الخميس 21-11-2024 14:32:20 م : 20 - جمادي الأول - 1446 هـ
آخر الاخبار
الـهـجـرة الـنـبـويـة: إعلاء للـمـبـادئ .. تجسيد للمعنى..تأسيس حضارة إنسانية
بقلم/ عبدالعزيز العسالي
نشر منذ: 7 سنوات و شهر و 6 أيام
الأحد 15 أكتوبر-تشرين الأول 2017 12:57 ص
  

سيتم تناول الموضوع بشيء من الإسهاب المفيد;

ثانيا: يمكننا تقسيم الموضوع إلى ثلاث حلقات ـ

الحلقة الأولى تنقسم إلى ثلاث مقدمات ـ

-المقدمة الأولى:

 

مـفـهـوم الـهـجـرة في الـقـرآن.

 

            اولاً:

 

-المتأمل في قصص القرآن يجد أن مفهوم الهجرة يعني:

(خروج شخص او جماعة) من وطن إقامتهم ــ ديارهم -حسب مصطلح القرآن -موطن الآباء والأجداد، وهذا الخروج من الديار - الأوطان يكون نتيجة ظلم واستبداد وتنكيل صادر عن نظام متسلط وقد يكون النظام المتسلط-ملك متكبر جبار -فرعون، النمرود -نموذجاً، وقد يكون الظلم والاستبداد والتنكيل صادر عن (الملأ) المتنفذين ــ الذين تكرر ذكرهم في القرآن قرابة /17/ مرة بصيغة الذم، عدا مرة واحدة وردت كلمة (ملا) ممدوحة عند قصة ملكة اليمن (يا أيها الملا أفتوني في أمري...) الخ.

ويدخل في نظام الملا المتنفذين من (ملأ قريش) وقد يكون هجر الأوطان -الدريار بسبب غزو واحتلال -نموذج قصة طالوت مع قومه

 (هل عسيتم ان كتب عليكم القتال الا تقاتلوا قالوا ومالنا الا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا....) الخ . البقرة :246.

 

باختصار:

مفهوم الهجرة من خلال القصصي القرآني هو ترك الأوطان-الديار نتيجة -نظام ظالم متسلط مستبد لا يؤمن بحرية الآخر، أو نتيجة احتلال - غزو هدفه الاستيلاء على أوطان الغير نهبا لثرواتها (أطماع توسعية) إمبراطورية، امبريالية.

 

 ثانيا:

الأوطان في المفهوم القرآني:

1-الأوطان في المفهوم القرآني هي (الديار) وقد ورد ذكر الديار في القرآن في آيات كثيرة تجاوزت عددها عشرات مرات تقريبا،  كما في آية قصة (قوم طالوت) نصت أن الدفاع عن الديار –الأوطان- قتال في سبيل الله.

2-يقول فقهاء المقاصد: اذا تكرر ذكر موضوع، او قضية في القرآن خمس مرات فما فوق فان هذه القضية او الموضوع يكون مقصدا قرآنيا -اي انها هدف جاء القرآن لحمايته; نظرا لأهميته الاجتماعية او الدينية، او الكرامة الإنسانية، او حقوق الإنسان.

 

 مكانة الأوطان في القرآن:

 

1-ذكرنا في الفقرة السابقة -ان ذكر الديار في القرآن تجاوزت عشر مرات، وان هذا يعني انها هدف قرآني ـــ مقصده حماية الأوطان والدفاع عنها جزء من الجهاد في سبيل الله ــ هذه المكانة للأوطان هي المكانة التشريعية.

2-لم يكتف القرآن بوضع مكانة الأوطان على النحو الأنف، وانما كشف القرآن عن مكانة الأوطان. في (أغوار الوجدان والغريزة البشرية ) بان حب الأوطان مخالط لحب النفس (حب فطري) يجمع حب النفس والوطن سواء سواء -حب ولد مع الإنسان واليك الدليل :

( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه الا قليل) النساء 66

يعني الخروج من الأوطان يماثل قتل النفس!

 

3- هل اكتفى القرآن بما سبق؟ لآآآ. وإنما قدم نصا صريحا على تحريم إخراج الناس من ديارهم كما في الآية 85 من سورة البقرة سنشير فيها الى موضع الشاهد فقط؛ تجنبا للإطالة.

 (...وهو محرم عليكم إخراجهم ...)

4-أردف ذلك بتكييف (ديني تشريعي ) لجريمة من يخرج الناس من ديارهم: بأنه كافر وان آمن ببعض الكتاب -القرآن -او أي كتاب سماوي! هذا التوصيف بالكفر هو في نفس الآية.من سورة البقرة.

5-أكد القرآن على عظم جريمة إخراج الناس من- ديارهم -أوطانهم، إن هناك عقوبتين لكل ظالم يخرج الناس من أوطانهم -عقوبة -دنيوية-

(..خزي في الدنيا..) وعقوبة يوم القيامة، (الدخول في اشد العذاب).

وعليه: نحن أمام تحريم إخراج الناس من أوطانهم تحريما قاطعا، هذا التحريم القاطع دلت عليه بقية الآية (كفر من يخرج الناس من أوطانهم) العقوبة ـــ الخزي في الدنيا، والعذاب الأشد في الآخرة.

6- الخزي في الدنيا قد يكون على يد المظلومين -المطرودين من أوطانهم ، وقد يكون على يد آخرين ذلك ان الله حث المظلومين المطرودين من ديارهم - على الانتصار لأنفسهم ( وأخرجوهم من حيث أخرجوكم).

لم يكتف القران بما سبق وإنما وصف إخراج الناس من أوطانهم بالفتنة والفتنة هنا هي الاعتداء على حرية الإقامة وحرية المعتقد (..والفتنة اشد من القتل..).

 

الخلاصة:

هذا إشارات سريعة حول مفهومين، مفهوم الهجرة في القرآن ، ومفهوم الوطن والمواطنة.

مـقـارنـــة

7-الايه (66) من السورة النساء هي تتحدث عن بني إسرائيل -موقفهم من الهجرة هروبا من ظلم الفرعون (يذبح أبناءهم) وجعلهم خدماً لطبقه الأسياد؛ حاشية الفرعون.

ومع ذلك رفضوا الخروج راضين بأحقر أنواع الحياة، وسيتجلى موضوع إعلاء المبادئ لاحقا عند ذكر هجرة الصحابة من مكة إلى المدينة.

 

 المقدمة الثانية:

 

البحث عن المعنى وتجسيده:

 

تجنبا للإطالة:

هناك كتاب لذيذ ورائق -على شبكة- النت، عنوانه:

(الإنسان يبحث عن المعنى) ..هذا الكتاب لعالم نفس أوروبي (فيكتور فرنكل) وقع في سجون التعذيب النازية ـ هتلر وكان يطبق تخصصه العلمي وهو يعاني العذاب ومعه الآلاف ممن ماتوا تحت أنواع التعذيب!

 غير انه لاحظ كما في الكتاب أن أناساً رغم التعذيب لم ينهاروا ، ولم يفقدوا عقولهم ولا ولا.

خلاصة قوله حرفيا:

(أن الدين حضر عندهم بقوة) واستخلص هذا العالم من هذا التدين لدى أولئك مفهوما بل مبدأً جعله عنوانا لكتابه (الإنسان يبحث عن المعنى)

مشيرا في تعليقه أن الإنسان إذا ارتبط بالمعني أي رسم لنفسه هدفا ساميا يعيش لأجله: تهون عنده كل المصاعب، ولا يكون المعنى -الهدف ساميا ان لم يكن متصلا بالمُثُل العليا -الوحي، النبوة، الله، الدار الآخرة.

 باختصار:

 (ابتغاء مرضاة الله).

هذا الكاتب قدم قصصا وأمثلة مروعة من التعذيب ـ والكتاب علي صغر حجمه' عظيم الفائدة.

 

وجه الدلالة :

 

1-عنوان الكتاب (الإنسان يبحث عن المعنى) وخلاصه المعنى (ابتغاء مرضاه الله)

 

2-الآية/66/من سورة النساء كشفت عن النفسية -بنى اسرائيل التي رضحت للفرعون ورفضت الخروج بحثا عن المعنى –الحرية - وصبرت على أتفه صور الحياة-( ولتجدنهم حرص الناس على حياة)

 أي حياة ولو كانت في المستنقعات الحسية والمعنوية ؟

 

3-وما فعلوه الا قليل من ذريتهم الشباب على خوف ، بخروجهم إلى سيناء هل تجسد لديهم المعنى -القيم الإنسانية -الحرية والكرامة، والمثل العليا (ابتغاء مرضاه الله) ؟

ابدا لم ينفع معهم المن والسلوى، لم ينفع معهم التعزيز السماوي النفسي بانواعه ولا وعد الله لهم : (ادخلوا عليهم الباب) انها الأرض المقدسة)

 ادخلوا الباب على أولئك وانتم ــ قطعا غالبون ؟ولكن هيهات؟؟

 

4-إنكم خرجتم لتجسيد معنى الحرية والكرامة الإنسانية، خرجتم لنشر المثل العليا خرجتم لمعان سامية، معتقدا وسلوكا واجتماعا وحماية وإنقاذا للعباد من عبودية البشر، لا تنسوا أنكم عانيتم أنواع العسف!! فتذكروا وأنقذوا المجتمعات ﻵ آ آ.

لن ندخلها .. فيها قوما جبارين

 ( اذهب انت وربك فقاتلا ..)؟؟ لا نريد العيش للمعنى فضلا عن تجسيده، نريد العودة إلى حياة القطيع نقتات البقل والثوم والبصل؟

 هذه النفسية المهترئة المحطمة -تعاني فصاما ــ خيالات حمقى (ارنا الله جهرة)، (نحن أبناء الله وأحباؤه) والله لن يعذبنا في الآخرة سوي ايام معدودات؟

غرور متعال اجوف ،و تفكير بالطعام ـ عبادة البطون وبس -هكذا نص - صاحب الكتاب الانف ان الإهانات والاستبداد والعسف تدفع العقول الى النكوص فلا تفكير بالمثل العليا ابدا انما الطعام وبس ـ

 

الخلاصة:

 

(بضدها تتميز الاشياء) ما ذكرناه آنفا عن مكانة الأوطان وحبها الفطري ،وكيف ان الله سبحانه عزز هذا الحب للأوطان بتشريع وجعل حمايتها مقصدا شرعيا قرانيا صريحا.. ولكن رغم هذا المكانة للاوطان: فان هنالك معانٍ اعلا وأسمى !!اذا كان حب الوطن ـ الأوطان سيتحول الإنسان فيها الى حياة البهيمية : فأف والف الف أف ; وبئس العيش '''

 والحل في مثل هذا الحال هو البحث عن المعنى السامي!! وعن مصدر هذا المعنى السامى؟ ومن هنا تاتي حياة العزة. الدوران حول المعنى السامي والحياة لأجله: يعني (قيادة الأمة) والفوز بالعزة دنيا وأخرى!!

 

     المقدمة الثالثة:

 

إعـــلاء الـمـبـادئ:

كـيـف؟

 أومـا الطريق المثلى؟

 

المبادئ والمعاني السامية

 ـــ الحق ــ :هل هذه القيم والمثُل تنتصر بنفسها؛ لانها هي الحق ؟ الجواب:

ﻵ آ آ والف الف ﻵ آ آ؛ ذلك ان القول الذي يستعرض العضلات: ان القيم والمبادئ والمثل العليا تنتصر بنفسها مطلقا ودون حاجة الى سنن ذات فاعليه: هو قول فج ـ أجوف اشبه بالطبل صوته مجلجل في الأسماع ، لكن باطن الطبل فارغ من اي شيء.

 

كمثل الطبل يُسمع من بعيدٍ   وباطنه من الخيرات خالِ

بل:

القول بان المبادئ والمثل والحقائق تنتصر بنفسها ؛ لانها حقائق :هو قول مخالف للوحي والشرع والعقل والمنطق سنن   الله في النفس والاجتماع ، نعم: قد يحصل نصر للمبادئ وللحقائق ولكن ما حدود هذا النصر؟ وما نسبته؟

يمكن القول: إن النصر قد يحصل على المستوى الفردي -نموذج ثبات:ياسر ، سميه، عمار، خباب، بلال، وقبلهم ابراهيم ابو الانبياء قذف في النار الخ.

وقبله نوح:انتصر بعد جهود بذلها طيلة عشرة قرون، فالنصر- هو نجاته بمن معه ـ ومن هذا القبيل ((قصة اصحاب الأخدود)) ثبتوا وماتوا في سبيل (المعنى ـ المثل العليا) فهذا نوع من النصر، لكن هذا النصر: شيء و(إعلاء المبادئ) شيء وتجسيد المعنى علي ارض الواقع وترسيخه والعيش له، كما ان ذلك النوع من النصر  لا يؤسس لحضارة وقيم إنسانية على ارض الواقع.

 وعليه:

نحن أمام سؤال في غاية الأهمية يقول: بما أن النصر الفردي والثبات على المبدأ وبما أن الحق لا ينتصر لأنه حق فهل ممكن إيضاح ماذا تقصدون

 ب (إعلاء المبادئ، كيف.. وما الطريق؟

الجواب:

المقصود بإعلاء المبادئ والعيش للمعنى: هو أن المبادئ والمثل والقيم الانسانية تسود وتوجه حياة المجتمعات وفقاً للمُثل وتعيش لها .

 إما كيف وما الطريق؟

الجواب:

أن المبادئ العليا-السماوية جاءت لأجل سعادة الإنسان دنيا وأخرى; ولأن هذه المبادئ سيكون ميدان تطبيقها هو الإنسان -الاجتماع البشري ، فان هذا يستدعي نوعين من الفهم (الفقه الاجتماعي اولا) ثم فقه المعالجة للاجتماع.

 ثانياً: الفقه (القادم) من نفس مشكاة المبادئ العليا، ويسمى الفقه الأول: فقه الواقع -يعني فقه سنن الاجتماع، معرفه نوع الداء الغالب وبقية أنواع الداء، وما هو فرعى وما هو ثانوي، انه تشخيص بالغ الدقة، ثم يأتي بعد التشخيص، فقه سنن علاج الاجتماع، وهنا معقد الإزار كما يقال- لا سيما ونحن نتحدث عن واقعنا الاجتماعي المعيش -الموارى بأنواع المشاكل المتداخلة المتشابكة داخليا وخارجيا ،ــ ليست من صنعنا في كل اتجاه.

 وقد تكون أعراض الأمراض أكثر إزعاجاً من المرض الرئيس، الذي تتفرع عنه بقية الأمراض و...الخ.

فإذا صح التشخيص فإن الطبيب أحيانا قد يبدأ بإجراءات أولية -مقدمات ووسائل وفق خطوات بطيئة، لكنها أكيدة المفعول.

 غير أن هنا سيظهر المعترضون على الطبيب، وطبيب آخر سيقول لابد من علاج كوكتيل لجميع الأمراض، الأصلية والفرعية - كما نسمع أقوالاً مجنحة:

يؤخذ الإسلام كله أو يترك كله، الإسلام لا يتجزأ!

 هذا القول هو المسيطر الآن، هو صادر عن (قراء الطب) انتبهوا ـــ قراء الطب وليس صادر عن الأطباء!

وعليه: أرجو إسقاط هذه الجملة هكذا (قراء الفقه ليسوا فقهاء).

 

إذن يمكننا القول:

الشورى -البيعة عن اقتناع من الأنصار هنا (هي الحكمة انزلها الله وهي من السنن الإلهية التي تعزز التكريم الإنساني وتجسده عمليا ولن تقف عند هذا الحد بل لابد من العيش متفانية في ترسيخه وإعلائه ـ على أنني أيضا:

أرجو لفت انتباه القارئ إلى موقف الصحابة - الأنصار خصوصا ـ كيف أثرت فيهم فاعليه الشورى; لأنهم شاركوا في صنع القرار بل بالأصح جعلهم الرسول ص هم أصحاب القرار!! ولو لم يبايِعوا ما كان للرسول ان يهاجر! ، فمدى تأثير وفاعليه سنه الشورى هانحن نجد هذا المعنى متجسدا؟ وسنجد آثار ودلائل تجسيد هذا المعنى عند الفيلسوف الأديب الشاعر عبدالله البردوني وهو يصف دفاع الأنصار عن الرسول ص قائلا:

 تدافعت بالفداء حوليك أنفسهم

كأنـهـن قــلاعٌ خـلــف أسوار.

 

أن فاعلية الحرية:جعلت من نفوس الأنصار كأنها قلاع، وأجسادهم أسوار!! كل هذا دفاعا على رائد المبادئ وحاملها - ص ـ

يقول البردوني:

أعلى المبادئ ما صاغت لحاملها     من الهدى والضحايا نصب تذكارِ

  

وعليه يمكننا القول:

 

1-هل سمو المبادئ وتجسيدها كان بمعجزة خارقة للعادة؟

أم كان هذا السمو هو ثمرة لتوظيف سنن الله؟!

تم توظيفها التوظيف الأمثل فأدت ثمارها على ذلك النحو الذي ذكره البرودني -رحمه الله ـ

 

2-هل مبادئ الاسلام كتب لها السمو والعلو والتجسيد ع ارض الواقع لانها ((الحق)) ، ام بفضل التضحيه بالاوطان ام بتضحيه راشده ـ ـ الى جوار فقه السنن وإعمالها على ارض الواقع؟

 

3- اذن من خلال مقاصد التصرفات الآنفة للرسول ص:

 تعلمنا ان فقه الاجتماع ــ الواقع ومعالجة امراض الاجتماع: لابد ان تنطلق من أولويات اجرائيه وقد يكون ظاهرها ليس دينيا مباشرا لكن البدءبها واجب ـــ نموذج الشورى

وهنا لانستغرب المقولة الرائعة الرائعة:

 (الحرية قبل الشريعة)

 

4-سؤال للقارئ:

هل نحن اليوم بحاجة الى الحريه ام الى تطبيق لشريعه بحذافيرها كما يحلو للبعض ان يردد؟؟

ليتامل القارئ ثم يجيب ع نفسه