الجمعة 26-04-2024 01:16:05 ص : 17 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

تفكيك الخطاب الديني الحوثي(1)..مغالطات نصوصية وتوظيف سياسي

الخميس 15 أكتوبر-تشرين الأول 2020 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت - خاص/أحمد أبو ماهر

 

لم يشذ الحوثي عن سابقيه من أئمة اليمن في مشروعهم العنصري عبر التاريخ في خطابه (الديني) مستدعياً كل المصطلحات التي استخدمها أجداده السابقون وإسقاطها على اليمنيين في كل مناسباته وخطاباته، مثل "الولاية، الجهاد، الأمر بالمعروف، المظلومية التاريخية، الطغاة، الظلمة، العترة، المودة في القربى، الآل...إلخ"؛ إذ لا يكاد يخلو خطاب من خطابات الحوثي عبدالملك من هذه المفردات والمصطلحات التي يكرس بها الأيديولوجية الإمامية وفرضها على اليمنيين بقوة السلاح والإرهاب الفكري، معتبراً أن من لم يسلم بهذه المصطلحات مخالف يستحق القتل والتنكيل والتشريد، وهذا ما مارسه واقعاً عملياً على الأرض منذ ما قبل انقلابه على الدولة وحتى اليوم.


في حلقات متسلسلة سنتطرق إلى تكريس هذا الخطاب سواء في خطابات عبدالملك الحوثي أم لدى مليشياته عموماً.
يعمل المشروع الحوثي على استعادة الإمامة بكل جوانبها السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية لمحاولة تطييف المجتمع اليمني وفرض الاثناعشرية الجارودية الهادوية على اليمن، وإخضاع اليمن عبر أدواته المختلفة عسكرياً وسياسياً وفكرياً وسلالياً، فهو يستدعي الأحداث التاريخية والمصطلحات الفكرية التي استخدمها هذا المشروع من لدن يحيى الرسي مروراً بكل الأئمة السابقين وحتى اليوم.


قد يعتبر اليوم الكثير من المثقفين أن تلك الخطابات والمصطلحات عبارة عن استعراض خطابي فارغ لزعيم مليشيا إرهابية غلبت عليه قوة السلاح على قوة الفكر، لكن الحقيقة هي استدرار للعواطف وتكريس للفكر الطائفي، وتثبيت لواقعه الانقلابي والمليشوي وحشد للأنصار.


فتكرار مصطلح "الولاية" والاحتفاء به في كل مناسبة وغير ما مناسبة على اعتبار أن علي أحق بالولاية من كل الصحابة ليس لمؤهلات علي بن أبي طالب وتقدمه بعمله على بقية الصحابة في نشر ونصرة الإسلام/الدعوة في مراحلهما الأولى بل لاعتبارات أيديولوجية وسلالية تعطي نسله الاستمرار في هذا الحق من التسلط على المسلمين عبر التاريخ وإلا فإن كافة المسلمين مسلمين لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بخلافته على المسلمين حسب التسلسل الواقعي والتراتبية للرجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم ونصرتهم للدعوة والإسلام خاصة أن المسلمين السنة لا يفرقون بين الصحابة لا على أساس القرابة وإنما حسب النصرة وحسب ما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم بعضهم على بعض وقد أعطى كل صحابي حقه من الوصف والأوسمة المختلفة.


كان يحيى الرسي - مؤسس نظرية البطنين والإمامة في اليمن – هو أول من كرس مفهوم الولاية لعلي في كل خطاباته وأصل لها تأصيلاً فكرياً اعتبرها (ديناً) يدين به المسلمون والأتباع على اعتبار أنه أحق وراثياً بعد ذلك الحق لعلي في اليمن.


وقد قال في مقدمة كتابه (الأحكام) (1/36-38) "إن ولاية امير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب عليه السلام واجبة على جميع المسلمين، فرض من الله رب العالمين ولا ينجو احد من عذاب الرحمن، ولا يتم له اسم الإيمان حتى يعتقد بذلك يأيقن الإيقان، فمن انكر ان يكون علي أولى الناس بمقام رسول الله -صلى الله وسلم- فلابد ان يكون من كذب بهذين المعنيين في دين الله فاجراً وعند جميع المسلمين كافرا".


ثم جاء من بعده أبناؤه وأحفاده وأدعياء الإمامة القادمون إلى اليمن من الحجاز وبلاد الديلم وفارس وطبرستان وانتهجوا نهج الرسي المؤسس وصولاً إلى أكثر الأئمة تكريساً للفكر الإمامي سيراً على نهج يحيى الرسي وهو عبدالله بن حمزة وكرر هذه المقولات وجعلها في أكثر كتبه ورسائله وخطاباته للآخرين، وكررها يحيى حميد الدين في رسائله للقبائل وخطاباته في الأعيان، وذكرت في كتاب سيرته "الحكمة" أيضاً.


ويعتبر هذا الخطاب تكفيرياً أيضاً ينظر للآخر الذي لا يؤمن بخطاباتهم تلك على أنه عدو يجب محاربته واستئصاله، وهذا ما سار عليه كل أئمة اليمن الهادوية، وقد أباد عبدالله بن حمزة فرقة المطرفية وهم جزء من فرقتهم نتيجة لخلاف بسيط في قضية الولاية.


خصص الحوثيون مناسبة سنوية لهذا الأمر يحتفلون به في كل عام، يستدعون كل غث وسمين في الخطابات والشعارات بهذه المناسبة يدعون كافة اليمنيين للإيمان بها واعتناق هذه الفكرة التي هي في الأساس تثبيت لنهج الحوثية وانقلابه، على اعتبار الأحقية بالاتباع، وعدم الالتفات للشرعية، وإلغاء الجمهورية وفكر الثورة، تفرض ثقافة الإخضاع والتبعية الفكرية والمنهجية، وحشد المقاتلين للجبهات وتثويرهم للنصرة، واستمرار الصراع اليمني اليمني إلى ما لا نهاية لإبقاء الحوثية على تدفق الدماء لاستدعاء المظلومية التاريخية التي تبقي هذا الفكر جمراً تحت الرماد ينبعث مع كل عاصفة هوجاء من تاريخ اليمن وضعف الدولة المركزية وقمع الثورات المختلفة.


الإمامية عموماً والحوثية خصوصاً ليست فكراً دينياً بحتاً لمذهب فقهي معين بل هي إلى النظرية السياسية أقرب منها إلى الفكر الديني، وما الجوانب الدينية إلا جزء من حبل رفيع يبقي على قليل من التواصل مع الناس واستمرار الفكرة جيلاً بعد جيل واستدرار عواطف البسطاء.
من يتابع الخطابات الحوثية عموماً ويقرنها بالسلوك اليومي لها على الأرض يجد بوناً شاسعاً بينها وبين الروابط الدينية؛ فهي حركة قمعية تقتل بلا رحمة، وتنشر الرذيلة بين الناس من جوانب شتى، تغذي الشارع بالمخدارت ولا تلتفت إلى تزكية النفس وتهذيبها عبر الاطلاع الفقهي والحديث الديني واتباع السنن النبوية.


وما قضية الأغبري، واغتصاب النساء في السجون، واستدراج الشخصيات السياسية والاجتماعية عبر التسجيلات والتصوير إلا غيض من فيض من كثير من الممارسات التي تقوم بها هذه المليشيا.


مسألة الولاية لعلي بن أبي طالب مسألة عائلية وراثية ارتبطت بأيديولوجية نظرية سياسية إمامية كونه أحد قرابة النبي صلى الله عليه وسلم فاختلقوا له الهالة القدسية الكبيرة بتزوير الأحاديث وتحريف النصوص وتأويلها تأويلاً غير منطقي، ليأتي من يدعي انتساباً إليه ليقول أنه أيضاً من قرابة النبي، وعليه تحق له الولاية العامة للمسلمين.


حتى تركيز الخطاب الحوثي على أمر الولاية يكاد ينصب في قضية الاتباع ومبايعة الحوثي لا مبايعة علي، واستدعاء الأحداث التاريخية بين الصحابة والمسلمين هو توظيف سياسي لوراثة هذه الولاية والتحكم في رقاب المسلمين جيلاً وراء جيل إلى مالا نهاية.


تدرك المليشيا الحوثية أنها لن تستطيع المكوث على الأرض طويلاً في ظل تعرية مشروعها الانقلابي وممارسة السطوة الأمنية ونهب الممتلكات بحق المواطنين وعجزها في توفير أبسط المقومات للشعب لليمني ولذلك تلجأ إلى مثل هذه الأكاذيب والخرافات تارة بما تسميه الولاية أو الغدير، وأخرى بالمولد، وكذلك ببعض المناسبات التي تفتعلها بين فترة وأخرى.

كلمات دالّة

#اليمن