الجمعة 26-04-2024 19:51:12 م : 17 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

رؤية الإصلاح لشكل الدولة بين النظرية والتطبيق

الخميس 17 سبتمبر-أيلول 2020 الساعة 05 مساءً / الاصلاح نت - خاص- أحمد أبو ماهر

 

بعد عقود طويلة من الاستئثار بالسطلة والدولة ومركزيتها المصادرة بيد قلة من الشعب من مناطق معينة ظهرت من خلالها الاختلالات المختلفة السياسية والاقتصادية والمؤسساتية، حتى نتج عن ذلك اضطرابات مختلفة في البلد مضت في تمزيق اليمن بعد توحد، وعدم استقرار بعد أمن، ووجدت بعض المحافظات والمناطق نفسها مهمشة وبعيدة عن الشراكة في السلطة والثروة والعدالة والمساواة، فقامت ثورة 11 فبراير على هذا الوضع لمحاولة تصحيحه، ودخل اليمنيون في حوار معمق قرابة عام كامل شملت كافة القضايا اليمنية ومنها شكل الدولة القادم.


حيث مثل مطلب بناء الدولة الوطنية اللامركزية أحد أبرز القضايا التي أثارت الكثير من الجدل والنقاش وعلى كافة المستويات، وكل حزب وكل جهة وكل طرف أعد لهذا الأمر عدته، وحدد رؤيته لقضية شكل الدولة التي يرى أنها الأصلح للبلاد وهذه إيجابية كبرى ستعزز من قدرة المؤتمرين في هذا الحوار الوطني على الخروج بالرؤية المرجوة، مالم تتحول الرؤى إلى متاريس تحول دون الوصول إلى كلمة سواء تحقق تطلعات شعبنا وتعالج الإشكالات الحاصلة.


كان التجمع اليمني للإصلاح من أهم القوى السياسية المؤثرة في البلد على كافة المستويات، ولذلك قدم رؤيته لشكل الدولة التي يتفق عليها اليمنيون ويرتضونها لحكمهم.


تمثلت رؤية الإصلاح لشكل الدولة في إحدى عشرة نقطة على النحو التالي:
1- أنها دولة تزول منها تمركز السلطة في قمة الهرم الإداري وتحقق فيها اللامركزية بالشكل الذي يناسب اليمن أرضاً وإنساناً.
2- أنها دولة مدنية ذات نظام جمهوري تتحقق فيها أهداف الثورات اليمنية 26سبتمبر و14أكتوبر وثورة فبراير الشبابية الشعبية السلمية.
3- تحفظ لليمن وحدته وسيادته وأمنه واستقراره.
4- اعتماد مبدأ الانتخاب كأساس لتشكيل وتكوين قيادات الحكم اللامركزي.
5- التحديد الواضح للسلطات والصلاحيات المركزية واللامركزية، بما يمكن هيئات وقيادات الحكم اللامركزي من إدارة شؤونهم.
6- تحقق الديمقراطية الشوروية للشعب لأنه مالك السلطة ومصدرها.
7- تحقق مبادئ المواطنة المتساوية والشراكة الوطنية في السلطة والثروة.
8- تحافظ على كرامة الإنسان اليمني باعتبار أن الدولة غاية ووسيلة لتحقيق طموحات مواطنيها.
9- تحقق لشعبها نهضة شاملة وتضمن له تكافؤ فرص العمل وسبل العيش الكريم.
10- تكون الثروات الطبيعية والموارد العامة فيها ملكاً للشعب اليمني مع ضمان حصول الوحدات اللامركزية على نسبة عادلة من عائد الثروات المستخرجة منها كما تتشارك جميع الوحدات المحلية في تنمية متساوية تمول من الثروات والموارد العامة للدولة، كما أنه لابد من التحديد الدقيق للموارد والثروات السيادية والموارد والثروات اللامركزي.
11- يكون القضاء هو الفيصل لحسم أي خلاف ينشأ بين السلطات المركزية واللامركزية وفقاً لما يحدده القانون.

 

منذ نشأة التجمع اليمني للإصلاح في 13 سبتمبر عام 1990 وهو لا يحيد عن مكامن مصالح الشعب يدور معها حيث دارت، وفي كل محطة من محطات نضالاته المختلفة اعتمد أسلوب الحوار الأمثل وتقديم رؤاه التي يراها مناسبة في أي من القضايا التي مرت بها اليمن منذ قيام الوحدة عام 1990 دون أن يفرض رؤاه بقوة السلاح أو افتعال الأزمات كما تفعل بعض القوى الأخرى.
يغلب التجمع اليمني للإصلاح مبدأ الحوار فوق كل الوسائل والآليات الأخرى من خلال العمل السياسي السلمي بين كافة المكونات أو بينه وبين الحكومة والنظام الحاكم.


حينما اقتضت المصلحة العامة للشعب أن تكون هناك حكومة فيدرالية ونظام الأقاليم، التي ينادي بها الجميع، لم يقف الإصلاح أمام هذا المشروع بل دعمه بكافة إمكانياته وتبناه في مؤتمر الحوار الوطني، وقدم رؤيته في هذا الجانب، كما في النقاط السابقة.
ومن خلال رؤية التجمع اليمني للإصلاح لشكل هذه الدولة فقد سار في تطبيق هذه البنود على أرض الواقع من خلال الحراك الشعبي في أطر المكونات المختلفة.


لم يترك تحالف الانقلابيين الحوثي وصالح للشعب ولنظام الرئيس هادي الفرصة الكاملة بعد انتهاء الحوار الوطني، بل قادوا انقلاباً مسلحاً مباشراً لوأد مشروع اليمن الإتحادي، وكان وجهة الجميع الأولى هو القضاء على الإصلاح الذي يرونه الرافعة الحقيقية لهذا المشروع، وما زال ذلك التحالف قائماً وساعياً بكافة إمكانياته مع بعض المكونات الأخرى يريد ضرب هذا المشروع من خلال افتعال الأزمات المختلفة وتكوين المليشيات المسلحة والتي وجهتها ضرب مشروع اليمن الإتحادي برمته وليس الإصلاح فقط.
ففي البند الأول من هذه الرؤية يؤكد الإصلاح على عدم مركزية السلطة في قمة الهرم الإداري وتحقق فيها اللامركزية بالشكل الذي يناسب اليمن أرضاً وإنساناً.


هذه اللامركزية ليست قالباً مستورداً في نظر الإصلاح بل هي لامركزية يتم الاتفاق على شكلها بين كافة أبناء الوطن الواحد بما يناسب اليمن أرضاً وإنساناً، وهذا بكل تأكيد تحدده العديد من العوامل التي تفرض نفسها على أرض الواقع جغرافياً وثقافياً واجتماعياً ومصالح عامة أخرى.
يمكن للجميع أن يستلهم تجارب سابقة في مجال الفيدرالية واللامركزية من نماذج ناجحة عربياً أو إسلامياً وحتى دولياً دون قولبتها على اليمن وتنزيلها تنزيلاً بكل تفاصيلها، إذ إنه بكل تأكيد هناك عوامل يمنية خاصة في هذا المجال، هنا تتدخل آلية الحوار بين المكونات لاعتماد ما يكون مناسباً يمنياً.
ومن خلال البند الثاني في هذه الرؤية أبرزت رؤية الإصلاح ملامح هذه الدولة بأنها "دولة مدنية ذات نظام جمهوري تتحقق فيها أهداف الثورات اليمنية 26سبتمبر و14أكتوبر وثورة 11 فبراير الشبابية الشعبية السلمية".


وهذه المدنية لم تكن رؤية الإصلاح وحده فكل المكونات اليمنية تنادي بمدنية الدولة، والإصلاح جزء من هذه المكونات، وهو رد عملي على المتحاملين على الإصلاح الذين شنوا عليه الحملات الإعلامية المضللة في كل وقت بأنه يعارض مدنية الدولة، فقد كان المبادر بهذا الأمر من خلال العديد من الوسائل سواء عبر الحوارات البينية مع المكونات السياسية أو في أدبياته وفي أطره التنظيمية، فضلاً عن الشعارات التي يرفعها في كل المسيرات الجماهيرية المختلفة.


الإصلاح ليس كما يصوره خصومه ومنافسوه أنه مقولب بقالب معين بل يدور مع مصلحة الشعب حيثما كانت هذه المصلحة وهو في تطور دائم، وما كانت له رؤية بالأمس فرضتها عوامل الزمان والمكان والظرف السياسي الطارئ، نجده يعدل عن تلك المواقف في زمان ومكان آخر بحسب التطورات السياسية أيضاً في البلاد.
هذه المرونة جعلت من الإصلاح حزباً متجدداً ومرناً أكسبته قوة جماهيرية وسياسية على أرض الواقع، فهو يعبر عن ضمير الشعب اليمني في كل المحطات.


فمن خلال شكل الدولة الذي حددته رؤية الإصلاح في مؤتمر الحوار الوطني، نجد هذه الرؤية لم تحد عن الثوابت الوطنية التي يجعلها الإصلاح في كل مرة هي الثابت غير المتغير والتي لا يمكن النقاش حولها، بينما يمكن الحوارات والنقاشات حول بقية التفاصيل والآليات لشكل الدولة التي يتفق عليها الجميع.
تتمثل هذه الثوابت في أن "يحفظ لليمن وحدته وسيادته وأمنه واستقراره"، كما حدده البند الثالث من هذه الرؤية، بحيث لا يترك الحبل على الغارب ويتسلل المخربون المتربصون باليمن من خلال بعض الآليات والحوارات واستغلالها في تمرير أجندتهم المدمرة للوطن، كما فعل تحالف الإنقلاب لاحقاً.
ومن خلال النقاط السابقة يعقب الإصلاح في رؤيته لشكل الدولة بالآليات المناسبة لتطبيق هذه الرؤية، والتي هي من خلال "اعتماد مبدأ الانتخاب كأساس لتشكيل وتكوين قيادات الحكم اللامركزي".


هذه الآلية هي التي سار عليها الإصلاح خلال مسيرته النضالية سواء في الحكومة والنظام والدولة أو حتى في أطره الداخلية، ولم يعرف عن الإصلاح آلية غيرها سار عليها طيلة 30 عاماً.
خاض الإصلاح ثلاثة انتخابات نيابية في أعوام 1993، و1997، وفي عام 2003، كما خاض ثلاث عمليات انتخابات رئاسية عام 1999 وعام 2006، و2012، وحالتي انتخابات محلية عام 2001 و2006 خاض فيها الإصلاح غمار المنافسة الشديدة وأحياناً كان يقف وحيداً في مواجهة كل الآلات والوسائل التي استخدمها نظام صالح وغيره بحق الإصلاح وصلت حداً الاعتداء على مرشحي الإصلاح واستعمال السلاح ضدهم واستشهاد بعض أعضائه، مما يدل على شراسة المواجهات الانتخابية، ومع ذلك لم يحد الإصلاح عن الوسائل السلمية وهذه الآلية قيد أنملة باعتبارها الوسيلة المثلى للتغيير.


ويرى التجمع اليمني للإصلاح في البند الخامس لرؤيته لشكل الدولة "التحديد الواضح للسلطات والصلاحيات المركزية واللامركزية، بما يمكن هيئات وقيادات الحكم اللامركزي من إدارة شؤونهم".
وهذا البند يعتبر من أهم البنود التطبيقية لشكل هذه الدولة ومربط الفرس الذي من خلاله تختبر النوايا ويكون المحك الحقيقي لبناء الدولة بشراكة الجميع بتحديد واضح لا لبس فيه يمكن أن تؤول تأويلاً مختلفاً أو يتم الاختلاف بعدها، ولذلك كان التركيز على الوضوح التام دون أي فرض صلاحيات أو تدخلات من السلطات المركزية خاصة وأن التجربة ستكون جديدة على الجميع ينبغي فيها الشفافية المطلقة والوضوح الكامل.


لم يعرف عن الإصلاح في كل محطاته أن تلاعب بما يتم الاتفاق عليه أو أن يتم تأويل ما اتفق عليه الجميع، فهوا واضح الرؤيا والمسار والفكر، وما تراجع عن أي اتفاق أبرمه مع كافة المكونات السياسية أو النظام احاكم حتى وإن كان فيه غير رضى تام من قبل الإصلاح لا يسعى إلى عرقلته حتى تسير الأمور إلى الأمام، فالعملية الديمقراطية وبناء الدولة عوامل بناء مستمرة ومتجددة لا تجدي معها تصلب المواقف، خاصة إن كان هناك حرص على المصالح العامة للدولة والشعب تقدم فيها هذه المصالح على المصالح الحزبية.


تعتبر البنود من 6 إلى 10 في رؤية الإصلاح لشكل الدولة هي ثمار هذه الرؤية التي ينبغي أن تتحقق للشعب اليمني من خلال بناء هذه الدولة وشكل الحكم القادم فيها والتي ينبغي أن يسعى الجميع لتحقيقها مع تكامل الرؤى الأخرى لبقية المكونات؛ لأن الغاية بناء اليمن الاتحادي وتحقيق مصالح الشعب قبل كل شيء دون إقصاء أو تهميش أو تسلط أو تلاعب بالسلطة والثروة.


وجعل الإصلاح ختام المسك لهذه الرؤية هو القضاء وسلطته، كما في البند الحادي عشر "يكون القضاء هو الفيصل لحسم أي خلاف ينشأ بين السلطات المركزية واللامركزية وفقاً لما يحدده القانون"، وهذا البند هو غاية ووسيلة في نفس الوقت، فهو الذي يحفظ لليمنيين حقوقهم ومكانتهم، ويحفظ لليمن كدولة مكانتها وسلطتها.


فإذا صلح القضاء صلحت بقية المؤسسات وصلح الشعب، وإذا فسد القضاء فسد كل شيء عند الشعب، وهذا ما يركز عليه العالم أجمع في احترام القضاء أسلوبه وعدالته.
لم يكن هذا البند محظ خيال مثالي ركز عليه الإصلاح ويقدمه كجانب نظري في هذه الرؤية، بل كان أسلوباً للإصلاح للتعامل به مع كافة من اختلف معهم من القوى السياسية أو الشخصيات وهناك الكثير من القضايا التي برزت في هذا المجال من خلال رفعها للقضاء خاصة أمام القذف والتشهير لرموز الإصلاح والتناولات الإعلامية المختلفة بحقه منذ عام 1993 وحتى اليوم.

كلمات دالّة

#اليمن