|
في سانحة أخرى اتمنى أن نجد فرصة للكتابة عن الإصلاحيين في الريف اليمني، وبمناسبة ذكرى تأسيس حزب الإصلاح ال(٣١) اتذكر في قريتنا على حافة الحدود الإدارية الغربية لمحافظة حضرموت في تخوم الربع الخالي، حاولنا كطلاب يومها، منافسة المؤتمر الشعبي العام في انتخابات ٩٧م.
وبعد إلحاح وافقت قيادة الإصلاح بالمحافظة على خوضنا المنازلة في هذه الدائرة المحسومة للحزب الحاكم دائما - الاشتراكي ثم المؤتمر - ولكن بمرشح مستقل فلجنة الانتخابات قد اهتدت لخطة محكمة في تجميع عددا من المديريات الحدودية الصحراوية نادرة السكان والمكتضة بالمعسكرات - رخيه والعبر وزمخ ومنوخ وحجر الصيعر وحورة ووادي العين - بحيث يكون مجموع الناخبين العسكريين في الدائرة (١٥٤)معادلا لعدد الناخبين من المدنيين إن لم يكن أكثر، ولايسمح لمنافسي الحزب الحاكم بأي دعاية انتخابية بين الجنود أو داخل المعسكرات.
اتذكر أن أحد قيادات المحافظة نعى إلينا الدائرة مقدما قائلا: إن لم تفوزوا بالدائرة فالحملة الانتخابية فرصة للتعريف بالإصلاح في هذه المناطق النائية.
في مديرتنا (رخية) حصد الإصلاح أغلبية كبيرة من الأصوات. غير أن صناديق العسكر كانت هي المرجحة فكانت النتيجة كما رتب لها.
أثناء الدعاية الانتخابية واجهتنا معظلة كبيرة في تأمين ميزانية الحملة الانتخابية، فالمؤتمر يوزع آلاف الصور الملونة والملصقات المصقولة الزاهية بصور الخيل العربية الأصيلة وهي تصهل مزهوة على قائمتين تثير الإعجاب وتعطي إحساسا لدى المؤتمري بالقوة والجموح.
أما الإصلاح فقد وجه موارده لتمويل الحملة في المدن الرئيسة للدوائر من فئة (أ ب)، أما دائرتنا فتأتي في الدرجة الثالثة (ج) بحسب توقعات الفوز والخسارة.
اجترح الشباب طريقة جديدة لتغطية النقص في الملصقات الدعائية بحيث يتم وضعها على ألواح خشبية (أبلكاش) كبيرة. ويتم نقل لوح الكاونتر بين القرى حسب برنامج محدد بحيث يطلع كل المواطنين في المديرية على محتوى اللوح ( السبورة) الذي نلصق عليه صورة المرشح ورمزه الانتخابي (النخله) ومجلة حائطية تتضمن مقالات وارشادات نخطها باليد على نمط المجلات المدرسية.
ومن الطرائف، إن أكل الاغنام لورق المجلة وصور المرشح أصبحت مشكلة تهدد سير الحملة ورحلة (السبورة) بين القرى ولو حاولنا تعليق السبورة أو رفعها عن الأرض لن يتمكن الزوار من قرأتها. فانتدب بعض الشباب أنفسهم لحراسة السبورة بالنهار واخذها للمنزل بالمساء ثم يعاد عرضها في صباح اليوم التالي.
جدير بالذكر أنه لأول مرة في تاريخ الانتخابات اليمنية - حد علمي - تنظم مناظرة مباشرة بين المرشحين في دائرتنا. ولم تكن إلا محض صدفة غير معد لها سلفا وذلك يحسب أيضا لابناء المنطقة الذين ظهروا بمظهر حضاري تلك الليلة التي لاتنسى في تاريخ الوادي، قلت مظهر حضاري نعم لم تخدش حضريته - بنظر المؤتمر - إلا تكبيرات الإصلاحيين وصخبهم.
كان برنامجنا ان نرتب مهرجان انتخابي كبير بعاصمة المديرية، وعند حضورنا بعد صلاة العصر فوجئنا أن لجنة الانتخابات تخبرنا أن المرشح المنافس قد رتب لإقامة مؤتمره الانتخابي في نفس الموعد. وبدا لنا أنها مكيدة لإفساد نشاطنا فحسب.
وخلال مفاوضاتنا مع قيادة المؤتمر حول الموضوع تبين عدم جاهزيتهم لإقامة أي نشاط جماهيري. وإنما صادف أن مرشحهم في وليمة غدا عند شيخ المنطقة فقلنا لهم إن لدينا كل التجهيزات من مكبرات صوت ومنصة ومقاعد كبار الضيوف، وعرضنا عليهم أن نقيم مؤتمر انتخابي مشترك وكل يعرض برنامجه. فوافقوا ووزع مقدم البرنامج من طرفنا الكلمات بين المرشحين ثم فتح نقاش للجمهور.
اتذكر أننا كنا مستعدين بعدة أناشيد حماسية.
قبلوا تنفيذ أحدها على مضض وامتعضوا أكثر من تكبيراتنا أثناء كلمة مرشحنا فالجمهور في الحقيقة كان جمهورنا الذي حشدناه من كل أنحاء المديرية. وجمهورهم من عقال ومشائخ المنطقة الذين اجلسنا معظمهم بكل احترام على الكراسي المعدة لكبار الضيوف جوار المنصة وافترشنا الأرض. وكانت التكبيرات والشعارات الأممية فوق ماتتحمله طبيعة المجتمع البدوي الصغير، بعد أيام كان أحد المشائخ يعاتب والدي (رجعونا كفار يابازياد ).والحقيقة أنني فيما بعد صرت أستحي من الموقف كلما قابلت هذا الشيخ رحمة الله عليه والذي ربطتني به صداقة كبيرة.
في الثلاثاء 14 سبتمبر-أيلول 2021 01:32:32 م