فيس بوك
رئيس الإصلاح بالمهرة: الاحتفال بـ14 أكتوبر رسالة واضحة على تمسك الشعب بمكتسباته الوطنية
أحزاب تعز تشدد على قيام الرئاسي والحكومة بإصلاح الوضع الاقتصادي والمعيشي وحشد الطاقات لمعركة التحرير
بالطيف: سبتمبر وأكتوبر محطتان رئيسيتان في الكفاح اليمني ضد الاستبداد والاستعمار(حوار)
ندوة سياسية للإصلاح بشبوة تدعو السلطة المحلية والمكونات الى تغليب مصلحة المحافظة
النائب العليمي: 14 أكتوبر ثورة عظيمة خاض الشعب لتحقيقها نضالاً شاقاً نحو الاستقلال والحرية
التحالف الوطني للأحزاب: 14 أكتوبر حدثاً ملهماً وماضون في الانتصار لمكتسبات الثورة اليمنية
ثورة 14 أكتوبر المجيدة.. تضحيات اليمنيين بين نضالات التحرير ووحدة المصير
رئيس إعلامية الإصلاح: 14 أكتوبر يعني التحرر من الوصاية والخلاص من الفرقة والتجزئة
في أواخر شهر سبتمبر 2023، أعلن زعيم مليشيا الحوثيين، عبد الملك الحوثي، عن "مرحلة تغيير جذري" للتخلص من شركائه في حكومة الانقلاب غير المعترف بها دوليا، الذين وصفهم بـ"المنافقين والعملاء"، وبعد تصريحاته تلك أكدت إيران أنها ستواصل دعم الحوثيين بالخبرات السياسية، وفق ما نقلته حينها وكالة "تسنيم" الإيرانية عن رئيس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية كمال خرازي.
لكن "مرحلة التغيير الجذري" التي بشر بها عبد الملك الحوثي تأخرت أكثر من عشرة أشهر حتى تعيين رئيس جديد للحكومة الانقلابية غير المعترف بها دوليا، وهو ما يؤكد وجود خلافات بين أجنحة المليشيا الحوثية حول الحكم، أو بالأصح تقاسم المناصب، وكان تعبير "التغيير الجذري" مجرد مخدر للمواطنين في مناطق سيطرة المليشيا، بعد أن ازداد سخطهم ضد المليشيا، والتعبير عن السخط بوسائل متعددة، كان آخرها، حتى ذلك الحين، المظاهر الاحتفالية بذكرى ثورة 26 سبتمبر 1962، وهي احتفالات تعد بمنزلة محاكمة شعبية للمليشيا وإدانة تاريخية لها.
أما تغيير رئيس الحكومة الانقلابية، أو تغيير الحكومة بكاملها، فلن يغير من واقع الحال شيئا، ذلك أن طريقة المليشيا الحوثية في الحكم هي استنساخ تام لطريقة ملالي إيران في الحكم، مع فارق بسيط وهو أنه لا يوجد في إيران منصب رئيس الحكومة، فصلاحيات رئيس الحكومة هناك بيد من يسمى رئيس الدولة، والجميع يعملون تحت سلطة من يسمى "مرشد الثورة"، بحسب الدستور الإيراني الذي ينص على أن "المرشد" هو صاحب المركز الأول وليس رئيس الجمهورية، وهذا ما تطبقه مليشيا الحوثيين فعلا، فسلطة عبد الملك الحوثي الذي تصفه مليشياته بـ"قائد الثورة"، له سلطة تشبه سلطة الخميني الذي يلقب بـ"مرشد الثورة".
وتظهر بصمات إيران بوضوح في مختلف مراحل الانقلاب الحوثي على السلطة الشرعية، ما يشير إلى أن مبدأ تصدير الثورة الخمينية إلى الدول العربية يسير على نفس مراحل تلك الثورة في إيران، باعتباره النموذج الأكثر نجاحا في الانقلاب على السلطات الحاكمة واستغلال الغضب الشعبي ضدها والولوج من بين مشاعر الغضب واستغلالها لتحقيق أهداف سياسية خاصة، حتى إن إقالة الحكومة الحوثية الانقلابية والتبشير بتغيير شامل يشبه إلى حد ما إقالة الخميني لآخر رئيس حكومة بعد الثورة، وهو مير حسين موسوي، ضمن إصلاحات عام 1989، وإلغاء منصب رئيس الحكومة وتسليم صلاحياته لرئيس الدولة، بذريعة تضارب الصلاحيات بين المواقع.
اندلعت ثورة الخميني ضد شاه إيران، عام 1979، في وقت كانت تشهد فيه البلاد مظاهرات ضد نظام الشاه، وكانت التيارات السياسية في إيران تطالب بدك نظام الشاه واقتلاعه من الجذور، معتمدة على سياسة كشف فضائح الأسرة المالكة بالوثائق والمستندات، فاستغل الخميني ذلك، وعاد مسرعا إلى طهران بعد أسبوعين من رحيل الشاه، وتمكن من السيطرة على الحكم في إيران، أي أنه وظف السخط الشعبي ضد الشاه لمصلحته، وأقام دولة "الولي الفقيه".
وهو المشهد الذي تكرر في اليمن، إذ لا يستبعد أن إيران هي من وجهت مليشيا الحوثيين باستغلال السخط الشعبي ضد نظام حكم علي عبد الله صالح والتقارب مع بعض الأحزاب، ثم التخطيط للانقلاب على السلطة الشرعية، ووصف الانقلاب بـ"الثورة"، لأنه لا يمكن الانقلاب في ظل ظروف طبيعية.
وكان الدعم العسكري الإيراني للحوثيين قد بدأ بعد اندلاع ثورة 11 فبراير 2011، وقد بلغ الدعم ذروته من خلال تسيير 14 رحلة أسبوعية من طهران إلى صنعاء، بعد سيطرة الحوثيين عليها، وقالت طهران حينها إن صنعاء رابع عاصمة عربية تسقط بيد إيران، وإن الإمبراطورية الفارسية عادت وعاصمتها بغداد.
وبعد أن قتل الحوثيون حليفهم السابق، علي عبد الله صالح، وانفردوا بحكم المحافظات التي يسيطرون عليها كسلطة أمر واقع، انتهجوا نفس مسلك الخميني في الحكم بعد ثورته على الشاه، الذي عمل على وجود سلطتين متوازيتين منذ اللحظة الأولى، سلطة تمثل واجهة مقبولة لنظام الخميني أمام العالم، وهي الحكومة (الوزارات)، وسلطة فعلية تباشر شؤون الدولة مكونة من اللجان الثورية المحلية ومحاكم الثورة والمجلس الثوري وغير ذلك، وكانت الوزارات والإدارات التابعة لها والجيش والشرطة، كانت كلها من الناحية الشكلية تابعة لرئاسة الحكومة، لكنها من الناحية الفعلية تحت سلطة اللجان الثورية المحلية على امتداد البلاد.
وهذا النهج سارت عليه مليشيا الحوثيين تماما، فرغم أن سلطة المليشيا أبقت على حكومة عبد العزيز بن حبتور، التي تم تشكيلها بالتقاسم بن شريكي الانقلاب، المليشيا الحوثية وجناح علي صالح في حزب المؤتمر، لكن تلك الحكومة لم يكن لها أي أهمية تُذكر وبلا صلاحيات، ووضعها من حيث التهميش يشبه وضع أول حكومة بعد ثورة الخميني في إيران، حكومة مهدي بازرجان، التي كانت مجرد واجهة مقبولة للخميني أمام العالم.
وكذلك أبقت المليشيا الحوثية على حكومة عبد العزيز بن حبتور لتكون واجهة لها مقبولة أمام العالم، رغم أن العالم لا يعترف بتلك الحكومة (الانقلابية)، ولم يكن لها أي صلاحيات تُذكر، ومن يحكم فعليا مناطق سيطرة الحوثيين ما يسمى "المجلس الجهادي" و"المجلس العام" والذي يطلق عليه أيضا "مكتب السيد القائد"، فالمجلس الجهادي استنساخ للجان الثورية في إيران، والمجلس العام (مكتب السيد القائد) استنساخ لـ"مجلس قيادة الثورة" الذي أنشأه الخميني، وكانت مهمته الأساسية الإشراف على الحكومة المؤقتة، أو بالأصح ممارسة صلاحياتها، بالإضافة إلى الإشراف على القيادات العسكرية واللجان المركزية.
ويتفرع من المجلسين التابعين للحوثيين، المجلس الجهادي والمجلس العام (مكتب السيد القائد)، عدد كبير من المجالس والهيئات، ويشبه هيكلهما الإداري الهياكل الإدارية لـ"مجلس قيادة الثورة" في إيران و"اللجان الثورية" وغيرهما من المجالس واللجان والهيئات التي كانت تحكم إيران بعد الثورة الخمينية، علما أن بعض من تسميهم المليشيا الحوثية "المشرفين" لهم صلاحيات واسعة لا يتمتع بها أي وزير في الحكومة الحوثية غير المعترف بها دوليا.
وتتعدد أشكال ومظاهر اقتفاء الحوثيين لخطوات ثورة الخميني في إيران ضد الشاه لتشمل بتفاصيلها الدقيقة ممارسات وشعارات لدرجة يبدو معها وكأن التاريخ القريب في إيران يكرر نفسه في اليمن، ومن نماذج ذلك أن الخميني في إيران جعل خطبة الجمعة في المساجد حكرا على الشيعة فقط، ووجه بتخصيص خطب الجمعة للشؤون السياسية والدعاية له، وجعل الشؤون الدينية في مرتبة ثانية بعد السياسة، كما حول المساجد إلى مراكز اقتراع في مواسم الانتخابات والاستفتاء.
وعلى هذا المنوال سارت مليشيا الحوثيين، التي استولت على المساجد في مناطق سيطرتها، وعينت خطباء جمعة من أتباعها، وخصصت خطب الجمعة للشؤون السياسية ونشر ثقافة الكراهية والقتل، كما حولت كثيرا من المساجد إلى مراكز للدعاية لزعيم المليشيا عبد الملك الحوثي، بل وحولتها إلى أماكن لمضغ القات وتدخين السجائر والرقص وترديد "زوامل الحرب".
يضاف إلى ذلك، أن مليشيا الحوثيين أنشأت مدارس خاصة بالتعليم الطائفي، وتنفق عليها ببذخ، بعد أن دمرت التعليم النظامي، وتعد تلك المدارس ذات الصبغة الطائفية البحتة أشبه بما يسمى "الحوزات العلمية" التي أنشأها الخميني في إيران بعد سيطرته على السلطة، لكن مليشيا الحوثيين تستنسخ الفكرة وليس الاسم، خوفا من أن يلفت ذلك الأنظار ويزداد السخط الشعبي ضدها.
وفيما يتعلق بالاقتصاد وتحقيق الثراء السريع، فمن المعلوم أن الخميني أنشأ مؤسسات لمصادرة أملاك أسرة الشاه والمعارضين والتجار الذين تضخمت ثرواتهم في عهد الشاه، بل فقد صادر ملكيات نحو خمسين مليونيرا عبر ما سماها "مؤسسة المستضعفين"، كما دمر القطاع الخاص عبر طبقة جديدة من التجار (رجال البازار) معظمهم من قادة قوات الحرس الثوري، مما أثر على رجال البازار التقليديين، وما زال الحرس الثوري إلى اليوم يعمل على استكمال احتكار التجارة تماما، من أجل تعزيز هيمنته على المؤسسات الاقتصادية الرئيسية في البلاد، بالرغم من تزايد الاستياء في صفوف تجار البازار بشكل خاص، وفي أوساط المواطنين بشكل عام.
وعلى هذا المنوال مضت مليشيا الحوثيين، حيث صادرت أملاك خصومها السياسيين وأملاك الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح وعائلته، ونهبت أموال خصومها السياسيين المودعة في البنوك المحلية، كما نهبت مؤسسات وشركات تجارية حكومية وخاصة وجامعات وفنادق ومستشفيات وشركات اتصالات وغيرها، وشكلت طبقة جديدة من التجار الذين اغتنوا فجأة جراء الأموال المنهوبة، وظلت تحارب القطاع الخاص بعد أن دمرت الاقتصاد الوطني لتنشئ على أنقاضه اقتصادها الموازي، لتعزيز هيمنتها على المؤسسات الاقتصادية الرئيسية واحتكارها.
كما أن المليشيا الحوثية عملت على تصفية المعارضين وأفرغت مناطق سيطرتها منهم تماما، إما بالسجن والتنكيل والاغتيالات، أو إجبارهم على مغادرة مناطق سيطرتها، وأنهت أي وجود للأحزاب السياسية، كما نكلت بالمخالفين دينيا مثل البهائيين، وهي بهذه الخطوات مضت على خطى الخميني في إيران تماما، الذي صفى المعارضة بأجنحتها المختلفة، ونكل بالمعارضين إعداما وسجنا عبر المحاكم الثورية، كما نكل بالمخالفين دينيا وفي مقدمتهم طائفة البهائيين.