|
يُقال في علم السياسة، أن تاريخ الأوطان لا يتكون من الأحداث الجارية، والانجازات السياسية فحسب؛ بل يتشكّل أيضًا من قصص الشجاعة والتضحية التي تضفي على الوطن وجدانًا وروحًا، وهو ما ينطبق على الشخصية السياسية اليمنية البارزة "محمد قحطان" القيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح المختطف في سجون مليشيا الحوثي منذ تسع سنوات، والذي يبدو كرمزِ للإرادة والتفاني، وأيقونة للصمود والتضحية في وجه الظلم والقمع.
في الرابع من أبريل 2024، مرت الذكرى التاسعة لاختطاف القيادي الإصلاحي محمد قحطان على يد مليشيا الحوثي، لتجلب للذاكرة لحظات الصمود والعزيمة التي ميّزت سيرته ومسيرته السياسية والنضالية، وتكتب بذلك فصولا جديدة في مسيرته التي رسمها منذ التحاقه في ركب السياسية قبل أكثر من نصف قرن من الزمن.
تسع سنوات منذ اختطاف المليشيا للقيادي محمد قحطان، لتكون شاهدًا عمليًا في مواجهته للظلم بكل شجاعة وبسالة، واستعداده للتضحية بلا خوف أو مواربة، وقدرته على التحمّل دون تأوّه أو مزايدة، فقحطان لم يكن شخصًا فحسب؛ بل أمة مكتملة من الحلم والرؤى الثاقبة والإلهام التي كان ينثرها في طريق كل من عرفه بمن فيهم خصومه السياسيين.
في نهاية خمسينات القرن الماضي، ولد محمد محمد قحطان قائد، بمديرية العدين محافظة إب، حيث نشأ في بيئة تحتضن النضال والمقاومة، وعاش في محيط أسرة تؤمن بأهمية العدالة والحرية، فسخّر نفسه لخدمة المجتمع، والدفاع عن حقوق الإنسان، لتشكل تلك معالم بداياته الأولى في عالم النضال والتضحية التي لم يتوانى في تقديمها لأجل تحقيق الأهداف الكبيرة لليمن واليمنيين.
لم يكتب تاريخ قحطان النضالي منذ لحظة اختطافه من قبل مليشيا الحوثي فحسب، بل منذ نشأته، حيث كانت له رغبة جادة في خدمة وطنه وشعبه، تخلّى عن الراحة الشخصية من أجل مبادئه وقيمه، ووقف في وجه الظلم والفساد بكل قوة، وتصاعد دوره السياسي والنضالي في مختلف المنعطفات التي مر بها الوطن، حتى أصبح رمزًا للتحدي والصمود، وأيقونة نضال خالدة في مواجهة الإمامة في نسختها الحوثية.
يمكن وصف اختطاف مليشيا الحوثي من منزله وبين أهله وأسرته وأطفاله، بأنها لحظة "مُظلمة" غُيب فيها صوت العقل والحوار والسلام، لتحل محلها لغة العنف والسلاح التي حملتها المليشيا، التي وصفها في خطابه ذات يوم عقب سيطرتها على العاصمة بأنها "انتفاشة وستتلاشى"، ليؤكد مسيرته النضالية في وجه الظلم الذي لم يتردد في الوقوف بوجهه بكل شجاعة وثبات.
قحطان ليس قائدًا بارعًا، بل رمزًا للأمل والتغيير. فبينما كان يواجه الاختطاف والمعاناة كان يعطي رسالة الصمود والثبات لليمنيين، باعتباره قصة ملهمة لكل أبناء الوطن؛ للدفع بهم في السير نحو ديمومة النضال من أجل الحرية والعدالة، ورسالة تضحيّة حيّة في قلوب اليمنيين، وتحفيزًا للمزيد من العطاء والتضحية، وتذكيرًا بأن الثورة والنضال لا يمكن كسرهما بقيد السجان وإرهابه.
تتجلّى أهمية التذكير بذكرى اختطاف قحطان، في تثبيت القيم والمبادئ التي سار وناضل لأجلها، وتذكير بأن التحديات لا تقف في وجه الإرادة الصلبة والعزيمة الصادقة، وكذا استلهام القوة والصمود، وتعهد بالمضي قدمًا في طريق النضال من أجل العدالة والحرية، فرغم مرور تسعة أعوام؛ تظل قصة قحطان محفورة في ذاكرة الناس كرمز للتضحية والإرادة.
فإرث قحطان لا يقتصر على اللحظات السياسية والانجازات فحسب؛ بل يمتد ليكون مصدر إلهام دائم للجيل الجديد من اليمنيين بمختلف شرائحهم ومكوناتهم، وخارطة طريق للتوقف والتأمل في مسيرته النضالية والتضحية، التي علمتنا الصمود في وجه الظروف الصعبة، وتذكير بأن الحرية والعدالة ليست مجرد شعارات؛ بل هي مبادئ نبيلة تستحق التضحية والنضال.
في السبت 06 إبريل-نيسان 2024 03:05:16 ص