الخميس 28-03-2024 18:59:44 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار
الزبيري في السماء بحثا عن الوطن المنسي" واق الواق"
بقلم/ خالد العلواني
نشر منذ: 5 سنوات و شهرين و 11 يوماً
الثلاثاء 15 يناير-كانون الثاني 2019 09:01 م

كما أنه عمدة في الشعر، هو دولة في السرد والنثر، وقِبلة في النضال، ومقارعة الظالمين الذين يسعون للسطو على سلطان الله في الأرض، وتسخير الناس لخدمتهم –زوراً- باسم السماء.
وعلى غير عادته في الحضور الشعري المعهود، يُطل أبو الأحرار محمد محمود الزبيري هذه المرة على الشعب اليمني من عالم الرواية، ليعيش مع وطن" واق الواق" هما، وطموحا، ويعيش به وجعا، ونزوحا، ويحيا من أجله فكرة وحركة ورسالة.
كان البطش يومها قد بلغ مداه، وضاقت اليمن بأبنائها الأحرار، حيث سد الطاغية منافذ الحياة، ولوى أعناق النصوص، وأفسح المجال للكائنات الطفيلية واللصوص، المسبحين بحمد بطشة، والخانعين لحيف مزاجه، وجرم هواه.
وجد الزبيري –العزي محمود- نفسه خارج مملكة "واق الواق"، منقطع الصلة عن شعبه الذي خضع لعملية تنويم وطني جعلته حبيسا خارج متاحات العصر، وبعيدا عن التفاعل مع روح الحضارة، ولا وجود له في مسرح الزحف التاريخي للبشر.
استفرغ العزي محمود جهده – وهو بمصر- في التعريف بما تعانيه بلاده من جور وتنكيل على يد – الوشّاح ياجناه-، لكنه لم يفلح في ذلك، فكل الذين تحدث إليهم لم يسمعوا يوما عن وطن يسمى" واق الواق" فيما اتهمه البعض منهم بأنه رجل تملّكه الغرام بالأدب، وأساطيره حتى صنع لنفسه وطنا من خيال.

التنويم المغناطيسي

وبعد جهد كبير وبحث مضن لسبر صدق دعوى العزي محمود، اهتدى كوكبة من العلماء في مصر إلى فكرة تنويمه مغناطيسيا، بحيث تبقى روحه خاضعة لإرادة الشيخ "سعدان زكي" الخبير بخبايا هذا الفن اللطيف.
انطلقت روح العزي محمود حرة خفيفة؛ تطوي الأجواء والأمداء في رحلة البحث عن الوطن المنسي، وفي ما هو في السماء وقد تكشّفت له الحجُب عن رؤية الملائكة، بجمالهم وجلالهم، وبعض وظائفهم المتعلقة بالبشر، راح محمود يتلمس طريقة للتعرف على وطن " واق الواق" الذي أضاعه، ومن ثم التعريف به، وزاد من ثقل حمله وحماسته وآساه إذ خاطبه ملَك قائلا: ينبغي لك ما دمت خارج بلدك، أن تبحث عنه؛ فإنه لا يُقبل في السماء صرف، ولا عدل لمن يضيّعون أوطانهم، وأنا أقصد بالضياع، الضياع المعنوي الذي يرادف الخيانة، أما إذا كنت تقصد ضياعه حسيّا فإنني لا أستطيع ان أفهم عنك شيئا، وكيف أفهم أن وطناً ينطوي في الخفاء؟
زاد عذاب العزي محمود بوطنه الذي ضاع من حساب أهل الأرض، وخارطة ملائكة السماء، وهو عذاب جسيم لا يعادله إلا حزنه على شعبه الذي يعتقد أنه هو المسئول عن ضياع نفسه".

في حضرة الشهداء

قررت روح العزي التوجه إلى شهداء الوطن الذين ضحوا بأرواحهم من أجل عزّة الشعب اليمني، وحقه في الحرية والكرامة، والمشاركة في الحياة السياسية، وفقاً لشروط العصر، فهم "الذخيرة من الشرف التاريخي لهذا الشعب، ولولاهم لما استطاع رفع رأسه بين الشعوب".
لكن محمود مع إعلائه لمكانة الشهداء وإذعانه لقدسية الوفاء نحوهم، إلا أنه يعتقد جازما أنهم لا يستطيعون أن يسيّروا حركة الشعب وهم من وراء الحياة، فترشده إحدى الحوريات إلى الوفاء لمبادئهم وتراثهم النضالي ولأهدافهم.
وهنا يتطرق محمود لنقطة بالغة الأهمية وهي عدم توثيق تجربة النضال ومسيرة الأبطال، الأمر الذي قد يتسبب بحدوث قطيعة بين الأجيال، ثم يعود ويحمّل الاستبداد مسئولية غياب التوثيق، إذ أن معظم القادرين على إنجاز هذا العمل الرسالي النبيل، كانوا يعيشون تحت وطأة إرهاب "العماد أبو الوشّاح يا جِنَّاه" فلم يخلفوا تراثا معروفا للناس. وهو اليوم إذ يكتب بوحي من إحساسه الخفي، ويرسم الأهداف والمبادئ، إلا أنه يريد أن ينبثق كل ذلك من الواقع المتجدد لبلاده، فهو ما يزال يؤمن بالوجود الحي للوطن والشعب.
تنتقل روح العزي محمود إلى مرحلة أعلى من الصفاء، ما إن يصير قاب وردة من الجنة، فيرقُّ يراعه ويشفُّ، ويرف، حتى لتغدو الكلمات رافلة بالحياة، مترعة بالنشوة، ولونا من ألوان النعيم، حيث تتغير المشاهد الساحرة وفقا لتغيّر الأحاسيس والمشاعر، والهواجس، وهناك يسبح محمود في ملكوت كله دهشة وضوء وحبور.
يلتقي ثلة من الرعيل الأول من الشهداء فيعرضون عليه فكرة التجول في الجنان لبعض الوقت، ريثما يحضّرون للقاء موسع مع بقية الشهداء، فيرفض فكرة دخول الجنة كروح حتى لا يخون المهمة التي جاء من أجلها، ولا يحظى بمتعة على حساب دماء الشهداء، الذين يقف في حضرة بعضهم. ولا يقصر في حق حقوق الأحياء من الشعب، وحقوق الأجيال القادمة من سلالتهم، وحقوق المطرودين المشردين من بلادهم، وحقوق قدسية الأرض التي جبلنا من تربتها.
وفيما هم يخوضون في هذا الشأن، وقبل لحظات من حدوث مفاجأة مذهلة، قيل لمحمود: كل مشاكل أهل الأرض تحل في الأرض؛ ولا تلاحق شهداءها بالمتاعب إلى الجنة، ويبدو -على هذا- أن أحياء شعبكم أشد موتا من الأموات". فأوضح محمود علّة المشكلة قائلا: "إن كل شعوب الأرض يسوقها في مجرى الحياة والتطور تيار واحد عام، فيجد كل شعب عونا ومؤازرة من هذا التيار، أما نحن فنعيش خارج هذا التيار، وعندما يمر بنا أحيانا، فإنه يتحول إلى دوامة منحرفة تجذبنا إلى الأسفل." فالحضارة الحديثة لم تقدم لنا إلا ما يطيل عمر الطغيان والفساد... وكلما أشرف- يا جِنّاه- على نهايته قامت قيامة الدوائر الغربية الاستعمارية ومنحته قوة جديدة... وحتى الكتلة الشيوعية التي تزعم بأنها المرحلة الأخيرة من مراحل تطور البشرية، تحولت في بلادنا إلى أداة لتدعيم عصر من العصور البدائية الأولى وسلّحت وثنا رجيعا، وهي تعرف أنه لا يستخدم السلاح إلا لمقاومة التطور، ولقتل النساء والأطفال وتدمير القوى."

جولة في جهنم

وفجأة يقول ملاك للعزي محمود، أنت مدعو إلى جهنم، فيهلع الشهداء، ويتسرب الخوف والكثير من الأسئلة إلى روح محمود، ودون مهلة تنقل الروح إلى الجحيم لحكمة ستتكشف مع مرور الوقت، والتجول في دركات الحُطَمة.
لحظتها تغدو الحروف التي يسطرها محمود شوبا من حميم، والكلمات آلات للتعذيب، فيستحضر أصحاب الصفات المستحقة للجحيم في صور بشعة تتناسب مع بيئة السعير، وسوادها، وحسرتها، وغرامها.. وبأسلوبه الثوري، ونكايته بالمجرمين أين ما كانوا، يشرع العزي محمود في استعراض فئات من شعب "واق الواق" أحاطت بهم خطيئاتهم فأدخلوا نارا. دون أن يقف على أسماء بعينها إلا فيما ندر فالعبرة في السلوك، والمقدمات التي أفضت بأصحابها إلى هذا الهول من عذاب الخزي المقيم.
فيمرُّ محمود على فئة المعممين المستغلين لجهل الناس، وعليهم عمائم من نار تقتلع رؤوسهم، وتصهر أجسادهم، وأحزمة تبقر بطونهم، ثم فئة المرتشين، ورجال القبائل الذين تحولوا مع طول تعذيب "الوشّاح" لهم إلى جلادين سلّطهم على الأحرار، وهم فئة قد أوكلت فئران جهنم بتعذيبهم، وتحقير شأنهم جزاء ما قبلوا الحقارة على أنفسهم في الدنيا.
ثم جواسيس الطغيان الذين كانوا يكشفون أسرار الأحرار ويكذبون ويزورن ويطعنون في الثوار ويتهمونهم بالسعي لاختصار القرآن، والمطالبة بعودة الأتراك، وهؤلاء فئة لهم عذاب معزول يتناسب مع طبيعة عملهم في الدنيا، حيث أفقدتهم عبادتهم للطغيان كل معنى من معاني الآدمية، ثم يتكشف له عذاب فئة علماء السلطة من أصحاب التدين المغشوش، والمتعصبين الذين جعلوا من المذهبية ذريعة لتمزيق الشعب، والنهّابين الذين يسطون على ممتلكات المواطنين، تحت مسمى الفيد وغيرها من الوسائل الآثمة. والصحفيين الذين تخلو عن شرف المهنة ودلّسوا وكذبوا وزورا الحقائق لحساب الكهنوت المتسلط.
وفيما هو يبحث عن –يا جِنَّاه- يرى صنوفا من العذاب الذي يتلقاه المشتركون في ثورة الشعب من أجل ضمان ألا تذهب مآلاتها لصالح المجتمع، وحتى تبقى امتيازات العصبة الحاكمة إلى الأبد. ويقف على عذاب فئران الخراب المادي والمعنوي الذين تولوا سياسة الهدم لكل ما هو إنساني ورفيع في "واق الواق". وأسسوا على أنقاضها سلطانا زعموا أنه مستمدٌّ من السماء ومفروض منها.
وحين وصل أخيرا إلى بغيته ألفى –يا جِنَّاه- وقد صار كتلة من اللحم المحترق المسموم، في شكل بشع شتات، يقابل تجبره في الدنيا، وتألهه، حتى إن أنينه وصياحه لا يخرج إلا مبعثرا من شقوق جسده المتصدع.
وما كان محمود يقف في دركة من دركات الجحيم إلا واستحال هو إلى نوع من التعذيب النفسي للمجرمين في سقر.
إلى الجنة
ومن أهوال الجحيم، وكربها، تنتقل روح العزي محمود إلى الجنة بدعوة من كبار الشهداء، لتدارس وضع "واق الواق" والاستماع للهموم والأشواق التي يحملها نيابة عن الشعب.
وتصعد روح العزي درجة أعلى من الصفاء، وتنفرج في عينيه دنيا كاملة كان قد حيل بينه وبينها، بحاجز صلب عنيد من النسيان، فيرى قصة حياته كاملة، ويتذكر الاسم الحقيقي لبلاده، وقصة خروجه منها.. ويشرع محمود في سرد مراحل الثورة اليمنية، وكشف أسباب فشلها، والإجراءات والتكتيكات التي لجأ إليها الحكم "الوشّاحي"، الذي أدمن دفن الأحياء، وحال بين الشعب وتراث الأجداد، حتى لا يرى أمجادهم فيخجل ويثور.
وأوضح محمود كيف أن اليمن تحول إلى ساحة صراع لدول عدة، تتصارع فيما بينها عليه، وتلتقي مجتمعة على هدف سحق الشعب وإرادته وحريته، ووحدته وإمكاناته الثورية الفعالية، بحيث لا يقوى على أن يكون خطرا على أي طرف من الأطراف المتنافسة.
ويضاعف من خطورة الأمر -وفقا لمحمود- أن الكثير من أبناء الشعب قد أفسدهم الطغيان، وأفسدتهم الحاجة، والفقر، والخوف والشهوات الذميمة، والذمم الخربة. فكل دقيقة من سِنِي حكم –يا جِنّاه- الطويل كانت طاحونة هائلة تسحق عظام الشعب، وتنهش لحمه، وتفري جلده، وتترك لها سمة مستديمة في خلاياه، وفي دمه، وفي أعصابه، وفي صحته العقلية، والنفسية، وفي قدرته على مواجهة المستقبل البعيد. حتى صار الشعب في عهده حيا كالميت وميتا كالحي.
والمعضلة الرئيسة أن "يا جِنّاه" على الرغم من أنه مكروه، ومغضوب عليه عند الجميع إلا أنه استطاع بمفرده أن يجعل الشعب عاجزا عن التجمع حول قيادة قوية تقف ضده، حيث ضرب الشعب بالقبائل، وضرب القبائل ببعضها، ثم قسّم الشعب إلى طوائف وطبقات، ومذاهب، وفي المقابل أخفق الثوار في شعبنة قيم ومبادئ الثورة، وتطمين الشعب على مستقبلهم، كما أن الأحرار لم يحسنوا توظيف الإنجاز، ولم يأخذوا بزمام المبادرة حين آل الأمر إليهم بل انتظروا تأييد الجامعة العربية، حتى انقضت عليهم الثورة المضادة وأطاحت بهم، ونكلت بهم قتلا وتعذيبا، وشيطنة في وجدان الشعب.

العقدة اليزنية

وعرج العزي محمود على تاريخ اليمن الغابر وتداعيات الصراع، بين اليهودية والمسيحية والفارسية، وما رافق تلك الفتنة من روح التدمير للمقومات الحضارية للشعب اليمني.
وتطرق إلى استقدام سيف بن ذي يزن للفرس وتسميم روح الشعب بالاتكالية وعقدة الاعتماد على الآخرين في حل مشاكله. وأشار إلى أن كسر هذه الاتكالية ربما تكون الحكمة الخفية في خراب سد مأرب، حيث وصل الشعب حينها إلى درجة مقيته من الاتكال الحضاري على السد. لكن ما حدث أن الشعب بعد تهدم السد سلم نفسه لسلطات متعاقبة جعلت من الهدم نهجا شاملا مضطردا.

المرأة الملهمة

وقف العزي محمود بإجلال أمام دور المرأة اليمنية المحوري في هندسة التأثير وصناعة الحياة، والاستعصاء على الظلم في الأوقات الاستثنائية، واستحضر لذلك نماذج عدة عبر تناص تاريخي ومكاني، برزت فيه أم آل أبي الدنيا، التي أعدم الإمام أولادها الثلاثة، فانتفضت بروحها المتوثبة على الظالم، واعترضت موكبه، وشنّعت جرمه، وتوعدته بالقصاص في محكمة العدل الإلهية، وتعالت بنفسها السامية على توسلاته بقبول التعويض المالي، وأصرت على حقها في المفاصلة الكاملة للطغيان، وزبانيته، وحيله وألاعيبه، ونذرت نفسها لكشف الوجه القبيح لحكم الإمامة وزعيمه "يا جِنّاه". وما صارت إليه من نعيم سرمدي في الفردوس.
وفي المقابل تبدت لميس أسعد الكامل حارسة لدماء الشهداء التي استحالت بحيرة حمراء، وأقسمت على أن تظل تحوطها بالرعاية حتى ينتصر الشعب لها، ويترجم الأهداف التي أريقت في سبيلها. "إن مهمتي هنا -بأمر الله- هي أن أمنع حتى الملائكة من مساعدة هذا الشعب، لأن لعنة الله ستنزل به وتحل بأرضه إلى الأبد إذا لم يتولَّ هو بنفسه غسل العار عنه.

الوشاح ياجناه

ولإثبات بطلان التلبس بآل البيت تم الرجوع إلى الإمام علي في الملكوت الأعلى وفتحت جلسة محاكمة لـ يا جِنّاه- فلم يجدوا في الجنة محام يتولى عملية الترافع عنه، فطلب الإمام علي من سلطات الجنة أن تفتح موجة مرئية مسموعة إلى جهنم، فربما وجودوا هناك من المجرمين والمجانين، والطغاة من يدافع عنه. لكن المفاجأة أنه حتى هولاكو رفض الدفاع عنه وأبدى استعداده للمشاركة في لعنه مع اللاعنين، ثم تبرع شخص يدعى المنصور، وتم الترافع، وخلصت المحاكمة إلى أن "يا جِنّاه" ليس خليفة شرعيا، ولا حاكما شعبيا، ولا يمثل سلطة دينية، ولا دنيوية، بل باغ مغتصب للسلطة، يمارس ضربا من ضروب التمرد يتمثل في حمل السلاح لقهر إرادة الشعب، والخروج على سلطة الأمة. والاستيلاء على الأموال بالحيلة، والوراثة المجرمة، والإرهاب وسفك الدماء.
يضيف محمود: لقد صنع الطغاة ما يسمونه هاشمية وقحطانية وبنوا على أساس هذا التقسيم سياسة ونظاما وألوانا سخيفة من التفضيل والتمييز. نظاما يقوم على قاعدة أن يبقى كل فرد من أفراد الشعب مباحا دمه وماله، ذليلا خائفا، قلقا، كأن السيف مُصلَت على عنقه.
ولأن كيان الطغيان هو العدو الأول لنفسه فقد منح الشعبَ كل أسباب الثورة عليه، وكسْرِ جدار الخوف الذي سيّجهم به، وكان من المنطقي أن تستكمل الثورة صيرورتها، وتقتلع الطغيان من جذوره، لكن الشعب ما إن بلغ مرحلة النضج الوطني جراء كل ما أصابه على يد الحاكم المستبد حتى أصيب بنكبة الاتجاهات المتضاربة المتطاحنة، وتطور الخلاف بينها إلى خوف من المستقبل.
خوف، دفع بعض الفئات إلى البحث عن الطمأنينة المحرمة، كما أدى إلى انتكاس بعض الفئات الواعية، وارتدادها عن مستواها التقدمي إلى مستوى رجعي، ظانّة أنها تبحث عن سلامة مستقبلها. فيما لجأ البعض إلى تدعيم العهد الرجعي الباغي الذي ضحى الشهداء في سبيل التخلص منه.
وفي ما يشبه التناص التاريخي الاستشرافي، يقول العزي محمود إن المشكلة القائمة اليوم أنه لا توجد في الوطن فئة من الفئات تستطيع أن تنفرد بتغيير الأوضاع. والسيطرة على أزِمّة الحكم نيابة عن بقية فئات الشعب. ولكن الوجه الأخر والأخطر للمشكلة أن كل فئة مهما صغرت، قد تستطيع أن تقوم بدور التخريب والتعويق لأي حركة شعبية ثورية تقوم بها فئة شعبية أو عدة فئات. طبقا للمثل القائل "مخرب غلب ألف مدّار".
ويقرر محمود أن حل المشكلة من وجهيها هو أن يكون بين فئات الشعب عهد مشترك ضد مثل هذا التخريب، ولن يتم هذا العهد بطبيعة الحال إلا إذا أمِنت كل فئة على مصيرها ومستقبلها في ظل حكم ديمقراطي يخلُفُ هذا الحكم الأرعن.
يكون فيه الحاكم كواحد منا؛ يشعر بفضل الشعب عليه؛ لأن الشعب هو من وضعه موضع القيادة بإرادته واختياره، فيظل أبدا يتفاهم مع الشعب ويحرص على رضاه.