات، شعرت العديد من الفئات في المجتمع اليمني بالإحباط نتيجة الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتدهورة، فاستخدم الحوثيون هذا الإحباط كأداة للترويج لأفكارهم، مُقدمين أنفسهم كبديل يوفر حلاً للأزمات القائمة.
كما عمل الحوثيون على إحياء الفكر الإمامي وسط غياب التعليم والتوعية، فكما ذكرنا، كان إهمال التعليم في المناطق القبلية عاملًا حاسمًا، إذ استغل الحوثيون غياب الوعي السياسي في هذه المناطق، وقدموا أنفسهم كحماة للثقافة المحلية والدين، ما أتاح لهم جذب المزيد من المؤيدين من ذوي الثقافة الضحلة الذين كانوا غير مُدركين للمبادئ الجمهورية.
واستفاد الحوثيون من الخلافات بين القوى الجمهورية، كما استغلوا الفوضى لاستعادة السيطرة في بعض المناطق، ناهيك عن الدعم الخارجي الذي تلقوه من إيران، مما ساعدهم على تعزيز قدراتهم العسكرية والسياسية، هذا الدعم أتاح لهم توسيع نفوذهم ومواجهة القوى الأخرى بشكل أكثر فعالية.
إضافة إلى ذلك، نظم الحوثيون فعاليات جماهيرية وحملات دعائية قوية، حيث استخدموا منابر المساجد ووسائل الإعلام لترويج أفكارهم الخرافية وكذا السيطرة على المؤسسات. ومع تصاعد قوتهم بدأ الحوثيون في السيطرة على المؤسسات الحكومية والعسكرية، ما مكنهم من فرض سيطرتهم على الأرض واستعادة العديد من العناصر التقليدية للحكم الإمامي، ولكن تحت شعارات جديدة.
نقطة تاريخية
في الأخير، نؤكد أن ثورة 26 سبتمبر 1962 مثلت نقطة تحول تاريخية في مسار اليمن، حيث سعت إلى إرساء أسس جديدة للحكم تقوم على الحرية والعدالة والمساواة والديموقراطية، ورغم الإنجازات التي حققتها، فإن التحديات التي واجهتها، بما في ذلك تجاهل التيار الإمامي وتفشي الخلافات الداخلية، تركت آثارًا عميقة على البلاد.
اليوم، ومع استمرار الخلافات والأزمات، يُظهر الوضع الحالي أهمية استيعاب الدروس المستفادة من تاريخ اليمن الحديث، فلا بد من العمل على تعزيز الوحدة الوطنية والصف الجمهوري وإعادة بناء الثقة بين مختلف الفئات السياسية والاجتماعية، مع التركيز على أهمية التعليم والتنمية المستدامة.
إن المستقبل يتطلب من اليمنيين جميعًا، سواء كانوا من أجيال الثورة أو من الشباب الطموح، أن يحملوا شعلة التغيير، ويسعوا لبناء وطن يسوده السلام والاستقرار، فالتاريخ علمنا أن الأمل لا يموت، وأن إرادة الشعوب القادرة على التعلم من أخطاء الماضي قادرة على إعادة بناء مستقبل مشرق مهما كانت التحديات .