الثلاثاء 15-10-2024 15:55:44 م : 12 - ربيع الثاني - 1446 هـ
آخر الاخبار
رجل بأمة
بقلم/ الأستاذ/عبدالحافظ الفقيه
نشر منذ: 5 أشهر و 15 يوماً
الثلاثاء 30 إبريل-نيسان 2024 04:56 م
 

العالم المجاهد، السياسي المحاور، المرشد الموجه، الصابر المصابر، الذي لايكل ولايمل، الطموح في أهدافه، السموح في أخلاقه ومعاشرته، المتواضع مع إخوانه وطلابه، الدؤوب في عمله ونشاطه، المبادر في إبداعه وتوقعاته، المستحضر للماضي والحاضر والمستقبل في خططه وبرامجه، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لايخاف في الله لومة لائم، الثائر الجمهوري الذي عاش مع أستاذه الشهيد محمد محمود الزبيري في القاهرة ثم سافر معه إلى صنعاء ثم إلى برط لدعوة القبائل وتوعيتها بالثورة والجمهورية للاصطفاف معهما.

حين استشهد الزبيري رحمه الله كان الشيخ الزنداني قريبا منه، واستمر في التوجيه والتوعية بين القبائل وفي المدن اليمنية حتى انتصرت الثورة والجمهورية.

 كان رحمه الله المتعمق في القرآن، المستخرج منه الإعجاز العلمي المؤمن بالشورى قولا وعملا، الحريص على إخوانه وحزبه ووحدة الكلمة والصف، المحب لشعبه ووطنه والحريص على هدايته وتعليمه وتبصيره وتنويره الكريم في عطائه وبذله.

إنه المنافح عن دينه ووطنه، المضحي في سبيل ذلك، الحليم في تعامله مع من جهل عليه (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما....)الداعية والخطيب الجماهيري الذي يجيد مخاطبة الجماهيري وبأسلوب حكيم مؤثر؛ رجل المواقف للقضايا العربية والإسلامية وعلى رأسها قضية فلسطين وغيرها.

عاش كبيرا ومات كبيرا

أول معرفتي به من خلال كتاب التوحيد للصف الأول الاعدادي،ثم ما تلاه من الصفوف وقد شدني بأسلوب طرحه المؤثر، وعرضه وحواره المقنع.

كان أسلوب طرحه في التوحيد للمرحلة الاعدادية والثانوية يتناسب مع الواقع في تلك الأيام ومايطرح من شبهات، والرد عليها بحيث يخرج الطالب محصنا بالإيمان والتوحيد.

كان له صولات وجولات في المساجد والمدارس لنشر الوعي الإيماني والرد على الشبهات وكذلك كان له اهتمام بمناهج التربية الإسلامية وخاصة التوحيد، وكان يسعى لجمع الأمة فكرا وعملا. ولذلك عندما كان في التوجيه والإرشاد قام مع مجموعة من العلماء بتأليف كتاب الواجبات الدينية وعمل دورات علمية، بحيث تنقل إلى الجانب العملي من قبل الدعاة والخطباء والأئمة.

كان من مؤسسي العمل الإسلامي في اليمن 

وعندما تمت الوحدة تم تأسيس التجمع اليمني للإصلاح فكان من مؤسسيه ثم انتخب رئيس مجلس الشورى للإصلاح.

كان شورويا في إدارته وممارسته، و قد يقف أمام بعض القضايا طويلا محاورا ومناقشا، ولكنه ينزل عند رأي الأغلبية ويحتكم للشورى، وكان له رأيا في قضية دخول المرأة في المكاتب التنفيذية وفي الأمانة العامة وعندما طرحت في مجلس الشورى ولم تحسم تم الاتفاق على طرحها على المؤتمر العام وبعد نقاش طويل تم التصويت وكانت الأغلبية بدخولها فنزل عند رأيي الأغلبية

وهكذا في قضايا كثيرة كان يحترم نتيجة الشورى ولو كانت ضد رأيه. 

وبعد انتخابات ١٩٩٣م أصبح ممثلا للإصلاح في مجلس الرئاسة وكان له دور في تقريب وجهات النظر ومحاولة حل الأزمة السياسية ثم كان له دور في تثبيت الوحدة.

 تبنى إنشاء جامعة تعنى بالعلوم العربية والإسلامية، فوجه جل جهده واهتمامه بتأسيس جامعة الإيمان، وسخر كل جهوده لذلك حتى تأسست وأتت أكلها وثمرتها؛ لأنه كان يهدف لإيجاد العلماء الخلائف، وفعلا سخر كل الامكانات للجامعة التي لم تكن لليمنيين فقط بل كانت لكل المسلمين الراغبين في التعلم والتعليم ولم يكتف بتخريج علماء من حملة شهادات البكالوريوس، والليسانس بل الدراسات العليا الماجستير والدكتوراة، وكان يطمح في البداية لتخريج مائة عالم فتخرج ألاف العلماء على مستوى اليمن والعالم العربي والإسلامي.

حكاية الزنداني مع جامعة الإيمان تشبه إلى حد بعيد الشيخ البيحاني رحمه الله والمعهد الإسلامي في عدن الذي أسسه 

 وتعب في بنائه وأدى دوره العلمي ثم أمم في بداية السبعينيات فخرج إلى تعز وقال قصيدته الحزينة، ومنها:

أحن إليك ياعدن المعالي... وكيف لا أحن وألف مالي

أحن إليك والأشواق حرى... ونار الشوق يطفأ بالوصالي

وهذا معهدي وله بذلت حياتي.. وماجمعت من الحلال

وهل يامعهد الإسلام تبقى...وهل ستعود أياما خوالي

نعم ستعود والدنيا بخير... وأمرك نافذ ياذا الجلال

وأصل الخير أن يبقى دواما...وأما الشر فهو إلى زوال.

ماأشبه الليلة بالبارحة ....نعم ستعود اليمن وستعود صنعاء وستعود جامعة الإيمان وأمرك نافذ ياذا الجلال، وسنقرأ (وقل جآء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا....).

وكان للشيخ دوره الاجتماعي مع المشائخ والقبائل والتقريب في وجهات النظر وحل مشاكل الثأر وغيرها وكذلك التوعية الإسلامية والإيمانية.

كما كان له دور ونشاط في جمع كلمة الأمة من خلال جمع كلمة العلماء في هيئة العلماء مع إخوانه علماء الإصلاح وغيرهم من الجماعات الأخرى.

و أثناء ما كان مندوب اليمن في رابطة العالم الإسلامي في السعودية برز دوره في الإعجاز العلمي في القرآن والسنة فأسس مع إخوانه من العلماء هيئة الإعجاز العلمي، وكان رئيسالها وكان له صولات وجولات في الحوار والمناقشة مع علماءغربيين وغيرهم في ذلك وأسلم على يديه العديد منهم.

وكانت له برامجه الخاصةو المؤثرة على القنوات الفضائية حول الإيمان والإعجاز.

وكان رجل حوار صاحب حجة ومنطق

يستطيع اقناع من يحاورهم بأسلوبه ومنطقه وواسع الصدر في ذلك لا يضيق من الحوار مهما طال.

وإذا كانت اليمن قد فقدت الشيخ عبدالمجيد الزنداني وغيره فاليمن ولّادة، وسيأتي الألاف من أمثاله وأمثال غيره من علماء اليمن ورجاله وطلابه.

ولوكان أحدا مخلدا لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم(وماجعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون....).

وهو كذلك بشر يؤخذ من كلامه ويرد كما قال الإمام مالك رضي الله عنه (كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر- صلى الله عليه وسلم)

وأخيرا فقد مات رحمه الله، مخلفا تلامذة أفذاذا، و أثرا باقيا يستعصي على النسيان.

رحمه الله رحمة الأبرار وجعله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وعظم الله أجر الجميع وعصم قلوب أهله وأحبائه بالصبر، ولاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، وإنا لله وإنا اليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ونسأل من الله أن يخلف على اليمن بخير من إخوانه وطلابه.