الجمعة 29-03-2024 04:30:15 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإصلاح.. إستراتيجية الشراكة الوطنية ونبذ الإقصاء (الأولى)

السبت 14 يناير-كانون الثاني 2023 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت-خاص

 

مع بزوغ فجر الوحدة اليمنية المباركة التي ظل اليمنيون في تعطش لها وشوق إليها ردحا من الزمن والتي أعلن عنها في 22 مايو 1990، كان اليمنيون على موعد مع ميلاد فجر آخر بالتزامن مع ميلاد الوحدة المباركة بين الشطرين، تمثل بالإعلان عن حزب جديد هو "التجمع اليمني للإصلاح" في 13 سبتمبر من العام نفسه وانطلاق مسيرته ووضع لبناته الأولى قبل أن يتحول إلى مشروع وطني كبير، وحلم مشترك لمعظم اليمنيين بكافة شرائحهم ومستوياتهم، فقد وجدوا فيه بغيتهم وأولوه ثقتهم، ليجعلوا منه ناطقا ومعبرا عن همومهم وتطلعاتهم، لما حمله من رؤى سياسية واضحة وأهداف وطنية وأفكار خلاقة.

ومنذ تأسيسه ظل الإصلاح متمسكا بخياره الديمقراطي ونضاله السلمي، ليعكس صورة أكثر إشراقا من خلال رؤيته التي انطلق منها وممارساته السياسية وأنشطته المختلفة عبر المراحل التي مر بها والظروف التي عايشها والأدوار المختلفة التي قام بها.

 

نظرة شاملة

ينظر الإصلاح إلى العمل السياسي بنظرة أكثر نضجا وشمولية، لتتشكل لديه مفاهيم بناءة يراهن من خلالها على خوض المنافسة والوصول إلى الصدارة، وكسب ثقة اليمنيين وبناء قاعدة جماهيرية عريضة، إذ وجدوا فيه أملا مشرقا وحلما كبيرا لتحقيق تطلعاتهم وطموحاتهم.

ووفقا لرؤية الإصلاح فإن التداول السلمي للسلطة هو جوهر الشورى والديمقراطية التي يدعو إلى ترسيخها في البلاد، ولن يكون النظام السياسي شوروياً ديمقراطياً ما لم يتضمن الآليات التي تتيح للأحزاب والجماعات السياسية التي تحظى بأغلبية وتأييد شعبي تولي السلطة لتنفيذ البرنامج الذي تدعو إليه وذلك من خلال اقتراع دوري يحتكم الجميع إليه، وهو طرح يتسق مع مفهوم الديمقراطية، إذ يرى أن الديمقراطية الشوروية كآلية حضارية للتداول السلمي للسلطة تمثل التجسيد العملي لمفهوم الحرية، وتمكن الشعب من حقه في اختيار حكامه ومراقبتهم ومحاسبتهم وعزلهم، لتصبح السلطة السياسية أداة لخدمة المجتمع وتنظيمه وصيانة حقوقه وحرياته، لا عبئا يصعب التخلص منه، كما تضمن التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع كطريق أسلم وأمثل لحل إشكالية إنتقال السلطة، وضمان استقرار الوطن والحفاظ على أمنه واستقلاله وحماية وحدته وأراضيه.

 

مبادئ راسخة

يركز التجمع اليمن للإصلاح في نظامه الأساسي على احترام إرادة الشعب وحقه في اختيار من يمثله من خلال الآليات الديمقراطية المكفولة في الدستور ويولي ذلك اهتماما بالغا من خلال رؤيته في: "تمكين الشعب من ممارسة حقه في تقرير شؤونه العامة، واختيار ممثليه، وولاة أمره، ومحاسبتهم، وتجديد الثقة بهم، وممارسة النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، باعتبار ذلك من الحقوق والفرائض الشرعية".

ويسعى الحزب إلى تكريس مفاهيم الديمقراطية ومبادئها الأساسية وأهمها "تعميق مبدأ الشورى والممارسة الديمقراطية في المجتمع لضمان تداول السلطة سلميا، وممارسة الحريات العامة والخاصة، وحرية الرأي والتعبير التي كفلتها الشريعة الإسلامية والدستور، وضمان كرامة الإنسان اليمني وحمايته من التعرض للامتهان والأذى، وتعميق لغة الحوار والتفاهم".

ويرى الإصلاح في برنامجه السياسي أن التعددية السياسية والحزبية تمثل "الأساس المكين لتداول السلطة وانتقالها سلميا بين الجماعات والقوى السياسية المنظمة، والوسيلة الأكثر فعالية والأعمق نظرا في إنضاج الوعي السياسي في المجتمع وتقويته وتعزيز مناعته منعا للاستبداد وصونا لحقوق الأفراد وحرماتهم وحرياتهم".

كما تمثل "أفضل الصيغ الكفيلة باستيعاب المعارضة ومنحها مشروعية العمل من خلال الوسائل الشوروية الديمقراطية وإتاحة الفرصة أمامها للوصول إلى الحكم، أو المشاركة فيه طالما حاز برنامجها على ثقة الأغلبية الشعبية".

 

انضباط وإيجابية

وعلى غير العادة وخلافا للأحداث السائدة في المنطقة العربية التي شهدت انقلابات عسكرية للسيطرة على الحكم في بلدان عدة، فقد انطلق الإصلاح في مسيرته السلمية مجسدا أنموذجا مدنيا فريدا وصورة أكثر رقيا، متخطيا كل الاستفزازات والمحاولات لثنيه عن مساره السلمي ونهجه الحضاري.

ومع اندلاع ثورات الربيع العربي في العام 2011 وانضمام اليمن إلى ركب تلك الثورات ظل الإصلاح متمسكا بخياره السلمي ونهجه الحضاري رغم المحاولات المتكررة التي بذلت لجره إلى مربع العنف وحرف مسار الثورة عن سلميتها رغم التضحيات التي قدمها الحزب والأخطار التي أحاطت به.

ولم تكن ثورة 11 فبراير السلمية وليدة اللحظة أو ترفا سياسيا أو محاكاة جوفاء للدول التي ضمت تلك الثورات، بل كانت نتاج لتراكمات سياسية عويصة، ووصول البلاد إلى طريق مسدود وانعدام سبل الحل، نتيجة للعبث واستشراء الفساد المالي والإداري وسياسة الفوضى التي ضربت الحياة السياسية وعرقلة نموها.
وطوال احداث الثورة الشبابية السلمية حرص الإصلاح على إرساء مبدأ الشراكة والتوافق مع مختلف القوى السياسية والمكونات المجتمعية للسير بالثورة السلمية إلى غاياتها وتحقيق أهدافها النبيلة دون استئثار أو إقصاء لأحد.

 

فرصة حل

ونتيجة لإصرار الثوار في المضي لتحقيق مطالبهم بإرادة لا تنكسر وعزيمة لا تلين يقابل ذلك تعنت كبير من قبل النظام، فقد تقدم مجلس التعاون الخليجي بمبادرة لحل الأزمة اليمنية والخروج بالبلاد إلى بر الأمان، حيث كان حزب الإصلاح ضمن من بارك هذه الخطوة ودعا للتوقيع عليها، واعتبرها فرصة ثمينة للحل، لاحتواء الأزمة إقليمياً وعربيا وتفويت الفرصة لتدويلها، كما حصل في دول أخرى، وعلى الرغم من تعثر تلك المبادرة فقد نظر الإصلاح إليها من زاوية إيجابية، حققت إلى حد ما نجاحا نسبيا، وعملت على تحقيق توازن بين مطالب الثورة الشبابية في البلاد وبين الحفاظ على وحدة اليمن وتحقيق قدر من السلم والوئام الاجتماعي، ونجحت في نزع فتيل الحرب الأهلية التي كانت على وشك الاندلاع في اليمن، نتيجة لما آلت إليه الأوضاع من توتر ملحوظ في تلك الفترة، فقد جرى ووفقا للمبادرة الخليجية نقل السلطة بطريقة آمنة جنبت اليمن الوقوع في أتون فوضى عارمة وحرب أهلية.



تجسيد مبدأ الشراكة

ووفقا لبنود المبادرة الخليجية التي وقع عليها الحزب الحاكم والأحزاب المعارضة والتي نصت على دعوة رئيس الجمهورية المعارضة إلى تشكيل حكومة وفاق وطني وبنسبة 50% لكل طرف، فقد تم تشكيل حكومة الوفاق الوطني طبقا لما نصت عليه المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وكان موقف الإصلاح جليا في حرصه على تجسيد مبدأ الشراكة وتقديمه للتنازلات في سبيل ذلك ولم يطالب حينها بتمثيله وفقا لمكونه الحقيقي في الساحات، بأن تكون حصته في الحكومة تتناسب مع حجمه الجماهيري أو تمثيله في مجلس النواب، بل ارتضى أن تكون الحصة من الحكومة أربع حقائب هي مجمل ما حصلت عليه المعارضة مجتمعة، وعمل على دعم تلك الحكومة ومساندتها من أجل تجاوز العقبات والتحديات التي وضعت أمامها بغية إفشالها من أجل تفجير الأوضاع وإفشال المبادرة الخليجية والمضي في خيار الحرب والتي بدأت بوادرها تلوح في الأفق، لتكرار سيناريوهات بعض الدول التي انزلقت إلى العنف والاقتتال الداخلي، وحرف الثورة اليمنية السلمية عن مسارها الحضاري وخيارها السلمي الذي حافظت عليه منذ 11 فبراير وهو اليوم الذي اندلعت فيه شرارة الثورة.

 

نحو رؤى توافقية

وبموجب اتفاق نقل السلطة الذي تم بمبادرة خليجية تحت إشراف الأمم المتحدة، ونتيجة للتباينات التي رافقت المرحلة الانتقالية والإشكالات التي برزت من هنا وهناك والرؤى المتباينة التي طفت على السطح، فقد كان لزاما أن تتم الدعوة إلى حوار وطني يمثل مختلف القوى الوطنية والمكونات الاجتماعية لبحث القضايا العالقة وتقريب وجهات النظر والاتفاق حول رؤية موحدة وحلول مشتركة.

في هذا السياق، قدم الإصلاح عدة رؤى وتصورات حول مختلف القضايا التي انصب حولها الخلاف والتي كانت محل إشكال للكثير من النخب والقوى الوطنية، شملت "رؤيته حول شكل الدولة" و"رؤيته حول نظام الحكم" و"رؤيته حول القضية الجنوبية (الحلول والضمانات)" و"رؤيته لبناء الجيش ودوره" و"رؤيته لبناء الشرطة".

وشملت الحوارات التي انطلقت في 18 مارس 2013 عدة قضايا شائكة منها القضية الجنوبية، في ظل ارتفاع الدعوات المطالبة بالانفصال، وقضية صعدة، وأسس بناء الجيش والقوى الأمنية والقضايا ذات البعد الوطني ومنها قضية النازحين واسترداد الأموال والأراضي المنهوبة، فضلا عن قضية المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية وبناء الدولة، والحكم الرشيد، وأسس بناء الجيش والأمن ودورهما، بالإضافة إلى استقلالية الهيئات ذات الخصوصية والحقوق والحريات.

وقد ارتفع صوت الإصلاح في تلك المرحلة عاليا منحازا للقضايا العادلة ومطالبا بالحلول الجذرية لأهم القضايا الشائكة والعالقة والتي مثلت حجر عثرة أمام استقرار الأوضاع والبدء في بناء الدولة الحديثة، لاسيما القضية الجنوبية وقضية صعدة، وقدم تصوراته ورؤاه البناءة التي عكست اهتمامه بالقضايا الوطنية وحضوره الدائم في هموم الشعب وتطلعاته، واستشعاره المسؤولية كحزب له ثقله في الساحة حظي ويحظى باحترام قطاع كبير من أبناء الشعب الذي علق عليه آمالا عريضة للقيام بدور تجاه مختلف القضايا الوطنية.

 

جهود مثمرة

وقد أثمرت جهود القوى الوطنية والأحزاب السياسية وعلى رأسها التجمع اليمني للإصلاح من خلال الدفع لإنجاح مؤتمر الحوار الوطني، والذي تمخض عنه ما عرف بـ"وثيقة مخرجات الحوار الوطني" والتي جاءت كنتيجة للتوافق الوطني بين مختلف القوى السياسية والمكونات المجتمعية لمعالجة إشكالات الماضي والانتقال الى مستقبل آمن، ودولة تكفل الحقوق والحريات والمواطنة المتساوية لكل أبناء الوطن، وحظيت بمشاركة ودعم شعبي وإقليمي ودولي غير مسبوق، إذ مثل الدعم الدولي أحد الضمانات الهامة لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، فكانت حاضرة ضمن قرارات مجلس الأمن المعنية باليمن التي نصت على دعمها، ومعاقبة من يحاول إعاقة تنفيذها.

وقد مثّلت هذه الخطوة حدثًا تاريخيا بارزًا في مسار التسوية السياسية في اليمن، ونموذجًا مشرقا يُحتَذَى به كآلية حضارية للتغيير على مستوى دول الربيع العربي في مرحلة ما بعد الثورات الشبابية والتي شهد بعضها صراعات دامية منذ وقت مبكر كنتيجة لتلك الثورات، فعلى مدى عشرة أشهر وبمشاركة مجتمعية واسعة، اشتركت فيه قوى الثورة المطالبة بالتغيير وممثلين عن حزب المؤتمر، بالإضافة إلى قوى ومكونات لم تُعدّ يومًا ضمن المشهد السياسي، كالحوثيين، وبعض مكونات الحراك الجنوبي، والشباب، والمرأة، ومنظمات المجتمع المدني والمهمشين، لرسم ملامح يَمَن جديد كإفراز للثورة الشبابية، وتسوية قضايا صراعية مزمنة ظلت عالقة لفترات طويلة وعانى منها اليمن لسنوات.



وأد الحلم

وفي الوقت الذي كانت فيه اليمن تتزين استعدادا لعرس تاريخي فريد، وكان اليمنيون على موعد مع عهد جديد ويمن مشرق ومستقبل أفضل، في الوقت ذاته كانت فيه مليشيات الحوثي المتمردة قد فرغت من تجهيز خطتها للانقضاض على حلم اليمنيين الذي وضعوا لبنته الأولى لبناء مشروع اليمن الكبير الذي يتسع لكل اليمنيين ويضعهم على قدم المساواة، فما إن تنفس الشعب الصعداء للانطلاق إلى مرحلة أخرى بعد مراحل عديدة اتسمت بالظلم والقهر والفساد والفوضى، حتى فوجئ باختلاط الأوراق من جديد، بعد ظهور دوامة جديدة للعنف والخراب والفوضى، تمثلت بتحرك حوثي مدعوم من بعض القوى المحلية والدولية في اتجاه العاصمة صنعاء، لتعلن انقلابها على مخرجات الحوار الوطني.

 

خطر داهم

واستشعارا للخطر الذي بدأت بوادره تلوح في الأفق وحفاظا على مكتسبات الثورة والجهود الكبيرة التي بذلت من أجل تعزيز التوافق والشراكة الوطنية فقد استجابت الأحزاب السياسية وقدمت تنازلات للتوقيع على ما عرف حينها بـ"اتفاق السلم والشراكة" مع الجانب الحوثي برعاية أممية وبحضور رئيس الجمهورية السابق عبد ربه منصور هادي، ينص على أن يجري الرئيس مشاورات تفضي إلى تشكيل "حكومة كفاءات" في غضون شهر وتعيين مستشارين سياسيين للرئيس من الحوثيين والحراك الجنوبي.

غير أن مليشيات الحوثي ما لبثت أن نفذت انقلابا آخر تمثل بتنصلها عن اتفاق السلم والشراكة نفسه، ولم تقف المليشيات الحوثية عند هذا الحد حتى استكملت سلسلة انقلاباتها ليصل الأمر إلى انقلابها على الدولة والشرعية وسيطرتها على المقرات والوزارات والمؤسسات الحكومية، محدثة خرابا هائلا ودمارا كبيرا مخلفة الكثير من الضحايا، ومتسببة بانهيار كامل لكل الجهود التي بذلت لبناء يمن جديد والخروج بالبلد إلى بر الأمان، وإنجاح التوافق والشراكة الوطنية.

كلمات دالّة

#اليمن