الخميس 18-04-2024 05:08:10 ص : 9 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

خصخصة التعليم.. الحوثيون يحولون المدارس إلى أوكار مفخخة بالطائفية

الإثنين 19 أكتوبر-تشرين الأول 2020 الساعة 09 مساءً / الاصلاح نت-خاص/ زهور اليمني

لا شيء يقف أمام بحث المليشيات الحوثية عن المال، ورفد الخزينة التي لا يقع عليها أية مسؤوليات تجاه المواطن، أو التزام في النفقات، فكانت ولا زالت المؤسسات التعليمية أحد الروافد المالية التي اتجهت إليها للحصول على الإيرادات.

ففي الوقت الذي تبذل فيه الكثير من بلدان العالم جهودا مكثفة لمحو أمية الصغار، تعمل المليشيات على تحقيق هدف أساسي بالنسبة لها، يرتبط بتوسيع أمية الطلاب تحت مسميات عديدة، بما يسمح لها بالسيطرة على عقولهم، ولعل آخر ما قامت بها لتحقيق هذا الهدف هو إلغاء مجانية التعليم، وتحويل عدد من المدارس الحكومية إلى مدارس خاصة، ضمن مخطط لتعميم هذه الخطوة على مئات المدارس في صنعاء وعدد من المحافظات الأخرى، وفرض رسوم خيالية على الطلاب والطالبات، في قرار جديد يهدد آلاف الطلاب بالحرمان من التعليم المجاني.

  

مشروع مصيره الفشل

مع بداية العام الدراسي الجديد، توجهت وزارة التربية والتعليم الانقلابية لخصخصة التعليم العام، وتدشين نظام التعليم الخاص الذي سيضاهي المدارس الأهلية من حيث الرسوم، إذ سيتم استخدام المرافق التعليمية التي بنيت على نفقة الدولة، بهدف حصول كل المواطنين على التعليم المجاني، لتنفيذ مشاريع استثمارية على حساب التعليم والطلاب.

ومن ضمن المدارس التي خضعت لهذا القرار مدرسة بلقيس للبنات، التي تعد من كبرى المدارس الحكومية في صنعاء، إذ تم تحويلها إلى مدرسة أهلية للذكور، وتم تدشين نظام التسجيل في المدرسة بنفس رسوم المدارس الأهلية، إذ أقرت فرض رسوم من الصف الأول إلى الصف السادس بـ65 ألف ريال، ومن الصف السابع إلى الصف التاسع بـ85 ألف ريال، ومن الصف الأول الثانوي إلى الصف الثالث الثانوي بـ95 ألف ريال.

وتعد مدرسة بلقيس للبنات من أوائل المدارس التي تم افتتاحها بعد ثورة 26 سبتمبر 1962، وكانت نموذجا فريدا من حيث جودة التعليم، واستطاعت المحافظة على مكانتها حتى اللحظة.

التقينا بأحد الموجهين في أمانة العاصمة، والذي تحدث عن تداعيات هذا القرار حيث قال: "هذا القرار الذي ينص على تخصيص مدرستين من كل مديرية بأمانة العاصمة، لتنفيذ مشروع التعليم المدفوع خلال الفترة المسائية، واستمرار الدراسة بنظام التعليم العام في الفترة الصباحية على حالها، ولأساتذة المدارس التي يطبق فيها النظام أولوية في العمل مساءً سيكون مصيره الفشل، ولن يشهد معدلات التحاق مقبولة من الطلاب لصعوبة الدراسة والاستيعاب في الفترة المسائية، التي كان هناك توجه حكومي للتخلص من الدراسة فيها".

وأضاف: "هذا القرار يمثل ضربة للتعليم، يتبع الضربات السابقة التي وجهتها المليشيات للعملية التعليمة والتي تمثلت بتغيير المناهج الدراسية بمقررات طائفية، ومصادرة رواتب المعلمين والتجنيد الإلزامي للطلاب، وحملات ملاحقة بالجملة شملت مدرسين وطلبة، بالإضافة لتفجير مئات المدرس وتحويل أخرى إلى ثكنات عسكرية".

واختتم حديثه بقوله: "إن خصخصة التعليم سيسهل للحوثيين تحويل الطلبة لمقاتلين لهم، وإشراكهم في دورات ثقافية تفرخ الكراهية، ولن تقدم أكثر من الموت في الدفاع عن مشروع نظامهم الإرهابي".

أحد أولياء الأمور تحدث إلينا عن قرار خصخصة التعليم خاصة في مدرسة بلقيس، وتحويلها لمدرسة للبنين وحرمان البنات من الدراسة فيها، وأثر ذلك على أولياء الأمور والطلاب، حيث قال: "إن تخصيص مدرسة بلقيس الحكومية والتي كانت توفر التعليم المجاني لأبنائنا، هي واحدة من ممارسات التدمير الممنهجة للقطاع التربوي التعليمي، والتي تحولت لمصدر جديد للجباية وإثراء وتمويل جيوب المليشيات، يضاف إلى سجلها الأسود الحافل بالانتهاكات والتعسفات بحق التعليم العام ومنتسبيه، وستضاعف من معاناتنا نحن أولياء الأمور".

وأضاف: "الأسر ذات الدخل المحدود لن يكون بمقدورها تعليم أبنائها إثر الحالة المادية الصعبة، وأنا أحد الآباء الذين سيتضررون من هذا القرار، حيث إن بناتي الأربع كن يدرسن في مدرسة بلقيس".

بالمختصر، إنه مشروع استثماري يضاف إلى سجل المشاريع التي تبنتها المليشيات منذ أول يوم للانقلاب، وأسهمت في انهيار العملية التعليمية، في ظل عدم مبالاة بالنتائج المترتبة على الطلاب الذين يمثلون مستقبل اليمن.

أما الأستاذ عادل وهو أحد المدرسين في أمانة العاصمة، فيؤكد أنه منذ انقلاب الحوثيين والتعليم يواجه تحدّيات كبيرة، من انقطاع رواتب المعلمين وأدلجة التعليم، لكن التحدّي الأبرز كان بداية خصخصة التعليم بشكل رسمي، فيما سماها الحوثيون "المساهمة المجتمعية". 

وأضاف: "ككل العبارات الحوثية المضللة، تبدو "المساهمة المجتمعية" كلمة مخاتلة يقصد بها العكس، فهي تعني الخصخصة بينما يحاول الحوثيون تقديمها بصفتها إسهاما مجتمعيا في تقديم رواتب للمعلمين، وكأن مسؤولية المجتمع القيام بمهام الدولة التي يسيطرون عليها ودفع الرواتب نيابة عنهم".

  

تقارير تكشف انتهاكات المليشيات بحق العملية التعليمية:

على وقع مسلسل التدمير الحوثي الممنهج بحق قطاع التعليم العام والأهلي، كشفت مجلة "إنسايد أرابيا" الأميركية للدراسات التحليلية، في تقرير لها، أن الحوثيين يكثفون حملتهم الأيديولوجية والطائفية والعنصرية من أجل إحياء الإمامة التي طوى صفحتها اليمنيون.

وقالت المجلة: "كثف الحوثيون حملتهم القاسية ضد الحريات التعليمية والمجتمعية في اليمن، حتى إنهم غيروا المناهج الدراسية لتمجيد الإمام الهادي يحيى".

ونقلت المجلة عن سكان في مناطق سيطرة الحوثيين قولهم إن "المليشيات أسست مدارس ومؤسسات جديدة في صعدة وبقية المحافظات المسيطرة عليها لنشر أيديولوجيتها بين الطلبة والمجتمع بشكل عام طوال فترة توسعها، مع تعزيز الفكر الأيديولوجي الإيراني".

أما المفوضية العليا لحقوق الإنسان فقد أصدرت أرقاما تُحصي وجود 1500 جندي من الأطفال في اليمن جميعهم دون الـ18 عامًا، تدفع لهم المليشيات مبلغًا يتراوح ما بين 80 و120 دولارًا شهريًا. كما أشارت تقارير حديثة صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" إلى أن العدد الأكبر من الأطفال غير الملتحقين بالمدارس معرضون لمخاطر التجنيد من قبل الجماعات المسلحة، وغيرها من أشكال الاستغلال وسوء المعاملة، ليكونوا ضحايا عدم الالتحاق بالمدارس.

تقرير آخر أعده مركز الدراسات والإعلام التربوي غير الحكومي يشير إلى أن نسبة 30% من إجمالي الطلبة المقيدين بالتعليم العام في وضعية البقاء على قيد المدرسة، ولم يتلقوا أي تعليم يذكر رغم حصولهم على نتائج النجاح، في حين 40% من المعلمين وموظفي التعليم فقط هم من تمكنوا من أداء عملهم إما بشكل كلي أو متقطع، وأن الساعات الدراسية التي تلقاها الطلبة أقل من المتوسط العام على المستوى الوطني.

وفيما يتعلق بالأرقام الخاصة بالتعليم بوصفها مؤسسات، يُظهر التقرير أن نحو 70% من المدارس أُغلقت، أي نحو 3584 مدرسة.

أما منظمة العفو الدولية فقد أكدت أن مليشيات الحوثيين تقوم بتجنيد الأطفال بإلحاقهم في مدرسة قرآنية بضواحي صنعاء، وذكرت بعض الأسر أن الضواحي التي تعيش فيها شهدت زيادة أعداد الأطفال الذين يجندون للقتال.

رئيسة مركز الطفولة الآمنة في اليمن هيام مبارك تقول إن الوضع أسوأ مما يُنشر في تقارير المنظمات الدولية عن حقوق الأطفال وتعليمهم، وتضيف أن واقع الأطفال في اليمن أسوأ بكثير مما تصوره تقارير المنظمات الدولية، حيث تشير إلى أن أكثر من مليون طفل محرومون من التعليم، وهو عدد يضاف إلى 1.6 مليون طفل آخرين لم يلتحقوا بمقاعد الدراسة أصلًا.

  

الإمامة تطل علينا من جديد

كان التعليم وما زال أهم وسيلة مجانية يطمح من خلالها الفقراء في الترقي والصعود ورفع مستوى معيشتهم، وقرار المليشيات بخصخصة التعليم يعني حرمان الفقير ليس فقط من حقوقه، بل من أحلامه ومستقبله أيضاً.

الأستاذ أحمد، مدرس في إحدى المدارس الأهلية، أخبرنا أنه كان يدرس في مدرسة أهلية، ويدرس أولاده فيها بعد أن أصبح التعليم الحكومي في الحضيض كبديل مؤقت، ظنا منه كما أخبرنا أن الأمور ستتغير بعد سنوات قليلة، لكن الأمور من سيئ إلى أسوأ مما اضطره إلى الرجوع للتدريس في المدارس الحكومية.

وأكمل حديثه قائلا: "نتيجة قرار المليشيات خصخصة التعليم يفكر الكثير من المدرسين بالالتحاق بالتدريس في الفترة المسائية بنظام التعليم الخاص في المدارس الحكومية، بالإضافة إلى دوامهم الصباحي للحصول على راتب لا يتجاوز 30 ألف ريال، وأنا واحد منهم بهدف تأمين إيجار المنزل الذي صرت مهدداً بالطرد منه، لكنني أعلم بأنني لن أكون قادراً على العطاء والشرح كما يجب، بسبب الإرهاق والتعب من الدوام الذي سيمتد من الصباح الباكر حتى المساء".

أحد التربويين الذي التقينا به تحدث عن تداعيات رفع الرسوم الدراسية وخصخصة التعليم حيث قال: "حينما قرن الثوار الإمامة بالجهل والفقر والمرض، كانوا يعنون جيدا ما يريدون، وها هي الإمامة تطل علينا مجددا من زاوية التجهيل والجهل والفقر والمرض بواسطة الحوثي، الذي يسعى إلى إعادة الشعب إلى تلك الحقبة من خلال خصخصة التعليم ورفع الرسوم الدراسية، وفرض جبايات حربية والتربح من التعليم على حساب مئات الآلاف من الطلاب الفقراء، وغيرها من القرارات التي جميعها تصب نحو أمية التعليم".

  

تهديد بإغلاق عدد من المدارس الأهلية

بعد أن انتهت من التدمير شبه الكلي لقطاع التعليم العام بمناطق سيطرتها، اتجهت المليشيات ومع بدء العام الدراسي الجديد 2020 – 2021، صوب التعليم الأهلي واستكمال تجريف العملية التعليمية، وفرضت حزمة من القيود الجديدة على المدارس الأهلية في العاصمة وبقية مناطق سيطرتها.

حيث كشفت مذكرة صادرة من وزارة التربية والتعليم الانقلابية، عن توجيهات بتغيير أسماء المدارس الأهلية التي تحمل أسماءً لدول أجنبية، أو أسماء لدول تحالف دعم الشرعية، وعقب التوجيهات تم النزول إلى عشرات من المدارس، مثل مدارس الفرنسية، والبريطانية، والأميركية، والصينية، والألمانية، ومدارس الخليج، والعالمية الحديثة، وغيرها، لإجبار ملاكها على سرعة تغيير أسمائها الحالية إلى أسماء بديلة.

وبحسب الوثيقة الممهورة بتوقيع وكيل وزارة التربية والتعليم الانقلابية عبد الله النعيمي، فقد ألزمت المدارس الأهلية بتفعيل الأنشطة المناهضة لدول التحالف والحكومية الشرعية، وكذا الأنشطة التي تخدم مشروعها الطائفي في الإذاعات المدرسية والمجلات الحائطية والملصقات، وغيرها من الأنشطة التي تقام داخل تلك المدارس.

كما منع في توجيهاته التي تضمنتها المذكرة إقامة الرحلات المدرسية المختلفة خارج المدينة التي توجد فيها المدرسة، والالتزام بعدم إقامة الحفلات المدرسية المختلفة خارج الحرم المدرسي.

وحددت المذكرة رواتب المعلمين في المدارس الأهلية، ومنحهم مبلغ ثلاثين ألف ريال شهرياً، ولمدة 8 أشهر.

هذا بالإضافة إلى أن وزارة التربية الانقلابية وجهت مذكرات إلى 45 مدرسة أهلية تنذرها بالإغلاق ما لم تلتزم باللائحة الجديدة التي وضعتها لابتزاز المدارس الخاصة، وبهذا تكون المليشيات فتحت بابا جديدا لابتزاز المستثمرين في التعليم الأهلي، والبعض بدأ بالفعل بدفع إتاوات مالية كبيرة تفاديا لعملية الإغلاق.

التقينا بمدير مدرسة أهلية الذي أخبرنا أنه منذ مطلع العام الدراسي الجاري وتوجيهات المليشيات لا تنتهي، حيث قال: "من قبل أن يبدأ العام الدراسي قام الحوثيون بإلزامي بتغير اسم المدرسة الخاصة بي بحجة أن الاسم لدولة كافرة، بالإضافة إلى ذلك ألزموني عبر قرار صادر من وزارة التربية بإحياء المناسبات الخاصة بهم، وتهديدي بإغلاق المدرسة إذا لم ألتزم بتنفيذ ذلك".

وأضاف: "لم يكتفوا بذلك بل قاموا بتعيين مشرف حوثي يشرف على تسجيل الطلبة، والعدد الذي سيلتحق بالمدرسة لأخذ حصتهم من المال الذي يعادل مدخول المدرسة".

وتابع والألم ظاهر على وجهه: "أقولها صراحة سأغلق المدرسة خلال الأيام المقبلة، فالحوثيون لم يتركوا شاردة ولا واردة إلا ودسوا أنفهم فيها، حتى إصبحنا بوقا يردد شعارهم وينفذ أجندتهم ويفخخ أفكار الطلاب".

وتجدر الإشارة إلى أن المليشيات أقدمت على تغيير أسماء عدد من المدارس الحكومية واستبدالها بأسماء طائفية، من بينها مدرسة خالد بن الوليد واستبدالها بمدرسة الإمام الهادي، كما استبدلت مدرسة عمر المختار بمدرسة على بن الحسين، واستبدلت مدرسة الفاروق بمدرسة الإمام زيد بن علي.

كل ذلك يأتي ضمن خطط مليشيا الحوثي لغرس أفكارها الطائفية، وطمس الهوية الوطنية، وتدمير العملية التعليمية، وتفخيخ عقول الطلاب.

كلمات دالّة

#اليمن