|
في مدرسة تحفيظ للبنات في صنعاء قضيت نحو 4 أشهر هي أشد أيام الاعتقال قساوة، منذ أول ليلة سمعت في الطابق الثاني أنين وصراخ المعذبين، وفي الليلة الرابعة كنت أنا الضحية لجلاوزة التعذيب الحوثي.
كان التعذيب الجسدي والنفسي هو الهدف من الأسئلة التي يتم توجييها لي في تحقيق عبثي هو للتعذيب أقرب منه للتحقيق والاستجواب، كان ربطهم للأعين لساعات طويلة عذاب بحد ذاته، وكانت الشتائم التي يوجهها لنا الجلادون تطفح بالحقد السلالي والطائفي.
تعليق من الأيدي إلى السقف من المساء لساعات الصباح، كنت أحسّ أن الأيدي على وشك أن تنخلع من الأكتاف وأن الحبال قد تخلع الكف، وخلالها يستخدم جلاوزة التعذيب كيبلات الكهرباء للضرب على الظهر، وآلات الصعق الكهربائي.
ومن أنواع التعذيب التي استخدموها الضرب على الرأس وسدّ الفم والأنف لمنع التنفس، ثم يتوقفون قليلاً ليعطيني أحدهم فرصة أن اجيبهم عن أسئلة تتعلق بتسليح المقاومة والعناصر التي أعرف أنها تخترق مليشياتهم، لينتقلوا إلى التعذيب النفسي بالتهديد بوضعي ورفيقي دروعاً بشرية في أماكن يستهدفها الطيران كما فعلوها بحق آخرين بينهم الزميلين عبدالله قابل ويوسف العيزري، وأحياناً بأخذ ابني والزجّ به في جبهات القتال، وأحياناً بالتصفية الجسدية.
لقد كانت أياماً عصيبة في الإخفاء القسري، تزيد معاناتها عندما أتذكر وضع اسرتي ورحلة بحثهم عني لدى مليشيات أسقطت كل القيم والأخلاق، والجوع الرفيق اليومي، والمياه الملوثة، ودورات المياه التي لا يسمح لنا دخولها إلا حسب أمزجة عناصر أمنية لا علاقة لها بالأمن.
عايشت سجناء تعرضوا لتعذيب أفقدهم القدرة على الحركة نهائياً، ومسنًا فوق الستين عذبوه وعاملوه بقسوة دون مراعاة لسنة، وأسير حرب عزلوه عن زملائه وأصبح في قبضة جهاز الأمن الوقائي الطائفي الذي لم يراعوا وضعه الصحي والذي وصل إلى حدّ قيام مختطف هو خريج كلية الطب بسحب البول من أسفل بطنه بعد أن انسدت مسالكه.
كان المحققوق (الجلادون) لا يخفون عنصريتهم، لقد اتهمني (السراجي) بأنني متعصب لبني امية، والدليل اني اسميت ابني مروان، وأنّبني (المأخذي) لأني تركت الزراعة والعمل في أرض أبي وجدي وتعلمت واتجهت إلى العمل المدني والصحافة خصوصاً، وحين خرج عبدالملك الحوثي بخطاب اعتبر فيه الصحفيين أشد خطراً من المقاتلين، قاموا على الفور بترجمة ذلك، وبقسوة.
في إحدى ليالي التعذيب كنتُ معلقاً من يديّ معصوب العينين، وجلاوزة الحوثي يتناولون العشاء وقد رفضوا اعطائي شربة ماء، قام أحدهم وأخرج روزمة من النقود ووضعها على وجهي وقال: "شمّ"؛ ثم أردف: "أنت تتعذب ولن ينفعك أحد، وإحنا نستلم مرتبات وهذه المكافأة على تعذيبك".
لقد اختارت مليشيات الحوثي لهذه المهمات القذرة عناصرها السلالية التي زرعتها في الجيش والأمن وبالذات الحرس الجمهوري، وكان أحد هؤلاء قد مارس مهام مشابهة بحق بعض شباب الثورة في 2011 كما أكد لي أحد المعتقلين.
في الاخفاء القسري كنا من محافظات مختلفة تقاسمنا المعاناة واقتسمنا اللقمة، وتشاركنا المشاعر والأحاسيس، على أن الجميع كانوا يتفقون أن اليمن ستبقى قطعة جحيم ما دام هذا المشروع يطفو على السطح، وإن كنا نتحدث بذلك همساً، فخلف الباب آذان لحمقى تتنصت علينا.
-يتبع
——————
عبدالله المنيفي، صحفي يمني اعتقله الحوثيون (760) يومًا واطلق سراحه بوساطة قبلية.
*سلسلة المقالات (مذكرات صحفي معتقل) خصّ بها "يمن مونيتور"، تمثّل شهادته على أحداث اعتقاله، ويمنع نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.
في الثلاثاء 16 أكتوبر-تشرين الأول 2018 08:32:35 م