الجمعة 19-04-2024 08:15:24 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحوثيون بعد قدوم "إيرلو".. ترسيخ النفوذ الإيراني وتجسيد العنف الطائفي

الأحد 24 يناير-كانون الثاني 2021 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت – خاص / عبد السلام الغضباني

 

برزت خلال الأشهر الأخيرة متغيرات عديدة في سلوك مليشيات الحوثيين، بعد تعيين إيران حاكم عسكري في العاصمة اليمنية صنعاء التي تسيطر عليها المليشيات الحوثية، يحمل صفة "سفير"، وبدأت تطفو إلى السطح مشاهد غير مألوفة، تأتي كنتيجة لتزايد النفوذ والهيمنة الإيرانية في اليمن، وسعي إيران والحوثيين إلى إقامة ما يسمونها "دولة آل البيت"، وفقا لتصريحات علنية لقيادات حوثية، في الوقت الذي بدأت فيه ملامح عنف طائفي وحرب إبادة جماعية، كما يحدث في منطقة الحيمة بمحافظة تعز.

ويعد إيرلو من أبرز قادة ما يسمى الحرس الثوري الإيراني، وهي قوات عسكرية إيرانية تتمثل مهمتها الرئيسية في الحفاظ على النظام الطائفي الحاكم في طهران والتدخل العسكري في البلدان الأخرى، ونشر وحماية مبادئ وأفكار الثورة الخمينية. وتفيد بعض المصادر أن إيرلو خبير عسكري ويقيم في مناطق سيطرة الحوثيين منذ سنوات، ويشرف على عمليات تطوير وتصنيع صواريخ باليستية وطائرات مسيرة بواسطة خبراء إيرانيين، وتستخدمها مليشيات الحوثيين لتنفيذ هجمات متتالية تطال المدن المأهولة بالسكان في السعودية، كما تطال مدنا يمنية محررة مثل مأرب وتعز وغيرها.

- متغيرات ومشاهد جديدة

لعل أبرز المتغيرات الطارئة في الأزمة اليمنية، بعد تعيين إيران المدعو حسن إيرلو حاكما عسكريا في مناطق سيطرة الحوثيين، أن وسائل إعلام إيرانية بدأت بنشر تصريحات لإيرلو يتحدث عن اليمن بشكل عام وكأنه أصبح الحاكم الشرعي للبلاد، وآخر تلك التصريحات اتهامه منظمات دولية بممارسة ما وصفها بالأنشطة المشبوهة في اليمن، وقال إن هناك 170 منظمة تعمل على طمس الحضارة، وتغذي ما وصفها بالحرب الناعمة في اليمن، وشبّه الوضع في اليمن بما مرت به إيران سابقا، وقال إن بلاده اتخذت إستراتيجية متقدمة لاستعادة الحضارة.

وقبل التصريحات المذكورة بأيام، عقد إيرلو اجتماعا مع بعض ممثلي الفصائل الفلسطينية في العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون، وتحدث معهم بطريقة وكأنه حاكم رسمي لليمن. وتفيد مصادر إعلامية بأن خلافات نشبت بين إيرلو والقيادي الحوثي مهدي المشاط، رئيس ما يسمى "المجلس السياسي" للانقلابيين، بعد أن بدأ إيرلو بمحاولة الانفراد الكامل بقرار الحوثيين ومصادرة صلاحيات قادة الجماعة الذين يجب عليهم تنفيذ الأوامر فقط، لدرجة أنه حاليا هو من يقود التحركات لحشد القبائل للخروج في مظاهرات رفضا لقرار الولايات المتحدة الأمريكية بتصنيف مليشيات الحوثيين كمنظمة إرهابية، كونه قرار يدين أيضا إيران بصفتها راعية للإرهاب وتعيّن سفراء لها لدى المنظمات الإرهابية.

كما يعمل إيرلو على تطييف المجتمع اليمني بخطوات متسارعة ومكشوفة، ومن أمثلة ذلك، أن الدورات الطائفية الحوثية لم تعد تقام في أماكن سرية داخل المدن وتستقطب بعض الفئات، وإنما أصبح التطييف يُمارس بشكل علني في المدن والأرياف والمناطق النائية، وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، في الأيام الماضية، مقاطع فيديو لمدرسين حوثيين وهم يلقنون طلابا وطالبات من صغار السن أفكارا طائفية يرافقها طقوس طائفية مثل ضرب الأيدي على الصدر وغير ذلك.

وتزامنا مع ذكرى مقتل الإرهابي قاسم سليماني بواسطة طائرة أمريكية بدون طيار في العراق، وجه حسن إيرلو مليشيات الحوثيين بتعليق صور سليماني في كافة شوارع العاصمة صنعاء وشوارع المدن الأخرى التي يسيطرون عليها، وتمويل تكاليف طباعتها من أموال المواطنين المنهوبة بمسميات شتى، حتى بدت صنعاء والمدن الأخرى التي يسيطر عليها الحوثيون وكأنها مقاطعات إيرانية بامتياز.

ويعمل إيرلو، منذ تعيينه كحاكم عسكري في صنعاء في أكتوبر الماضي، بوتيرة عالية لإعادة هيكلة مليشيات الحوثيين، وكانت البداية من اغتيال القيادي في الجماعة حسن زيد، أي تصفية الجماعة من أي مكونات أو أجنحة أو قيادات داخلها يشكك في ولائها الكامل لزعيم المليشيات عبد الملك الحوثي، الذي يعد صناعة إيرانية خالصة، كونه درس فيها وتلقى تعليماته منها ويدين لها بالولاء الكامل، وبنفس الوقت يعمل إيرلو على تعزيز قوة الجناح الرئيسي في الجماعة التابع لعائلة آل الحوثي، أو ما يعرف بـ"جناح صعدة"، وهو الجناح الأكثر تطرفا وإرهابا وإخلاصا لإيران ومشروعها التخريبي في اليمن ومنطقة المشرق العربي بشكل عام.

إجمالا، تتوالى عدة متغيرات منذ ظهور حسن إيرلو في صنعاء كحاكم عسكري يحمل صفة "سفير" للتمويه، فمن تزايد مساعي تطييف المجتمع اليمني، إلى تكثيف التجنيد في صفوف المليشيات، والإعلان عن منظومات دفاعية وأسلحة جديدة مرتقبة، والتصعيد ضد السعودية من خلال الهجمات بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، وتزايد وتيرة القمع والعنف الطائفي الممنهج ضد المدنيين المسالمين، كما يحصل في منطقة الحيمة بمحافظة تعز، وكذا تزايد التضييق على المواطنين، وإغلاق مشاريع استثمارية شخصية، ومنع حفلات التخرج من الجامعات، وزيادة نهب المواطنين والتجار والمزارعين والشركات بمسميات شتى أبرزها دعم المجهود الحربي، وغير ذلك من الممارسات التي حولت حياة المواطنين في مناطق سيطرة المليشيات الحوثية إلى جحيم لا يُطاق.

- دلالات متعددة

هناك عدة دلالات للمتغيرات والمشاهد الجديدة التي طرأت على سلوك المليشيات الحوثية منذ أكتوبر الماضي، عندما أعلنت إيران تعيين حسن إيرلو سفيرا لها لدى المليشيات في صنعاء، الذي بدأ بتحركات علنية استفزازية، بينما صعّدت المليشيات الحوثية من ممارساتها الإرهابية، وفيما يلي أهم تلك الدلالات:

- أن إقدام إيران على مثل هكذا خطوة ما كان لها أن تتم لولا طول أمد الحرب التي توشك على الدخول في عامها السابع، وغياب أي مؤشرات لحسم المعركة ضد الانقلاب الحوثي، وظهور عدة مليشيات لا تعترف بالسلطة الشرعية وتحاربها في أكثر من جبهة، وبالتالي فإن إيران ترى ذلك انتصارا لمشروعها، وتحركاتها هذه تأتي في سياق تعزيز مكاسبها والحفاظ على ما تحقق من منجزات تخدم مشروعها التخريبي.

- ما زالت طهران تتعامل مع الصراع في اليمن من زواية أن صنعاء رابع عاصمة عربية تسقط بيد إيران، وأن الإمبراطورية الفارسية عادت وعاصمتها بغداد، وتعيين حاكم عسكري فيها يحمل صفة "سفير" هو تأكيد منها بأنها لن تفرط بما حققته مليشياتها من منجزات، كون "إيرلو" لم يأتِ من الحقل الدبلوماسي، للتمويه بأنه مجرد "سفير"، وإنما اختارت شخصا ذا خلفية عسكرية، وهو مؤشر بأن مهمته في صنعاء ومختلف مناطق سيطرة الحوثيين ستكون مهمة عسكرية بحتة لا شأن لها بالعمل الدبلوماسي.

- اندفاع مليشيات الحوثيين وراء حسن إيرلو، وتنفيذ تعليماته وتوجيهاته أكثر من اللازم، يؤكد بأنها مجرد ذراع إيرانية، لا يهمها مصلحة اليمن ولا اليمنيين، بل فمصالح إيران مقدَّمة حتى على مصالحها الذاتية، وخدماتها التي تقدمها لإيران فاقت ما تقدمه المليشيات المشابهة لها في بلدان عربية أخرى من خدمات لإيران، ولذا فهي مستعدة بالتضحية باليمن واليمنيين وبمقاتليها وأنصارها وحتى قادتها خدمة لإيران ومشروعها التخريبي.

- تؤكد مجمل المتغيرات، التي لم تظهر بعد كاملة، أن سلوك المليشيات الحوثية يفوق سلوك أسوأ جماعات العنف والإرهاب في العالم، ولعل تزايد سلوكها الإرهابي خلال الأشهر الأخيرة هو ما دفع الإدارة الأمريكية لتصنيفها كمنظمة إرهابية، وتصنيف قادتها الكبار كإرهابيين دوليين، وفي مقدمتهم زعيم المليشيات عبد الملك الحوثي، بعد أن ظلت تتردد عن اتخاذ مثل هكذا خطوة منذ عدة سنوات.

- حدود التأثير

لا شك أن تنامي سلوك مليشيات الحوثيين الإرهابي، وزيادة الغطرسة الإيرانية في معظم محافظات شمالي اليمن، سيؤثر كثيرا ليس على مسار الحرب على الانقلاب فقط، ولكن سيؤثر أيضا على المواطنين المُنهكين أصلا، بعد نهب رواتب الموظفين الحكوميين، والتضييق على القطاع الخاص، ونهب المساعدات، والتجنيد الإجباري، وافتعال أزمات في المشتقات النفطية، وزيادة الضرائب والجمارك على مختلف السلع التي صارت أسعارها مرتفعة للغاية، حتى صارت الأزمة الإنسانية في اليمن أسوأ أزمة في العالم، بسبب جشع ولصوصية المليشيات الحوثية.

ولعل أخطر ما في الأمر، أن الإيراني "حسن إيرلو" الذي أصبح المتحكم والموجه الرئيسي لمليشيات الحوثيين، تحركه عقيدة قتالية استئصالية موجهة ضد المسلمين السنة، وسبق لإيران تعميمها في سوريا والعراق، وهو ما يجري تنفيذه حاليا في منطقة الحيمة بمحافظة تعز، وسيجري تنفيذه لاحقا في مناطق أخرى، ما لم يتحرك المجتمع الدولي لوضع حد لجرائم المليشيات الحوثية الإرهابية، وما لم تتحرك السلطة الشرعية والتحالف العربي الداعم لها لسرعة الحسم العسكري ضد انقلاب المليشيات الحوثية، التي أصبحت تشكل خطرا على اليمن وجواره الإقليمي، وتهدد أيضا مصالح العالم باستهدافها طريق التجارة الدولية المارة عبر مضيق باب المندب بالهجمات الصاروخية والزوارق المفخخة والألغام البحرية، وغير ذلك.