الخميس 28-03-2024 19:20:03 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار
فقه الثورات..  الاستبداد والاستعمار وجهان لعملة واحدة!
بقلم/ عمر دوكم
نشر منذ: 6 سنوات و 7 أشهر و 13 يوماً
الأحد 13 أغسطس-آب 2017 05:56 م
   

-     عندما زار هواري بومدين الرئيس الجزائري الأسبق اليمن بعد ثورة 1962م، ورأى التخلف وانعدام البنية التحتية وما يرزح تحته اليمنيّون من بؤس قال: "لو علم الثوار عندنا بما يعانيه اليمنيون لبنوا للاستعمار الفرنسي تمثالاً"!.

كان يقصد أن الاستعمار يُعد شيئاً محتملاً أمام استبداد الحكم الكهنوتي السلالي في اليمن.

 أما مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ففي أثناء زيارته لليمن بعد 62م فقد قال: "عندما ذهبت للكونغو رأيت جريمة الاستعمار وعندما أتيت إلى اليمن رأيت جريمة عدم وجود الاستعمار"!

وهذا كلام غير دقيق بالطبع! ولو تحرّى التوصيف الحقيقي للوضع لقال: "وعندما أتيت اليمن رأيت جريمة الاستبداد".

-     ولأن "اختلال الأوضاع يؤدي لاحتلال الأوطان"، فإن المستبد والمستعمر يمالئان بعضهما البعض, فكما أن الأنظمة المستبدة تظاهر بعضها وتتعاضد فيما بينها فكذلك المستبد المستعمر يمالئان بعضهما. ولعل تاريخنا نحن اليمنيين مع استبداد الأئمة شاهدٌ واضح على ذلك. فقد رأينا كيف أن الإمام يحيى ومن بعده ولده الإمام أحمد عقدا الاتفاقات مع الاحتلال الانجليزي في عدن واعترفا به, وكيف تنازلا له عن الضالع وبيحان، وبالمقابل فإن الاحتلال الإنجليزي في عدن رفض استقبال الشهيد الزبيري بعد فشل ثورة 48م، وفي أكثر من مرحلة كان يضايق الثوار والموالين لهم في عدن، ولم يقبل أن تكون عدن منطلقاً لهم إلا في مراحل معينة لتجميل صورته فقط!

والشاهد الأوضح على ذلك، والذي يجب ألا ننساه نحن اليمنيون أن تعز لم تكن منطلقاً ومركزاً لإعداد المتطوعين لحرب تحرير الجنوب إلا بعد أن استطاع اليمنيون في الشمال القضاء على حكم الأئمة.

التحالف بين الاستبداد والاستعمار حقيقة يعلمنا إياها التاريخ اليمني الحديث؛ فمعظم الدول الغربية تداعت لدعم عودة نظام بيت حميد الدين بعد 62م وقامت بإرسال خبراء لقيادة المعارضة المسلحة ضد الجمهورية العربية اليمنية، ومعروف مشاركة الطيران الإسرائيلي في ضرب مواقع للجمهوريين, كما ذكر ذلك صاحي كتاب (الصراع السياسي في جزيرة العرب)، وقامت الدول الاستعمارية بتمويل مرتزقة للمشاركة في تلك الحرب في صفوف الملكيين!

 إنها حقيقة يجب ألا يكون فيها لبس في وعي الأجيال اليمنية والعربية عموماً؛ لن تتخلص هذه الشعوب من تخلفها إلا إن وعت أنها يجب أن تقاوم الإستبداد وما يتبعه من مظاهر الفساد بنفس العزيمة التي تناهض بها المستعمر.

وقد فَقِهَ هذه السنة التاريخية وهذا القانون الإجتماعي شاعر اليمني ومستبصرها الرائي عبدالله البردوني عندما سمى المستبد (مستعمر وطني) وسماه أيضاً (المستعمر السري)!

 

ومن "مستعمر غازٍ"     إلى "مستعمر وطني"!

 

وقبله قال الإمام العظيم محمد عبده، بعد ذهاب الإنجليز عن مصر: ذهب الإنجليز الحمر وبقي الإنجليز السمر!

ومعروف اليوم عربياً تواطؤ الديكتاتوريات مع الاحتلال الإسرائيلي.. وغير خافٍ أن النظام المصري كان يبيع الغاز لإسرائيل بأرخص مما يبيعه للمواطن المصري! واحتفالات الصحف الإسرائيلية بالسيسي واحتفائها بعلاقاتها الاستراتيجيه مع نظامه.. أما يمنياً فقد نشرت الصحف العالمية والقنوات الفضائية أيضاً مساعدة الحوثيين وعملهم على تهجير اليهود اليمنيين وأيضاً تهريب مخطوطة تاريخية يمنية نادرة حتفى بها نتنياهو احتفاءً نادراً.. ولا بد أنه شكر الحوثيين وامتن لهم كثيراً.

لقد كان الوعي بالعلاقة العضوية والمنطقية بين الاستبداد والاستعمار واضحاً عند أستاذ الثوار اليمنيين ورائدهم الأول محمد عبد الله المحلوي -كان يبيع الحلوى في متجره في صنعاء وكان أيضاً ينوّر حياة الناس بالوعي الذي ينشره بين أبناء المجتمع؛ ذاك الوعي الذي تشرّبه من أفكار محمد عبده وتلميذه رشيد رضا، ومن كتب عبدالرحمن الكواكبي، وبالذات كتاب "طبائع الاستبداد"؛ وكان قد استعارها من تاجر إيطالي صادف أن لديه متجراً بجوار (محلاوة) المحلوي محمد عبدالله. فعندما دخل الإمام يحيى صنعاء واستقبله الناس بحفاوة وترحاب! كان المحلوي يقول للناس في تجمعاتهم ومقايلهم : "ستندمون أيها الناس، وأقسم بالله أن الإمام يحيى سينهب أموالكم حتى يؤزركم الحصير". كأنه يقول لهم: نحن لم نصنع شيئاً سوى أننا استبدلنا بالاستبداد العثماني استبداداً محلياً.

طبعاً علم الإمام يحيى بخطورة كلامه وأفكاره فعمل على تشويه صورته والمبادئ التي يدعو إليها في أذهان الناس حتى كان أبناء صنعاء يتعوذون بالله من المحلوي والشيقارة وصارت تلك الاستعاذة مثلاً: "أعوذ بالله من المحلوي والشيقارة"! ثم سجنه لاحقاً حتى مات في سجنه.

 - الاستبداد هو عدونا الأول فهو الأب الشرعي –أو غير الشرعي!- لثلاثة أبناء: (الاستعمار, الفساد, والفوضى). وينبغي على الشعوب المستضعفة أن تعي أن مقاومة (الاستبداد) هو بقداسة مقاومة الاستعمار تماماً..وقد أشار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لذلك، فإذا كان الذي يموت بسبب مقاومته المستعمر (شهيداً) فإن الذي يموت بسبب مناهضته الاستبداد هو (سيد الشهداء).