السبت 23-11-2024 14:46:41 م : 22 - جمادي الأول - 1446 هـ
آخر الاخبار
عن ضرورة إحياء العمل السياسي
بقلم/ عبدالرزاق قاسم
نشر منذ: سنتين و أسبوعين و 3 أيام
الأحد 06 نوفمبر-تشرين الثاني 2022 02:14 م
  

إبقاء الأحزاب على هامش العملية السياسية وربما اقصاءها في بعض الحالات لصالح المليشيات والجماعات المسلحة هي المشكلة الأخطر التي تنزلق إليها البلاد، بفعل الحرب وحالة اللاإستقرار التي تمر بها، والسكوت عن بقاء الوضع على ما هو عليه اليوم، من استفراد للمليشيا بالمشهد العام؛ هو مساهمة في فتح الباب أمام تنامي حالة الملشنة وتوسعها بشكل يصعب احتواءها في المستقبل، والمسؤولية هنا يتحملها الجميع، الدولة والأحزاب، الدولة مسؤولة عن حماية العمل الحزبي والتعددية السياسية؛ كأحد واجباتها الدستورية، علاوة على كونه يساعدها في تقوية سلطتها وبسط نفوذها، على العكس من تمكين المليشيات المنازعة لها في وجودها، والأحزاب مسؤولة عن السماح بتغييب دورها أو بابقاءها على هامش الحياة السياسية، متخلية في هذا عن وظيفتها الأساسية المتمثلة بعقلنة المشهد؛ وتصويب مسار السلطة، والضغط من أجل إلتزامها بواجباتها الدستورية وفي مقدمتها الحفاظ على أمن وسيادة ووحدة البلاد.

بقاء المليشيات والسماح لها بلعب أدوار سياسية هو تقويض لسطات الدولة وانتقاص من سيادتها، إذ لا يمكن الحديث عن دولة كاملة السيادة قادرة على القيام بواجباتها الدستورية مع حضور المليشيات، والحالات التي يتم فيها التهاون مع هذا الأمر تكون نتيجتها كما في العاصمة عدن وماتشهده من فوضى وانفلات، ومصادرة لسلطات واختصاصات الدولة في كثير من القضايا والملفات، وفي الأخرى تبدو عاجزة عن فعل أي شيء بعيدا عن إرادة من يتحكم بالمدينة، وهذا وضع يجعلها مشابهة إلى حد كبير للوضع في صنعاء، ثم أن المليشيا هي أداة لتناسل الصراعات إلى صراعات متعددة، وببقاءها تتخلق من القضية الرئيسية عشرات القضايا والمشاكل، تُوصِل المجتمع إلى حالة من الفوضى يعجز الجميع عن السيطرة عليها أو التحكم بمسارها، ومع الأيام تتناسل المليشيا نفسها إلى مليشيات جديدة، كما يحدث في شبوة؛ التي تتشكل فيها مليشيات جديدة خارج الجهاز العسكري والأمني للدولة، لتأمين مصالح المحافظ الذي قاد الفوضى سابقاً للإستفراد بحكم المحافظة، وهذا على الضد تماماً من مصالح الدولة، وحتى من مصالح المليشيا التي تحالف معها من قبل في فوضاه السابقة.

حضور المليشيا وغياب السياسة في المحصلة هو غياب للدولة لصالح المليشيا، وإن حضرت فتكون في موقف ضعيف أمام الداخل والخارج؛ وعوضا عن ممارسة وظيفتها الرئيسية وأهمها الحفاظ على سيادتها وحماية أمنها ومصالحها والدفاع عن مواطنيها أينما كانوا وتتضاعف إن كانوا في الخارج، تلجأ إلى ممارسة شكلية للسطلة وتنكفئ على إصدار القرارات التي تعمل على توسيع الفجوة بينها ومواطنيها، ما يدفع المجتمعات إلى التفكير بخيارات ما قبل الدولة لحماية أنفسهم ومصالحهم، كما حصل مؤخراً في قضية احتجاز أمين العكيمي المحافظ السابق للجوف، القضية التي ظهرت الدولة عاجزة عن إدارتها والتفاهم مع الأشقاء لحلها، فلجأت قبيلته إلى نصب المطارح القبلية في مسعى لإنهاء احتجازه، وعلى مايبدو أنها نجحت في ذلك، وأوجدت حلا للقضية بعيدا عن الأطر الرسمية.

تغول المليشيا في أي بلد يجعل من السياسة مجرد أداة للتعبير عن مصالح المليشيا التي هي بطبيعتها أداة لصناعة الأزمات؛ وهذا كاف ( حتى بعد توقف الحرب) للدفع بالدولة لأن تصبح فاشلة ، (حسب التعريف القانوني والسياسي للمصطلح)، ولمعرفة مستقبل ما بعد الحرب الذي تقودنا إليه المليشيا، يكفينا أن ننظر إلى الوضع في لبنان الذي تتحكم بمصيره المليشيات منذ نهاية الحرب الأهلية، ولا يكاد يخرج من أزمة حتى يدخل في أزمة جديدة، ولكم أن تتخيلوا أن البرلمان ( المؤسسة السياسية الأهم في الدولة) فشل في خمسين جلسة وأخفق في انتخاب رئيس للجمهورية، وظلت الرئاسة شاغرة لما يزيد عن عامين؛ حتى تفاهمت المليشيات فيما بينها؛ وانحلت أزمة انتخاب الرئيس، وفي ظل هذا الوضع المستمر منذ ما يزيد عن ٣٠ عام؛ تراجع الاقتصاد اللبناني إلى مستوى لم تعرفه بلدانا أكثر منه فقراً، بعد أن كان يحتل مواقع متقدمة في اقتصادات المنطقة.

الأحزاب هي الوكيل الحصري للسياسة بعد الدولة، والعمل السياسي الذي يتم فيه إقصاء الأحزاب هو أشبه بسوق سوداء للسياسة، كما أن وجود الأحزاب مهم لدعم أي سلطة حاكمة، حتى وإن كانت سلطة قوية وراشدة، ناهيك عن أن تكون بحاجة إلى أي جهد لمساندتها وترشيد أداءها، والمنظومة الحزبية اليمنية على عِلة وانتهازية بعضها ما تزال مؤهلة للمساهمة في إدارة السياسة والحياة العامة، ولديها من الكفاءة ( إن تحررت من حساباتها الضيقة) ما يمكنها من إنتاج تفاهمات وحلول لكثير من الأزمات والمشاكل، ومهما انحدرت بعض الأحزاب في مواقفها فلن تصل إلى مستوى فوضى المليشيا، أو إلى طريقتها في التعامل مع الأحداث.

 وبصيغة أخرى: الأحزاب هي أداة للتفاهمات والاتفاقات، والمليشيا أداة لصناعة التوترات والخلافات، وبالتالي فإن أي عملية قائمة على حضور المليشيا وإقصاء السياسة والأحزاب هي معادلة لإنتاج الأزمات والصراعات وغياب المعالجات والحلول.