الخميس 28-03-2024 22:54:11 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

حين تجترح السياسة فعل التغيير.. قراءة في مسيرة النضال السياسي السلمي للإصلاح

الخميس 17 سبتمبر-أيلول 2020 الساعة 12 مساءً / الإصلاح نت – خاص

الوحدة اليمنية والتعددية الحزبية وثالثهما الإصلاح، ثلاثة أحداث مهمة حملها معه العام 1990 إلى الشعب اليمني، فبعد أقل من أربعة أشهر على إعلان الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990 أعلن الإصلاحيون ميلاد حزبهم التجمع اليمني للإصلاح في الـ 13 من سبتمبر من العام نفسه.
ثلاثون عاماً مرت منذ الإعلان عن قيام الإصلاح كحزب جماهيري تخلق في أوساط الجماهير اليمنية، التي مثلت - ولا تزال - حاضنته الشعبية الكبيرة التي يُعزى إليها -بعد توفيق الله- صموده في وجه التحديات والتغلب عليها.


الجذور والامتداد
كان الإعلان عن تأسيس حزب التجمع اليمني للإصلاح في 13 سبتمبر 1990 م لحظة فارقة في التاريخ السياسي اليمني المعاصر، فقد مثل انتقالةً هامة في فكر وآداء ما كان يُعرف) بالحركة الإسلامية (قبل الوحدة اليمنية؛ إذ كان إقرارا والتزاما منها بقبول مبدأ التعددية السياسية والحزبية التي ولدت مع قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990 والتعاطي الإيجابي معها كنهج سياسي جديد في حياة الشعب اليمني، إلى جانب ذلك فقد وفق مؤسسو الحزب في اختيار اسم )التجمع اليمني للإصلاح( كمسمَّى يعبر عن الجذور اليمنية الأصيلة له ، واعتباره امتدادا لتيارات الإصلاح النضالية المستنيرة التي عرفها اليمنيون خلال القرون الثلاثة الأخيرة والتي عملت جميعها على تحرير الشعب اليمني من ربقة الإمامة العنصرية وفكرها المتخلف وسياستها الانتقامية.


حزب الإصلاح كما جاء في مقدمة نظامه الأساسي هو "حركة إصلاحية يمنية جامعة تشكل امتداداً حياً لحركة التجديد والإصلاح الناهضة في تاريخنا الحديث وأنه يشكل الوعاء التنظيمي لتيار الصحوة الإسلامية".
حركة التجديد والإصلاح التي ناهضت الحكم الإمامي خلال الثورات المتعاقبة منذ ثورة 1948م و1962م، وكانوا ضمن هيئة الرئاسة التي تشكلت بعد ثورة 26 سبتمبر، أبرز هؤلاء أبو الأحرار محمد محمود الزبيري، وعبده محمد المخلافي وياسين عبد العزيز اللذان أسسا عام 1965 )شباب الدعوة الإسلامية( في تعز.


وبرزوا عبر تكوينات عدة في ميدان العمل السياسي من خلال المجلس الوطني (1968م)، كمساهمين أساسيين في إنجاز الترتيبات الوطنية الشاملة، وفي إعداد الدستور الدائم, وإجراء انتخابات مجلس الشورى (1971م). وخاضوا تجربة الحركة التعاونية (1973م), وسايروا بهدوء الحركة التصحيحية التي تبناها الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي، وشاركوا في الانتخابات البلدية (1979م), وساهموا في إعداد الميثاق الوطني وإنشاء المؤتمر الشعبي العام (1982م)، وساهموا في انتخابات المجالس المحلية للتطوير التعاوني (1985م). وكانوا الأكثر تفاعلاً ومساهمة في إنجاح انتخابات مجلس الشورى (1988م)، وهم القوة السياسية الوحيدة التي أعلنت بوضوح عن برنامجها السياسي لخوض تلك الانتخابات من خلال ما سُمي (نصيحة العلماء.)


غيرُ عابرٍ للحدودِ
من بين كافة الأحزاب اليمنية، نجد الإصلاح الوحيد الذي أعلن بجلاء انتماءه الفكري والإيديولوجي لحركة الإصلاح والتجديد اليمنية التي قادها علماء مصلحون ومجددون خلال الثلاثة القرون الماضية، أمثال ابن الوزير والمُقبلي والجلال والصنعاني والشوكاني وصولا إلى الشهيد الزبيري ورفاقه، وعدّ فكره ومنهجه الإصلاحي امتدادا طبيعيا لفكر أولئك العلماء المصلحين المجددين. والواقع أن هذه ميزة يمكن البناء عليها، فالإصلاح استغنى بأيديولوجيته الفكرية والسياسية المحلية المنشأ والجذور، عن كل الأيديولوجيات المستوردة، فلم يجد نفسه مضطراً لها ولا مدفوعا إليها، وبذلك يكون قد حصّن هويته ومشروعه السياسي بسياجٍ وطني منيع.


نستطيع الجزم -بناء على ما سبق- أنّ المشروع السياسي للإصلاح ذو أبعادٍ محلية صرفة غير عابر للحدود، وهو ما أثبتته الممارسة السياسية للإصلاح وبرهنت عليه الوقائع والأحداث على الساحة اليمنية طوال الثلاثين عاماً من عمر الحزب.
ومن ناحية أخرى، فقد جنبت الأيديولوجيا الفكرية الوطنية التي تبناها الإصلاح، جنبته وأبعدته بالكلية عن أي ارتباطات خارجية من أي نوع كانت، ما مكنه من امتلاك قراره السيادي وجعله أكثر حرية ومقدرة على تقرير سياساته وفق إرادته، وهو أمر يغفل عنه الكثير من المراقبين والمهتمين بالحزب.


التحديات السياسية
نشأ الإصلاح في ظل نظامٍ ائتلافي مكون من سلطتين حاكمتين توحدتا للتو, وظلتا تحملان إرثاً في وجدانهما وأدبياتهما معادٍ لكل طامح لتحقيق الحرية والعدالة والمساواة, وللتوزيع العادل للثروة, ولكل من يسعى لترجمة شعار التداول السلمي للسلطة وتحويله إلى واقع يجسده الناس في حياتهم السياسية.
منذ الوهلة الأولى وجد الإصلاح نفسه في مواجهة تحديات سياسية كبيرة، وهو الحزب الذي تأسس للتو، واختارته الأقدار ليكون ثاني أكبر حزب سياسي في اليمن, ويناط به مهمة التصدي لسلطة ونفوذ الحزبين الحاكمين -وقتها- اللذينِ لم يأتيا عبر مسار ديمقراطي, بل وُلِدا في حضن السلطة وانتعشا في كنفها واعتاشا عليها، ولم يُعرف عنهما أي ممارسة ديمقراطية حقيقية طوال فترة استفرادهما بالسلطة, وقد جسدا في حقيقة الأمر نظاما شمولياً مستبداً لا يقبل التنافس النزيه على السلطة ولا يُبدي استعداده للتنازل عنها رغماً عن إرادة الجماهير، ولذلك نشأت الديمقراطية اليمنية مشوهةً وكسيحة ومفتقرة للبناء المؤسسي الحامي لها.


ظل الحزبان الحاكمان -آنذاك- يستقويان بأدوات السلطة وعلى رأسها القوات المسلحة التي أخفقا في دمجها ضمن مؤسسات دولة الوحدة، واستمرا ينظران إلى الوحدة لا كمكسب وطني بل كغنية يتعين تقاسمها بينهما. ونتيجة لغلبة نزعة الاستحواذ على غنائم الوحدة, وسيطرة عقلية الإقصاء على أدائهما السياسي, كان من الطبيعي أن ينتهي الحال بهما إلى حتمية المواجهة العسكرية.


في مثل تلك الأوضاع السياسية المحتقنة المشوبة بالصراع والتنافس الحزبي المحموم وغير المنضبط بين قطبي السلطة وقتها، وغلبة المصالح الحزبية على المصالح الوطنية، وتعثر بناء دولة المؤسسات، وغياب قواعد العمل الديمقراطي لحساب سلطة القوة، وعدم الاحتكام للقوانين النافذة والاتفاقات الموقعة، وجد الإصلاح نفسه في معترك صعب من التحديات السياسية فرضت عليه خيار النزول إلى الشارع, وقيادة معارضة شعبية وفق برنامج سياسي سلمي جعل منه أيقونة الديمقراطية اليمنية الناشئة, ورقما يصعب تجاوزه.
وهنا بعضٌ من تلك التحديات التي واجهته منذ انطلاقته الأولى, واستطاع احتواءها بفضل إستراتيجية العمل السياسي السلمي.


تحدي التعديلات الدستورية
اعترض الإصلاح على بعض مواد دستور دولة الوحدة, ولم يعترض على الوحدة ذاتها، وما كان له أن يفعل، بالنظر لمرجعيته الإسلامية التي تُعلي من قيمة الوحدة بين المسلمين وتجعلها فريضةً شرعيةً قبل أن تكون ضرورة وطنية، لكن الكيد السياسي الذي كان سِمة تلك الفترة أراد اللعب على ورقة الوحدة لحصد مكاسب انتخابية.


أرادوا حشر الإصلاح في الزاوية بتصويره معاديا للوحدة التي هتف لها الشعب، وحاولوا إلباسه قميص التطرف, ودفعه إليه, ووضعه على النقيض من الإرادة الشعبية ليسهل إقصاؤه، على أن الإصلاح كان من الوعي والإدراك لما أُريد له، في الوقت الذي لم تأخذه في الله لومةُ لائم، وتصرف طبقا لما تمليه عليه مرجعيته الإسلامية ومنهجه الذي اختطه لنفسه.


كان الإصلاح صادقاً مع نفسه ومع ما يؤمن به، وصادقاً كذلك مع الجماهير التي آمنت به، فلم يهادن أو يقايض لأجل مكاسب سياسية, وأعلن بكل وضوح رفضه لمواد الدستور تلك التي تنتقص من حق الشريعة في التشريع كمصدر وحيد. على أنه عندما أعلن رفضه لم يعلن تمرده ولم يدعُ لحمل السلاح، وهنا يكمن الفارق بين من يؤمن بالديمقراطية حقاً ومن يتشدق بها.


كانت تجربة في غاية الخطورة والحساسية, وكان الإصلاح كمن يمشي في حقل ألغام، فالحزب الذي تشكل للتو وتنقصه الخبرة السياسية كما ذهب البعض حينها، وفي الأيام الأولى لدولة الوحدة, وفي خضم الزخم الجماهيري الهائل المبارك لها بدا وكأنه يصطدم معها بسبب معارضته تلك، أو هكذا اُريد له، لكنه وعلى الرغم من ذلك قرر أن يخوض التجربة, ويقود معارضةً سياسية, ويلجأ إلى الشارع للحصول على مساندته لبلوغ التغيير المنشود سلمياً, وكان له ما أراد, ونجح في حشد مليونية جماهيرية رافضة للدستور بعدما كان قد عبأ الشارع لمقاطعة الاستفتاء عليه.
كان ملفتا للنظر ومثيراً للإعجاب في آن نجاح الإصلاح -وهو الحزب الذي كان لا يزال طرياً عوده فلم يتجاوز عمره بضعة أشهر- في أن يحرك كل تلك الجماهير وراءه, ويحشدها في تظاهرة سلمية هادرة لم تعرف لها اليمن مثيلا من قبل.


قدم الإصلاح نموذجا يحتذى في الانحياز للعمل السياسي السلمي الذي بمقدوره الضغط على السلطة دون أن يُهرَق دمٌ أو تُطلق رصاصةٌ.
نجح الإصلاح عبر تلك المسيرة المليونية في تقديم أوراق اعتماده للشعب, وتقديم نفسه حزبا معارضا جديرا بثقته، ومقدماً في الوقت نفسه درساً سياسياً في النضال السلمي لأحزاب عتيقة ظنت نفسها كبيرة ورائدة في العمل السياسي, فيما كانت جامدةً وعقيمةً من طول تكلّسها في السلطة.

 


تحدي الانتخابات
شهدت الفترة الانتقالية -التي امتدت بفعل خلافات قطبي السلطة وقتئذ من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات- ذروة الاحتقان السياسي نتيجة تفاقم الخلافات السياسية والانتخابية بينهما, وحرص كل طرف على تحقيق مكاسب على حساب الطرف الآخر، ولغياب ثقافة العمل المؤسسي والدستوري لم يحتكم طرفا الأزمة السياسية إلى الدستور الذي أصرّا عليه من قبل، بل عمد كل طرف إلى الاستقواء بالقوة العسكرية التي تحت يده والتي لم يجرِ دمجها في المؤسسة العسكرية لدولة الوحدة.


قادت الخلافات السياسية التي صاحبها تدهور أمني مريع لتأخير العملية الانتخابية، وكان التوجس وانعدام الثقة سيد الموقف المتحكم بعلاقة الحزبين الحاكمين, ما دفع كل طرف منهما لترتيب أوراقه بمعزلٍ عن الآخر لضمان مكاسبه قبل الدخول في العملية الانتخابية التي أنجزت أخيراً في الـ 27 من أبريل 1993م، وقد أمّل اليمنيون حينها أن تقود إلى انفراج الوضع السياسي المتأزم، ولم يتوقع أحدٌ أن تلك الانتخابات التي مثلت بارقة أمل لإنقاذ الموقف ستكون هي نفسها أحد أهم أسباب تفاقم أزمة شريكي الوحدة, وتصدع العلاقات بينهما وصولاً إلى مرحلة اللاعودة.


على الضفة المقابلة كان الإصلاح أكثر حماسة لإجراء الانتخابات في موعدها, وإزالة العراقيل من طريقها، وكان حرصه الشديد مفهوما بغية إرساء قواعد الدولة الوليدة, وتمتين مؤسساتها, وتوسيع المشاركة الشعبية, والحفاظ على الهامش الديمقراطي, وخلق أوضاع مستقرة للوحدة، وإقناع الأطراف المتنازعة بحل خلافاتها واحتوائها في إطار العمل السياسي المنضبط بالدستور, والاحتكام إلى قواعد اللعبة الديمقراطية التي تعد الانتخابات أحد أدواتها.
لقد مثّل تأخير الانتخابات في تلك الفترة كابوساً مقلقاً للإصلاح خشية تراجع العملية الديمقراطية, وتعثرها, ما سيلقي بظِلالٍ قاتمة على مستقبل البلد، ومن جهة ثانية ينظر الإصلاح إلى السياسة بوصفها ساحة العمل الوحيدة التي يمكنه الفعل من خلالها، وكان يحرص على جذب طرفي الصراع إلى ساحتها, وتجنب ساحة القوة والعنف ليتعزز المسار الديمقراطي كأحد أهم مكاسب الوحدة.


حاول الإصلاح إبقاء خلافات حزبي السلطة ضمن المسار السياسي التشاركي, والتنافس الانتخابي المشروع, عبر أدوات اللعبة الديمقراطية المتاحة, بغية تجذير دولة المؤسسات, والحفاظ على ألق الوحدة بما حملته من تجربة ديمقراطية, وما وعدت به من تداول سلمي للسلطة، وتأسيساً عليه تجنب الإصلاح وضع أي اشتراطات خاصة في وجه العملية الانتخابية التي كانت مثقلة أساساً باشتراطات طرفي الأزمة.


بالنسبة للإصلاح فقد مثّلت انتخابات 1993م النيابية أفضل الفرص المتاحة لدفع شريكي السلطة بعيدا عن ساحة الصراع المسلح, وجرهما إلى مربع الفعل السياسي السلمي. كانت الانتخابات بمثابة النور المشع في آخر النفق, فقد مثلت تحدياً حقيقياً لكل الأطراف المشاركة وبخاصة حزب الإصلاح الذي دخل المنافسة بأدوات سياسية بحتة, في مقابل أطراف النظام التي فضلت المنافسة على طريقتها الخاصة بما تمتلكه من أدوات السلطة من القوة العسكرية, والأمنية, والمال المسيس, والوظيفة العامة، وفوقها أساليب التزوير والاحتيال، ورغم ذلك أثبت الفعل السياسي الجاد والمخلص أن بمقدوره تحدي عنفوان السلطة وجبروتها, وانتزاع النصر من براثنها, وهو ما فعله الإصلاح الذي حل في المرتبة الثانية في تلك الانتخابات، لكنه مع ذلك أفسح الطريق لمن حل ثالثاً ليحل مكانه! لا لشيء, عدا الحفاظ على المكسب الديمقراطي -وإن كان ضئيلا- وتنمية المسار السياسي التشاركي التعددي.

 


تحدي السلام وبناء الدولة
لم تفلح انتخابات 93م في جسر الهوة بين طرفي الصراع -آنذاك- وإنهاء خلافاتهما بقدر ما ضاعفتها حتى ليمكننا القول إنها أطلقت الشرارة الأولى لتفجير الموقف عسكريا لجهة التعنت في رفض الواقع السياسي الذي أفرزته الانتخابات, وهيمنة أحد الأطراف على المشهد السياسي, ونكوصه عن الاتفاقات المبرمة, ومحاولته إلغاء دور شريكه, مستقويا بفوزه بالانتخابات, وإن لم يكن فوزا كاسحا.


اشتعلت الحرب رغم كل الجهود المبذولة محليا وإقليميا لمنعها، اشتعلت رغم توقيع الأطراف المعنية لوثيقة العهد والاتفاق برعاية الأردن الشقيق, نشبت الحرب بين شركاء متشاكسون, ظلوا طوال الوقت يتنازعون كعكة السلطة, وغنائم الوحدة باعتبارها حقا حصريا لهم, في مقابل الوحدة التي تعاقدوا بشأنها، ولما اختلفوا أرادوا إنهاء ذلك التعاقد دون أي اعتبار لرأي الشعب. والحقيقة أن أيّاً من الشريكين المتعاقدين لم يكن ليقبل ممارسة اللعبة الديمقراطية في إطارها السياسي, وطبق الدستو,ر حتى عندما قرر دخول الانتخابات، وبقي كل طرف متربصاً بالآخر, وكانت النتيجة الحتمية اندلاع الحرب.


في ظل ذلك المشهد القاتم من تداعيات الحرب, حاول الإصلاح مجددا تأطير السلام المجتمعي من خلال دعوة الجميع للعودة إلى مربع السياسية, والانتصار للوطن, ولملمة جراحه, والالتفات لمصالح البلاد والعباد, داعياً في مؤتمره العام الأول (20-24 سبتمبر 1994) الحكومة لمعالجة آثار الحرب, وإزالة مخلفاتها, وتعمير المناطق المتضررة, وإعطاء الأولوية في المشاريع والخدمات لتحسين أوضاع المحافظات الجنوبية، فقد خشي الإصلاح من هيمنة الطرف المتغلب, ومسارعته لمحاصرة الحريات, والتضييق على العملية السياسية, وتحجيمها لصالح نظام الفرد، لهذا حرص على التأكيد في مؤتمره العام الأول على أن "النهج الديمقراطي الشوروي, وترسيخ التعددية السياسية, وترشيد الممارسة الحزبية, وترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة في البلاد, هو الطريق الأمثل لتجنب اليمن مغبة الصراعات السياسية التي تنعكس بآثارها السلبية الخطيرة على مختلف المستويات". وأكد المؤتمر على أهمية إبعاد القوات المسلحة عن الصراع الحزبي, وجعلها قوةً للشعب اليمني كله, مهمتها حماية الشرعية, والحفاظ على وحدة واستقلال البلاد, وحراسة ثرواته.


زادت مخاوف الإصلاح من نشوء نظام استبدادي, يتوسل الوحدة والانتصار لها للعبور إلى سلطة الفرد, وتكريسه حاكما أوحد, على حساب التعددية, والتداول السلمي للسلطة, التي هي ثمار الوحدة, وليست منحة من أحد، وتحققت مخاوفه حينما اتجه نظام ما بعد الحرب لتأسيس حكم الفرد, وبناء قدراته على حساب مؤسسات الدولة.


ولم يغفل الإصلاح عن ذلك, بل كان يرقبه باهتمام, ويحذر من تماديه، وعاد مجددا في مؤتمره العام الأول -الدورة الثانية (20-21 نوفمبر 1996م) للتأكيد على أن:
- دولة المؤسسات لا يمكن أن تكون دولة فرد, أو حزب واحد, بل دولة على اتساع هذا الوطن, وعلى عمق هذا الشعب الذي يضرب بجذوره بعيداً في التاريخ.
- الخطوة الأولى للبناء المؤسسي تكمن في الالتزام بالدستور والقوانين النافذة وتطبيقها بصرامة.
- النهج الديمقراطي الشوروي هو الخيار الحضاري البارز الذي يؤهلنا لدخول القرن الحادي والعشرين بثقة, وقوة وكفاءة.
- حرية التعبير وحماية الرأي والرأي الآخر, هما أحد مرتكزا ت النهج الديمقراطي, وبدون ذلك فلا معنى للعمل الديمقراطي, ولا جدوى منه.
- الحوار المفتوح هو السمة الحضارية البارزة لحل الاشكالات, والتباينات, والتقارب على قاعدة أن نتعاون فيما اتفقنا عليه, ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه في إطار الثوابت الإسلامية والوطنية، والحوار هو المقياس العملي لمدى تطور هذه التجربة.

 

لقد امتلك الإصلاح رؤية واضحة لإعادة تأطير العمل السياسي عبر الحوار, وتحت سقف الدولة ومؤسساتها الدستورية, باعتبار أن الدولة لا تصلح أن تكون دولة فرد أو حزب واحد بقدر ماهي مظلة للجميع, وعليهم الانحياز إليها, والحفاظ على بنيتها, وتماسك مؤسساتها, بما يعزز النهج الديمقراطي والتشاركية السياسية, ويحول دون بزوغ ظواهر التسلط والاستبداد.


تلك المعاني جميعها ظل الإصلاح يعمل عليها سياسيا, ويحشد حولها, ويوعّي بها، حتى أنه جعلها شعاراً لمؤتمره العام الثاني المنعقد في الفترة من 6-8 أكتوبر 1998م (معاً من أجل بناء دولة المؤسـسات, وتعزيـز المسـار الديمقراطي الشوروي, وتحسين الأوضاع المعيشية للشعب.)
لقد كانت فكرة الدولة, وبناء مؤسساتها, وتنمية الديمقراطية, حاضرة في ذهنية الإصلاح منذ اليوم الأول, وخاض سجاله السياسي -ولا يزال- للدفاع عن تلك الفكرة التي يجد الناس متنفسهم فيها لإشهار مواقفهم, وحل خلافاتهم, وتنمية تجاربهم السياسية, وإشاعة الديمقراطية والتنافسية البرامجية, بعيدا عن لغة القوة والعنف. فعندما تحضر السياسية يحضر الإصلاح, ولا يغيب إذا غابت, بل يناضل سلمياً لجعلها حاضرة.

 


تحدي النضال السلمي
كان الإصلاح قد خرج للتو من الحكومة الائتلافية مع المؤتمر إلى ساحة المعارضة عقب انتخابات 97م التي شارك فيها، رغم مقاطعة البعض لها، لأجل الحفاظ على ما تبقى من هامش ديمقراطي، ولكيلا ينتهي مسار التعددية السياسية والحزبية إلى طريق مسدود, مع تغول سلطة الفرد, وتشكل نظام سياسي ينحو صوب الاستبداد والإقصاء, ويشهد انحسارا لدولة المؤسسات, وتعاظم لدولة الفرد.


كان أمام الإصلاح تحدٍ جديد هذه المرة, يتمثل في العمل على جمع شتات المعارضة في تكتل معارض من نوع مختلف لم تشهد له اليمن مثيلا من قبل، أُطلق عليه فيما بعد تكتل أحزاب اللقاء المشترك، أُريد له أن يكون قادراً على مواجهة تحديات المشهد السياسي اليمني المتحكم فيه نظام علي عبدالله صالح الذي كان قد هيمن على قواعد اللعبة السياسية, واحتكر السلطة والثروة والقرار، وعمد إلى تحويل العملية الديمقراطية إلى ظاهرة صوتية, وأشكالٍ ومظاهر فارغة المعنى، فيما أخذت المشكلات السياسية والاقتصادية تتفاقم في عهده, وتراجع مستوى احترام الحقوق والحريات, وزادت مؤشرات الفساد السياسي والاقتصادي والمالي والإداري إلى مستويات غير مسبوقة.


في تلك الأجواء المشحونة بالخلافات السياسية, والسخط الشعبي المتنامي ضد صالح وحزبه, دشن الإصلاح حركة معارضة جديدة واسعة التحالفات والأهداف, أراد من خلالها إعادة الاعتبار للفعل السياسي المعارض. أضف إلى ذلك فقد أدرك الإصلاح من وقت مبكر أن العصر هو عصر إرادة الشعوب التي صار بمقدورها صناعة التغيير عبر النضال السلمي, والعمل السياسي المنظم، كما سعى الإصلاح لتبني مفهوم الشراكة في التغيير عبر توسيع تحالف المعارضة, وتقاسمها أعباء البناء, وتشاركها في حمل المشروع النهضوي، وكان ذلك واجب الوقت الذي لم يتأخر عنه الإصلاح، وواجب السياسة التي عليها أن تجنب البلاد الصعود نحو الهاوية، وواجب الحزب الذي ولد معارضا منذ اليوم الأول, وصعد إلى السلطة من ساحة العمل السياسي بحيازته الثقة الشعبية عبر الإقتراع, لا على ظهر دبابة.


على أن أهم التحولات السياسية للإصلاح في مسيرة عمله النضالي الوطني, وبالأخص في العقد الأول من الألفية الثانية هو تدشين مشروع النضال السلمي الذي أعلن عنه من وسط مؤتمره العام الثالث بصنعاء (فبراير 2005) تحت شعار (النضال السلمي طريقنا لنيل الحقوق والحريات), معلناً أن "المدخل الحقيقي للتغيير يكمن في فهم الشعب لحقوقه, واستيعابه لها, واستعداده للنضال الواعي والسلمي من أجلها, باعتبار ذلك يمثل المقدمة الحقيقية للمشاركة الشعبية في العملية السياسية."


وكانت أهم رسائل المؤتمر العام الثالث للإصلاح تأكيده على "أن المشروعية الدستورية للسلطة مرهونة بمدى احترامها للدستور والقانون, ومقدرتها على ترسيخ قيم ومبادئ الشرعية الدستورية، وتطبيق مبدأ سيادة القانون"، معربا عن "قلقه الشديد من النزعة الشمولية للحزب الحاكم تجاه شركاء العمل الوطني, وهو ما يهدد العملية الديمقراطية, ويبقيها مجرد طقوسٍ شكليةٍ يستخدمها الحزب الحاكم للمزايدة الداخلية, والإقليمية, والدولية".
وانتقد الإصلاح بشدة حالة التراجع المخيف للحريات والحقوق جراء ما يقوم به النظام من ممارسات التضييق, والمصادرة للحقوق والحريات, وتجفيف منابع الديمقراطية على صعيد التشريع والممارسة.


واستمر الإصلاح في تطوير أدائه, وبرنامجه للنضال السياسي السلمي, وعقد مؤتمره العام الرابع في فبراير 2007 تحت شعار أكثر شمولية هو (النضال السلمي طريقنا للإصلاح الشامل)، موجهاً أعضاء الإصلاح وأنصاره وحلفاءه ليكونوا في طليعة المدافعين عن الحقوق والحريات. وفي الدورة الثانية للمؤتمر العام الرابع المنعقدة في مارس 2009 وضع الإصلاح يده على جذر الأزمة الوطنية -حينها- ومنبعها, مشيراً إلى أن " ممارسة السلطة على قاعدة الولاءات الضيقة, والمصالح غير المشروعة, تمثّل جذر الأزمة الوطنية الخطيرة التي تمر بها البلاد, بما تحمله من نذر كارثية..." وأكد رئيس الهيئة العليا للإصلاح محمد اليدومي على أن " النضال السلمي لا يعني السهولة والدعة، فبدون الاستعداد والتضحية, وامتصاص الصدمة, يتحول النضال السلمي إلى شكل من أشكال المهادنة مع الظلم والفساد"، وأشار اليدومي إلى جوهر المشكلة التي عانت منها البلاد, وتسببت في تردي الأوضاع على كافة المستويات فقال: " إن السلطة دأبت على تكريس الممارسة الفردية على حساب دور المؤسسات الدستورية, وحلت المصالح الضيقة محل الشراكة الوطنية والمواطنة المتساوية, وجرى التضييق على التعدد السياسي, وتهميشه, ومحاصرته لصالح تعدد آخر جهوي وغير جهوي, تتغذى فيه ومنه المشروعات اللاوطنية".


لقد مثّل مشروع النضال السلمي للإصلاح نقلةً نوعية في العمل السياسي الوطني, ودفعة قوية للمعارضة على خُطى التغيير السلمي, بمؤازرة الجماهير اليمنية التواقة للتغيير، حتى ليمكننا القول إن ذلك المشروع الإصلاحي السلمي الذي تبلور في مؤتمريه الثالث والرابع تمتع بكاريزما سياسية جاذبة، مستقطباً حوله مختلف قوى التغيير الوطنية، وقد شهد حلفاء الإصلاح وغيرهم بأن "وجود الإصلاح غدا إحدى الضمانات السياسية, والركائز المتينة, لمستقبل التعددية السياسية والفكرية في اليمن". وأكد أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني السابق د.ياسين سعيد نعمان على أن " الجميع يرى في الإصلاح تنظيما ديناميكياً, أسهم في إخرج الحياة السياسية من حالة الجمود, وأكسبها طابعا حركيا متفاعلاً". مضيفاً بأن " أحزاب المشترك ترى في الإصلاح الشريك الوفي لشراكته, وقوة دفع حقيقية لنضالها خلال المرحلة القادمة, لتحويل برنامج الإصلاح السياسي لهذه الأحزاب إلى أداة نضالية مع الجماهير ومع المجتمع بكل قواه وفئاته", ويستطرد بالقول إن " الإصلاح تبوأ مكانة الصدارة بين تنظيمات الحركات الإسلامية لاستيعابه شروط الواقع، وتحمل بجدارة إثراء الفكر السياسي اليمني الخارج لتوه من سراديب الشمولية والاستبداد".


في مواجهة حكم الفرد
في العام 2006م جرت انتخابات رئاسية في اليمن، وبصرف النظر عن نتائجها, فقد عكست قيمة العمل السياسي, وتوحده في وجه السلطة. ويمكن القول إن تلك الانتخابات كانت تطبيقا عمليا لبرنامج النضال السياسي السلمي الذي دشنه الإصلاح قبيل الانتخابات بعام واحد فقط في مؤتمره العام الثالث 2005م. لقد كانت انتخاباتٍ تنافسية حقيقية دفعت إلى احتشاد الجماهير العريضة, واصطفاف المعارضة في صعيد واحد وراء مرشحها فيصل بن شملان-رحمه الله- المنافس القوي الذي أرعب مرشح النظام، وكانت الرغبة الجامحة في التغيير لدى جماهير الشعب حافزا لها في المشاركة القوية الواسعة, وإسناد مرشح المشترك الذي تضافرت الأنباء عن فوزه المؤكد لولا تدخل الرئيس السابق شخصيا في تغيير نتائج الانتخابات لصالحه، وهو ما جعل بن شملان فيما بعد يرفض الاعتراف بنتائج الانتخابات، فيما كانت أحزاب اللقاء المشترك تتهيأ هي أيضاً لرفض النتائج لولا ما وصلها من معلومات عبر مصادر دبلوماسية غربية عن نية الرئيس السابق إنزال الجيش لقمع المعارضة, وضرب الحياة السياسية فيما لو أعلن المشترك رفضه لنتائج الانتخابات.


وفي كل الأحوال فقد مثّلت تلك الانتخابات تجربة سياسية فريدة من نوعها في التاريخ اليمني المعاصر, حركت المياه الراكدة, وأنعشت الحياة السياسية, ودفعت بها خطوات على طريق النضال السياسي السلمي الذي آتى اُكله بعد أربع سنوات فقط على تلك الانتخابات. لقد أثبتت السياسة فاعليتها, وبرهن العمل السياسي المنظم عن جدارته في اجتراح التغيير الذي ظل يتراكم عبر السنين. لم يكتفِ الإصلاح بالتنظير للنضال السلمي, بل كان في طليعة العاملين له عبر كل الطرق السياسية السلمية المتاحة, تحت سقف الدستو,ر دون الإضرار بمؤسسات الدولة ومصالح الوطن.

 


تطور الوعي وانطلاق الثورة
رفد الإصلاح ساحة المعارضة, والعمل السياسي الوطني, بمشروع النضال السلمي الذي مثّل رافعة العمل السياسي لأحزاب اللقاء المشترك، فقد كان التكتل السياسي المعارض الجديد بحاجة إلى مشروع سياسي جديد قادر على إحداث اختراق في الحالة اليمنية التي ظلت تراوح مكانها زمنا طويلا، وللمرة الأولى تتمكن المعارضة من الإمساك بزمام المبادرة في مواجهة الحزب الحاكم, فتقدم مشاريع سياسية, ورؤى وطنية, لإخراج البلد من أزماته على قاعدة الحوار, والمشاركة السياسية, ومشروع النضال السلمي الذي بلوره الإصلاح، وكان أهم تلك المشاريع السياسية (مشروع اللقاء المشترك للإصلاح السياسي والوطني) الذي حرصت أحزاب المشترك من خلاله على "تقديم مشروع واحد يجمع ما بين المشاريع الوطنية الأخرى من قواسم، ويقود إلى توحيد الجهود والطاقات الوطنية, ويحشدها في معركة تاريخية لإنقاذ الوطن من الانهيار, وبناء يمن جديد معافى من الداخل ومصان السيادة..."


وأكد مشروع اللقاء المشترك " أن الإصلاح الشامل غدا خياراً لا بديل عنه, وضرورة حياتية لكل أبناء الشعب اليمني في ضوء استحكام أزمة شاملة طالت أوضاع بلادهم كافة".
وحدد المشروع السياسي لأحزاب المشترك أبرز مظاهر الأزمة السياسية في البلاد حينها في:
"غياب دولة القانون والمؤسسات، وانعدام المساواة أمام القانون، وتركيز السلطة في يد رئيس الدولة, مع غياب المحاسبة والمساءلة، ووجود جهاز حكومي ضعيف، وتحويل العملية السياسية برمتها إلى مظاهر شكلية تعيد إنتاج الأوضاع القائمة، وتعثر عملية التحول الديمقراطي وصيرورته إلى أداة لتكريس الحكم الفردي، وإفراغ التعددية الحزبية من مضامينها, وتفكيك أحزاب المعارضة واستنساخ بدائلها، وتحريض القوات المسلحة على أحزاب المعارضة، وتسخير المال العام والوظيفة العامة وكل مقدرات الدولة لصالح الحزب الحاكم، وتزايد الانتهاكات لحرية التعبير". ووضع مشروع المشترك المعالجات المطلوبة لكل تلك الاختلالات, إلى جانب معالجات أخرى في الشؤون الاقتصادية, والاجتماعية, وغيرها.


لم يقف الحال عند مشروع المشترك للإصلاح السياسي الوطني, فالأزمة اليمنية كانت متفاقمة, وتوشك على الانفجار بسبب سياسات النظام الفردي المستبد، لذا رأى الإصلاح وأحزاب المشترك ضرورة توسيع قاعدة المشاركة المجتمعية في رسم مشروع إنقاذٍ جديد يستوعب كل فئات المجتمع وقواه السياسية والاجتماعية والشبابية، ولأجل هذا الغرض, ولإنجاز تلك المهمة الوطنية, جرى تشكيل اللجنة التحضيرية للحوار الوطني (مايو 2009) التي ضمت قاعدة شعبية عريضة, من قوى وأحزاب وتنظيمات, وشخصيات سياسية واجتماعية, ورجال أعمال, وعلماء ومثقفين, وقادة رأي, وقيادات نسائية وشبابية, بغية إنجاز مشروع وطني شامل لمعالجة الأزمة اليمنية, واختلالاتها, على كافة المستويات، وبعد نقاشات وحوارات مستفيضة, خرجت اللجنة التحضيرية بمشروع رؤية الإنقاذ الوطني أواخر العام 2009م.


قدم مشروع الإنقاذ الوطني تشخيصا موضوعيا للأزمة التي طغت على الوضع السياسي, والحالة اليمنية برمتها في ذلك الوقت, والتي حددها مشروع الإنقاذ في:
الحكم الفردي المشخصن الذي حول الدولة اليمنية من مشروع سياسي وطني إلى مشروع عائلي ضيق أفضى إلى تقويض وإهدار نضالات وتضحيات أبناء اليمن, والقفز على مكتسبات وأهداف الثورة اليمنية, ومضامين وحدة 22 مايو، وأدى بالتالي إلى غياب الدولة الوطنية المؤسسية, والحكم الرشيد، وتقويض المشروعية الدستورية والقانونية، وسد منافذ وآفاق التغيير السلمي عبر انتخابات حرة ونزيهة.


إن أهم ما ميز مشروع الإنقاذ الوطني, ومشروع المشترك للإصلاح السياسي والوطني, اتفاقهما في تشخيص جذر الازمة السياسية اليمنية إبان حكم الرئيس السابق, والمتمثل في تركيز السلطة بيد رئيس الدولة, والحكم الفردي المشَخصن الذي حول الدولة اليمنية من مشروع وطني إلى مشروع عائلي، وما عدا ذلك تفاصيل.
ذلك الطرح مثّل حينها خطوة متقدمة على طريق النضال السياسي للمعارضة التي تجاسرت للمرة الأولى على توجيه نقدها إلى رأس النظام مباشرة بعد أن كانت تصوبه نحو الحكومة والحزب الحاكم، وبذلك تكون قد أعلنت وقوفها وجها لوجه أمام رأس الدولة, وحمّلته كامل المسؤولية عن الأزمة السياسية في البلد.


نقلت المعارضة الصراع السياسي من ساحة الحزب الحاكم إلى ساحة الرئيس نفسه، الذي لم يُلقِ بالاً لنقلة المشترك تلك, ولم يعمل لها حساباً، متوهما أنها مجرد سفسطة سياسية لا قيمة لها طالما أنه ممسك بخيوط اللعبة السياسية في البلاد، ولكي يثبت ذلك اتجه لمجلس النواب لتصفير العداد ثم قلْعِهِ، ليضع بنفسه المسمار الأخير في نعش نظامه السياسي. لم يدرك علي صالح أن العمل الدؤوب في برنامج النضال السلمي للإصلاح والمشترك قد أحدث تراكما في الوعي الشعبي إزاء قضية التغيير الملحة، وأن الشارع المحتقن كان ينتظر شرارة الإطلاق، وفي هذا السياق جاءت الهبة الشعبية التي دعا إليها المشترك -أواخر العام 2010- ولاقت استجابةً شعبية واسعة, وأحدثت هزة قوية لنظام صالح الذي سارع لإعلان تراجعه عن تصفير العداد, مقدماً بعض التنازلات السياسية، لكن الوقت كان قد فات, ونار الثورة كانت تتقد من تحت النظام.


وفي لحظة تاريخية فارقة, استدار الزمان كهيئته يوم استدار صبيحة السادس والعشرين من سبتمبر 1962, ليعلن الشعب ثورته السلمية, مطالبا برحيل صالح ونظامه. واكتسحت الثورة الشبابية السلمية كل محافظات الجمهورية, معلنة رفضها الحكم الفردي والعائلي المتلفع زورا بثوب الجمهورية، وكانت ثورة 11 فبراير 2011 تتويجا لنضالات المعارضة, وفي مقدمتها حزب الإصلاح الذي امتلك رؤية سياسية للتغير السلمي, وعمل على تطويرها مع كل مؤتمر من مؤتمراته العامة, وعند كل عملية انتخابية، بدءاً من انتخابات 1993 وحتى انتخابات 2006, مرورا بمشروع اللقاء المشترك للإصلاح السياسي, ووثيقة الإنقاذ الوطني, وصولا إلى ثورة فبراير السلمية, ليجني الشعب حصاد عقدين من النضال السياسي السلمي برفقة الإصلاح وشركاء العمل الوطني.

كلمات دالّة

#اليمن