الثلاثاء 30-04-2024 02:59:09 ص : 21 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

ما وراء شعارات الحوثيين تجاه إسرائيل.. تخادم مشترك وتنسيق متوارث

الأربعاء 18 أكتوبر-تشرين الأول 2023 الساعة 06 مساءً / الإصلاح نت-خاص

 

كعادتها منذ انقلابها وسيطرتها على السلطة قبل أكثر من ثماني سنوات، برعت مليشيا الحوثي في استغلال الأحداث والمناسبات المحلية والإقليمية وتوظيفها لمصالحها الشخصية، إذ لا تكاد تمر مناسبة أو حدث من الأحداث إلا وتسارع تلك المليشيا لاستغلاله وتسويق مشروعها من خلاله برفع الشعارات وادعاء مناصرة تلك القضايا، خاصة ذات الإجماع الديني والوطني.

وتُعد قضية فلسطين واحدة من القضايا الإسلامية التي دأبت مليشيا الحوثي على استغلالها وتوظيفها توظيفا سيئا، إذ ومع كل تصعيد إسرائيلي أو مناسبة فلسطينية جامعة تنبري المليشيا قبل غيرها لاستغلالها بتسويق نفسها ورفع شعاراتها إلى جانب شعارات تلك القضايا، مستغلة تعاطف اليمنيين والتفافهم وتأييدهم للقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى إطلاق يد النهب والفيد وجمع الأموال بذريعة دعمها ومناصرتها، إذ عادة ما تذهب تلك الأموال والجبايات إلى حسابات قيادات في المليشيا.

ادعاءات كاذبة

وبحسب المحلل السياسي فيصل الحذيفي فإن مليشيا الحوثي "تستغل أحداث فلسطين وغزة كموسم للجبايات، فلو كانت تحب فلسطين حقيقة لما سطت على الجمعيات الخيرية، كجمعية الأقصى، والجمعيات اليمنية الداعمة للقضية الفلسطينية، ومكاتب الفصائل الفلسطينية التي كان مرخصا لها في صنعاء، وتزاول أنشطتها".

وأضاف: "لا زلنا نتذكر المدن السورية، التي قال عنها زعيم مليشيا حزب الله الإرهابي المدعوم من إيران حسن نصر الله، بأنها طريق العرب والمسلمين إلى القدس، يقصف الجيش العربي الذي أعد العدة لأن يكون حاميا للأمن القومي العربي".

ويتابع الحذيفي بالقول: "السوريون في الزبداني، حينما قالها نصر الله بصراحة إن الطريق إلى القدس يمر عبر الزبداني، وقالتها مليشيا الحوثي المدعومة من إيران أيضا بأن الطريق إلى القدس يمر عبر مأرب وتعز".

ويضيف قائلا: "الحصار الذي تفرضه مليشيا الحوثي على مدينة تعز هو أشبه بحصار غزة من قِبل الكيان الصهيوني، وربما إسرائيل كانت تسمح بتسيير بعض الشاحنات المحملة، والسماح للمواطنين بالمرور سيرا على الأقدام، لكن في حصار مليشيا الحوثي لتعز إذا أراد المواطن أن يمر شارعا واحدا يضطر للسفر 8 ساعات عبر طرق جبلية ووعرة".

استغلال رخيص

ولم تكتفِ مليشيا الحوثيين بالمتاجرة بأوجاع اليمنيين طيلة مسيرتها التخريبية، بل شملت قضايا عربية وإسلامية ضمن سلسلة الانتهازية والاستغلال التي دأبت عليها المليشيا، حيث جعلت من غزة وسيلة أخرى لحصد الأموال تحت شعارات زائفة.

وكعادته فقد ركب زعيم المليشيا الحوثية موجة الأحداث الساخنة في المنطقة، خصوصا عدوان الكيان الصهيوني على غزة، ووظف تلك الأحداث لخدمة أجندته ومصالحه المشبوهة، مستغلا عواطف اليمنيين ومشاعرهم تجاه القضية الفلسطينية.

وقد أطلقت المليشيا كالعادة حملة لجمع الأموال والتبرعات من التجار ورجال الأعمال في صنعاء ومناطق أخرى من مناطق سيطرتها، بزعم مناصرة الفلسطينيين ودعم المقاومة الفلسطينية، بينما هي تسعى -بحسب متابعين- للكسب المادي والإثراء من وراء هذه الممارسات.

وبحسب مصادر إعلامية فقد عمدت مليشيا الحوثي إلى "إجبار عشرات التجار على دفع أموال من ملايين الريالات بزعم دعم المقاومة الفلسطينية".

وتداول ناشطون يمنيون صورة لما قالوا إنها لأحد السندات التي وزعتها مليشيا الحوثي في صنعاء تظهر شعار وختم حركة "حماس" بغرض جمع الأموال من المواطنين والتجار في مناطق سيطرتها، معتبرين أن الحوثيين حوّلوا حرب غزة إلى غنيمة ومناسبة للجبايات.

ويأتي هذا الادعاء ومحاولة تزييف الحقائق في الوقت الذي ما زالت فيه الجمعيات الخيرية الداعمة لفلسطين مغلقة، بعد أن أقدمت مليشيا الحوثي الانقلابية على إغلاقها، في خطوة أثارت استياء الكثير من الناس داخل اليمن وخارجها، الأمر الذي تسبب بتضييق الخناق على كل الأنشطة الخيرية الداعمة للشعب الفلسطيني، وتوقفت عشرات المشاريع التي كانت تنفذها الجمعيات الخيرية والإغاثية العاملة باسم أهل اليمن في فلسطين، مما تسبب بإسقاط مليشيا الحوثي لكفالة أكثر من 3000 يتيم فلسطيني و350 أسرة فلسطينية كانت تكفلهم جمعيات خيرية بعد وقف أنشطتها وتجميد أرصدتها من قبل مليشيا الحوثي.

وفي الفترة من أبريل 2015 وحتى ديسمبر 2016 فقط أوقفت مليشيا الحوثي جميع الجمعيات الخيرية العاملة في اليمن لصالح القضية الفلسطينية، وأغلقت جميع مساكن الطلاب الفلسطينيين واعتقلت مشرفيها. وفي فبراير 2019 أقدمت مليشيا الحوثي على احتلال منزل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بعد أن ظل في مأمن لعقود من الزمان.

صفقات سرية

ومنذ نشأة مليشيا الحوثي في اليمن قبل نحو ثلاثة عقود، فإنها رفعت شعارات زائفة تهتف بالموت لأمريكا وإسرائيل، إلى جانب الأنشطة والخطابات التي تدّعي نصرة القضية الفلسطينية وتأييدها، إلا أن ما تمارسه المليشيا في الواقع يبدو خلاف ذلك تماماً.

ويجد المتابع لمسيرة المليشيا الحوثية، ذراع إيران في اليمن، أن كثيرا من ممارساتها تصب في مصلحة اليهود وتقدم خدمات مجانية للكيان الصهيوني على خطى أسلافها الأئمة، سواء بطريقة غير مباشرة من خلال استهداف كل ما له علاقة بفلسطين قضية ومقاومة وشعب، أو بطريقة مباشرة من خلال استكمال تهجير اليهود اليمنيين إلى إسرائيل بتخادم وتنسيق مشترك، والاشتراك مع الصهاينة في التجارة بالآثار والمخطوطات اليمنية القديمة.

وقد كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية مطلع العام 2016، أي بعد انقلاب مليشيا الحوثي على الحكومة اليمنية في العام 2014، أن تل أبيب دفعت مبالغ مالية لمليشيا الحوثي مقابل إخراج 17 يهوديا يمنيا من العاصمة صنعاء، وأن العملية تمت بمساعدة دولة عربية وبتنسيق من الوكالة اليهودية للهجرة، وأن هؤلاء هم آخر من تم إجلاؤهم من يهود اليمن، وقد وصلوا إلى إسرائيل بعد عملية وصفت بالسرية والمعقدة.

وعزا المصدر السرية التي اكتنفت عملية نقل اليهود إلى ما وصفه بـ"الوضع الأمني السيئ باليمن، ومظاهر العداء للسامية ولليهود فضلا عن صعوبات لوجستية، مما حدا بالوكالة اليهودية إلى الاستعانة بالخارجية الأمريكية التي ساهمت في الماضي في عمليات نقل اليهود من اليمن إلى إسرائيل".

ونقلت الصحيفة عن مصدر إسرائيلي -لم تفصح عن هويته مكتفية بوصفه بالرفيع- القول: "إن خطة نقل اليهود من اليمن جرى التنسيق والعمل فيها منذ أكثر من عام، وأن عشرات اليهود توافدوا في الأشهر الأخيرة من تلك الدولة إلى إسرائيل عبر عمليات معقدة لم نشهد لها مثيلا من قبل".

وأوضحت أن هذه العملية أُديرت من على بعد، نظرا لكونها تتعلق بدولة "معادية" تفتقر إلى رحلات طيران محددة واستمرار إغلاق مطاراتها في كثير من الأحيان، وكثرة الحواجز الأمنية في طرقاتها، مما اضطر القائمين عليها أن ينقلوا عددا محدودا من اليهود كل مرة.

تخادم خفي

ولم يقف الأمر عند هذا الحد من التنسيق والتخادم بين مليشيا الحوثي وإسرائيل، بل تعداه ليصل إلى تهريب الحوثيين لبعض الآثار والمخطوطات اليمنية البالغة الأهمية إلى إسرائيل، ضمن عمليات التنسيق والتخادم بين الطرفين.

ففي مطلع العام 2016 أيضا، تم تهريب مخطوط أثري يعود تاريخه لمئات السنين، حيث نشرت وسائل إعلام مختلفة عن قيام شخصيات يهودية بتهريب نسخة قديمة للتوراة يعود تاريخها لأكثر من 800 عام.

وكانت مذيعة قناة الجزيرة، خديجة بن قنة، قد كشفت على صفحتها بموقع فيسبوك، نقلا عن مصادر عبرية، عن صفقة تمت بين الحوثيين وإسرائيل بلغت 100 مليون دولار تسلمها الحوثيون مقابل تهريب اليهود مع قطعة أثرية خاصة باليمن إلى إسرائيل ودعمهم في المحافل الدولية.

وقد اتهم ناشطون يمنيون الحوثيين بتورطهم في التعاون مع إسرائيل وليس إيران فحسب، معتبرين أن وصول اليهود اليمنيين إلى إسرائيل وتسليمهم مخطوطة التوراة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يدخل ضمن بيعهم تراث اليمن.

علاقة تاريخية

وقد بدأت أولى علاقات التعاون والتخادم الإمامي الإسرائيلي قبل أكثر من ستة عقود، فبعد عام واحد فقط من إعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي في مايو 1948، تلقت دولة الاحتلال الدعم من قبل الأئمة الحاكمين في اليمن آنذاك من خلال مساعدة إسرائيل على بسط سيطرتها على أرض فلسطين، بتسهيل هجرة 49 ألف يهودي يمني عبر عملية سميت بـ"بساط الريح" والتي استمرت من يونيو 1949 وحتى سبتمبر 1950 بشكل سري عن طريق الوكالة اليهودية، وجرى نقلهم على متن طائرات أمريكية وبريطانية عبر عدن.

ووفقا لبعض الباحثين فإن عملية بساط الريح الشهيرة "تعتبر أول اعتراف عربي باحتلال إسرائيل لدولة فلسطين لتتكشف بعدها سلسلة من عمليات التعاون لدعم بقاء بعضهما بعد اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962 وقيام الجمهورية، حيث أمدّت إسرائيل الإمام البدر بجسر جوي من السلاح والذخائر والمواد الطبية خلال الأعوام من 1964 وحتى 1967 فيما عرفت بـ"عملية الصلصة"، وبعد ذلك "عملية دربان" التي بدأت في 31 مارس 1964، وتلتها بعد ذلك 13 طلعة جوية لليمن لتزويد الإماميين بالإمدادات العسكرية بأقصى درجات السرية".

وحينها "أنشأت إسرائيل مراكز في تل أبيب لاستقبال مقاتلين يهودا للقتال في صفوف الإماميين في اليمن، كما استقطبت أكثر من 15 ألف من المرتزقة ودربتهم للقتال إلى جانب قوات البدر والحسن، وعلى رأسهم بوب دينارد المرتزق الفرنسي الشهير".

وكان الباحث بلال الطيب قد تحدث عن محطات من التعاون الإسرائيلي مع الإماميين في مراحل ماضية، خصوصا في حصار صنعاء 1967، حيث ذكر أن الإماميين الذين حاولوا إفشال ثورة 26 سبتمبر حشدوا حوالي 70 ألف مقاتل من رجال القبائل، و10 ألف جندي نظامي، إلى جانب قوات عسكرية تجمعت من إسرائيل وبلجيكا وفرنسا وأمريكا وإيران وجنوب أفريقيا، وحوالي 300 ضابط من المُرتزقة الأجانب.

وذكر الطيب أن خبيرا عسكريا فرنسيا عمل مع الإمام البدر يدعى بوب دينار اعترف أنَّ إسرائيل دعمت القوات الملكية بأسلحة نوعية، وصلتهم عبر إنزال جوي مظلي، وأكدت ذلك صحيفة سلاح الجو الإسرائيلي نقلاً عن طيارين إسرائيليين شاركوا في تلك العملية التي أطلق عليها اسم "صلصة".

وأضاف الباحث الطيب أن شمعون بيريس مساعد وزير الدفاع الإسرائيلي "أكد في لقاء بأحد تجار السلاح العرب في باريس أنَّ الدولة العبرية شاركت فعلياً في حرب اليمن، وتولت إسقاط أسلحة وذخائر لجيوب الملكيين، وقامت بإنزال مظلي لحوالي 400 إسرائيلي من أصل يمني، وأنَّ مهمة هؤلاء تمثلت في القيام ببعض العمليات الخاصة في المجهود الحربي، ومن ثم التسلل والذوبان وسط الجماهير".

ويؤكد الكاتب المصري الراحل محمد حسنين هيكل في كتابه "سنوات الغليان" أنَّ "الدولة العبرية شاركت فعلياً في حرب اليمن، وتولت إسقاط أسلحة وذخائر لجيوب الملكيين المحاصرين في الجبال، بعملية عسكرية أخذت اسم "مانغو"، وأنَّها -أي إسرائيل- كانت تمارس ذلك النشاط من قاعدة جيبوتي الواقعة حينها تحت الاحتلال الفرنسي".

التخادم والتنسيق بين الإسرائيليين ونظام الأئمة في اليمن ضارب جذوره في التاريخ لعقود طويلة من الزمان وفق مصالح مشتركة يجنيها الطرفان. ووفقا لمدير وحدة البحوث في قسم السياسة والإستراتيجيات "IPS" في المركز الأكاديمي متعدد المجالات في هرتسيليا، الجنرال شاؤول شاي، في مقال له نشرته صحيفة "إسرائيل هيومفي" في أكتوبر 2017، فإن "سيطرة الحوثيين المدعومين من إيران على العاصمة اليمنية صنعاء وعدد من الموانئ والمحاور المهمة على البحر الأحمر يحقق مصالح جيوإستراتيجية ذات إسقاطات طويلة الأمد لإسرائيل".

كلمات دالّة

#اليمن