الإثنين 29-04-2024 21:06:58 م : 20 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

في الذكرى الـ60 لثورة 14 أكتوبر 1963.. دروس في الوحدة الوطنية والنضال المشترك

السبت 14 أكتوبر-تشرين الأول 2023 الساعة 02 مساءً / الإصلاح نت - خاص

 

الثورات هي الذاكرة الحية والممتدة للشعوب الحرة وتجسيد عملي لهويتها وتأكيد على وحدتها ومصيرها المشترك، وهذا ما يتجلى في ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963 ضد الاحتلال البريطاني في جنوب اليمن، التي تمر هذه الأيام ذكراها الستون، فقد كانت تلك الثورة تعبيرا عن الذات اليمنية، وعكست تلاحم الشعب اليمني من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، ضد الإمامة الكهنوتية في الشمال والاحتلال البريطاني البغيض في الجنوب.

تقدم ثورة 14 أكتوبر دروسا عدة في الوحدة الوطنية والنضال المشترك وواحدية المصير لعموم الشعب اليمني، ولذا فإنه من المهم إعادة تسليط الضوء على بعض جوانب ثورة 14 أكتوبر وربيبتها ثورة 26 سبتمبر، لا سيما الجوانب التي يمكن من الاسترشاد بها لترميم تشوهات الحاضر جراء انقلاب مليشيا الحوثيين الإرهابية على السلطة الشرعية، وما تسبب به انقلابها من تصدعات عميقة في جسد الدولة اليمنية ووحدة الشعب اليمني، مما يتطلب وحدة الصف والنضال المشترك لاستعادة الدولة وحماية مكتسبات وأهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر.

- عدن ملتقى الثوار والمناضلين

قبل اندلاع ثورة 14 أكتوبر، كانت مدينة عدن ملتقى الثوار الوطنيين ضد الاحتلال البريطاني، حيث بدأت التشكيلات التنظيمية للعمل الفدائي في عدن أوائل عام 1946، وتشكلت قيادة مكونة من القطاع العسكري والقطاع الشعبي الذي كان يضم قطاعات العمال والمرأة والطلاب والتجار، وتحمل المسؤولية في بداية العمل لعدة أشهر الشهيد نور الدين قاسم الذي تعرض للاعتقال فيما بعد، ثم أسندت المسؤولية من بعده لعبد الفتاح إسماعيل الذي استمر يقود التنظيمات الثورية حتى قبل الاستقلال بعدة أشهر.

كما أن مدينة عدن كانت قد احتضنت رجال الحركة الوطنية من شمال البلاد في الأربعينيات، والذين أطلقوا منها شرارة العمل الثوري المعارض للإمامة في صنعاء عبر صحيفة صوت اليمن والجمعية اليمنية الكبرى وصحيفة الفضول.

وفي المقابل، كان شمال الوطن ملجأ لشعراء ومثقفي وأحرار الجنوب المناهضين للاحتلال البريطاني والذين تطلعوا إلى تحرير الجنوب، معلقين آمالهم على الإمامين يحيى ثم أحمد، لكن خاب ظنهما في الإمامين العاجزين والفاشلين.

وفيما بعد، كانت صنعاء وتعز المقرات الآمنة لإعلان التنظيمات السياسية والحزبية للشخصيات الجنوبية المهتمة بالنضال ضد الاحتلال البريطاني، فنضجت الخلايا الحزبية الجنوبية في الشمال أولا، وصدرت من تعز عام 1960 صحيفة الطليعة التي أصدرها عبد الله باذيب، لكنها أغلقت بعد شهرين من إصدارها بعد اتهام مؤسسها بالشيوعية، وليس مستبعدا أن قرار الإغلاق كان سياسيا في سياق التعاون الإمامي - البريطاني.

كما أن تكوين الجبهة القومية التي قادت العمل المسلح ضد بريطانيا في جنوب الوطن تم في صنعاء بإشراف من الرئيس عبد الله السلال، ورعاية الزعيم المصري جمال عبد الناصر الذي أبدى موافقته على تقديم السلاح والمال للثوار لشن حرب ثورية مسلحة منظمة ضد الاحتلال البريطاني في عدن، فاستفاد الثوار من هذا الدعم ومن افتتاح مكتب لشؤون الجنوب في صنعاء، فانتظمت صفوفهم ووحدوا قيادتهم، كما تآزرت المجاميع الجنوبية المتواجدة في تعز وصنعاء وإب، ورُشح الرئيس الراحل قحطان الشعبي رئيسا للجبهة القومية، وشكلت خلال السنوات الخمس بعد ثورة سبتمبر أقوى المواقع لانطلاق ثورة 14 أكتوبر.

- دعم ثورة سبتمبر للثورة الأكتوبرية

يقول علي أحمد السلامي، وهو أحد الذين شكلوا فرع حركة القوميين العرب في أكتوبر عام 1959 في عدن، بمعية الشهيد المقدم فيصل عبد اللطيف الشعبي، وسيف أحمد الضالعي، وطه أحمد مقبل، وسلطان أحمد عمر: "إن ثورة 26 سبتمبر 1962 خلقت في عدن وفي كل مناطق الجنوب ظرفا هيأ ومهد وأوجد مناخا ممتازا لقيام ثورة 14 أكتوبر المجيدة، ولذلك هب الشعب كله في مقاومة الاحتلال البريطاني بدعم وتأييد من ثوار سبتمبر العظيم".

وقد ساعد نجاح ثورة 26 سبتمبر في تسريع الخطى نحو استقلال الجنوب، فبعد أن استضافت مدينة عدن لعقود الأحرار المناهضين للحكم الإمامي في الشمال، مثلت ثورة سبتمبر الحاضن الكبير لانطلاق ثورة 14 أكتوبر في الجنوب.

وكان انتصار ثورة 26 سبتمبر مؤشرا كبيراً لانتصار ثورة 14 أكتوبر، ولذا فقد وقف الاحتلال البريطاني ضد نجاح ثورة سبتمبر، وظل يعمل من أجل إعادة الإمام الهارب، البدر، إلى الحكم في صنعاء، وذلك لشعور الاحتلال البريطاني بأن صنعاء التي وضعت أول أهداف ثورتها السبتمبرية "التخلص من الاستبداد والاستعمار" لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ثورة أشقائها اليمنيين في الجنوب، فسعت بريطانيا إلى دعم الملكيين والقبائل التي تساندهم للحيلولة دون نجاح الثورة وضربها مبكرا.

ولذا فقد أنشأت بريطانيا بأسرع وقت محطة لاسلكي كبيرة في بيحان للتجسس على المخابرات اليمنية، وزودت المحطة بمجموعة من خبراء الشفرة، واستعملت كل الوسائل لخنق الثورة وحصرها في أضيق نطاق، واستخدمت لذلك المؤامرات والمال والسلاح والدعاية، كما احتلت منطقة حريب ووضعت فيها أحد أمراء الأسرة الطريدة كي تكون نقطة انطلاق إلى الداخل اليمني في الشمال.

ونظرا لتكالب قوى الرجعية من الشمال وقوى الاحتلال البريطاني من الشرق والجنوب ضد الثورة في الشمال بهدف تطويقها وإفشالها، فقد مثلت ثورة 14 أكتوبر انتصارا سياسيا ومعنويا وعسكريا وحافزا للجمهورية الوليدة في صنعاء، التي كانت تتعرض لحرب شعواء شنها الملكيون، فكان اندلاع ثورة 14 أكتوبر بمنزلة ضربة قاضية من الداخل للاحتلال البريطاني الداعم للرجعية والملكية والمعادي للثورة في الشمال، وكان من نتيجتها تراخي قبضة بريطانيا على المحميات الأخرى واكتفائها بمدينة عدن.

- ثورة 14 أكتوبر والوحدة الوطنية

كان هدف استعادة الوحدة الوطنية من بين أهم أهداف ثورة 14 أكتوبر، وتجسدت الوحدة عمليا من خلال بعض الحقائق، منها أن كثيرا من قيادة الحركة الثورية في عدن تبوؤوا مناصب رسمية رفيعة في الشمال، إذ عين قحطان الشعبي مستشارا لرئيس الجمهورية العربية اليمنية عقب ثورة سبتمبر لشؤون الجنوب، وشارك في تشكيل أول حكومتين متتاليتين بعد الثورة، كما عين عبد الحافظ قائد وكيلا لوزارة الإعلام، وعبد القادر سعيد مديرا لمكتب الثقافة والإعلام في تعز، وسالم زين محمد رئيسا لتحرير صحيفة الجمهورية، إلى جانب الانتشار الواسع لكوادر الحركة الوطنية في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية.

وبعد اندلاع ثورة 26 سبتمبر قامت حركة القوميين العرب في عدن بأول مبادرة عملية من خلال فرع الحركة في الشمال، حيث كثفت الحركة من نشاطها الإعلامي والتنظيمي في أوساط أبناء الجنوب المشاركين في الحرس الوطني والحرس الشعبي في الشمال للدفاع عن ثورة سبتمبر، وفي أوساط اليمنيين الذين كانوا يتوافدون تباعا من تعز وصنعاء وإب، والذين التحقوا بالجمعية التي بدأت تتشكل بعلم القيادي الأول للحركة فيصل عبد اللطيف الذي كان أقدم عضو فيها منذ كان طالبا في القاهرة.

وقد هيأ إنشاء مكتب لشؤون الجنوب برئاسة المناضل قحطان الشعبي الأجواء للتسريع بقيام الحركة، حيث تلاحقت الاجتماعات والاتصالات، وكان من أهم الاجتماعات التي عقدت في صنعاء الاجتماع العام الموسع الذي عقد في دار السعادة في 24 فبراير 1963، والذي حضره الكثير من العناصر القيادية.

وبعد نقاشات مطولة، خرج الاجتماع بالاتفاق على تأسيس جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل، على أن يكون شكل نضالها هو انتهاج أسلوب النضال المسلح حتى التحرير، وأكد هذا القرار مرة أخرى في اجتماع آخر في أغسطس 1963، حين انضمت قوى أخرى للجبهة كالناصريين والبعثيين وغيرهم، علما أن اجتماع فبراير تم الإعداد والتحضير له بالاتصالات المستمرة التي كانت تجريها قيادة الحركة مع الرئيس السلال وبعض القياديين الجمهوريين ورموز القيادة المصرية.

ولحقت بهذه الخطوة العديد من الخطوات العملية تمثلت في تقديم الدعم والتدريب الإعلامي والدعم المادي للمتفرغين للمهام النضالية في إطار القيادات وأعضاء جيش التحرير وقطاع الفدائيين، والتي كانت تقدمها مصر عن طريق الحكومة اليمنية آنذاك.

أخيرا، تجدر الإشارة إلى أن ثورة 14 أكتوبر لم تكن لمجرد طرد الاحتلال البريطاني فحسب، بل ثورة وحدت الجنوب اليمني كله في إطار كيان سياسي واحد معترف به دوليا وإقليميا، وهذا الكيان ظل حاملا فكرة الوحدة اليمنية، حتى تحققت في مايو 1990 كإرادة وطنية شعبية، وليست مجرد مشروع نخب حاكمة ستنتهي الوحدة برحيلها، فالوحدة مصير وخيار شعب، أكدت عليه أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر.

كلمات دالّة

#اليمن