السبت 20-04-2024 14:14:08 م : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

احتكار الثروة وبناء اقتصاد مواز.. ما وراء المساعي الحوثية لتدمير الاقتصاد الوطني؟

الثلاثاء 06 يونيو-حزيران 2023 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت-خاص

 

واصلت مليشيا الحوثي حملتها الممنهجة لاستهداف التجار، وبيوت المال التجارية، الرامية لتدمير الاقتصاد الوطني، وذلك في اطار حملاتها المستمرة لاستهداف المجتمع اليمني بمختلف فئاته وشرائحه الاجتماعية، على نحو يهدد بتعميق حجم المأساة الإنسانية والضائقة المعيشية التي يعيشها البلد منذ انقلاب مليشيا الحوثي على الدولة في سبتمبر 2014.

مؤخرًا، ضاعفت مليشيا الحرب الاقتصادية ضد اليمنيين، حين قامت باقتحام الغرفة التجارية بالعاصمة صنعاء، والسطو المسلح على مقر الغرفة، وفرض قيادة مليشياوية وسلالية موالية لها، بدلا عن القيادة الشرعية المنتخبة من قبل أعضاء الجمعية العمومية للغرفة التجارية والصناعية بأمانة العاصمة، ممثلة بالأستاذ حسن الكبوس رئيس مجلس إدارة الغرفة.

سبقت عملية الاقتحام، قيام مليشيا الحوثي بتكثيف حملاتها الممنهجة ضد التجار، وفرض الجبايات المختلفة، بالتوازي مع تحديد الأسعار وفرض السعر الجبري للسلع، وهي الاجراءات التي وصفها التجار بالمخالفة للدستور والقانون، ومخالفة كذلك لنظام التجارة الحرة، الأمر الذي دفع الغرفة لإصدار بيان مندد بتلك الإجراءات التي وصفها التجار بـ"الكارثية".

دفعت تلك الحملات الحوثية لإصدار الغرفة التجارية بيانًا هو الأول من نوعه، تنديدًا بالاجراءات الحوثية ضد التجار، الذين استنكروا تلك الاجراءات الحوثية التعسفية ضد القطاع الخاص، والتي شملت سلب أموال الشركات ونهبها وفرض الجبايات، وصولا إلى تحديد الأسعار واقتحام بعض الشركات وبيع منتجاتها بالقوة.

 

اجتثاث القطاع الخاص

وكان الاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية في بيانه، قد وصف إجراءات الحوثيين تجاه القطاع الخاص بأنها مخالفة لكل قوانين وشرائع الأرض والسماء، مستنكرا تعسفات الوزير الحوثي المعين حديثا لوزارة الصناعة والتجارة مؤكدًا أنها أصبحت سيفا مسلّطا على شركات القطاع الخاص تستهدف خرابها وإفلاسها.

وفرض الحوثيون منذ عدة اشهر قوائم سعرية جديدة، قبل رمضان وأثناءه وبعده، وصفها البيان بأنها "مخالفة للقانون والدستور ونظام السوق الحر والتنافسي، ومناقضة لما هو معمول به لدى كل حكومات العالم". وفشلت محاولات القطاع الخاص في اقناع الحوثيين بتعديل هذه الأسعار مراعاة لخسائر الشركات والتجار، الذين يتكبدون غرامات ورسوم عقابية وايقاف تعسفي في المنافذ الجمركية الحوثية المستحدثة.

ويرى مراقبون أن مليشيا الحوثي تسعى من خلال هذه الاجراءات التي تفرضها الوزارة ضد التجار الى تحقيق نقاط لصالح متنفذيها ولو أدى ذلك الى تدمير التجار وشركاتهم. وهو ما اعتبره البيان كارثة اقتصادية ستؤدي إلى الإخلال بالمخزون الاستراتيجي ونزوح وهجرة رأس المال الوطني.

 

تنديد حكومي وتحذير

وكانت الحكومة اليمنية ممثلة بوزارة الصناعة والتجارة، قد حذرت من الاستهداف والتجريف المنظم الذي تمارسه مليشيات الحوثي الإرهابية بحق القطاع الخاص ورأس المال الوطني والقطاع المالي والمصرفي في المناطق الخاضعة لسيطرتها، والعبث بمنظومة التشريعات القانونية الخاصة بالقطاع الاقتصادي وموارد الدولة المختلفة.

واعتبرت الوزارة في بيانها، أن آخر مظاهر هذا الاستهداف والتجريف ما أقدمت عليه المليشيات من سطو مسلح على مقر الغرفة التجارية والصناعية بالعاصمة صنعاء وفرض قيادة مليشاوية وسلالية موالية لها، بدلًا عن القيادة الشرعية المنتخبة من قبل أعضاء الجمعية العمومية للغرفة التجارية والصناعية بأمانة العاصمة صنعاء.

وأكد البيان أن توجه المليشيا لإقرار قوانين وتعديلات جديدة على قوانين ضرائب الدخل والجمارك والبنوك التجارية، وغيرها من القوانين التي من شأنها فرض مزيد من القيود على حركة التجارة والاستثمار وتدفق السلع والبضائع، وإثقال كاهل المواطنين بمزيد من الجبايات الجائرة وغير القانونية وتعميق حالة الانقسام السياسي والاقتصادي بين أبناء ومناطق الوطن الواحد.

كما حذرت الوزارة، من العواقب والتداعيات لهذه الإجراءات على ركائز الاقتصاد الوطني وتهديدهم للقطاع الخاص ودوره ومكانته، وأوضاع المواطنين الاقتصادية وحياتهم المعيشية المباشرة، وذلك بعد توعد الغرفة التجارية في بيانها بإخلاء مسؤوليته عن نفاد السوق من السلع.

 

لماذا الهجوم الحوثي على الغرفة التجارية؟

لم يكن مستغربا ما قامت به مليشيا الحوثي من اقتحام وسطو للغرفة التجارية بصنعاء، فما قامت به منذ انقلابها على الدولة وحتى اليوم، كافيًا لمعرفة حجم الدمار الذي تنتهجه بحق الاقتصاد الوطني، والبيوت التجارية، من خلال اجراءات متنوعة، دفعت كثير من الشركات للإفلاس، ومغادرة كثير من البيوت التجارية للاستثمار خارج البلاد.

يشار إلى أن اقتحام مليشيا الحوثي للغرفة التجارية، جاء بعد يوم واحد من لقاء ما يعرف بوزير الصناعة في حكومة مليشيا الحوثي غير المعترف بها دوليًا، "محمد المطهر"، برئيس المجلس السياسي الأعلى لمليشيا الحوثي مهدي المشاط، والذي أصدر أوامر باقتحام الغرفة والسطو عليها، وتعيين القيادي الحوثي المدعو "علي الهادي" رئيسا للغرفة التجارية، وإزاحة رجل الأعمال حسن الكبوس المنتخب رئيسا للغرفة.

ويرى مراقبون، أن سيطرة مليشيا الحوثي والسطو على الغرفة التجارية ليس مجرد رد فعل على بيان اتحاد الغرفة التجارية المندد بالاجراءات الحوثية؛ بل أنه جاء في سياق الخطوات الحوثية الممنهجة التي تقوم بها المليشيا لاستهداف القطاع الخاص والاقتصاد الوطني بشكل عام، والاضرار بالسوق التجاري الخارجي، ومحاولة ايجاد اقتصاد مواز لها.

وقال مراقبون، إن مليشيا الحوثي تسعى جاهدة من خلال هذه الاستراتيجية للسيطرة على السوق التجاري، وضرب علاقة الغرفة التجارية مع الأسواق الخارجية، لفرض تهديدات اقتصادية مستهدفة السعودية والإمارات والخليج العربي، وضرب علاقة الغرفة بهذه البيوت والشركات التجارية في دول الخليج؛ ومحاولة البحث عن أسواق بديلة، عبر تجار تعمل على تأهيليهم، ليحلوا محل هؤلاء التجار.

ويرى أخرون، أن مليشيا الحوثي هدفت من اقتحام الغرفة التجارية إلى تكميم أفواه التجار، الذين طالما عانوا الأمرّين من ممارسات المليشيا الحوثية، حيث مثل بيان الاتحاد صوت مرعب بالنسبة للمليشيا الحوثي، التي لطالما زعمت استقرار الوضع المعيشي والإقتصادي في مناطقها، خصوصا بعد إعلان التجار في بيانهم خطوات تصعيدية، ضد الاجراءات الحوثية التي تستهدفهم، وهو ما دفع المليشيات لاقتحام مقر الغرفة والسيطرة عليه.

 

تحقيق الاستراتيجية الإيرانية

وربط مراقبون بين اقتحام مليشيا الحوثي للغرفة التجارية، وسعيها الدؤوب نحو تحقيق أهداف الاستراتيجية الإيرانية، حيث استخدمت المليشيا كل الأسلحة في سبيل تحقيق الأهداف التي رسمتها لها إيران؛ لتحقيق مطامعها الإمبراطورية التوسعية في اليمن والقرن الأفريقي والخليج العربي في كافة المجالات.

وحسب مراقبون، فإن الضغوط والحرب التي تشنها مليشيا الحوثي ضد القطاع الخاص، ومجموعاته التجارية المختلفة في اليمن، خلال السنوات الماضية لم تكن كافية له ليقف عند حد معين، ما دفعها للبدء بإجراءات جديدة تحقق الاستراتيجية الإيرانية، مستغلة بذلك فترة الهدنة والوساطة التي تقودها سلطنة عمان في اليمن، لتحقيق هذه الاستراتيجية.

وأوضح خبراء أن مليشيا الحوثي تهدف من اقتحام الغرفة التجارة والسيطرة على القطاع الخاص لتحقيق هدفين الأول مرحلي والثاني استراتيجي، وكلاهما يقعان ضمن خطة الحوثي الاقتصادية الاستراتيجية التي يعمل عليها منذ سنوات، حيث تقضي المرحلة الأولى توريط التجار ورجال الأعمال قسرًا في تهريب الأسلحة والمخدرات، بعد فشله في توريطهم من خلال الوسائل التقليدية.

يأتي هذا في الوقت الذي ينحدر معظم تجار الحوثي الذين كشفتهم تقارير خبراء العقوبات الخاصة باليمن، من محافظة صعدة. وينخرط هؤلاء في تجارة الممنوعات من الأسلحة والمخدرات والوقود، والمبيدات، مثل "التاجر دغسان وفارس مناع، وعلي قرشة، وصالح الشاعر، وحاليا محمد عبدالسلام ومجموعته التي تعمل باسم تاجر يدعى الفقيه"، وفق ما ذكرته مبادرة استعادة التي أسسها تجار من الذين صادر الحوثي أموالهم.

 

سطو ممنهج

إن ما تقوم به مليشيا الحوثي من استهداف للتجار، والسطو على الغرفة التجارية يأتي في سياق الاستهداف الممنهج للبيوت الاقتصادية، حيث سبقها، اتخاذ قرارات انفصالية خطيرة، مسّت الاقتصاد الوطني، وعمقت المأساة الإنسانية في البلاد، أبرزها حظر تداول العملة الجديدة، ما أدى إلى تقسيم فعلي لأهم رموز البلاد السيادية وهي العملة الوطنية.

حيث أصدرت مليشيا الحوثي قانون البنوك التي جردتها حتى من أموال المودعين التي تقدر ب 6 ترليونات ريال، ومن نشاطها في أذون الخزانة والتمويل والاستثمار، بالإضافة إلى 5 مليارات دولار من احتياطيات البنك المركزي، ومليار دولار وديعة سعودية، وترليون ريال من أموال البنك المركزي.

سبق هذه الخطوة، قيام مليشيا الحوثي بإنشاء 11 منفذًا جمركيًا على تخوم المناطق المحررة، والسيطرة على رؤوس أموال البنوم التجارية والإسلامية لدى البنك المركزي اليمني في صنعاء، ثم تجميد حسابات بنك التضامن الإسلامي في 2021، والسيطرة على الديون الحكومية والخاصة لدى البنوك، والتي تقدر ب15 ترليون ريال من الطبعة القديمة.

يأتي هذا بالتزامن مع إعلان المليشيا في يونيو 2022، إنشاء بورصة في صنعاء بموجب اتفاق مع بورصة طهران، بعد توقيع مذكرة تفاهم بينهما، وتكثيف المليشيا هجماتها الاقتصادية أو بالأحرى من هجماتها المنسقة ضمن خطة استراتيجية واضحة على القطاع الخاص، بمنع الاستيراد مطلقا إلا عبر موانئ الحديدة، من خلال محاولة المليشيا إجبار التجار على كشف إجمالي وارداتهم حتى تلك التي يبيعونها في المناطق المحررة، ومحاولة منع التجار من الاستيراد إلا عبر الحديدة فقط، الخاضعة لسيطرتهم، وتهديد بحظر نشاط أي شركة ملاحية يمنية لا تخضع لأمره.

وتستغل مليشيات الحوثي تواجد المقرات الرئيسية للبنوك التجارية اليمنية في صنعاء، التي كانت مركز المال والنشاط التجاري قبل اجتياح المليشيات للعاصمة صنعاء وإعلان الانقلاب والسيطرة على مؤسسات الدولة بقوة السلاح، وذلك لتمرير سياستها النقدية، وفقا لخبراء.

 

نهب منظم للقطاع الخاص

ومنذ انقلابها على الدولة، فرضت مليشيا الحوثي اجراءات مستهدفة القطاع الخاص، من خلال النهب المنظم لأموال البنوك بما فيها التجارية، والسيطرة على المؤسسات المالية في البلاد، منها فرض مليشيا الحوثي في 2019 على البنوك التجارية في اليمن دفع جبايات تصل إلى 30% من الأرباح؛ بحجة تمويل ما يسمى بالمجهود الحربي، ومارست إرهابا منظما على هذه المؤسسات باختطاف موظفيها والبدء بتلفيق التهم لها؛ لإجبارهم على الدفع.

ومطلع 2023 وجهت مليشيات الحوثي ضربة جديدة للقطاع المصرفي، عبر إعلان فصل فروع البنوك بين المناطق المحررة ومناطق سيطرتها وفرض قيود مالية مشددة، من خلال حظر القطاع التجاري في مناطق سيطرتها مع أربعة بنوك محلية ثلاث منها تقع فروعها الرئيسية في عدن، اضافة الى البنك الحكومي كاك بنك.

كما حظرت المليشيات الحوثية على التجار في مناطق سيطرتها المشاركة في مزادات البنك المركزي بعدن لبيع العملات الأجنبية، والتي ينفذها البنك لتوفير عملات خارجية للمستورين لتغطية احتياجهم من النقد الأجنبي، وتقليل حجم المعروض النقدي من العملة المحلية في سوق الصرف.

واعتبر اقتصاديون، أن قرارات مليشيات الحوثي فرز مناطقي، وتشكل خطرًا على البنوك التي ستفقد عملائها، إذ إن البنوك التي توجد الآن في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، أغلب عملائها من مناطق الشمال التي تسيطر عليها المليشيات الحوثية، وبموجب هذه القيود الحوثية الأخيرة، سيصبحون ممنوعين من الدخول في مزادات البنك المركزي في عدن.

يأتي هذا في الوقت الذي كانت فيه الخزانة الأمريكية قد قدرت قيمة الأصول التي استولى عليها صالح الشاعر الذراع الاقتصادي لعبده الحوثي بأكثر من 100 مليون دولار. بينما قدرت منظمة سام للحقوق والحريات تلك الأموال التي نهبوها بالقوة بأكثر من مليار دولار، جلها من القطاع الخاص، ومن قادة سابقين في الدولة.

كلمات دالّة

#اليمن