الخميس 21-11-2024 14:35:27 م : 20 - جمادي الأول - 1446 هـ
آخر الاخبار
عصابة الحوثي وتدمير الطبقة الوسطى!
بقلم/ د. ملهم مصطفى
نشر منذ: 4 سنوات و أسبوع و 3 أيام
الثلاثاء 10 نوفمبر-تشرين الثاني 2020 09:33 م

إلى ما قبل دويلة الحوثي كنت مع كثيرين من أبناء شعبي معدودين ضمن الطبقة الوسطى، وهي الطبقة التي أخذت تتلاشى يوما إثر يوم بفعل ممارسات دويلة الإمامة الحوثية!

ولا غرابة في ذلك! فتاريخيا كان تدمير وإفقار الطبقة الوسطى هدفا استراتيجيا لكل دول الإمامة التي نكبت وشقيت بها اليمن أرضا وإنسانا!

قامت الدولة الإمامية في كل عصورها على طبقتين:

الاولى: طبقة السادة وهي تتمثل في الإمام والأسر الهاشمية المقربة ومن يلوذ بهم من أركان دولة الإمام وعصابته الذين يشكلون طبقة أرستقراطية متعالية على بقية أبناء الشعب.

والثانية: الطبقة الفقيرة المعجونة بالآلام والقهر والجهل والمرض، وهم الغالبية الساحقة المسحوقة من الشعب.

ولا تسأل عن الطبقة الوسطى، فهي لا وجود لها في ظل الدولة الإمامية، وإذا ما وجد شخص ما في ظل الدولة الإمامية يمكن توصيفه أنه من الطبقة الوسطى فذلك أمر غريب ونادر جدا!

وأما كيف يتم تدمير الطبقة الوسطى وعدم السماح بقيامها في ظل الدولة الإمامية فذلك يتم عبر سياسة ممنهجة متبعة تمارسها الدولة الإمامية من خلال الجبايات المجحفة تحت مسميات شتى، والقوم لهم هنا مداخل ومسالك لا تخطر على بال الشيطان نفسه!

تروي لنا كتب التاريخ أن أحدهم خاطب طاغية من طغاتهم أن يرفق بعض الرفق بالشعب من الجبايات المجحفة. فقال الإمام الطاغية: إن الله سيحاسبني على ما تركت في أيديهم لا على ما أخذته منهم!

وهذه المقولة تختزل سيكولوجية الدولة الإمامية وطريقة تفكيرها.
كان الأجداد يحدثوننا عن وقائع غريبة تشي بمقدار الظلم والقسوة والجشع الذي كان خلقا وطبيعة متأصلة في أئمة الجور والطغيان الذين حكموا اليمن باسم الدين ومحبة أهل البيت!

ومن ذلك أنه في إحدى السنوات حصل جدب شديد، فمنعت السماء قطرها، ومنعت الأرض ثمرها، وأصابت الناس لأواء شديدة، وإذا بعساكر الإمام يطرقون أبواب بيوت القرية يطالبون الناس بزكاة ما أخرجت الأرض من الثمار والزروع!

يا مولانا الإمام: هذه السنة سنة جدب ومجاعة، لا نجد فيها قوتنا، فمن أين لنا أن نأتيك بزكاة الحبوب والأرض لم تنتج أصلا!
كان جواب الإمام هو الأمر بحبسهم حتى يدفعوا الزكاة!

أحد أولئك الجوعى المطحونين وهو الذي حدثني بهذه القصة، قال لم أحتمل الحبس، فتعهدت بدفع الزكاة، وعلى هذا الأساس تم إخراجي بضمانة، وبمشقة بالغة تمكنت من جمع بعض المال وذهبت إلى (....) واشتريت حبوبا، ودفعتها زكاة للإمام، وأنا والله ليس في بيتي حبة نقتات عليها!

أما أغرب وأطرف وقائع الجباية فهي تلك المسماة بمطلبة الصلاة! كان يدفعها الذي لا يصلي إلى مولانا الإمام أمير المؤمنين حفيد طه سيد المرسلين!

وليس معنا هذا أن الذي كان يصلي كان ينجو من دفع الغرامة، بل كان عليه أن يدفع أيضا! فهي مطلبة صلاة على من يصلي أو من لا يصلي!!

وإلى حين قيام ثورة التحرير العظيمة في السادس والعشرين من سبتمبر سنة 1962 كان المورد شبه الوحيد لدولة الإمامة هو الجبايات المفروضة على المستعبدين الذين يمكن القول عنهم مجازا: مواطنين!

لك أن تتصور أنه إلى النصف الثاني من القرن العشرين كانت هنالك دولة في بلاد واق الواق مصدر دخلها الوحيد هو جيب المواطن!

نعم.. إنها سيكولوجية الدولة الإمامية وعقليتها المريضة التي لا تجعلها تفكر بغير جيب المواطن كمصدر للدخل!

وبسبب هذه العقلية والنفسية المريضة للدولة الإمامية أضحى الشعب اليمني أفقر شعوب الأرض وأكثرها جهلا وتخلفا!

وبعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 بدأت الطبقة الوسطى بالنشوء والتشكل، وأخذت تتوسع يوما بعد يوم، حتى أصبح لها حضورها المجتمعي المؤثر، وذلك هو المنجز الأكثر أهمية على الصعيد الاجتماعي لثورتنا المغدورة وجمهوريتنا السليبة!

تدرك دويلة الحوثي - شأن كل الدول الإمامية عبر التاريخ - خطورة الطبقة الوسطى، ولذلك لا تدخر جهدا في تدميرها، وقد تمكنت بالفعل خلال سنوات حكمها القليلة من تدمير جزء كبير من الطبقة الوسطى وإلحاقها بالطبقة المسحوقة الفقيرة، ولا زال التدمير جاريا لما تبقى من الطبقة الوسطى من خلال الجبايات المجنونة وتحت مسميات وعناوين مختلفة، وربما نعود لهذه المسألة ونبسط القول فيها بعض البسط.

إن الطبقة الوسطى هي (دينامو) المجتمعات، وهي التي تقود التحولات، ومنها يخرج الأطباء والمهندسون والمعلمون وصغار التجار والحرفيون.... الخ

وتمتاز هذه الطبقة بالوعي، وهي في مشاعرها أقرب إلى الطبقة الفقيرة والمسحوقة من طبقة المترفين.

ودويلة الإمامة الحوثية على سنة من سبقها من دول الإمامة تدرك خطورة هذه الطبقة ولا تألوا جهدا في إذلالها وإفقارها.

وضعت الدولة الحوثية معيارا للمواطن الصالح ورفعت شعار: من ما تبردق ما تبندق!

لا ترى الدولة الحوثية في المواطن اليمني سوى مشروع للبردقة والبندقة، وقد رأينا كيف حولت هذه الدولة اللعينة المواطن اليمني الموالي لها إلى كائن جاهل متخلف لا وظيفة له في الحياة سوى التبردق والتبندق!

كنا نسمع عن جيش الإمام الحافي، ونضحك ساخرين، فرأينا بأم أعيننا الحفاة المتبردقين المتبندقين يجوبون الشوارع، ويبصقون في كل مكان نتن أفواههم!

كائنات جاهلة، وفقيرة، ومتعصبة، وذلك هو المواطن الصالح في دولة الحوثي!